سيطرة «الدعم السريع» على نيالا.. ورقة تفاوض أم خطوة لإعلان حكومة؟
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
أثار إعلان سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، بالتزامن مع بدء جلسات التفاوض بينها وبين الجيش السوداني في مدينة جدة السعودية، الكثير من التساؤلات حول مغزى الخطوة في هذا التوقيت!!
الخرطوم: التغيير
أعلنت قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ ابريل المنصرم، يوم الخميس الماضي، السيطرة على الفرقة 16 مشاة بمدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور- جنوب غربي البلاد، بعد محاصرتها لأكثر من 6 أشهر، فيما قيل إن قوات الجيش في الفرقة بقيادة العميد حسين محمد جودات اضطرت للانسحاب إلى مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
ووأثار إعلان سقوط نيالا في يد الدعم السريع، التساؤلات حول ما إذا كانت الخطوة ورقةً تفاوضية وتكتيكاً لكسب نقاط في جلسات المباحثات مع الجيش التي انطلقت بمدينة جدة السعودية، أم أنه سلوك توسعي لفرض سيطرة الدعم السريع على دارفور تمهيداً لإعلان حكومة في الإقليم موازية لحكومة قائد الجيش عبد الفاتح البرهان التي تدار من مدينة بورتسودان حالياً، وفق ما لوحت به المليشيا سابقاً.
تأكيد السيطرةودار جدل كبير حول حقيقة سقوط مدنية نيالا في يد الدعم السريع، ومدى سيطرة الجيش عليها، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار المتضاربة، قبل أن يظهر قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في مقطع فيديو أمام قيادة الفرقة 16 مشاة، محاطاً بعدد من الجنود، ليؤكد بذلك سيطرتهم على الفرقة والمدينة، كما نشر أفراد من الدعم السريع مقاطع فيديو لهم يتجولون داخل مباني الفرقة، وحملوا في بعض المقاطع زي عسكري “كاكي” لقائد الفرقة المنسحب حسين جودات ساخرين منه، وواصفين انسحابه بالهروب، كهروب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من مقر قيادة الجيش بالخرطوم.
وبحسب إعلام الدعم السريع، طالب عبد الرحيم دقلو الذي قاد المعارك ضد الجيش في جنوب دارفور، بضرورة إعادة الحياة إلى طبيعتها في نيالا.
وأعلن عودة الشرطة والنيابة للعمل وفتح الأسواق، ووجه بالقبض على ما أسماهم فلول النظام البائد “المؤتمر الوطني”، وإيداعهم السجون.
وكانت حسابات مؤيدة للدعم السريع نقلت أنباء إصدار قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” المختفي منذ فترة، قرارات قضت بتكليف العقيد صالح الفوتي قائداً مكلفاً لقيادة الفرقة 16 ورئيساً للجنة أمن الولاية، كما عين اللواء شرطة بشير آدم عيسى مديراً للشرطة بالولاية- حسب البيان.
وتعتبر نيالا المدينة الثانية بعد العاصمة الخرطوم من الناحية الاقتصادية، والثالثة من حيث الكثافة السكانية بعد الخرطوم والقضارف بحسب آخر تعداد سكاني في السودان 2012م.
صمت الجيشمن جابه، لاذ الجيش بالصمت حيال ما جرى في نيالا، وحتى اللحظة لم يصدر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية توضيحاً بشأن تلك الأحداث، وسط هجوم كبير من قبل الداعمين للجيش، المستنكرين لهذا الصمت.
وتواصلت (التغيير) مع الناطق باسم القوات المسلحة نبيل عبد الله، لمعرفة حقيقة ما جرى وأسباب سقوط نيالا وانسحاب الجيش من مقر قيادة الفرقة 16 مشاة، لكنه لم يجب على التساؤلات المتكررة.
حديث الانسحابفيما قال مصدر عسكري فضل حجب اسمه لـ(التغيير)، إن القوة الموجودة في الفرقة 16 انسحبت من نيالا بعد حصار استمر لأكثر من ستة أشهر في ظل انقطاع الإمداد بفضل حصار الدعم السريع على الفرقة.
