العشوائيات السياسية والمعارضة الهجينة!
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
كما في العشوائيات السكنية التي انتشرت حول المدن الكبرى في العواصم والمدن والتي استولت على مساحات واسعة من الأراضي والممتلكات العامة في غياب سلطة القانون واضمحلال العدالة الاجتماعية وضعف الدولة، والتي ضمت أناس بسطاء من بيئات مختلفة غالبيتها ممن يصنفون تحت سقف خط الفقر او الحالمون بتملك تلك الأماكن بنظرية واقع الحال، او ممن تركوا بيئاتهم الاصلية ونزحوا أو هاجروا الى تلك العشوائيات السكنية والسلوكية أملا في تحقيق هدف مرتجى خارج سياق القانون وبفرض واقع الحال.
اردتُ بهذه المقدمة أن ادخل الى واقع آخر لا يختلف كثيرا عن تلك البيئات التي أنتجت هذه العشوائيات، حيث الأوضاع السياسية التي أنتجتها عمليات التغيير القيصرية في غالبية دول الشرق الأوسط الموبوءة أصلاً بضعف سلطة القانون وتخلخل العدالة الاجتماعية، من ارتفاع مستويات خط الفقر المدقع مع انخفاض مريع في الوعي والتعليم، يتم تدمير الناتج القومي واستهلاكه في بناء ترسانات أمنية وعسكرية وأسوار من هياكل الحماية للنظم السياسية ومفاصلها، هذه النظم التي تحولت وبالذات جمهوريات الانقلابات ودول الربيع العربي المخدرة بالديمقراطية المستوردة إلى عشوائيات سياسية واسعة، انتشرت فيها أنماط عديدة من النظريات الفكرية والسلوكية التي بلورت نمطاً من الديمقراطية الفوضوية والعشوائية الناتجة من طبيعة مجتمعاتها ذات الإرث المتكلس من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية التي تجمعت فيها هذه الفعاليات السياسية ومن مختلف الشرائح والطبقات والتوجهات، القبلية والقومية والدينية والمذهبية ومن كل الطبقات الاجتماعية.
هذه الديمقراطية التي تم إنزالها بمظلة خارجية فوق مجتمع تركزت في مفاصله موروثات اجتماعية قبلية ودينية تتقاطع تماما مع هذا الأسلوب في الحياة الاجتماعية والسياسية، وخير دليل على ذلك التجربة الديمقراطية الأخيرة في العراق منذ عقدين من الزمان، ناهيك عن تجربتي تركيا وإسرائيل اللتين فشلتا في الخروج من قوقعة القومية المفرطة والدينية المتزمتة، التي لم تنجح في خلق مجتمع مدني حديث يقوم على مبدأ المواطنة الجامعة، بل حصل العكس، حيث الافراط في العنصرية والتشدد الديني سواء في تركيا او إسرائيل، ومن ثم في العراق حيث انتجت التجربة كائنا سياسياً مشوهاً ووضعاً اجتماعياً قلقا اختلطت فيه تلك المصطلحات المستوردة مع المتكلسات الوراثية في بنائه الاجتماعي والديني المحافظ. إن مفهوم المعارضة في التجربة الجديدة سواء في كوردستان التي استقلت ذاتيا سنة 1991م والعراق عموما منذ 2003م هو الاخر انتج ضمن البيئة الاجتماعية وموروثاتها القبلية والدينية كائناً سياسياً هجيناً لا مثيل له حيث تشترك الأحزاب المتنافسة جميعها في السلطة، وتقوم في ذات الوقت بدور المعارضة وهي شريكة أساسية في الحكم ومخرجاته وامتيازاته، خاصة في ابتداع نظام المحاصصة الوظيفية والمناصبية، وعلى مختلف مستويات السلطة، حيث يمارس الجميع الحكم والاستئثار بعطايا وامتيازات الدولة المشرعنة من السلطة التشريعية بشكل مريع جدا، ناهيك عن ان كل هذه الأحزاب والمكونات عبارة عن دويلات لديها دكاكينها الاقتصادية وأذرعها العسكرية (الميليشيات).
ولا تختلف بقية الأنظمة التي انبثقت من الانقلابات أو من التغييرات الفوقية بمساعدة الدول العظمى عن التجربة العراقية في ممارساتها ومضمون تفكيرها ٳلا بالعناوين والأسماء، وقد أضاعت فرصة ذهبية لبلورة معارضة وطنية تحت ظلال المواطنة الجامعة، حيث تتكالب كل القوى على اقتطاع جزء من الدولة لتحويلها إلى دويلة وبقرة حلوب، حتى وصلت الأمور إلى درجة بيع وشراء المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية بما يمنع قيام أي شكل من أشكال الدولة الحديثة، بل على العكس أصبحت الدولة في هذه البيئة التي تهيمن عليها ثقافة القبيلة والطائفية والمناطقية عبارة عن غطاء أو إطار لهذا الشكل المشوه سواء في العراق أو في بقية هذه المنظومة من الدول التي تحتاج إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي وفي كثير من المفاهيم والنظم الاجتماعية أكثر من حاجتها إلى تداول السلطة بأدوات مشبوهة وصيغ لا تختلف في مخرجاتها عن طبيعة الأنظمة الدكتاتورية.
ما يتم ممارسته اليوم في هذه المجموعة من الدول التي اجتاحتها عواصف التغيير المدعوم خارجياً لا علاقة له بالديمقراطية التي عرفناها في الدول الغربية عموماً، رغم أنها ترتدي عباءة الديمقراطية وتستخدم بعض أدواتها في الظاهر وتبطن في داخلها نظاماً شمولياً متشدداً بأدوات دينية أو مذهبية أو عنصرية حتى أصبحت الديمقراطية في بلداننا كالعاهرة المحجبة.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي
إقرأ أيضاً:
معارك الكونغو الديمقراطية.. عرض حول العوامل الداخلية والخارجية
منذ ظهور حركة "إم23" في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، أصبح شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية مسرحًا لصراعات مسلحة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية.
وقد استغلت الحركة ضعف السيطرة الحكومية لتفرض سيطرتها على بعض المناطق، مما أسهم في تفاقم الأزمة الإنسانية عبر نزوح السكان وتدهور الظروف المعيشية.
وعلى الرغم من أن النزاع يتركز ضمن حدود الكونغو، فإن تعدد الفاعلين وانتشار الأسلحة والتدخلات الخارجية زاد من مخاوف الخبراء من احتمال تحول الصراع إلى أزمة إقليمية.
العوامل المؤدية لتوسع النزاع تشير التقارير إلى عدة عوامل تجعل احتمال توسع النزاع قضية ذات أبعاد إقليمية: ضعف سلطة الدولة: عدم قدرة الحكومة على فرض الأمن في المناطق الشرقية يمكّن الجماعات المسلحة من التوسع. التدخلات الخارجية: تتهم كلا من رواندا وأوغندا بدعم فصائل مسلحة لتحقيق مصالح إستراتيجية واقتصادية مرتبطة بالموارد الطبيعية. الثروات الطبيعية: تواجد المعادن والثروات الطبيعية يجعل المنطقة هدفًا للتنافس الإقليمي. شبكات التهريب والأسلحة: يسهم الانتشار الواسع للأسلحة في تجديد الصراع بشكل مستمر.تشكل هذه العوامل، إلى جانب التعقيدات العرقية والسياسية، تحديًا كبيرًا لاستقرار المنطقة، مما يستدعي تنسيقًا دوليًا دقيقًا وجهودًا دبلوماسية مكثفة لمنع تحول الأزمة إلى نزاع إقليمي يؤثر على استقرار منطقة البحيرات الكبرى.
