33 ساعة من عزلة غزة.. أجواء رعب وعودة للبدائية
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
غزة– نفض أبو جهاد السلطان الغبار عن مذياع قديم يمتلكه منذ 30 عاما، وأصلح خللا أصابه من سنوات الهجر والإهمال دون استخدام، ولاحق الإذاعات من أجل تقصي خبر هنا أو هناك، بعدما أغرقت إسرائيل القطاع في عزلة تامة منذ مساء الجمعة الماضي.
عند حوالي الساعة السابعة من ذلك المساء كان القطاع على موعد مع حالة غير مسبوقة، وجد فيها أكثر من مليوني فلسطيني أنفسهم معزولين عن العالم الخارجي، إثر قطع إسرائيل خدمات الاتصالات الخلوية والأرضية، وخدمات الإنترنت.
يقول أبو جهاد للجزيرة نت، "شعرنا وكأننا دخلنا فجأة في آلة زمن أعادتنا عشرات السنين إلى الوراء، الأجواء خلال ساعات العزلة كانت أكثر رعبا، خاصة مع التحليق المكثف للطيران الحربي الإسرائيلي، والغارات وأصوات الانفجارات تدوي في كل مكان".
وجد أبو جهاد (55 عاما) نفسه مضطرا للبحث عن جهاز مذياع بين كومة من الأدوات والأجهزة القديمة في مخزن منزله، ويقول، "لم أتوقع يوما أن هذا الراديو (المذياع) سيكون الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يدور، ليس في العالم البعيد فقط، وإنما حتى الأحداث الجارية من حولي".
ولم يعُد لأجهزة المذياع مكان في منازل غالبية الفلسطينيين في قطاع غزة، سوى لدى فئة محدودة من كبار السن، حيث تربطهم بها العادة، ولا تستهويهم تقنية التطبيقات على الهواتف النقالة.
واحتمل أبو جهاد مشاق الوقوف طويلا واضعا المذياع على نافذة تحطم زجاجها نتيجة غارة جوية إسرائيلية، في إحدى ليال الحرب المتصاعدة على غزة، للأسبوع الرابع على التوالي.
وأخذ يحرك مؤشرا بواسطة قرص معدني باحثا عن إذاعة يصله صوتها صافيا، وهي مهمة ليست سهلة في ظل التشويش الشديد الناجم عن التحليق المكثف للطيران الحربي والطائرات المسيّرة من غير طيار، التي تسمى شعبيا في غزة "الزّنّانة"؛ لِما تصدره من أصوات مزعجة على مدار الساعة.
ويصف أبو جهاد حوالي 33 ساعة من العزلة بأنها "الأشد خوفا ورعبا" منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في السابع من الشهر الجاري، ويقول، "أحكم انقطاع الاتصالات والإنترنت الخناق حول رقابنا، وكانت ساعات الليل مرعبة ومخيفة، وفارقنا النوم وحلّ محله القلق الشديد".
شرائح مصرية وإسرائيليةلكن الشاب العشريني فراس عدوان، لم يحتمل انقطاع الاتصالات والإنترنت، فلجأ إلى شريحة اتصالات لشركة مصرية، خدماتها متاحة فقط، وبجودة ضعيفة في بعض مناطق مدينة رفح، المتاخمة للحدود بين القطاع ومصر.
يقول فراس للجزيرة نت، إنه وآخرون لجؤوا إلى شراء شرائح اتصالات مصرية، نفدت سريعا من الأسواق، من أجل البقاء على تواصل مع العالم، ومعرفة تطورات العدوان الإسرائيلي.
وبينما لجأ فراس إلى شريحة اتصالات مصرية، بعد تعطل خدمات شركتي الاتصالات "جوال" و"أوريدو" العاملتين في الأراضي الفلسطينية، وجد قلة من الغزيين ضالتهم في شرائح اتصالات لشركات إسرائيلية، يحتاج تفعيلها إلى الوجود في مناطق قريبة من السياج الأمني شرق القطاع، ولتعذر الوصول إلى هذه المناطق المحفوفة بكثير من المخاطر، كان خيارهم بالصعود فوق أسطح منازل مرتفعة.
وقال عصام، وهو صحفي يعمل لصالح وكالة أنباء أجنبية، وفضّل عدم ذكر اسمه كاملا، إنه أجرى اتصالا واحدا من شريحة اتصالات إسرائيلية مسجّلة باسم الوكالة، وفوجئ بتعطيلها فورا وخروجها من الخدمة.
وخلال ساعات العزلة، كان للمذياع قيمته -أيضا- لدى فراس وعصام، وهما من الجيل الشاب، حيث كان مصدرا رئيسا للحصول على معلومة. ويقول عصام، إن "إذاعة محلية تبث نشرات أخبار قناة الجزيرة الفضائية كانت تربطه طوال ساعات العزلة، بما يدور في القطاع من أحداث وتطورات الحرب".
إسعاف نحو الصوت والدخانزاد قطع الاتصالات والإنترنت من التعقيدات والعراقيل في طريق عمل الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، التي لم تعُد قادرة على تحديد أماكن الغارات الجوية الإسرائيلية والمناطق المستهدفة.
وخلال ساعات العزلة اعتمدت سيارات الإسعاف على التحرك حسب مصدر الصوت، أو نحو أعمدة الدخان المنبعثة من الغارات الجوية، وفي ساعات الليل لم تكن قادرة على التحرك إلا بعد وصول ضحايا الغارات بطرق بدائية على عربات تجرها الدواب (الكارو)، أو سيارات صغيرة تسير على 3 عجلات تسمى شعبيا "التكتوك".
وقال مراسل شبكة الأقصى المحلية في مدينة رفح جمال عدوان، للجزيرة نت، إن سيارات الإسعاف توزعت خلال ساعات انقطاع الاتصالات والإنترنت في محاور رئيسة عدة بالمدينة، من أجل سرعة التجاوب والانطلاق نحو المنازل والأماكن المستهدفة.
ووجد الصحفيون المقيمون منذ اندلاع الحرب في مستشفى "أبو يوسف النجار" الوحيدة في مدينة رفح، ومنهم جمال عدوان، أنفسهم عاجزين عن متابعة التطورات، والتواصل مع جهات عملهم، وهو حال غالبية الصحفيين في القطاع، وبينهم أعداد كبيرة لجأت إلى المستشفيات.
وتطوع أصحاب منازل ومؤسسات محلية تعمل على كهرباء تولدها خلايا شمسية، بتمديد وصلات كهرباء في الشوارع، وأتاحوها بالمجان لمن يحتاج شحن أجهزة المذياع والهواتف النقالة، وبطاريات صغيرة تستخدم للإنارة المنزلية اليسيرة يتغلبون بها على الظلام الحالك.
ومع اندلاع الحرب على غزة، فرضت إسرائيل حصارا مطبقا، ومنعت إدخال مواد كثيرة، وحظرت توريد الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، فضلا عن قطع الخط الناقل للكهرباء الواردة من إسرائيل.
ورغم مخاطر التجمعات في الشوارع وعلى مفترقات الطرق، ولا سيما مع استهدافات سابقة أسفرت عن ارتقاء شهداء وجرحى، فإن حالة العزلة اضطرت العديد من الشبان في مخيمات اللاجئين إلى التجمع أمام أبواب منازلهم، وبين أزقة المخيمات، وتبادل الأخبار عن تطورات الميدان في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: انقطاع الاتصالات والإنترنت اندلاع الحرب مدینة رفح
إقرأ أيضاً:
انقطاع الكهرباء عن غزة.. شلّ كافة مرافق الحياة
#سواليف
يشهد قطاع #غزة المحاصر #أزمة_إنسانية متفاقمة نتيجة استمرار #انقطاع #التيار_الكهربائي منذ اندلاع #الحرب في 7 أكتوبر 2023، ما أدى إلى #شلل شبه كامل في مختلف مناحي الحياة، لا سيما في قطاعي #الصحة و #المياه. يأتي ذلك في ظل تصعيد إسرائيلي متواصل، يشمل فرض المزيد من #العقوبات_الجماعية التي تهدد حياة ملايين المدنيين في القطاع.
اليوم الخميس، أكد مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة محمد ثابت، أن انقطاع الكهرباء عن القطاع المحاصر، مستمر منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023.
وقال ثابت في تصريحات له، إن “الاحتلال قطع الكهرباء عن محطة تحلية مياه تم إمدادها بحوالي 5 كيلو واط من منظمات دولية، وكانت تخدم مليون نازح وتوفر لهم المياه العذبة، وتم تشغيلها في 14 ديسمبر 2024 قبل أن يقرر الاحتلال إيقافها”.
مقالات ذات صلة حراك جامعة اليرموك: علامات استفهام كثيرة حول دائرة الاستشارة المحيطة بـ “الرئيس” 2025/03/10وأضاف: “جميع مرافق الحياة في غزة شبه مشلولة بسبب انقطاع الكهرباء، خصوصا في قطاعي الصحة والمياه”، مشددا على أن نقص مياه الشرب يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة بشكل كبير”.
يذكر أنه في 9 مارس الجاري، أعلن الاحتلال الإسرائيلي، وقف تزويد الكهرباء لقطاع غزة، ما سيؤدي إلى توقف فوري لتدفّق التيار الكهربائي إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.
كما نقلت القناة الإسرائيلية 12 عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم، إن الخطوة المقبلة هي قطع الماء عن غزة. ويوم الإثنين الماضي، هدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بقطع إمدادات المياه والكهرباء عن قطاع غزة، مشددا على ضرورة “فتح أبواب الجحيم” عبر هجوم عسكري واسع النطاق يؤدي إلى “احتلال القطاع”.
وفي المقابل، دعا وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير، إلى قصف مخازن المساعدات الإنسانية في غزة، مشددا على أن إسرائيل “يجب أن تقوم في تجويع مقاتلي حماس وأنصارهم” المدنيين قبل استئناف الحرب على القطاع.
وفي تصريحات سابقة لـ “شبكة قُدس”، قالت شركة كهرباء غزة، إن قرار الاحتلال الأخير القاضي بقطع الكهرباء عن قطاع غزة؛ له تداعيات خطيرة وكارثية على الأهالي في قطاع غزة. مضيفة وقف الكهرباء عن محطة تحلية المياه سيؤدي إلى شحّ كبير في المياه وهو ما سيؤدي بالأهالي للتوجه للاعتماد على المياه غير الصالحة للشرب.
وأكدت، أن تبعات القرار ستؤثر على ارتفاع نسبة التلوث في قطاع غزة لأن هذه الكهرباء تشغل مضخة المياه العادمة ومحطات المعالجة وستضطر البلديات إلى التخلص من هذه المياه في البحر ما سيزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض والأوبئة.
وأشار إلى أن زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض والأوبئة جراء القرار ستزيد بدورها من الضغط على القطاع الصحي الذي يعاني جراء الحرب.
ومنذ بداية الحرب، يعاني قطاع غزة من انقطاع متواصل في الكهرباء جراء الحصار والقيود الإسرائيلية، حيث تجاوزت خسائر قطاع الكهرباء منذ بداية الحرب 450 مليون دولار.
ووفق كهرباء غزة، فإن 70% من شبكات توزيع الكهرباء مدمرة بشكل كامل جراء الحرب، كما أن 90% من مستودعات شركة توزيع الكهرباء مدمرة بالكامل، كما أن 80% من آليات شركة توزيع الكهرباء مدمرة بشكل كامل جراء الحرب، و100% من القطاع التجاري متوقف بالإضافة إلى قطاع التشغيل. وذكر، أن 51 شهيدا ارتقوا ضمن صفوف كوادر وموظفين شركة توزيع الكهرباء.
وحذرت المقررة الأممية الخاصة بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، من أن قطع الكهرباء عن غزة يؤدي إلى توقف محطات تحلية المياه، مما ينذر بإبادة جماعية، منتقدة عدم فرض عقوبات على إسرائيل.