في العيد التاسع والخمسين لثورة أكتوبر 1964

د. عبد الله علي إبراهيم

النور حمد في الأبيض وما بيعرف أب صفية: كان التطهير في ثورة أكتوبر عقيدة جمهورية بأكثر منها شيوعية

(قال الأستاذ محمود محمد طه إن الأذى الذي جانا من تالا الأمين داؤود (عالم تعقب الجمهوريين وأفتى بردتهم) كثير. والأذى الذي جاء للشيوعيين من النور حمد كثير جداً)

عبد الله علي إبراهيم – 19 يناير 2022

لوصار اليوم العاقب لنكسة الفترة الانتقالية يوماً للتغابن لصار أمرنا ضغثاً على إبالة، أي بلية على أخرى.

فلم نكتف فيه بالمصيبة فحسب، بل هِلنا عليها إساءة كما تقول الفرنجة. والأهدى هنا أن يكون اليوم العاقب هو يوم للنفس اللوامة غير ملومة. وهو ما تعارفنا عليه مؤخراً باسم الشفافية، أي أن نطلع أنفسنا بأنفسنا على خبايا الخطأ في الأداء طمعاً في الإحسان في القادم.

لا أعرف هيئتين في الثورة رجمتهما الثورة المضادة بحممها مثل لجنة إزالة التمكين ولجان المقاومة. وكانت الهيئتان بالحق من عزائم الثورة الصريحة كما لا تجدها في غيرهما. وبلغ من حملة الثورة المضادة على لجنة التمكين حداً أزهدت حتى الثوريين فيها و”لقوليهم دريبات”، في عبارة لوجدي صالح في مقام آخر، بعيدة عنها كما سنبين ونحن في حديث اليوم العاقب.

وكان أمكر ما تفتق عنه ذهن الثورة المضادة استعادتها للتطهير في ثورة أكتوبر “الشيوعية”، وبعد انقلاب مايو “الشيوعي”، والتأميم والمصادرة بعد انقلاب مايو “الشيوعي” للحجاج بأن لجنة إزالة التمكين هي كل ذلك في عبارة واحدة. وهذا حشف وسوء كيل قديم من الثورة المضادة واظبت عليه عبر عقود حتى صارت روايتها عن تلك الوقائع هي التاريخ المعتمد لها بلا منافس.

والأدهى ليس صمت أهل تلك الوقائع عن الدفع بسرديتهم (وليس بالضرورة صحتها) فحسب، بل تصديق بعضنا تلك الرواية وحيدة الجانب من الثورة المضادة وإذاعتها على الملأ.

فوجدت مثلاً أن النور حمد يروج لفساد ممارسة التطهير في أكتوبر في منازلته للشيوعيين في ذات وقت إذاعتها من جهة الثورة المضادة لإفحام لجنة إزالة التمكين. فوصف النور حزبنا الشيوعي بالتطرف في أدائه خلال ثورة أكتوبر 1964 وبعدها. ومن وجوه ذلك التطرف في زعمه إفراطنا في التطهير الذي مارسناه من موقع سيطرتنا على جبهة الهيئات المهنية والنقابية (السوفيات) التي قادت الثورة.

وراجعت النور في مقال قديم عن عقيدته هذه بإحالته إلى فصل عن التطهير في ثورة أكتوبر في كتابي “ربيع ثورة أكتوبر” (2013). وجاء فيه أن ذلك التطهير لم يكن عملاً شيوعياً متطرفاً، أو طائشاً كما وصفه. ولو صح طيشنا فيه لانطبق الوصف على الإخوان المسلمين وحزب الأمة والحزب الجمهوري. فقال محمد صالح عمر، الوزير عن الإخوان المسلمين في حكومة أكتوبر الأولى، إنهم ليسوا مع التطهير مئة بالمئة فحسب، بل هم من طالبوا به في بيان الإخوان المسلمين الأول بعد الثورة. وزاد بأن إجراءات التطهير المتبعة بواسطة الحكومة صحيحة. وقال حزب الأمة، من الجانب الآخر، إنه مع التطهير شريطة ألا يحيق الظلم بأي إنسان (الأيام 5 يناير 1965). وهي شفقة من الأمة في غير مكانها لأن التطهير تم بواسطة لجان تحقيق تعمل في رابعة النهار، وترفع ما تتوصل إليه لمجلس الوزراء الذي لحزب الأمة ممثل فيه مع الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي والإخوان المسلمين وجبهة الجنوب وسانو.

