شهيدان برصاص الاحتلال في بيت لحم ونابلس
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في مختلف المدن الفلسطينية
استُشهد الشاب حسين يوسف ربيع (25 عاما)، من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال أثناء اقتحامه المخيم الأحد.
اقرأ أيضاً : عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى
وقال مراسل "رؤيا" في فلسطين إن الشاب حسين ربيع أصيب برصاصة في الرأس أثناء تواجده على سطح المنزل عند اقتحام قوات الاحتلال لمخيم الدهيشة، وبقي في المكان ينزف دون علم أحد بإصابته.
وأضاف أنه نُقل إلى مستشفى بيت جالا، قبل الإعلان عن استشهاده لاحقا.
وفي مخيم بلاطة في محافظة نابلس، استشهد الشاب رسمي فايز عرفات جراء إصابته برصاص قوات الاحتلال فجر الأحد خلال توغلها للمنطقة الشرقية للمدينة.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: فلسطين نابلس بيت لحم مواجهات وزارة الصحة الفلسطينية
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير (42)
حمد الناصري
ومرّت فصول الزرع العَشرة الكاملة سريعة على البنت الصغرى "قوام" بينما كانت على البنت الكبرى "ثبات" بطيئة، وحين أتمّ العهد لعشرة فصول من الزروع المُثمرة، وقف الشاب الحنطي، أمام والد البنتين، وقال: يا عَمّاه، لقد أكملتُ عشرة زروع بفصولها الكاملة، وكأنه يُذكّر الشيخ العجوز بموضوع العهد بينهما خشية أنْ يحدث خرقاً أو تغييراً في ما تمّ الاتفاق عليه، فقد تحسّس بعضاً من ذلك في رؤية البنتين وتنافسهما عليه، فالبنت الصُغرى تُجادل أبيها وتقنعه ببيع البُستان للشاب الحِنطي.. بينما الكبرى تحثّ أبوها على الالتزام بالمُتّفق عليه، وذكّرت أبيها " أوفوا بالعهود بينكم، إنّ العهد أنتم مسؤولون عنه، أحياءً وأمواتا".
وتخايل الشاب الحنطي وتساءل في نفسه، ماذا لو رفضتُ شراء البستان، هل سيرفض العجوز تزويجي من البنت التي جاءتْ تمشي على استحياء وتعتذر بخجل لا تبختر فيه ولا جَراءة ولم تكشف عن مظهر زينتها أبداً؟ ورَدّد صوتها.. إنّ أبي ـ والتفتَ إلى العجوز ـ يدعوكَ لتقضي معه بعض الوقت لتقصّ عليه القصص وتُخبرهُ عن أمرك وماهية حكايتك، فلعلّهُ يُجزيك عن خير فِعْلك.. فكان جوابه على نفسه.. وكأنه يُجَسّد موقف البنت الكبرى "ثبات " فنهض واعتدل، ورأى نفسه في مَشهد حقيقي وكانت البنت تمشي بين الزرع وتقطف الثمار، ومشتْ.. فتبعها في حِشمة ووقار.. توقّف فجأة وحدّث نفسه.. ما بال العجوز يسعى في طلبي.. أيريد أن يأجرني مُقابل ما قُمت به من جُهد؟ أو يُريدني أن أقصّ عليه حكايتي أو ماذا؟ ولم يكن بيده أن يُخرج نفسه من وساوس مُشيطنة، فاستعاذ إلى الربّ الأعلى من وسوسة لا تنجيه عمّا التزم به وما ألزم به نفسه، وتمتم، قائلا: منذ نشأتي وعهودي ثابتة كاسمها ثبات، تلك البنت التي اقتنعتُ بها، فتاة بوجهٍ ملائكي، تحمل أسرار أخلاقها، أخشى أن يفرط حُسنها على ما حرصتُ عليه من إلتزام مع العجوز، ولئن أجلس يوماً كاملاً أحدثهُ وأحاورهُ خيرٌ لي من الوقوع في مَحذورات لا طاقة لي بها.
