الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، أو بالأحرى إدارة الرئيس جو بايدن، وبدُونِ أيِّ وازع أخلاقيٍّ، هي مَنْ تُدير محرقة الإبادة في قِطاع غزَّة بالتزامن مع حَمْلة كذب غير مسبوقة؛ ذلك أنَّ ما يُرْمَى على رؤوس الأطفال والنِّساء في غزَّة هو أسلحة أميركيَّة وآخر ما أنتجته مصانع السِّلاح الأميركيَّة، ويتمُّ استخدامها وتجربتها على الأجساد الغضَّة للأطفال والنِّساء.


الأميركيُّ يعلَمُ أنَّ قاعدة الغرب الاستعماريِّ المُتقدِّمة والمُسمَّاة «إسرائيل» عاجزة عن تغيير المعادلات على الأرض، فكان لا بُدَّ من تدخُّله المباشر لقيادة حرب الإبادة لِيَقينِه التَّام بمعادلة أنَّ الشَّرق الأوسط بِدُونِ هذه القاعدة يعني أنَّ الشَّرق الأوسط بِدُونِ الولايات المُتَّحدة. ولأنَّ الأميركيَّ يُجِيدُ الرَّقصَ على الحبال السِّياسيَّة لإخفاء وجْهِه الحقيقيِّ وللتخدير، خصوصًا وأنَّه يَقُودُ حرب إبادة يهدف عَبْرَها إلى إعادة رسم خريطة الإقليم، كان لا بُدَّ من أنْ ترافقَها حَمْلة كذب وتضليل على غرار ما فعله في حروبه في أفغانستان وفي العراق وفي سوريا وغيرها.. فتجدُه تارةً يقول إنَّه ضغط على حليفه الصهيونيِّ الإرهابيِّ لتخفيف الضغط والسَّماح بدخول المساعدات، وتارةً يقولُ إنَّه ليس طرفًا في العمليَّة البَرِّيَّة، وإنَّه طلب من حليفه التريُّث وعدم القيام بأيِّ خطوة دُونَ عِلْمه وقَبْلَ اكتمال وصول قوَّاته وتَمكُّنِه من نَشْرِ منظومات الصواريخ المضادَّة والهجوميَّة، في حين أنَّ هناك أنباء تؤكِّد أنَّ ثمَّة قوَّات أميركيَّة خاصَّة مشاركة في محاولات الاجتياح البَرِّيِّ لغزَّة، من الوارد مهمَّتها ضرب الأنفاق بالغازات السَّامة، وتارةً أخرى يدَّعي أنَّه يؤيِّد حلَّ الدولتَيْنِ؛ الحل الملهاة/الأكذوبة على شاكلة «خطَّة خريطة الطريق» وغيرها.
ولعلَّ ما يؤكِّد حَجْمَ الكذب والتضليل هو أنَّ خطَّة حرب الإبادة والتهجير القَسْريِّ من قِطاع غزَّة مُعدَّةٌ منذُ سنوات تمامًا مِثلَما أُعِدَّت خطَّة غزو العراق وأفغانستان مع اختلاق الذَّرائع والأكاذيب، فكما قاد كولن باول وزير الخارجيَّة الأميركيُّ الأسبق حَمْلة الكذب والتضليل في مجلس الأمن الدوليِّ، وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في البرلمان البريطانيِّ للتأليب على العراق وحشْدِ التأييد الدوليِّ، يَقُودُ شيخ الخرَف والكذب شخصيًّا ومعه أركان إدارته بدءًا من كذبة قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النِّساء مِنْ قِبَلِ رجال كتائب القسَّام، مرورًا بكذبة أنَّ مستشفى المعمدانيِّ، الَّذي تمَّ تدميره بقنبلة أميركيَّة وبتنفيذ طيَّار أميركي كما تردَّد، استهدف بصاروخ انطلق من غزَّة، وصولًا إلى أنَّ حركة حماس هي تنظيم «داعش» الثَّاني، أي أنَّنا أمام سيناريو مُشابِه للتسجيل المفبرك وكبسولة باول عن أسلحة الدَّمار الشَّامل العراقيَّة المزعومة في مجلس الأمن، وكذبة بلير أمام البرلمان البريطانيِّ بأنَّ العراق قادر على ضرب أوروبا بأسلحة الدَّمار الشَّامل في غضون خمسٍ وأربعين دقيقةً، وكذبة أنَّ العراق على علاقة وثيقة مع تنظيم القاعدة.. وقَدْ بانَ لاحقًا حَجْم هذا الكذب والتضليل وافتضاح أصحابه. واليوم هذا الكذب ضدَّ حركة حماس وغزَّة قَدِ افتُضِحَ أمْرُه مبكِّرًا؛ لقوَّة الصوت والصورة المضادَّة.
