المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز
طوفان التحاليل وتبني المواقف المؤيدة لإسرائيل إزاء الصراع الحالي في فلسطين لا حدود له. فالصحافة المولعة عادة بالتحقق قبل نشر أية معلومة، لم تعد تعير ذلك اهتماما خلال تعاطيها مع هذا الصراع. كما يجدر القول إن السلطات لا تميل إلى التحقق من مصداقية مصادرها، والتي على أساسها تبني سياسة عملها.
لم تكن هناك نظرة كاملة للصورة. كانت الرؤية مركزة على الفضائع المنسوبة إلى حركة حماس والضحايا الإسرائيليين المدنيين فقط -وهو الجانب المسيء بوضوح إلى القضية الفلسطينية- يبدو أن نسيان آلاف القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين لا يحرج أحدا، رغم أن أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، وكأن مسؤولية مقتلهم ملقاة على عاتق الفلسطينيين وحدهم، لا على أولئك الذين يرسلون طائراتهم لقصف المباني على مدينة بكاملها وتدميرها.
إن جرائم الحرب التي يمنعها القانون الدولي الإنساني تتجلى في قطع الماء والكهرباء، والإخلاء القسري للمستشفيات، بذريعة أنها تمثل -إلى جانب أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية- أهدافا مشروعة للقصف، بينما هي الأماكن الوحيدة التي يتوقع السكان المذعورون أن يجدوا فيها الملجأ والحماية، ومستشفى الشفاء والأهلي المعمداني والكنيسة الأرثودكسية التي تعد من بين أقدم الكنائس، أوضح مثال على ذلك.
لقد تعودنا على غارات القصف العشوائي بذريعة مكافحة الإرهاب، أذكر منها تدمير القوات الروسية للعاصمة الشيشانية غروزني، وتدميرها لمدينة حلب السورية، المدينة التاريخية التي حولها الجيش نفسه إلى خراب. وكذلك الأمر بالنسبة لمدينتي الموصل في العراق والرقة في سوريا، حيث أدى قصف جيوش التحالف الغربي وخاصة الولايات المتحدة إلى مقتل مئات آلاف المدنيين، فبطبيعة الحال كانت "داعش" هي المسؤولة!، بعد أن سيطرت على المدينتين واتخذت من سكانها رهينة!
إن تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي بالنسبة للإسرائيليين بدأ يوم السابع من أكتوبر، لأن في ذلك اليوم حلت بهم أول هزيمة حقيقية تم الإقرار بها على ذلك النحو، أما بالنسبة للفلسطينيين والعرب فإن تاريخ الصراع بدأ منذ خمسة وسبعين سنة، أي منذ النكبة والحروب التي تلتها.
بالنسبة للفلسطينيين في غزة فإن طريق الآلام فتح مرة أخرى قبل ستة عشر عاما على الأقل، بسبب الحصار الكامل الذي فرضته القوات الإسرائيلية، وأردفته بجولات عديدة من القصف الذي عرفته تلك الفترة.
إن الغرب لم يتحرك أبدا مع مجرى التاريخ، ولم يكن في صف العدالة أو القوانين الإنسانية، لكنه استفاق فجأة يوم السابع من أكتوبر. إنه يتحرك بطريقة لاعقلانية ويتبع هواه ولا يدين سوى الأعمال التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين ولا يتعاطى بالقدر نفسه عندما يتعلق الأمر بالضحايا الفلسطينيين. إن هزيمة أقوى جيش في المنطقة الذي عجز عن إيقاف هجوم حماس، هو ما دفع الساسة الأوروبيين رجالا ونساء إلى هذا التخبط، جارين عالم الإعلام ووسائل التواصل وراءهم. فهل هي هزيمة إسرائيل أم هزيمة الغرب؟ بحسب ردود الفعل يميل الأمر أكثر إلى الفرضية الثانية.
إن الدعم الأمريكي والأوروبي اللامشروط للحرب التي تقودها إسرائيل ردا على هجوم حماس المفاجئ، لا يمثل سوى عقابا جماعيا لسكان غزة الذين يعيشون أصلا تحت الحصار. إنه دعم مبني على فكرة الإرهاب الوهمية، التي رسمت بعناية انطلاقا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر. في هذا المخيال الجمعي لا يوجد مكان لحق الشعب الفلسطيني، الذي يعاني ويلات الفصل العنصري المتكتم عليه منذ عقود طويلة.
إن الغرب يفتقد إلى البصيرة والعقلانية الديكارتية. أوروبا لا تنظر حتى إلى مصالحها الخاصة التي تتجاوز الصراع، فهي تسيء الى علاقتها وصورتها مع نحو أربعمائة مليون عربي يدينون هذه الحرب، وتدفع إلى إخراج حماس من قوقعتها ورفض شريحة واسعة من الفلسطينيين لها، إلى فضاء ومشروعية غير متوقعة.
إن نظرة المواطن العربي وليس الفلسطيني فقط إلى حماس، تختلف عن نظرته إلى تنظيم القاعدة أو داعش، فهو يتقاسم مع العالم إدانته للإرهاب الإسلاموي، ولكنه يرفض الخلط الغربي بين الإرهاب والمقاومة، من أجل نيل الإستقلال وضرورة إنهاء الاحتلال.
إن محاولات شيطنة حماس باتهامها بارتكاب أسوأ الفضائع، لا يبرر في نظر الفلسطينيين المجازر التي ترتكب بحقهم كل يوم: 300 قتيل من المدنيين يوميا 40% منهم هم من الأطفال.
هجمات المستوطنين والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، أوقعت مئات من القتلى الفلسطينيين في مكان لا تتحكم فيه حماس، حيث لا يؤدي بناء المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة إلا إلى استبعاد أي حل سياسي للصراع. هذه الشيطنة لا تهدف في حقيقة الأمر سوى إلى صرف انتباه الرأي العام الدولي والإسرائيلي عن السؤال الرئيسي: لماذا حدث كل هذا؟ ربما سيكون الجواب في هذه الحال: تطبيق القرارات الدولية ورفع الحصار عن قطاع غزة وإنهاء السياسة الإستعمارية.
التعامي الغربي الحالي يذكر بانحرافات السياسات الفرنسية سنة 2011، خلال اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس، متمثلا بتأييد الدكتاتوريات المناهضة لشعوبها التائقة إلى الحرية، بل وتسليح تلك الأنظمة والصمت أمام الفضائع التي ترتكب بحق الديمقراطيين العرب، من قتل وسجن ومجازر بحق المدنيين، تصل إلى استخدام السلاح الكيميائي ضدهم، والمأساة السورية مثال حي على ذلك.
بتبنيها سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحرق أوروبا في الآن نفسه مستقبل علاقاتها مع المجتمعات العربية الحديثة التي ستولد في يوم ما، بل وتشارك بتبعيتها لأمريكا في بلورة ذلك. وكما قال إرنست رينان : "إن الشعوب هي نتاج للمعاناة أكثر منها للانتصارات".
ستجد الشعوب صعوبة في الاقتناع بجدوى اتفاقات أوسلو، واتفاقات أبراهام المتعلقة بالتطبيع مع عديد الدول العربية.
إن سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الغرب والدعم المطلق لأوكرانيا ضد العدوان الروسي، وفي الوقت نفسه الدعم للاحتلال الإسرائيلي، يقسم العالم مرة أخرى إلى أقطاب متعارضة، والشعور بالإحباط لا يمكن إلا أن يغذي الإرهاب ويؤدي إلى وقوع حروب جديدة.
هل فقدت أوروبا صوابها؟ آمل ألا يكون ذلك، لكن منع المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى وحتى معاقبة الفنانين والرياضيين المتضامنين مع القضية الفلسطينية، يبعث المخاوف بخصوص الديمقراطية والحق في حرية التعبير.
ينبغي علينا أن ندين العمليات التي تستهدف المدنيين، واستعمال القوة العسكرية لفعل ذلك. والعمل بإصرار لرفض هذا النهج، وإلا زاد ذلك من تعميق الفجوات وجعل السلام مستحيلا.
فهل تستطيع أوروبا المحافظة على دورها كشعلة للحرية تنير درب الشعوب، وتدين أعمال الترهيب بكل إنصاف؟ عليها الآن أن تختار.
بقلم الدكتور نزار بدران مراقب ومحلل سياسيشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: في ظل خشية من التصعيد مع حزب الله ... إسرائيليون يتبرعون بالدم على الحدود مع لبنان شاهد: على وقع "الغضب الساطع" مارسيليا تدعم غزة رغم الحظر والآلاف يخرجون ضد الحرب في نيويورك وسيدني شاهد: وقفة احتجاجية يهودية في نيويورك دعمًا لغزة واعتقال المئات حركة حماس فرنسا طوفان الأقصى إيمانويل ماكرون بنيامين نتنياهو الصراع الإسرائيلي الفلسطينيالمصدر: euronews
كلمات دلالية: حركة حماس فرنسا طوفان الأقصى إيمانويل ماكرون بنيامين نتنياهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني طوفان الأقصى غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل حركة حماس الشرق الأوسط فرنسا قصف تل أبيب تركيا وقف إطلاق النار طوفان الأقصى غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل حركة حماس الشرق الأوسط الصراع الإسرائیلی طوفان الأقصى یعرض الآن Next فی نیویورک حرکة حماس فی غزة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تدين الفظائع في السودان وتدعو إلى «صمت المدافع»
أبوظبي - وام
مع دخول الحرب المدمرة في السودان عامها الثالث، وجهت دولة الإمارات نداء عاجلاً من أجل السلام في هذا البلد الشقيق، حيث تُعد هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة من أشد الأزمات وطأة وقسوة في العالم، إذ يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى مساعدات إغاثية عاجلة في ظل استفحال المجاعة، والعرقلة المتعمدة لوصول المساعدات إلى مستحقيها.