وكشف أن الفرقة لم يصلها أي إمداد منذ انطلاق الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي، حتى كادت الذخيرة تنفذ، وأضاف أن انسحاب جودات في هذا التوقيت من غير خسائر في المعدات والأرواح يعتبر نصراً كبيراً، لأن الانسحاب يعد تكتيكاً عسكرياً يدرس في الكلية الحربية- حسب قوله.
ولفت المصدر إلى أن أهم الأسباب التي أدت إلى انسحاب الفرقة هي انقطاع المياه لثلاثة أيام، خاصة وأن الفرقة بها أكثر من أربعة آلاف مقاتل ونجحوا في الانسحاب إلى مكان أمن- لم يفصح عنه.
وحمل المصدر قادة القوات المسلحة نتيجة عدم التحرك لفك حصار الفرقة 16 مشاة، وقال إن قائد الفرقة جودات طلب أكثر من مرة إمداداً من قادة الجيش في المركز لكن القيادة لم تتحرك، مما جعله ينسحب ليحافظ على العتاد والأرواح.
الاتجاه للفاشروبالرغم من نفي مقربين من الجيش، حقيقة انسحاب القوات من نيالا إلى الفاشر بشمال دارفور، إلا أن شهود عيان أكدوا لـ(التغيير)، أنهم شاهدوا اعداداً كبيرة من سيارات الجيش والحركات المسلحة في الإقليم منسحبة من نيالا في الطريق إلى مدينة الفاشر.
وفي السياق ذاته، نشر بعض المواطنين فيديوهات تؤكد انسحاب الجيش وقوات الحركات المسلحة وبعض المواطنيين إلى الفاشر، التي توقع مرتقبون أن تتحول إليها المعارك في الأيام المقبلة.
نهب ووضع مأساويوأكد شهود العيان لـ(التغيير)، أن قوات الدعم السريع أحكمت سيطرتها على مدينة نيالا تماماً، وأجبرت الكثير من المواطنين على ترك منازلهم، بحجة أن بعض المنازل تتبع لمن يصفونهم بـ”فلول النظام البائد”.
وقال الشهود إن الدعم السريع والمتعاونين معها يقومون بنهب منازل المواطنين. ولفتوا إلى أن الأسواق طالها النهب والسلب والتخريب وأصبحت الفوضى العنوان الرئيس في المدينة.
واوضحوا أن جميع المنازل باحياء أحياء نيالا لم تسلم من عمليات النهب والسلب أيضاً.
فيما وصفت مفوضية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الوضع في نيالا بأنه مأساوي، وقالت الأوضاع الأخيرة تعرض حياة المواطنين للخطر.
تقسيم متوقعواعتبر الخبير العسكري عمر أرباب، أن سقوط نيالا كان عملية متوقعة باعتبار أن المدينة تمت محاصرتها لفترة طويلة وتوقف عنها الإمداد، إلى جانب أن المنطقة تقع ضمن حواضن الدعم السريع الاجتماعية.
وبشأن دلالة الخطوة، تساءل عمر أرباب في حديثه لـ(التغيير)، عن استراتيجية الدعم السريع في المرحلة القادمة وعلى ماذا تعتمد؟، فهل تعتمد على عمل عسكري ومحاولة السيطرة على مزيد من المدن، أم تعمل للحفاظ على نيالا باعتبارها أول مدينة سيطرت عليها بشكل كامل، وتبدأ بعد ذلك في تكوين الحكومة وتقديم الخدمات للمواطنين، وهذه خطوة ستقود إلى التقسيم وتشكيل أكثر من حكومة في السودان.
موقف تفاوضيوبدوره، رأى المحلل السياسي المختص في شؤون دارفور محمد تورشين، أن سقوط نيالا على يد الدعم السريع لن يكون الأخير وستكون هنالك محاولات للسيطرة الكاملة على الفاشر، وربما وسط دارفور، باعتبار أن غرب دارفور المنطقة العسكرية بعيدة كل البعد عن المدينة، والمدينة فعلياً في قبضة الدعم السريع.
وقال تورشين لـ(التغيير): كل هذه الأمور لا أتوقع أن يتم توظيفها فيما يتعلق بتشكيل موازية لما يحدث في بورتسودان وإنما الغرض من العمل العسكري الموقف التفاوضي.
وأضاف: “إن لم يتوصلوا إلى تفاهمات لأن كل طرف سيتمسك بموقفه بشكل جاد، لا سيما الجزئية المرتبطة بقيام مؤسسة قومية واحدة.. هذه الجزئية لن يقبل بها الدعم السريع، خاصة أن القيادة الحالية تعلم أن النفوذ ومصادر القوة تأتي من الدعم السريع كقوة عسكرية منفصلة وعندما يتم دمجها في المؤسسة العسكرية السودانية حتى القيادات العسكرية الآن لدعم السريع لن تستوفي الشروط التي تجعلها في المؤسسة العسكرية.
وأكد المحلل السياسي أن “الجزئية الأخرى التي ربما تكون محل خلاف هي طبيعة وآليات طرق الدمج”، وقال: “يمكن للدعم السريع أن يناور إذا أحس ان هنالك ضغوط تمارس من قبل الوسطاء على ضرورة الدمج في الجيش السوداني، ويضع شروطاً قاسية للدمج كأن تتم عملية الدمج في عشرة أعوام، ويتحدث في الجانب الآخر بضرورة إبعاد بعض القيادات العسكرية الموجودة الآن”.
مرحلة معقدةوتوقع محمد تورشين “أن تكون المرحلة معقدة وشاقة، ونتيجة لذلك لجأ الدعم السريع لتقوية موقفه التفاوضي بإسقاط نيالا”.
واستبعد أن يعمل الدعم السريع على إسقاط عاصمة شرق دارفور”الضعين”.
وقال إن “الضعين هي الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، وربما لا يدخل في هذا المعترك لأن خسارة الحاضنة الاجتماعية سيكلفه الكثير، لأن نيالا لم تسقط بسهولة، وهناك مواطنون كثيرون سقطوا جراء الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، إلى جانب أن هناك عددً كبيراً جداً من المدنيين الذين نزحوا خارج الولاية”.
وحول انعكاس المعارك الأخيرة على المفاوضات قال المحلل السياسي، “إن الوضع معقد وهذه التبعات المرتبطة باستمرار المعارك ستنعكس بشكل مباشر على المفاوضات وهذا هو الغرض الرئيس من المواجهات الأخيرة والتصعيد الذي حدث”.
وأياً كان هدف الدعم السريع من احتلال نيالا التي تعتبر حاميتها الأكبر في دارفور فإنها مؤشر لتغير كبير في الوضع الميداني لطرفي الحرب، فضلاً عن أن المعارك الأخيرة خلفت واقعاً مختلفاً على الصعيد الأمني والعسكري والإنساني لمواطني جنوب دارفور والإقليم عموماً، ووضعت الدعم السريع في خانة القدرة على اتخاذ خطوات أكبر في مشروعها الحالي، أياً كان هدف التحرك الأخير، موقف تفاوضي أو سلوك توسعي لإعلان حكومة موازية!!.
الوسومالجيش الدعم السريع الفاشر جنوب دارفور حرب 15 ابريل شمال دارفور عبد الرحيم دقلو عمر أرباب محمد تورشين منبر جدة نيالاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع الفاشر جنوب دارفور حرب 15 ابريل شمال دارفور عبد الرحيم دقلو منبر جدة نيالا الدعم السریع على الفرقة 16 مشاة جنوب دارفور سقوط نیالا لـ التغییر
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
منذ ١٧ شهراً، يعيش السودان في صراع مستمر، حيث يجد السودانيون والسودانيات أنفسهم في مواجهة تدمير آني لحاضرهم ومستقبلهم بواسطة أولئك المناط بهم حماية مصالحهم ومن يدعون ذلك.