أردت أن أنأى في أحاديث اليوم العاقب عن المآخذ على أفراد. ولكن النور حمد عندي مؤسسة في الكتابة والعقيدة معاً. فهو كاتب راتب بما يجعله منبراً للمساءلة. واستحق المؤاخذة خاصة وهو يذيع عن تطهير ثورة أكتوبر ما لا علم له به في نفس الوقت الذي نفثت الثورة المضادة سرديتها على لجنة إزالة التمكين لأنها ستزر وزر ثورة أكتوبر في التطهير. فكيف للناس الاطمئنان لمبدأ إزالة التمكين وهو يجر في أثره آثام تطهير أكتوبر كما روجت لها الثورة المضادة تاريخياً وتبعها النور بغير إحسان؟ ونقول عجولين إن النور لم يعتقد في ثورة أكتوبر نفسها كما هو معروف حتى يحاسب غيره على تطرفه. وكان قد خلص في مقال في ذكراها الخمسين إلى أن حقيقة أمرها أقرب للفانتازيا الصفوية المستلة من بطون الكتب بأكثر من أنها تعبير عن حاجة ملحة أفرزها الواقع. فالثورة كلها عنده تطرف والباقي تفاصيل.

أما ما استغربت له حقاً أن النور الجمهوري غير مطلع على أن حركته كانت صوتاً جهيراً عند مبدأ التطهير في ثورة أكتوبر. فلا أعرف حماسة للتطهير أشفى من حماسة الأستاذ محمود محمد طه له، ولا يقيناً مثله أن تطهير دولة المستبدين جراحة لا غنى عنها. فقال في حديث له:

أنا متأكد من حاجة أنو حيجي وكت للشعب ليحاسب الناس. وما تتصورو أنو مسألة التطهير في ثورة أكتوبر كانت عبث. ما تمت. لكن كانت تمني الشعب. بتجي المرحلة البيكون التطهير فيها نافذ لأن الشعب في الوكت داك بيكون أقوى مما كان هسع. الحاجة اللي خلت مسألة التطهير ماعت لأن الناس المطهرين قدروا يستولو على السلطة لذلك موعو التطهير لكن بتجي مرحلة تانية الناس المطهرين حيتطهرو تماماً والناس المحاسبين راح يحاسبو تماماً.

وليس النور ملزماً بالضرورة أن يتطابق مع رأى حركته فيما مضى. ولكن، متى أسقطه، فليسقطه بإيقاع يرعى فيه أن التطهير الذي يعقب الثورات في مثل لجنة إزالة التمكين ثقافة قبل أن يكون إجراءات. وبالنتيجة لم يضف النور لهذه الثقافة التي أحسن الأستاذ الشهيد عرضها وتعقب الشيوعيين بجريرة الإجراءات. وظلمنا.

وجاء الوقت الذي تنبأ به الشهيد أن سيكون الشعب به أقوى والردة مستحيلة: “الناس المطهرين حيتطهرو تماماً والناس المحاسبين راح يتحاسبو تماماً”. ولكن سردية الثورة المضادة هي التي سادت وأزهدت الثورة في لجنة إزالة التمكين التي هي عزيمتها المفردة. والنتيجة: الناس المطهرين قدرو يستولو على السلطة لذلك موعو التطهير. لا بل قضى نحبه على يدهم.

https://www.facebook.com/abdullahi.ibrahim.5099/videos/179878061015563

IbrahimA@missouri.edu

الوسومالإخوان المسلمين التطهير الجنوب الحزب الشيوعي الحزب الوطني الاتحادي السودان ثورة اكتوبر 1964 حزب الأمة حزب سانو د. عبد الله علي إبراهيم لجنة إزالة التمكين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإخوان المسلمين التطهير الجنوب الحزب الشيوعي الحزب الوطني الاتحادي السودان ثورة اكتوبر 1964 حزب الأمة د عبد الله علي إبراهيم لجنة إزالة التمكين

إقرأ أيضاً:

التمكين الشخصي.. حين يكتشف الإنسان ضوءه الداخلي

 

 

 

حمد الصبحي

في رحلة الحياة، لا يُولد التمكين من الخارج؛ بل من الداخل؛ من تلك الشرارة الخفية التي تسكن كل إنسان وتنتظر لحظة الوعي لتشتعل. التمكين الشخصي ليس منحة تُعطى؛ بل هو حالة من الإدراك العميق لقيمة الذات وقدرتها على صناعة أثرٍ في هذا العالم.