وقالت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية: «في ظل هذه الحالة الإنسانية الحرجة، يواصل طرفا الصراع: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكاب الفظائع، حيث تسببت الاعتداءات المتواصلة التي تشنها القوات المسلحة السودانية – باستخدام سياسة التجويع، واستمرار القصف العشوائي للمناطق المأهولة، والاعتداءات على المدنيين، بمن فيهم العاملون في مجال الاستجابة الإنسانية والطوارئ، إضافة إلى شن هجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية – في معاناة الشعب السوداني الشقيق الذي بات بسبب ويلات الحرب التي يكابدها يقف على حافة الانهيار».
وفي ما يتعلق بهذه المأساة الإنسانية، تدين دولة الإمارات بأشد العبارات الفظائع التي تُرتكب، وتطالب بمُحاسبة المسؤولين عنها.
وتعرب دولة الإمارات عن إدانتها واستنكارها الشديدين للهجمات الأخيرة التي استهدفت المدنيين في دارفور، بما في ذلك الاعتداءات الوحشية على مخيمي زمزم وأبوشوك قرب مدينة الفاشر والتي أدت إلى مقتل وإصابة المئات. كما تشدد على ضرورة وقف استهداف العاملين في المجال الإنساني، والقصف العشوائي للمدارس والأسواق والمستشفيات من قبل كافة الأطراف.
وفي هذه اللحظة المفصلية والحرجة من المعاناة الإنسانية المتفاقمة، تدعو دولة الإمارات إلى اتخاذ الإجراءات الفورية الآتية:
1. وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسيةتؤكد دولة الإمارات ضرورة «صمت المدافع»، وتدعو في هذا الصدد كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، والانضمام إلى طاولة المفاوضات بنوايا حسنة وصادقة، فلا حلّ عسكرياً لهذا الصراع إلاّ عبر التوصل إلى حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.
2. عدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانيةإنّ عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية واستخدامها كسلاح في الحرب فِعلٌ مُدان. كما يجب على طرفي النزاع السماح بوصول المنظمات الإنسانية بشكل عاجل وآمن إلى مَن هُم في أمسّ الحاجة إلى المساعدات في كافة أنحاء السودان. كما تدعو دولة الإمارات الأمم المتحدة إلى منع أيّ من الطرفين المتحاربين من استغلال المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية أو سياسية، وتهديد حياة ملايين المدنيين التي باتت على المحك.
3. تكثيف الضغوط الدوليةيجب أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل مكثف وعاجل لتسهيل الانتقال إلى عملية سياسية، وتكثيف تدفق المساعدات الإنسانية، وزيادة الضغط الدولي المنسّق على كافة الجهات التي تسهم في تأجيج الصراع. كما ندعو إلى الانتقال إلى عملية سياسية وتشكيل حكومة مستقلة بقيادة مدنية - والتي تعد بلا شك النموذج الوحيد من القيادة الذي يُمثّل الشعب السوداني بشكل شرعي، وبما يُرسي أسس السلام الدائم. إذ لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسمح للسودان بالانزلاق أكثر نحو الفوضى والتطرف والانقسام.
وأضافت لانا نسيبة: «منذ تفجر الصراع، قدمت دولة الإمارات أكثر من 600 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للسودان والدول المجاورة، من خلال وكالات الأمم المتحدة، وذلك بشكل حيادي ودون تمييز، وفقاً للاحتياجات الإنسانية. وتؤكد دولة الإمارات التزامها الراسخ بدعم الشعب السوداني الشقيق، والعمل مع الشركاء الدوليين لتخفيف المعاناة عنه، مع الدفع نحو السلام».
وتابعت: «بلا شك، لقد آن أوان العمل الحاسم والحازم، حيث يجب أن يتوقف القتل. كما يجب أن يُبنى مستقبل السودان على أسس صلبة من السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة، بعيداً عن السيطرة العسكرية، وأولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب على حساب شعبهم».