قوات الدعم السريع والحرب على حاضر السودان
تُعتبر قوات الدعم السريع رمزاً للدمار وعدم الاستقرار في حياة السودانيين. نشأت هذه القوات في إطار نظام الإسلاميين كقوة غير نظامية لها نفوذ واسع، وبدأت عملياتها بتدخلات مدمرة في دارفور، وامتدت تأثيراتها لاحقاً إلى مناطق أخرى، مخلفةً وراءها آثاراً كارثية على حياة الناس ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم تقتصر هجمات قوات الدعم السريع على الاشتباكات المسلحة فقط، بل طالت أيضاً حياة المدنيين وممتلكاتهم، والأنظمة الاجتماعية، والخدمات الأساسية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشتيت السكان ونهب الموارد. وفي ظل سيطرتهم، أصبح من الصعب على المواطنين العيش بأمان أو السعي لكسب العيش، فقد قتلت الناس وهتكت عروضهم ونهبت أموالهم ودمرت سبل حياة الناس بالكامل. هذا الدمار الذي يطال الحاضر لن يختفي بسهولة، إذ أن آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ستستمر لتؤثر على الأجيال القادمة، تاركةً وراءها جروحاً يصعب التئامها.
قيادة الجيش والإسلاميون وظلالهم على مستقبل السودان
بينما تدمر قوات الدعم السريع الحاضر، يُعَرِّض قادة الجيش والإسلاميون مستقبل السودانيين للخطر. فبدلاً عن بناء جيش وطني موحد، تعتمد قيادة القوات المسلحة والإسلاميون على تعزيز شبكات من الميليشيات القبلية والمناطقية كقوة موازية للدعم السريع، وبعض هذه المليشيات لها امتدادات قبلية مع دول جارة. المفارقة هنا أن هذا النهج ذاته تسبب في معضلة الدعم السريع، الذي يتمتع بعلاقات خارجية مستقلة وموارد مالية وقوانين خاصة.
تشكل هذه التحالفات بين قيادة الجيش والاسلاميين والميليشيات الجديدة هذه والقديمة تهديداً للاستقرار الوطني. فعندما تعتمد المؤسسة العسكرية الأولى في البلاد على الميليشيات، فإن ذلك يقضي على أي فرصة لبناء دولة قوية متماسكة. والأدهى من ذلك، يساهم هذا الأسلوب في تحويل السودان إلى مجتمع مليء بالانقسامات والصراعات الداخلية.
ومن منظور سياسي، فإن استراتيجيات قادة الجيش والإسلاميين تلقي بظلالها على الحكم في البلاد، إذ يركزون على تأمين سلطتهم من خلال تقوية نفوذ الميليشيات بدلاً من السعي لتأسيس نظام ديمقراطي أو حتى نظام عسكري متماسك داخلياً. نتيجةً لذلك، يصبح الانتقال إلى الاستقرار في السودان أكثر صعوبة، ويظل السودان محصوراً في دائرة مغلقة من الانقسامات، مما يعطل أي محاولة جادة لإقامة دولة قائمة على الوحدة وذات استقرار نسبي.
تأثيرات مزدوجة على المجتمع السوداني
وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطنون السودانيون أنفسهم في وضع مأساوي. بينما تسلب قوات الدعم السريع الاستقرار من الحاضر، تضمن قيادة الجيش والإسلاميون مستقبلاً مليئاً بالتشظي والانقسامات. هذا الصراع المتبادل يهدد المجتمع السوداني بأكمله، ويمنع أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق تطلعاتهم. وبدلاً من أن يكون الجيل الجديد حاملاً لراية النهوض بالوطن، يجد نفسه ضحية لصراع لم يختاره، مما يدفعه إلى الهجرة أو الانخراط في نزاعات لا دخل له فيها. في ظل هذا الوضع، يتم تهميش قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، فتُترك الأجيال القادمة دون أي أساس قوي لبناء سودان مستقر وربما لا وجود للسودان الذي نعرفه حاليا.
ما يواجهه السودان اليوم هو أزمة وجودية تتطلب تدخلات حاسمة من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية موحدة، بعيداً عن النزعات القبلية والتحالفات المؤقتة. الحلول قد تكون بعيدة المنال حالياً، لكنها تبدأ بوعي المجتمع السوداني بمخاطر هذه السياسات والسعي للوحدة الوطنية، إضافة إلى ضغط المجتمع الدولي لدعم السودان في سعيه لتحقيق السلام والاستقرار.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد