على المرء أن يعترفَ أنَّ عددًا ضئيلًا من الجامعات في العالَم العربي حاولت، بشيء من الجديَّة، تجسير البون بَيْنَ المُجتمع والمؤسَّسة الأكاديميَّة عَبْرَ جهد لا بأس به من أجْل قطع نصف المسافة بَيْنَ الجامعة والمُجتمع. واحدة من التجارب الَّتي تستحقُّ الاستذكار برزت في جامعة بغداد، حيث اشترطت القيادات الجامعيَّة وقتذاك أن تصممَ مشاريع الأبحاث وأطروحات الدراسات العُليا (الماجستير والدكتوراه والدبلوم العالي) على أساس الجدوى الاجتماعيَّة أو التنمويَّة للبلد، في محاولة لتقديم الدراسات التطبيقيَّة ذات الجدوى المطلوبة على الدراسات النظريَّة العامَّة الَّتي لا تجد لنَفْسِها طريقًا إلى التطبيق والفائدة.
وبملاحظة جميع هذه النماذج المؤسفة لهدر الطاقات وتبديد الأموال، نجحت بعض الجامعات العربيَّة في تتبُّع خُطَى الجامعات الغربيَّة بعدما حاولت تدوير الدوافع المادِّيَّة على سبيل تشجيع البحث العلمي المُجدي الَّذي يصبُّ في خدمات اجتماعيَّة وتنمويَّة ملموسة. لذا برزت فكرة (المكاتب الاستشاريَّة) الَّتي تُشكِّلها الجامعات أو الكُليَّات المنفردة كحلقة وصل بَيْنَ الجامعة والمُجتمع عَبْرَ محاولة تفعيل معارف وخبرات الكفاءات العلميَّة الرفيعة الموجودة في الجامعة من خلال تقديم المشورة والمقترحات والتصميمات وحتَّى التنفيذ لمشاريع حكوميَّة أو فرديَّة، مقابل مكافآت ماليَّة تقتسمها الجامعة مع الأستاذ المختص. وهكذا ظهرت مكاتب استشاريَّة جامعيَّة جيدة في حقول الهندسة والتصميم المعماري، وأخرى في حقول الترجمة والتعريب، وأخرى في حقول الحسابات ودراسات الجدوى الاقتصاديَّة، من بَيْنَ حقول علميَّة أخرى تمكنت من مدِّ خيوط التواصل مع تطلُّعات الجمهور. ولكن، مرَّة أخرى، ظهرت لهذه المكاتب مثالبها واختلالاتها عَبْرَ التطبيق، حيث برزت المحسوبيَّة والمنسوبيَّة وهيمنت القيادات الجامعيَّة على عمليَّة إحالة المشاريع للمقربَيْنَ وللمحظيين، مع توكيد خاص على (حرمان) الأكاديمي المختص من توقيع عقود مستقلَّة مع الشركات أو المؤسَّسات الحكوميَّة باعتبار أنَّ الأستاذ الجامعي إنَّما هو جزء من (أملاك) الجامعة وليس ملكًا لنَفْسِه! وهكذا أخذت أدوار المكاتب الاستشاريَّة الأكاديميَّة في التراجع الملحوظ والتردي الواضح نظرًا لسيادة الرواسب الاجتماعيَّة الرجوعَّية، وتعاظم النظرة الخاطئة إلى الأستاذ المختص باعتباره كينونة (مؤممة) لا يُمكِن أن تتصرفَ لمصالحها الفرديَّة. وهكذا تحوَّلت المكاتب الاستشاريَّة الَّتي أُريد لها، أصلًا، أن تجسرَ البون بَيْنَ الجامعة والمُجتمع إلى أدوات لـ(حلب) الأستاذ الجامعي المختص واستدرار كلِّ معارفه وخبراته عَبْرَ آليَّات ماليَّة تكُونُ فيها القيادات الإداريَّة الجامعيَّة (خصوصًا الحكوميَّة) هي المستفيد الرئيس، بَيْنَما يكُونُ صاحب العقل الذَّكي والمستنير (ضحيَّة) من ضحايا الاستغلال!