الخطورة اليوم على فلسطين وشَعْبها ـ في مُخطَّط تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة ـ تكمن في النَّهج ذاته في عمليَّة الغزو والتدمير والتهجير والاحتلال المُتَّبع ضدَّ العراق باختزاله في شخص الرئيس الراحل صدام حسين، وليبيا في شخص العقيد معمر القذافي، وسوريا في شخص الرئيس بشار الأسد، واليمن في شخص الرئيس علي عبدالله صالح وهكذا. أي اختزال المتآمرين القضيَّة الفلسطينيَّة، وليس قِطاع غزَّة وحْدَه، في حركة المقاومة حماس، فهذا ما يجِبُ أنْ تنتبِهَ إليه الشعوب على مختلف مستوياتها، وأنْ تبدأَ في استعادة الوعيِ وزمام المبادرة، واليقين بأنَّ ما جرى في العراق ويجري في ليبيا وسوريا واليمن غير منفصل عن المشروع التآمريِّ الصهيو ـ غربيِّ الأميركيِّ الذي يستهدف كُلَّ دوَل الإقليم. وأنَّ الفِتن الطائفيَّة وتقسيم مُكوِّنات المُجتمع بَيْنَ سنَّة وشيعة، وبذر بذور الفِتن بَيْنَهم ما هي إلَّا أداة من أدوات هذا المُخطَّط التآمريِّ بدليل أنَّ المقاومة الفلسطينيَّة في غزَّة والضفَّة مَنْ يقف خلْفَها ويدعمها في الإقليم جميع المُكوِّنات الدينيَّة وكُلُّ ألوان الطَّيف داخل دوَل الإقليم، وفي مقدِّمتهم المُكوِّن الشيعيُّ الَّذي يتبنَّاها ويمدُّها بالسِّلاح والعتاد والتدريب.
الأمْرُ الآخر الذي يجِبُ أنْ تنتبِهَ إليه الجماهير العربيَّة هو أنَّ العدوَّ الصهيونيَّ ومَنْ معه من أعداء الأُمَّة والمُتصهينين يحاول أنْ يجتثَّ انتصار السَّابع من أكتوبر من الذَّاكرة الجمعيَّة بتغطيته بالمجازر والتدمير، والانتباه إلى أنَّ ما يُبديه حلفاء العدوِّ الصهيونيِّ من قلق هو في الحقيقة قلَقٌ وخوفٌ على مصير كيان الاحتلال الصهيونيِّ وضياع كُلِّ الجهود لجعلِه كيانًا طبيعيًّا في الإقليم، وليس قلقًا على الشَّعب الفلسطينيِّ وأرواح أبنائه. فهذا ما كُنَّا نُحذِّر مِنْه دائمًا وتكرارًا في هذه الصحيفة الغرَّاء (الوطن) من أنَّ الحريق العربيَّ المُسمَّى زورًا (الربيع العربيّ) هو مقدِّمةٌ وتمهيدٌ للأرضيَّة لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة وذلك بتدمير الدوَل الفاعلة (العراق ليبيا سوريا واليمن) وتنصيب كيان الاحتلال الصهيونيِّ شُرطيًّا على الإقليم. فهل ستكُونُ غزَّة بداية الصحوة العربيَّة والإسلاميَّة؟ هذا ما نرجوه.

خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الفلسطینی فی شخص

إقرأ أيضاً:

دول غربية تندد باستئناف العدوان وتطالب الاحتلال باحترام وقف إطلاق النار بغزة

دعت دول غربية الاحتلال الإسرائيلي إلى الوفاء بالتزاماته تجاه سكان قطاع غزة، حيث أعلنت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ٬ انضمام بلادها إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا في هذه الدعوة. 