وشعر العجوز بهواجس الشاب الحِنطي، فطيّب خاطره، وقال له لا تقلق وإنّا على العهد ما بقينا. وقال: إنْ تصبروا فهو خير لكم. ووعده بالخير الجزيل، والجميل الثمين، وقال العجوز: زدني من قصص حكاياتك.. فقصّ عليه ما بدا له، في السرّ والعلن، فقال العجوز سُررت بحبّ الرب الأعلى وأنجاك منها، فكن من الشاكرين.
وحين حانَ موعد زواج الشاب الحنطي بالبنت الكبرى، تنفيذًا للعهد، قامت الكبرى واستعدّت لتنفيذ ما أمرها به والدها، وبدا الاتفاق على نهايته.. قال العجوز، تأكيداً لعلاقة الوُدّ والقُربى بيننا؛ اسمح لي أن أطلق عليك لقب "ابن الصحراء " بدلاً عن الحِنطي أو الشاب الصحراوي.. والاسم أراهُ أقرب إلى تمتين علائق قصصكَ وحكاياتك الصحراوية، وأنا مُعجب بالاسم الذي يمنحك نشاطاً وطاقة عالية ويزيدك قوة ومَنعة لا يقوى عليها إلّا من اشْرَأبّت عُنقه وامتدّت إلى قلب الصحراء..
وبدا الشاب ابن الصحراء كأنّه في غياهب رمالها الذهبية وتلالها المُعجزة وأوديتها المُهيبة، وبصمت استطرد.. حكاياتها دُرر في أُفقها البعيد وكواكبها تتلألأ في سمائها القريبة، ومن تطأ قدمه كثبانها العالية كأنّه ركبَ بحر عميق لا يرى في امتداده غير عُمق مُتصّل لا يُعرَف مداه.
والتفت العجوز إلى الشاب ابن الصحراء وقال:
ـ وإني أتطلّع أنْ تنظُر السماء إلى سُكون حياتك وإلى كنهِ رعايتك وحفظك، فأنت تستحق التوفيق والصلاح، وتستحق سِحْر إبداع الكلمات العالية، تُطرب بها من يشعُر بقربك وتُفرج حزَنَ من لا يفقهَ بلاغة تعبيرك وألفاظ لطافتك ومعاني بشاشة وجهك الجميل.. وها أنا يا ـ ولدي ـ أراكَ رائعاً في جلستك وفي مَمشاك وفي سيرتك وفي عهدك، وفياً بالوعد صادق الرجاء عزيز النفس وكريم الإخاء، وثقتنا بك تزداد وبالأمان تتجمّل، ومشاعرك جيّاشة، تخرج من فَيْهك عذبة الجمال وبأجوائها سَعدنا طِوال سنين الحصاد وسُررنا بنفحات حِكْمتها وتصاعد وزنها، والعاقل من سار على دربك.
قال ابن الصحراء.. بلطف وهدوء:
ـ كل هذا الفرح والسرور، مباركة خطوات " ثبات" فهي من أعطتني الثقة وزرعت في نفسي الأمان، ولم تفتر عنه أبداً، ثباتْ كانت أصيلة في بدويتها، شُجاعة في ثباتها..
ثم التفت إلى العجوز مُبتسماً، وطالما سمّيتني بـ ابن الصحراء، نكاية عن سيرة وحكايات الصحراء، فتقبّل مني أحسنها، سأناديك أبو "ثبات" على اسم ابنتك الكبرى، التي شعرت بحماسها الزائد، ولمستُ منها الثقة، إذ كانت مَشيتها لا تُخطئ مَشيتك، زدْ على ذلك الرّحابة والفطنة الساكنة في أعماقها.