إنَّ الجامعات في العالَم العربي بحاجة ماسَّة للانتقال من الكلام التنظيري غير المُجدي الباردة إلى سخونة العقل والتفعيل التطبيقي الَّتي تشترطها عمليَّة التواشج بَيْنَ الأكاديميَّة والمُجتمع. لذا يكُونُ من الضروري التخلص من الرواسب الاجتماعيَّة الرجعيَّة في الأوساط الجامعيَّة؛ لأنَّها تُمثِّل أهمَّ مسبِّبات الإعاقة والتعويق على طريق مدِّ الجسور بَيْنَ المؤسَّسة الأكاديميَّة والمُجتمع. لسنا بحاجة لتقديم قوائم طويلة وزاخرة بأعداد خريجي البكالوريوس والدراسات العُليا للقيادات السِّياسيَّة، بقدر ما نحن بحاجة ماسَّة لتفعيل الخبرات الأكاديميَّة لتغذية داخل الإناء المُجتمعي على سبيل خدمة برامج التنمية الحقيقيَّة الَّتي تتطلب بناء إنسان حقيقي وليس تقديم إنسان لا يملك سوى (وريقة) اسمها الشهادة أو الدرجة العلميَّة.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الجامعة والم ة الأکادیمی الم جتمع فی حقول
إقرأ أيضاً:
إنتخابات طرابلس: معركة اللوائح التقليديّة والمجتمع المدني
كتبت دموع الاسمر في" الديار": لم يتبلور المشهد الانتخابي البلدي في طرابلس، ولا تزال الضبابية تسود اجواءه بانتظار تظهير المشهد خلال ايام قليلة ، عقب اقفال باب الترشح.
لكن يبدو ان حركة نواب طرابلس ناشطة باتجاه اكثر من خيار لرئاسة البلدية، ونصب اعينهم رئيس يحظى بتوافق سياسي، ومجلس بلدي متجانس منسجم، كيلا تتكرر خلافات نشبت في المجالس السابقة وادت الى عثرات، انعكست على الاداء البلدي في المدينة، وتسببت بتراجع انمائي وخدماتي فيها.
اسماء عديدة تطرح ونقاش دائر بين النواب فيصل كرامي واشرف ريفي وكريم كبارة وايهاب مطر، للتوصل الى توافق على اسم مرشح يحقق الاجماع حوله. في وقت ينأى فيه الرئيس نجيب ميقاتي عن الاستحقاق البلدي، بينما يوحي مقربون منه، ان اهتمامه يتركز على انتخابات المختارين في الاحياء الشعبية.
اما "تيار المستقبل"، ورغم قرار رئيسه بالعزوف عن هذا الاستحقاق، الا ان بيئته تدرس خيارات بين اللوائح المتوقعة، لتصب اصواتها في اللائحة الاقرب الى هواها السياسي.
وحسب مطلعين على الملف الانتخابي البلدي الطرابلسي، فثمة اعتقاد ان اتفاقا قد يحصل بين النائبين فيصل كرامي وطه ناجي، على دعم لائحة مقربة منهما، ومن شأن هذا الاتفاق ان يميل الدفة، نظرا الى حجم جمعية "الاحباش" الانتخابي في المدينة.
حتى اللحظة لم تحسم اللوائح او اسماء الـ ٢٤ عضوا مرشحا للمجلس البلدي، وفي الساعات المقبلة سوف ترتفع حرارة المعركة.
والجدير ذكره ان عدد الناخبين في طرابلس وفق لوائح الشطب يبلغ 265,121 ناخبا.
