رصد – نبض السودان

عاشت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس السبت، يوماً ساخناً من المعارك الضارية والاشتباكات الشرسة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، ودوت انفجارات مرعبة نتيجة القصف المدفعي العنيف المتبادل بين الطرفين، وتصاعدت أعمدة الدخان الأسود الكثيف في محيط منطقة الشجرة العسكرية، حيث سلاحا المدرعات والذخيرة والمناطق السكنية المجاورة لها في الرميلة والشجرة والعزوزاب واللاماب.

وأوضحت مصادر عسكرية أن قوات “الدعم السريع” شنت هجوماً مدفعياً كثيفاً على سلاح المدرعات منذ الساعات الأولى من صباح أمس، ورد عليه الطيران الحربي والمسير للجيش باستهداف مواقع تلك القوات في مناطق عدة بولاية الخرطوم، دمر خلالها عدداً من المركبات القتالية بوسط العاصمة مع خسائر بشرية كبيرة.

وأشارت المصادر ذاتها إلى تنفيذ قوات العمل الخاص المشتركة بين الجيش وهيئة العمليات بجهاز الاستخبارات الوطني عمليات برية حررت خلالها عدداً من الموطنين الذين كانت الميليشيات تعتقلهم بدعوى دعمهم الجيش أو ارتباطهم بالاستخبارات العسكرية.

أضافت المصادر أن سلاح الجو التابع للجيش حلق غرب البلاد في طلعات تمشيطية وتحذيرية حول الشريط الحدودي بين السودان ودولة تشاد، تمكن خلالها من تدمير رتل من المركبات القتالية.

كما شهدت أحياء جنوب الحزام وحي النهضة (الإنقاذ) والمناطق المجاورة لها إلى جانب شمال أم درمان تصعيداً شديداً في القصف المدفعي المتبادل بين الجانبين، أعقبه تحليق كثيف للطيران الحربي في سماء شمال العاصمة.

وتعرضت أحياء في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم لسقوط قذائف مدفعية أطلقتها قوات “الدعم السريع” يشك المواطنون في أنها (قنابل غازية).

وبحسب غرفة طوارئ الجبل، فإن المواطنين متخوفون من أن تكون المقذوفات التي سقطت في أحياء (الحلة الجديد، أراضي الجيش، البجا عبدالهادي، العباسية ودار السلام) أجساماً سامة، بينما ساد هدوء حذر في محيط حامية سلاح المهندسين عقب ليلة من المعارك العنيفة امتدت حتى ساعات متأخرة من الليل، إذ دارت اشتباكات عنيفة في منطقتي الفتيحاب وأبو سعد المربعات (13/ 14/ 15) المجاورة للحامية جنوب أم درمان.

على الصعيد السياسي تدخل المفاوضات بين الجيش و”قوات الدعم” في مدينة جدة السعودية يومها الرابع وسط أنباء عن اختراقات كبيرة في اتجاه إعلان وقف لإطلاق النار وفق ترتيبات محددة للفصل بين القوات عبر مراقبة عربية أفريقية.

وأكدت مصادر دبلوماسية مقربة من المفاوضات أن وفدي التفاوض أحرزا تقدماً ملحوظاً في المحادثات بدفع من الوساطة السعودية – الأميركية وحضور ممثلي الاتحاد الأفريقي و”الإيغاد”، وبلغا مرحلة نقاش بنود وقف العدائيات تمهيداً لوقف شامل لإطلاق النار، مشيرة إلى تشديد الوساطة على ضرورة الالتزام بتنفيذ مبادئ إعلان (جدة) كمنطلق ومرجعية للمفاوضات الحالية، لافتة إلى أن أي تقدم جديد في المفاوضات بات مرتبطاً بمستوى التقدم في ذلك الجانب.

أوضحت المصادر أن الأيام الثلاثة الماضية على التفاوض شهدت نحو خمس جلسات، شارف المفاوضون فيها على الانتهاء من ترتيبات ما قبل وقف إطلاق النار، المرتبطة بتفاصيل الفصل بين القوات والمراقبة، مشيرة إلى نجاح الوساطة في تجاوز بعض الخلافات والتحفظات الشكلية والإجرائية من الجانبين، بخاصة احتجاج وفد “الدعم السريع” على وجود سفير مدني (عمر صديق) في مفاوضات تخص جهتين عسكريتين، حيث يتهمه الوفد بالانتماء إلى المؤتمر الوطني المنحل.