ابتسم العجوز مُرحّبًا وسَعِد بالشاب ابن الصحراء موافقاً، ونادى على ابنته "ثبات "وتحدّث معها، بُنيّتي كما تعلمين، أنّ " مُؤنس" والذي عرفتموهُ بألقابٍ كثيرة، سميتموها بأنفسكم توسّماً به وأطلقتم ألقابها عليه دِلالة إلى مكانته.. كـ الرجل الغريب أو الحِنطي أو الشاب الصحراوي.. وهو اليوم سَعيد جداً وقد أكمل ما اتفقنا عليه.. عشرة زروع وزيادة، وقضى سنتين ونصف، وادّخرنا أكثرها ولما بلغت نصابها، أخرجنا من ثمارها ومحصولها، وتركنا قدر ما نقتات منه، وأبقينا قدْراً يسيراً، سعياً منا للإدّخار، وكما يُقال في الموروث " ضُم قرشك الأبيض لليوم الأسود" ذلك مثلٌ ضُرب في موروثنا، لتعزيز ثقافة الادخار.
هزّت رأسها وابتسمت.. وأردفت:
صدق أبي.. فالتسليم للقدر تعايش وتفاعل، وأما البقاء هو قدر الحياة.
ـ طيّب، والآن جاوبيني بصدق، هل أنتِ على الخُطى سائرة وعلى الأمر غير قاطعة؟
خمرت وجهها بردائها، ولم تقُل شيئاً...! وحين سألتها أختها الصغرى عن ذلك الفِعْل، قالت الكبرى "ثبات" كنتُ أخشى أن يتأذّى الشاب ابن الصحراء.. أو أنْ يَعُدّه تفاعل مُختلف فلا يطمئن.
فأسرّتها الفتاة الصغيرة في نفسها ولم تُبْدِها لها.. ولما همّ ابن الصحراء تفطّن إلى حال الشيخ العجوز والبنت الصغرى وحالهما إذ غادرت عنهما البنت الكبرى "ثباتْ"، ورفع عينيه إلى السماء وأثنى على العهد المُلتزم وعلى الثقة التي وضعها العجوز فيه ونفّذها كما ينبغي وقال في نفسه: وكُنت على قَدر يا مُؤنس.. فطهّر قلبك ولا تكن من الخائبين، كُن على قدر الثقة وعلى قدر النّقاء، يزداد البلاء فلا تُخادع نفسك بكلمات ولا يَخْدَعن رُقيّك في السّماء حتى لا تكون مثلهم، كالذين خُدعوا وكانوا في الجحيم.
رفع ناظريه إلى السماء، وبسط يده اليُمنى، وفرّق أصابعها وحرّك سَبّابتها ونصب الأخرى وجعلهما مُنتصبتين، وأردف: أيّتها السماء العالية.. لا طِيْبَ لي ولا سلام إلا فيما لمسته من سلام اطمأنيتُ به.. فاجْعلي ذلك المُبتغى فيضاً وقُربة إليك، وادفعي عنهم الأذى ما بَقوا في الحياة.
قالت الصغرى الشبقة بابن الصحراء لأبيها.. وهي تشعر بهسيس دُعاء ابن الصحراء، وروتْ قصة من حكايات أمّها، التي دفنها زوجها العجوز بيديه، وكان له بنتان، فحفّتا التراب على أمهما، ووُضِعَت تحت سفح جبل صغير، ذي حجارة خفيفة غير صَمّاء ولا ثقيلة. وقصّت لأبيها حكايتها، كانت أمي تقول هذه الحكاية وتردّدها عليّ ولا تكفّ عنها.. من له بنتان، فليستمع للصغرى، فهي الأكثر قُرباً لأبيها.
ابتسم العجوز واستبشر ضاحكاً من قولها، وأشار إليها، وماذا تقترح البنت الصُغرى؟ فتململت في جلستها وأقامت جذع جسدها واعتدلت.. ليس ذلك مُقترحاً أبي، لكنه رأي وبصيرة، فإنْ بِعْنا البُستان للشاب ابن الصحراء، نضمن بقاء الحِنطي بيننا ـ ولاحظ الأب الرؤوم قول ابنته من تسمية الشاب ابن الصحراء بالحِنطي دلالة على شغفها به ـ. وما ذكرته من تمييز في التعريف بالشاب الصحراوي دلالة لا تَقبل الشكّ ولا في فرط الظنّ في قولها، وعَلِم أبيها لحظتها بشبق ابنته الصغرى " قوام " بالشاب الذكي، الذي التزم بالعهد، وأعدّ للوعد بياناً وتوضيحاً... ثم أكملت:
.. اسمع أبي، بقاء الحِنطي، تمكيناً أو أننا نُمكّنه من العمل لخدمتنا فقد مَنحناهُ ثقة واطمأنّ بها، ثِقَة كبيرة لم نُعطها لأحدٍ مِثله.
قال العجوز بينه وبين نفسه: لماذا تُؤكّد "قوام " في حديثها عن الشاب بتعريف لون بشرته دون سواها من الألقاب التي عُرف بها، خلال سِنين الزرع وفصول الحصاد، مِثل الشاب الصحراوي أو ابن الصحراء، أو حتى الغريب، واكتفت بالإشارة إلى الحِنطي؟ أليس للإشارة دلالة واضحة؟، ولماذا تحثّني على إبقاء ابن الصحراء من خلال بيع البُستان؟
هزّ رأسه ولفّ نظره إلى جهة اليمين كمن يستدعي أفكاراً جديداً، وتمتم، لعلّه شغفها حُباً أو أنّها شَبقة به.. سحبَ نفساً عميقاً، وحدّث نفسه: أتمنّى أن تكون تجربة خالية من نظرة لا حسَد فيها ولا حِقد.
وأخذ يُفكّر بعمق وعينه على الجانب الأيمن وحين استدعى مشاهد بما آل إليه التفكير، أحال نظرهُ إلى جانبه الأيسر.. وقرأ مشاعر حرصَ على دقّة وصْفٍ هو أقرب إليها، وأردف: إذنْ، ما أشارت إليه "قوام" مشاعر أدركتها، فاللون الحِنطي إشارة إلى جاذبية الوصْل وأنّ الأفكار كلما بَعُدت لها آثار جانبية، فالاهتزازات قد تتعب النّظر، وإنْ وصلتْ مداها من التهلكة تبرح المشاعر السليمة وتُغادر مكانها.
وكأنّ "قوام" قرأت أفكاره، وراحت تُحدّث نفسها.. أنا مُستعدة لإتاحة سِنين مُكثهِ بيننا وتحويلها إلى تفضيل وتقارب، لا يضرّ أحداً، وأضمن لأبي بقاء الشاب الحِنطي في البُستان.
قال الشيخ العجوز أبو ثبات وهو يرفع ناظريه إلى ابنته الصُغرى "قوام" ما بال ابنتي على غير عادتها؟ لماذا ربطت بقاء زوج أختها بسنين العهد والزروع، فذاك أمر كان مقضياً؟ ولا يجب الحديث عنه، فسلامة الأفكار من أمان العهد.
وتلطّفت "قوام" بسؤال أبيها.. بقولها: هل هناك سلام أرقَى من سلامة النفس ونقاء سريرتها؟ فردّ الأب الرؤوم: لا، ولكن لكل سريرة مقام ومُبتغى، ولكلّ فكر مرام وهدف.. فما بالها ـ قوام ـ تعصف بالأفكار ولا ترقى إلى سلامة السريرة وتنفيذ العهد.
عقبت "قوام " بلطف:
ـ أبي الغالي، خُذ فكرتها ولا تخف، فأكثر الخيبات تَحدث مِمّا لا نُفكّر فيها؟ وذات مرّة، أذكر بأنّك قد أطلعتني على كلام جميل.. مَفاده، أنه كلما زاد التفكير وتجاوز الحدّ، فسَد الوُدّ.
انقبض صوت العجوز، وبقيَ في صمت ولم يُحدّثها، وظلّ ساكتاً هادئاً.
يتبع 43