أن تمكّن نفسك، يعني أن تُصغي جيدًا إلى صوتك الداخلي، أن تؤمن بأنك لست تفصيلة هامشية في لوحة الحياة؛ بل ركن أصيل من أركانها. يعني أن تنزع عنك ثوب التردد، وأن تمضي في طريقك بثقةٍ وثبات، لأنك ببساطة تسير نحو ضوئك، لا نحو ضوء الآخرين.

وفي هذا السياق، جاءت مبادرة وزارة العمل في تنظيم ملتقى عُمان الأول للتمكين الشخصي بجامعة السلطان قابوس لتجسّد هذا المعنى في أبهى صوره، مؤكدةً أن بناء الإنسان العُماني الواعي هو جوهر التنمية ومحركها الأول. فالملتقى لم يكن مجرد حدثٍ احتفالي؛ بل مساحة حوار وتفاعل، أعادت صياغة العلاقة بين الطموح والقدرة، وبين الحلم والإرادة، ليُصبح التمكين ممارسةً واقعيةً تسكن تفاصيل الحياة اليومية.

لقد جمع الملتقى نخبة من القيادات الحكومية والخبراء والمبدعين الذين أكدوا أنَّ التمكين لا يتحقق بالأوامر؛ بل بالثقة؛ ولا ينمو بالخطابات؛ بل بالفرص الحقيقية التي تُمنح للإنسان كي يكون فاعلًا في مسار وطنه. فحين تُفتح أبواب الحوار، وتُمنح المساحات للتعبير والمشاركة، تزدهر الطاقات الكامنة وتتحول إلى إنجازاتٍ ملموسةٍ تُعزز مسيرة التطوير والإجادة المؤسسية.

التمكين الشخصي في جوهره ليس تدريبًا على المهارة فقط؛ بل هو تدريب على الثقة، على أن تكون قادرًا على الاختيار، مؤمنًا بأنَّ المحاولة شكل من أشكال النجاح، وأن الخطأ خطوة نحو التعلم والنُّضج. هو تربية على الحرية، ونضوج في فهم الذات، وصعود هادئ نحو قمة لا تشبه إلاك.

إنَّ تجربة ملتقى عُمان الأول للتمكين الشخصي تمثل بداية مسار وطني يؤمن بأن الإنسان المُمكَّن هو الثروة الكبرى، وأن استثمار الدولة في قدراته هو الطريق الأمثل لتحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ فالتمكين ليس غاية تُبلَغ في يوم؛ بل رحلة مستمرة من الوعي والتجدد، تبدأ حين ينظر الإنسان في مرآته، لا ليرى ملامحه؛ بل ليبصر نفسه الحقيقية.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: الصين تعلق الرسوم المضادة على بعض منتجاتنا الزراعية
  • ولي العهد السعودي يُهنئ رئيس الجمهورية بذكرى الثورة
  • التمكين الشخصي.. حين يكتشف الإنسان ضوءه الداخلي
  • رئيس الفاف يشارك في إحياء الذكرى الـ71 لثورة نوفمبر
  • البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق يترأس حفل تخرج الدفعة الخامسة والخمسين من معهد التربية الدينية بالسكاكيني
  • تزامناً مع العيد القومي.. حملات لرفع كفاءة النظافة والإنارة بكفر الشيخ
  • نتنياهو يخطط لتعديل قوانين للهروب من "مسؤولية 7 أكتوبر"
  • نتنياهو يخطط لتعديل قوانين للهروب من "مسؤولية 7 أكتوبر"
  • بهية الحريري تمثل الرئيس الحريري في العيد الوطني التركي الـ102
  • يديعوت : هكذا يخطط نتنياهو للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر