أنساغ :الجندر والإمبراطورية والرغبة في فيلم «لورنس العرب» «9»
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
إننا نرى، في بداية المشهد الممتد المذكور في الحلقة الفائتة، لورنس وهو يشعل عود ثقاب، وعوضا عن النفخ فيه لإطفائه فإنه يميته بأصابعه العارية، وهذا يشكل نقيضا للحظة السابقة التي أطفأ فيها لورنس عود الثقاب المشتعل بأصابعه. إن هذا المشهد الجزئي من المشهد الممتد يقترح علينا أن هذه الممارسة تتسبب في ألم ولذة: «إن ما يهم هنا هو.
لقد أصبح شيئا من المعلومات العامة أن الأدب والفن الغربيين أسسا تقليدا راسخا لتصوير الشرق بوصفه أنثى (49). وهناك ما لا عد له من اللوحات، وأدب الرحلات خصوصا ذلك الذي كتب في الحقبة الكولونيالية، والروايات، والقصائد، وغيرها من النتاجات الأدبية والفنية يقدم أدلة وافرة تدعم تلك المحاججة. وتذهب شحْط إلى أن صور «الأرض المجدبة» و«الرمال المتقدة»، وهي متصلة بمنظورات ذكورية في السينما الغربية، إنما تعكس، في الحقيقة، «ولعا حارا» (50). وكم هي الصحراء «حارة» حقا بكل معاني الكلمة في «لورنس العرب» بحيث إنه لا ينبغي أن يثير الاستغراب أن ناقدا مثل جون سايمن John Simon يسمي الصحراء «البطل الثاني للفيلم» (البطل الأول، بالطبع، هو أوتول في دور لورنس). يصف سايمن الصحراء شعريا بتصويرات مجنسنة، ومؤنثنة، وأيروسية على نحو صريح: «إنها صحراء عذراء، وهي تشف عن فتنتها بحياء كثيبا فكثيبا، وواديا فواديا» (51). فلنلاحظ في عبارته الاستثارة الجناسية ذات المغزى في استعمال مفردة «خمار» (veil) في «واد» (vale) وهي مفردة إنجليزية قديمة كانت تستخدم للأغراض الشعرية وتقريبا لا نجدها في إنجليزية القرن العشرين النثرية. ولْنلاحظ كذلك الاقتراح التوريوي ذا الغرض في استخدام مفردة «عارية» (nude) واستدعائها في جناس مقلوب كلمة «كثيب» (dune). بكلمات أخرى، فإن الحساسية الذكورية تقدر الصحراء بوصفها عذراء غاوية ترتدي خمارا مثيرا للرغبة. وهكذا فإن الكاميرا السينمائية، بكشفها عن أودية الصحراء، إنما تعري العذراء ذات الخمار. وقد يكون ما ألهم سايمن جزئيا في تدبيج عبارته المزخرفة تلك هو المزج الإحلالي من اللقطة المذكورة آنفا لشروق الشمس في الصحراء إلى لقطة لتلتين من الرمال الذهبية متجاورتين ومتقوستين بشكل محْكم تحاكيان بصورة بصرية وذهنية ساقين وفخذين مع ظهور واضح لثنيتيْ الركبتين وأسفل الردفين في يسار الكادر، حيث تتمدد التلتان في مقدمة الكادر بينما الكاميرا الثابتة «تحدق» فيهما لمدة أربعين ثانية كاملة. إن ورود تشكلات الصحراء وتفاصيلها البصرية ليس من قبيل المصادفة السعيدة في «لورنس العرب». ولهذا فإن جول سي هودسن Joel C. Hodson يعلق قائلا إن «تصوير فْردْي يونغ Freddie Young مدير تصوير الفيلم، الذي جعل الصحراء تبدو «سنية»، قد قارنه النقاد في الصحافة البريطانية مفضلينه على عمل توثيقي معاصر له عن لورنس نفذه مالكم براون Malcolm Brown لصالح قناة بي بي سي؛ فالأخير يقبض على «قتامة الصحراء» بدلا من أن يرمْنسها (52).
وإنه لفي تلك الصحراء الشاسعة، ذلك المجال الحسي الممْتد الذي يفرض تحديات كبيرة على مسألة الهوية والاختلاف، يلاقي لورنس زوجه الثاني من الرجال: الشريف علي والأمير فيصل؛ فالأول، وهو خشن وعنيف، يماثل الجنرال مري في القيادة العسكرية والسياسية البريطانية في القاهرة. أما الثاني -- أي الأمير فيصل -- فبلطفه، ودماثته، وسلاسته يماثل دْريْدنْ.
---------------------------
تتواصل أرقام الحواشي من الحلقات السابقة:
(46): Michael A. Anderegg, David Lean (Boston: Twayne, 1984), 111.
(47): Said, Orientalism, 1.
(48): Shohat, Gender and Culture of Empire, : Toward a Feminist Ethnography of the Cinema in Visions of the East: Orientalism in Film, 52.
(49): للوقوف على معالجة مضيئة ومستفيضة لهذا الموضوع انظر:
Said, Orientalism.
(50): Shohat, Gender and Culture of Empire 32.
(51): John Simon, Private Screenings (New York: Berkeley, 1971), 53.
(52): Joel C. Hudson, Lawrence of Arabia and American Culture: The Making of a Transatlantic Legend (London: Greenwood, 1995), 119.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
العدل الأوروبية تقضي ببطلان اتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بالصحراء الغربية
قضت محكمة العدل الأوروبية، الجمعة، أن المفوضية الأوروبية "انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير"، بإبرامها اتفاقات تجارية مع المغرب.
ويدور على منطقة الصحراء الغربية أطول نزاع إقليمي في أفريقيا منذ أن غادرت إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة، المنطقة عام 1975 وضم المغرب للمنطقة.
والقرار الصادر، الجمعة، هو الحكم النهائي بعد بضعة طعون قدمتها المفوضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي.
وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقات تتعلق بالصيد والزراعة مع المغرب عام 2019، شملت أيضا منتجات من الصحراء الغربية.
وقالت المحكمة: "موافقة شعب الصحراء الغربية على التنفيذ.. شرط لصحة القرارات التي وافق بموجبها مجلس (الاتحاد الأوروبي) على هذه الاتفاقات نيابة عن الاتحاد الأوروبي"، وفق رويترز.
وأضافت أن عملية التشاور التي جرت "لم تشمل شعب الصحراء الغربية، بل السكان الموجودين حاليا في هذه المنطقة، متغاضية عن مدى انتمائهم إلى شعب الصحراء الغربية".
وقضت المحكمة أيضا بضرورة وضع علامة تشير إلى منشأ البطيخ والطماطم المنتجين في الصحراء الغربية.
وأضافت أن "الملصقات يتعين أن تشير إلى الصحراء الغربية وحدها كالبلد المنشأ لهذه السلع، مع استبعاد أية إشارة إلى المغرب تجنبا لتضليل المستهلكين".