دمشق-سانا

لا يمكن أن تمر في حارة حنانيا الدمشقية في باب شرقي دون أن يستوقفك الزمن عند غاليري السيدة صوفيا الأشقر “أم إلياس”، فرائحة المكان تقودك طواعية للوقوف عند تراث يقارب عمره مئة عام، تتمعن بالقماش تنتقل عيناك إلى النحاسيات والموزاييك، وتغرق في المكان لتأتي ضحكة أم إلياس وتعود بك مرةً ثانيةً إلى متحفها الصغير.

كما يصفها أبناؤها وسكان حارة حنانيا بـ “القلعة”، فهي قلعة صامدة كصمود نساء سورية عبر الزمن، فأم إلياس لا تحدث زوار متحفها التراثي عن مفهوم وقيمة العمل فحسب، بل تراها متجسدةً في روحها وفي كل قطعة نسجتها مع إدارتها للغاليري لما يقارب 70 عاماً، واستمرت دون انقطاع، ومنها خلال سني الحرب على سورية، فكان سلاحها الإبرة وقطعة القماش من خلال عملها على تطوير القفطان السوري.

عشق الوطن وأصالة أم إلياس طغيا على عملها في كثير من الأوقات، فكانت تقوم بدور الشارح والدليل للسائح الأجنبي عن تاريخ سورية وعمر كل قطعة تقتنيها، مذكرةً إياهم بأن دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، ومؤكدةً أنها لم تتعب ولم تكل من تلك المهمة، وخاصةً عند زيارة الوفود السياحية إلى حارة حنانيا واقتنائهم الحرفة التراثية الموجودة في الغاليري.

وتحدثنا السيدة الأشقر متباهيةً عن كيفية تطويرها للقفطان الدمشقي من زي شعبي تقليدي إلى زي حديث تمازجت فيه الأزمنة منذ قرون وحتى يومنا هذا، وتلاعب أم إلياس ذات الثلاثة والثمانين عاماً أقمشة المخمل والحرير والأغباني والبروكار بأناملها وكأنها تلاعب أحفادها، لتخرج بقطعة من القفطان تحاكي موضة عصرنا وتوائم الذائقة الجديدة.

وتنتقل أيقونة حارة حنانيا في أرجاء الغاليري مسترسلةً في الحديث، وبصوتها الدافئ تروي بدايتها مع الإبرة والخيط منذ كان عمرها عشرة أعوام، وكأي فتاة فإن أول ثوب حاكته كان لدميتها الصغيرة، وتطور شغفها بالقماش والخيطان على اعتبار أن والدها وجدّها احترفا المهنة منذ زمن، فتربت في رحاب عائلة عاشقة للتراث الدمشقي، وكان والدها حنين الأشقر قد حصل على الجائزة الثالثة في صناعة الموزاييك بمعرض دمشق عام 1936.

ولم تبخل أم إلياس علينا بالوقت، ورغم تعبها الذي بدا واضحاً على قسمات وجهها فإن الحب والإصرار كان لهما حضور أقوى ظهر في الشرح وإعطاء أدق المعلومات، فتحدثت عن زيارة كبار الضيوف للغاليري من فنانين ومثقفين وشخصيات مرموقة، ورغم ذلك لم تفكر بالانتقال إلى منطقة أخرى خارج باب شرقي، فمتحفها الصغير مبني على الطراز الدمشقي القديم، ويحتضن الحرف التراثية السورية من عائلات الخشب والنحاس والنسيج والزجاج، إضافةً إلى الأيقونات، ويبدأ عمر المكنونات من الـ 45 عاماً إلى ما يقارب الـ 100 عام.

تعود بنا أم إلياس إلى زمن قديم بدت آثاره واضحةً على طاولة نحاسية مشغولة بأيد دمشقية، عبر تقنية تنزيل الفضة على النحاس، ويزيد عمرها على الثمانين عاماً، إضافة إلى أنواع الخشبيات كالموزاييك التي اشتهر بها والدها الحرفي حنين الأشقر، وبيديها تفتح قطعةً فنيةً خشبيةً من إبداع والدها، وهي عبارة عن طاولة من الموزاييك تتضمن عدة مستويات من الألعاب، فترى فيها تارةً الشطرنج وتارةً أخرى تحولها أم إلياس للعبة النرد.