إعلان الدول المعنية ومقارنة إحصائيةيتداخل النزاع في شرق الكونغو مع مصالح عدة دول مجاورة، أبرزها:
جمهورية الكونغو الديمقراطية مناطق الصراع: تُعد المنطقة الشرقية ساحة الصراع الرئيسي، حيث تنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن. عدد السكان: يقدر بنحو 95 مليون نسمة (تقديرات 2022–2023). المساحة: نحو 2,345,000 كيلومتر مربع. الناتج المحلي للفرد: يتراوح بين 500 و600 دولار أميركي، مما يعكس مستوى دخل منخفض. الإنفاق العسكري: يقدر بنحو 0.8–1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 150–200 مليون دولار أميركي سنويًا. عدد أفراد الجيش: يتراوح بين 80 ألفا و100 ألف فرد. مؤشر الحرية السياسية: تُصنف غالبًا ضمن الدول ذات الحرية السياسية المحدودة أو "غير الحرة"، إذ تسجل تقارير "Freedom House" درجات منخفضة (نحو 20–25/100). روانداتواجه رواندا اتهامات بدعم حركة "إم23" والتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية، لا سيما فيما يتعلق بالموارد المعدنية في شرق الكونغو.
عدد السكان: نحو 13 مليون نسمة. المساحة: تبلغ نحو 26 الفا و338 كيلومترا مربعا. الناتج المحلي للفرد: يتراوح بين ألف و1,200 دولار أميركي. الإنفاق العسكري: يُقدر بنحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل تقريبًا 100–150 مليون دولار أميركي سنويًا. عدد أفراد الجيش: يتراوح بين 30 ألفا و35 ألف فرد. مؤشر الحرية السياسية: تسجل تقارير "Freedom House" درجات نحو 30–35/100، مما يشير إلى وجود قيود على الحريات السياسية. أوغنداتلعب أوغندا دورًا مزدوجًا يتضمن التدخل العسكري ودعم الجيش الكونغولي لتحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية.
عدد السكان: نحو 45 مليون نسمة. المساحة: تبلغ نحو 241 ألفا و550 كيلومترا مربعا. الناتج المحلي للفرد: يتراوح بين 800 و900 دولار أميركي. الإنفاق العسكري: يُقدر بنحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 200–250 مليون دولار أميركي سنويًا. عدد أفراد الجيش: يتراوح بين 45 ألفا و50 ألف فرد. مؤشر الحرية السياسية: تسجل تقارير "Freedom House" تقييمات تقريبية نحو 30–35/100. إعلان بورونديأعلنت بوروندي مؤخرًا تحذيراتها لرواندا بشأن التدخل في شرق أفريقيا، مهددة بتوسيع النزاع إلى حرب إقليمية إن لم تتراجع رواندا عن دعم حركة "إم23".
عدد السكان: نحو 12 مليون نسمة. المساحة: تبلغ نحو 27ألفا و834 كيلومترا مربعا. الناتج المحلي للفرد: منخفض جدًا، إذ يتراوح بين 300 و400 دولار أميركي. الإنفاق العسكري: أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يقدر بنحو 50–100 مليون دولار أميركي سنويًا. عدد أفراد الجيش: يتراوح بين 30 ألفا و35 ألف فرد. مؤشر الحرية السياسية: تسجل تقارير "Freedom House" درجات منخفضة (نحو 25–30/100).يبقى النزاع في شرق الكونغو الديمقراطية قضية حساسة تحمل أبعادًا داخلية وإقليمية. ومع بروز جماعات مثل "إم23" وتداخل مصالح الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا وبوروندي، يستدعي الوضع مراقبة دولية دقيقة وجهودًا دبلوماسية مكثفة لمنع تفاقم الأزمة وتحويلها إلى نزاع إقليمي يؤثر على استقرار منطقة البحيرات الكبرى. وتشير الإحصاءات والتقارير إلى ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.