وكشف القيادي بالحرية والتغيير عروة الصادق عن أن مجموعة اشتراطات وإجراءات للتأكد من تنفيذ جميع التدابير المتفق عليها هي التي تؤخر إعلان الاتفاق بين الطرفين بشكل رسمي علني.

وأوضح في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس” أن الإعلان عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل تنفيذ الشروط والتدابير والإجراءات المتفق عليها، سيؤدي إلى عدم الالتزام بالاتفاق وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً، مما يؤدي إلى تصاعد النزاع وزيادة حدته.

من جهته شدد ياسر عرمان، القيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، على ضرورة إنهاء الطرفين المتفاوضين في جدة لهذه الحرب والتوصل لوقف عدائيات إنساني طويل المدى، والاتفاق على طريق جديد لتأسيس الدولة وتأسيس القوات المسلحة على أسس مهنية وقومية.

طلب عرمان من عضو وفد الجيش المفاوض السفير عمر صديق، ومن وصفهم بفلول النظام السابق من خلفه أن “يبتعدوا عن مفاوضات جدة، التي تعد فرصة نادرة لمصلحة جميع الأطراف، تحتاج إلى التفكير خارج الصندوق، لا للتوقف عند الإجراءات”، مردفاً، “علينا دعم الطرفين في جدة لينتصر الوطن في الحرب ببناء دولة جديدة لمصلحة جميع السودانيين”.

واعتبر القيادي بالحرية والتغيير، في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، سقوط مدينة نيالا أكبر الحاميات في دارفور، متغيراً نوعياً في دارفور والحرب، وعد حصار فرقة الهجانة بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان برمزيتها الكبيرة، مؤشراً واضحاً على اتساع رقعة التدمير والخراب الذي ألحقه من وصفهم بـ”فلول النظام السابق” بالجيش وإصرارهم على الدفع به للانقلاب والحرب. وتابع “حتى الآن لم تصدر القوات المسلحة بياناً بخصوص نيالا، وهذه ليست حرب كرامة، بل حرب فلول وخراب، يجب أن تتوقف لمصلحة الشعب أولاً، ثم الجيش و(الدعم السريع)”، مطالباً الجيش بعزل الفلول وتقديم رؤية شاملة في مفاوضات جدة.

في السياق أوضح المتخصص في العلاقات الدولية محمد سعيد نور الدين أن التحاق الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” بمنبر جدة التفاوضي يعزز مقاربة تجميع المبادرات التي طرحت لوقف الحرب السودانية، مشيراً إلى أن توسيع المنبر يجعل الوساطة أكبر نفوذاً، وأكثر موثوقية بالنسبة إلى الطرفين.

وتوقع نور الدين أن يسفر تضافر الجهود الإقليمية والدولية في منبر جدة عن وقف الحرب لمدة ستة أشهر تتواصل خلاها جهود تعزيز وترميم صدوع الثقة، وصولاً إلى الوقف الدائم لإطلاق النار، لافتاً إلى أهمية الدور الوطني في دفع تلك الجهود، مطالباً الجانبين بالتحلي بالشجاعة والإرادة الكافية لإنجاز وقف إطلاق النار الفوري.

ولفت المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن “القادة العسكريين باتوا تحت ضغط كبير وهم يدركون حجم الأخطار التي تهدد البلاد بسبب تمدد الحرب إلى ولايات أخرى كلياً وجزئياً، شملت الخرطوم وشمال وجنوب وغرب كردفان، فضلاً عن ولايات دارفور الخمس والجزيرة والنيل الأبيض، ناهيك بدخول الحرب إلى كل بيت سوداني”.

وحذر نور الدين من “إهدار فرصة المفاوضات الحالية التي قد تكون الفرصة الذهبية لوقف الحرب لمصلحة الوطن والشعب السوداني، وربما تكون الأخيرة، وسيمثل فشلها بداية للتقسيم الفعلي للبلاد، الذي بدأت تلوح ملامحه بعد سقوط مدينة نيالا ثاني أكبر وأهم المدن السودانية بعد الخرطوم، في يد (الدعم السريع)، ومن غير المستبعد أن يجعلها منطلقاً لتشكيل حكومة موازية هناك، في ولوج مباشر نحو السيناريو الليبي”. وتابع “باتت الوساطة الآن ذات طابع دولي أممي وإقليمي، مما يعني أن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيكون معترفاً به دولياً، فضلاً عن أن فشل المفاوضات قد يدفع الوساطة إلى البحث عن خيارات بديلة لحماية المدنيين الذين يعيشون أوضاعاً مزرية تحتم على المجتمع الدولي النظر في خيارات بديلة، أهمها التدخل الدولي المبرر بموجب القوانين الدولية وشواهد الممارسة الفعلية بالتدخل لحماية المدنيين في حالات مشابهة عديدة”.

في دارفور كشفت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين عن أن نحو 109 من نازحين بمخيمات النزوح المحيطة بمدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور قد لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

ولفتت المنسقية إلى أنه منذ أكثر من شهر يحرم نازحو معسكر الحصاحيصا داخل المدينة من الحصول على الرعاية الطبية أو جلب الإمدادات الغذائية.

وأطلقت غرفة طوارئ زالنجي، صرخة استغاثة لمساعدة العالقين داخل المعسكر لتفادي وضع كارثي نتيجة عدم دخول أية إمدادات غذائية إلى المعسكر منذ شهر كامل، في وقت نفدت فيه الإمدادات، إلى جانب النقص الحاد في مياه الشرب الذي أسهم بدوره في تدهور الوضع الغذائي والصحي داخل المعسكر.

بحسب المتحدث باسم المنسقية آدم رجال فإنه لم يعد هناك سبيل لوصول المساعدات الإنسانية إلى 155 معسكراً تعتمد كلها على المساعدات الإنسانية، التي توقفت مع اندلاع الحرب الراهنة.

من جهته دعا رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت شقي الحرية والتغيير (المجلس المركزي) و(الكتلة الديمقراطية) إلى الاجتماع بالعاصمة جوبا لبحث توحيد المجموعتين وسبل إنهاء الحرب مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وحض ميارديت في لقائه قادة الحركات الموقعة على السلام عقب الاجتماع التشاوري بينهم في جوبا على العمل المشترك لتعزيز وحدة القيادات السياسية السودانية والبحث بشكل تعاوني عن حل سياسي للأزمة المستمرة في بلاده.

وفوض رئيس جنوب السودان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، العمل على تنسيق الجهود والاستراتيجيات مع نظرائه في المنطقة بهدف دعم جهود الحوار والحل السلمي للصراع السوداني، مشيراً إلى تقدم ملحوظ وكبير تحقق في هذه المهمة.

وشدد ميارديت على ضرورة تركيز المفاوضات الجارية الآن في مدينة جدة السعودية، بالدرجة الأولى على إنهاء الأعمال العدائية وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية، وتمكين المدنيين من العودة إلى منازلهم دون عوائق كمطلب أساس ملح وأولوية قصوى.

اندبندت عربية

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الفرصة ضياع مراقبون من يحذرون الدعم السریع وقف الحرب إلى أن

إقرأ أيضاً:

صحيفة عبرية: الحرب مع حزب الله باتت أقرب من أي وقت ومحللون يحذرون

قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" في تحليل: "إن الوقت الحالي هو الأقرب لإسرائيل من الحرب الشاملة مع حزب الله اللبناني منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".

وأضافت: أن "وزير الدفاع يوآف غالانت ليس الوحيد الذي أخبر نظيره الأمريكي لويد أوستن، الاثنين، أن احتمالات التوصل إلى حل دبلوماسي مع حزب الله في الشمال قد انتهت".

وتابعت: "الشائعات تقول إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينوي استبدال غالانت بجدعون ساعر وزيرا للدفاع من أجل الحصول على دعم أكبر لعملية كبرى ضد حزب الله".