وأكدت الوزيرة الأسترالية أن المدنيين الفلسطينيين "لا يمكن أن يدفعوا ثمن هزيمة حركة حماس" حسب تعبيرها، وحثت جميع الأطراف على احترام بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة واتفاق تبادل الأسرى. كما طالبت بحماية المدنيين والتزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني.
Australia urges all parties to respect the terms of the Gaza ceasefire and hostage deal.

All civilians must be protected. pic.twitter.com/Q6XrjmeG13 — Senator Penny Wong (@SenatorWong) March 18, 2025
من جانبه، وصف رئيس وزراء النرويج٬ إرنا سولبرغ ٬ الوضع في غزة بأنه "مأساة كبيرة"، مشيراً إلى أن السكان يعيشون دون حماية على أنقاض ما تم تدميره. 

وفي سياق متصل، دعا وزير الخارجية الهولندي٬ كاسبار فيلدكامب٬ جميع الأطراف إلى احترام وقف إطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، والالتزام بتبادل الأسرى.
The Netherlands calls on all parties to respect the terms of the Gaza ceasefire and hostage deal. All civilians must be protected. 1/2 — Caspar Veldkamp (@ministerBZ) March 18, 2025
تصعيد عسكري إسرائيلي
في غضون ذلك، أفادت وزارة الصحة بغزة، صباح الثلاثاء، بوصول عدد الشهداء جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي إلى 254 فلسطينياً وأكثر من 440 مصاباً، بينهم حالات "خطيرة"، إلى مستشفيات القطاع، وذلك جراء الاستهدافات التي استمرت منذ ساعات فجر.


 وأوضحت الوزارة في بيان أن عدداً من الضحايا لا يزال تحت الركام، فيما تجري فرق الإنقاذ جهوداً لانتشالهم.

وفي وقت سابق، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة استشهاد أكثر من 322 فلسطينياً وإصابة عشرات آخرين خلال خمس ساعات من العدوان الإسرائيلي، الذي طال عائلات كاملة. 

وجاء هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي فجر الثلاثاء، حيث استأنف الاحتلال حرب الإبادة على قطاع غزة بشكل مفاجئ، مستهدفة المدنيين وقت السحور.

ويُعد هذا الهجوم أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير الماضي. ويضاف هذا العدوان الجديد إلى سلسلة طويلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت القطاع، مما يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون تحت وطأة الحصار والعدوان المستمر.

استهداف مراكز إيواء النازحين
وأفادت المتحدثة باسم منظمة اليونيسيف في غزة بأن الغارات الإسرائيلية استهدفت خياماً ومنشآت تؤوي عائلات نازحة. كما كثفت قوات الاحتلال عمليات القصف الجوي والمدفعي، واستهدفت مناطق سكنية ومباني مدنية في قطاع غزة، مما أدى إلى خسائر بشرية فادحة.


وتأتي هذه التطورات في ظل وضع إنساني ومعيشي بالغ الصعوبة في غزة، حيث يعاني القطاع من انعدام الوقود وإغلاق المعابر، مما يزيد من معاناة السكان الذين يعيشون تحت وطأة العدوان المستمر.

مقالات مشابهة

  • الإقليم: منظومتنا الكهربائية تعتمد على الغاز المنتج محليا
  • دول غربية تندد باستئناف العدوان وتطالب الاحتلال باحترام وقف إطلاق النار بغزة
  • الخارجية العراقية: وصلتنا رسائل بنية الكيان الصهيوني شن سلسلة ضربات على بلدنا
  • العراق يكثف جهوده لمواجهة تداعيات وقف الدعم الأميركي للنازحين
  • اتهامات للسفارات السورية بتحريك مظاهرات مشبوهة ضد الدولة وحملة للتغيير
  • الإقليم الشيعي إلى الواجهة.. مطالبات سياسية تصطدم بحائط صد أمريكي
  • الإقليم الشيعي إلى الواجهة.. مطالبات سياسية تصطدم بحائط صد أمريكي - عاجل
  • زيباري:لدينا ارتباطات “قوية جداً” مع أمريكا وما تطلبه حكومة الإقليم من بغداد ينفذ
  • الجهاد الإسلامي: العدوان الأمريكي على اليمن دعم وقح للكيان الصهيوني وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني
  • الجيش الأميركي ينشر فيديو مقتل قيادي كبير من داعش