وتتنقل بعدها إلى الحلي الدمشقية والأيقونات والعرائس الصغيرة المصنعة من القماش وصولاً إلى الزجاج المعشق الذي يضفي على المكان روح الحياة، ويؤكد أن لكل قطعة وتحفة دلالةً حضاريةً متجذرةً في ثقافة سورية.

لتبقى بذلك أم إلياس واحدةً من نساء سورية الكثر اللواتي مرت عليهن الحرب، وحنين رؤوسهن كما سنابل القمح لكنها لم تكسرهن، وبقين معطاءات شامخات ترفع لهن الهامات متى ذكرت أسماؤهن.

نجوة عيدة  مريم حجير

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

ورشة لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية لطلاب المرحلة الإبتدائية بالأقصر

نظم مركز تنمية الحرف بالأقصر ورشة عمل بعنوان: "إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية"،  استهدفت عدد 25 طالب وطالبة من طلاب مدرسة الشهيد أحمد علي يوسف الابتدائية بالبياضية.

وحاضر فيها دكتورة رضا عطا الله مدير مركز تنمية الحرف اليدوية والتقليدية بجامعة الأقصر،  وتناولت خلال الورشة التعريف بالمبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الانسان، ثم التعرف علي خطورة المخلفات البلاستيكية علي البيئة والصحة العامة ، وبعد ذلك تم تنفيذ بعض النماذج لأعمال إعادة تدوير البلاستيك في صناعة المقلمة والمزهرية وقصيص زرع وحصالة وماج، وبعض الاشكال الأخري المفضلة لدي الأطفال.

ومن أهم مخرجات الورشة  إكساب أطفال المدارس الابتدائية  مهارات التشكيل والقص واللصق باستخدام خامات بسيطة وآمنة من جهة، واعادة لتدوير المخلفات البلاستيكية كزجاجات المياه والعصائر والمياه الغازية من جهة أخري، وإشراك أطفال المراحل الابتدائية بمحافظة الأقصر في المحافظة على البيئة من الاثر السلبي للمخلفات البلاستيكية، إلي جانب إدراج أنماط وألوان مختلفة من الأنشطة وورش العمل داخل الصفوف الدراسية للمراحل الابتدائية لتعميق الهوية الوطنية بضرورة الحفاظ علي مجتمعاتنا نظيفة صحية وآمنة.

أشرف علي تنفيذ ورشة العمل د.هناء حامد مدير الإدارة العامة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة وعدد من مسئولي الإدارة، و إيمان محمد  رئيس قسم الموهوبين بمديرية التربية والتعليم ، ونوال محمد  مكتب خدمة المجتمع وتنمية البيئة بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة الأقصر.

 

جاء ذلك تفعيلاً للمبادرة الرئاسية (بداية جديدة لبناء الإنسان)، وتحت رعاية الدكتورة صابرين جابر عبد الجليل- القائم بأعمال رئيس جامعة الأقصر،  وبالتعاون بين مركز تنمية الحرف اليدوية والتقليدية والمشروعات الصغيره ومتناهية الصغر بجامعة الأقصر و إدارة الموهوبين بمديرية التربية والتعليم بالأقصر.

مقالات مشابهة

  • صور.. إطلاق مهرجان "سكة الحرفيين" بمشاركة أكثر من 100 حرفي
  • مناقشة تطوير واحة صعراء وربطها بالمناطق التراثية
  • وسائل إعلام سورية: سماع دوي انفجارات قوية في ريف دمشق
  • ورشة لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية لطلاب المرحلة الإبتدائية بالأقصر
  • الهادي الصغير: أتوقع عرض أسماء “إدارة المركزي” في جلسة البرلمان المقبلة
  • إنذار لسكان بعض الأبنية في حارة حريك وبرج البراجنة
  • نينتندو تفتتح متحفها الخاص في كيوتو
  • في اليوم العالمي لهم… سورية تولي المسنين كل الاهتمام عبر سياسة صحية شاملة
  • بالفيديو.. الأعلى للثقافة تكشف تفاصيل التقدم لجائزة الدولة للمبدع الصغير
  • «الأعلى للثقافة»: جائزة المبدع الصغير تهتم باكتشاف المواهب حتى 18 عاما