ونقلت عن مصادر إسرائيلية لم تسمها: "إذا مرت أكثر من 4 - 6 أسابيع دون عملية، فقد يكون من المستحيل - أو أصعب بكثير - تنفيذها حتى ربيع عام 2025".


وقالت: "هذا يعني إبقاء سكان شمال إسرائيل لمدة 6 أشهر أخرى خارج منازلهم، وهو أمر أصبح غير مقبول على نحو متزايد محليا".

وأضافت الصحيفة: "في ظل الإصرار على نجاح الجيش الإسرائيلي في غزو خان يونس (جنوب قطاع غزة) وهزيمة حماس في الشجاعية شمال القطاع منتصف الشتاء الماضي، قالت المصادر إن الشتاء في لبنان الجبلي أشد ضراوة وصعوبة في التعامل معه من الشتاء في صحارى غزة".

واستدركت: "لا يعني أي من هذا أن حربا أوسع نطاقا مع حزب الله أمر مؤكد؛ فالأمر لا يزال يشكل اقتراحا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل وحزب الله، وأيضا بالنسبة لرعاة الجانبين: الولايات المتحدة وإيران".

واعتبرت الصحيفة، أن "هذه الفترة هي الأكثر خطورة في الشمال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".

في المقابل يحذر مسؤولون بارزون في جيش الاحتلال الإسرائيلي والأجهزة الأمنية من خطوات متسارعة تخطط لها الحكومة على الجبهة الشمالية مع لبنان، والتي قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة.

وبحسب محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، رونين بيرغمان، فإن مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي وفي الأجهزة الأمنية يحذرون من "خطوات متسرعة تخطط لها حكومة إسرائيل في الشمال". وفقًا لأحد المسؤولين، "من جهة، هذه الخطوات تنطوي على خطر ملموس للغاية لتفجير حرب شاملة؛ ليس فقط على الحدود مع لبنان، بل في المنطقة بأكملها. ومن جهة أخرى، لا تضمن إطلاقًا حلاً يسمح لسكان الشمال بالعودة إلى منازلهم"، وفق موقع "عرب48".


وأضاف المسؤول: "حكومة إسرائيل تريد الآن دفع الجيش الإسرائيلي إلى مواجهة مع حزب الله، التي من المحتمل أن تتحول إلى حرب شاملة، وكل ذلك للوصول إلى نفس النقطة التي كان من الممكن الوصول إليها دون استخدام الوسائل العنيفة: موافقة نصر الله على اتفاق سياسي يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم. لو تم التوصل إلى صفقة أسرى، وتم تعليق الحرب في غزة مؤقتًا، لكان من المرجح جدًا التوصل إلى اتفاق أيضًا في الشمال".

ومنذ 8 من تشرين الأول/ أكتوبر تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر "الخط الأزرق" الفاصل؛ خلّف مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

وتطالب هذه الفصائل بإنهاء حرب مدمرة تشنها "إسرائيل" بدعم أمريكي على غزة منذ 7 أكتوبر؛ ما أسفر عن أكثر من 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيي، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الأمريكي يدعو الجيش و الدعم السريع للعودة للتفاوض و يهدد بالمحاسبة
  • جبريل إبراهيم: الجيش قوة شرعية له الحق في الحصول على السلاح من أي مكان
  • قيادةَ «الدعم السريع» لم تتوقَّع أن تستمر الحرب الخاطفة إلى هذا الحد
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • خبراء يحذرون: حرب غزة تكبد إسرائيل 10% من اقتصادها
  • صحيفة عبرية: الحرب مع حزب الله باتت أقرب من أي وقت ومحللون يحذرون
  • ما هو موقفي من قوات الدعم السريع؟
  • تحالف مدني سوداني يجدد الدعوة لتسليم البشير ورفاقه لـ«الجنائية الدولية» ،، «القوى المدنية المتحدة» تدعو لوقف الحرب وتنفي علاقتها بـ«الدعم السريع»
  • البرهان يوافق على مبادرة من سلفاكير بشأن الحرب مع الدعم السريع
  • ???? هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