وان مهلة تقديم طلبات الترشيح للانتخابات البلدية والاختيارية، تنتهي عند منتصف ليل الأربعاء المقبل في 30 نيسان 2025، في حين تنتهي مهلة الرجوع عن الترشيح عند منتصف ليل يوم الاثنين في 5 أيار 2025. مواضيع ذات صلة إصرار رسمي على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها ومعارك اللوائح بدأت Lebanon 24 إصرار رسمي على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها ومعارك اللوائح بدأت 28/04/2025 05:54:34 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 انتخابات زحلة: تحالف مضاد سيفرض معركة Lebanon 24 انتخابات زحلة: تحالف مضاد سيفرض معركة
28/04/2025 05:54:34 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 النائب جبران باسيل: اللوائح المغلقة في كل لبنان تحترم التوازنات وبإمكاننا اعتمادها من دون تأجيل الانتخابات Lebanon 24 النائب جبران باسيل: اللوائح المغلقة في كل لبنان تحترم التوازنات وبإمكاننا اعتمادها من دون تأجيل الانتخابات
28/04/2025 05:54:34 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 ما جديد "اللوائح المقفلة" للانتخابات؟ Lebanon 24 ما جديد "اللوائح المقفلة" للانتخابات؟
28/04/2025 05:54:34 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً
لبنان الرسمي يُطالب واشنطن وباريس بتحمّل مسؤوليّاتهما
Lebanon 24 لبنان الرسمي يُطالب واشنطن وباريس بتحمّل مسؤوليّاتهما
22:04 | 2025-04-27 27/04/2025 10:04:00 Lebanon 24 Lebanon 24 حوار عون و"حزب الله"لم يبدأ بعد ولا معطيات حاسمة حيال الموعد والشكل
Lebanon 24 حوار عون و"حزب الله"لم يبدأ بعد ولا معطيات حاسمة حيال الموعد والشكل
22:06 | 2025-04-27 27/04/2025 10:06:00 Lebanon 24 Lebanon 24 إنتخابات بيروت: ساعات حاسمة قبل التوافق أو التأجيل
Lebanon 24 إنتخابات بيروت: ساعات حاسمة قبل التوافق أو التأجيل
22:08 | 2025-04-27 27/04/2025 10:08:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الـ 1559 تحت الفصل السابع؟
Lebanon 24 الـ 1559 تحت الفصل السابع؟
22:46 | 2025-04-27 27/04/2025 10:46:13 Lebanon 24 Lebanon 24 إنتخابات بلدية بنكهة سياسية
Lebanon 24 إنتخابات بلدية بنكهة سياسية
22:42 | 2025-04-27 27/04/2025 10:42:39 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
"أحلى لحظة بحياتي"... ممثل سوريّ "يطلب يدّ" داليدا خليل (فيديو)
Lebanon 24 "أحلى لحظة بحياتي"... ممثل سوريّ "يطلب يدّ" داليدا خليل (فيديو)
08:40 | 2025-04-27 27/04/2025 08:40:00 Lebanon 24 Lebanon 24 اقتصادياً.. أمر إيجابي يحصل في لبنان
Lebanon 24 اقتصادياً.. أمر إيجابي يحصل في لبنان
03:15 | 2025-04-27 27/04/2025 03:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور... ابنا مكسيم خليل يلفتان الأنظار بجمالهما
Lebanon 24 بالصور... ابنا مكسيم خليل يلفتان الأنظار بجمالهما
07:07 | 2025-04-27 27/04/2025 07:07:13 Lebanon 24 Lebanon 24 تغريدة جديدة لأدرعي... ماذا طلب من سكان الضاحية؟
Lebanon 24 تغريدة جديدة لأدرعي... ماذا طلب من سكان الضاحية؟
15:52 | 2025-04-27 27/04/2025 03:52:25 Lebanon 24 Lebanon 24 بدت عليها علامات التقدّم بالسن.. نادين الراسي بإطلالة خارجة عن المألوف (صور)
Lebanon 24 بدت عليها علامات التقدّم بالسن.. نادين الراسي بإطلالة خارجة عن المألوف (صور)
23:00 | 2025-04-26 26/04/2025 11:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
22:04 | 2025-04-27 لبنان الرسمي يُطالب واشنطن وباريس بتحمّل مسؤوليّاتهما 22:06 | 2025-04-27 حوار عون و"حزب الله"لم يبدأ بعد ولا معطيات حاسمة حيال الموعد والشكل 22:08 | 2025-04-27 إنتخابات بيروت: ساعات حاسمة قبل التوافق أو التأجيل 22:46 | 2025-04-27 الـ 1559 تحت الفصل السابع؟ 22:42 | 2025-04-27 إنتخابات بلدية بنكهة سياسية 22:36 | 2025-04-27 اختبار جدية حصر السلاح على المحكّ و"حماس" تشترط فيديو أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو)
Lebanon 24 أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو)
23:56 | 2025-04-23 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم
Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم
09:23 | 2025-04-21 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود
Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود
01:00 | 2025-04-15 28/04/2025 05:54:34 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24