مراقبون يحذرون من ضياع الفرصة الأخيرة لوقف الحرب
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
رصد – نبض السودان
عاشت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس السبت، يوماً ساخناً من المعارك الضارية والاشتباكات الشرسة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، ودوت انفجارات مرعبة نتيجة القصف المدفعي العنيف المتبادل بين الطرفين، وتصاعدت أعمدة الدخان الأسود الكثيف في محيط منطقة الشجرة العسكرية، حيث سلاحا المدرعات والذخيرة والمناطق السكنية المجاورة لها في الرميلة والشجرة والعزوزاب واللاماب.
وأوضحت مصادر عسكرية أن قوات “الدعم السريع” شنت هجوماً مدفعياً كثيفاً على سلاح المدرعات منذ الساعات الأولى من صباح أمس، ورد عليه الطيران الحربي والمسير للجيش باستهداف مواقع تلك القوات في مناطق عدة بولاية الخرطوم، دمر خلالها عدداً من المركبات القتالية بوسط العاصمة مع خسائر بشرية كبيرة.
وأشارت المصادر ذاتها إلى تنفيذ قوات العمل الخاص المشتركة بين الجيش وهيئة العمليات بجهاز الاستخبارات الوطني عمليات برية حررت خلالها عدداً من الموطنين الذين كانت الميليشيات تعتقلهم بدعوى دعمهم الجيش أو ارتباطهم بالاستخبارات العسكرية.
أضافت المصادر أن سلاح الجو التابع للجيش حلق غرب البلاد في طلعات تمشيطية وتحذيرية حول الشريط الحدودي بين السودان ودولة تشاد، تمكن خلالها من تدمير رتل من المركبات القتالية.
كما شهدت أحياء جنوب الحزام وحي النهضة (الإنقاذ) والمناطق المجاورة لها إلى جانب شمال أم درمان تصعيداً شديداً في القصف المدفعي المتبادل بين الجانبين، أعقبه تحليق كثيف للطيران الحربي في سماء شمال العاصمة.
وتعرضت أحياء في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم لسقوط قذائف مدفعية أطلقتها قوات “الدعم السريع” يشك المواطنون في أنها (قنابل غازية).
وبحسب غرفة طوارئ الجبل، فإن المواطنين متخوفون من أن تكون المقذوفات التي سقطت في أحياء (الحلة الجديد، أراضي الجيش، البجا عبدالهادي، العباسية ودار السلام) أجساماً سامة، بينما ساد هدوء حذر في محيط حامية سلاح المهندسين عقب ليلة من المعارك العنيفة امتدت حتى ساعات متأخرة من الليل، إذ دارت اشتباكات عنيفة في منطقتي الفتيحاب وأبو سعد المربعات (13/ 14/ 15) المجاورة للحامية جنوب أم درمان.
على الصعيد السياسي تدخل المفاوضات بين الجيش و”قوات الدعم” في مدينة جدة السعودية يومها الرابع وسط أنباء عن اختراقات كبيرة في اتجاه إعلان وقف لإطلاق النار وفق ترتيبات محددة للفصل بين القوات عبر مراقبة عربية أفريقية.
وأكدت مصادر دبلوماسية مقربة من المفاوضات أن وفدي التفاوض أحرزا تقدماً ملحوظاً في المحادثات بدفع من الوساطة السعودية – الأميركية وحضور ممثلي الاتحاد الأفريقي و”الإيغاد”، وبلغا مرحلة نقاش بنود وقف العدائيات تمهيداً لوقف شامل لإطلاق النار، مشيرة إلى تشديد الوساطة على ضرورة الالتزام بتنفيذ مبادئ إعلان (جدة) كمنطلق ومرجعية للمفاوضات الحالية، لافتة إلى أن أي تقدم جديد في المفاوضات بات مرتبطاً بمستوى التقدم في ذلك الجانب.
أوضحت المصادر أن الأيام الثلاثة الماضية على التفاوض شهدت نحو خمس جلسات، شارف المفاوضون فيها على الانتهاء من ترتيبات ما قبل وقف إطلاق النار، المرتبطة بتفاصيل الفصل بين القوات والمراقبة، مشيرة إلى نجاح الوساطة في تجاوز بعض الخلافات والتحفظات الشكلية والإجرائية من الجانبين، بخاصة احتجاج وفد “الدعم السريع” على وجود سفير مدني (عمر صديق) في مفاوضات تخص جهتين عسكريتين، حيث يتهمه الوفد بالانتماء إلى المؤتمر الوطني المنحل.
وكشف القيادي بالحرية والتغيير عروة الصادق عن أن مجموعة اشتراطات وإجراءات للتأكد من تنفيذ جميع التدابير المتفق عليها هي التي تؤخر إعلان الاتفاق بين الطرفين بشكل رسمي علني.
وأوضح في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس” أن الإعلان عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل تنفيذ الشروط والتدابير والإجراءات المتفق عليها، سيؤدي إلى عدم الالتزام بالاتفاق وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً، مما يؤدي إلى تصاعد النزاع وزيادة حدته.
من جهته شدد ياسر عرمان، القيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، على ضرورة إنهاء الطرفين المتفاوضين في جدة لهذه الحرب والتوصل لوقف عدائيات إنساني طويل المدى، والاتفاق على طريق جديد لتأسيس الدولة وتأسيس القوات المسلحة على أسس مهنية وقومية.
طلب عرمان من عضو وفد الجيش المفاوض السفير عمر صديق، ومن وصفهم بفلول النظام السابق من خلفه أن “يبتعدوا عن مفاوضات جدة، التي تعد فرصة نادرة لمصلحة جميع الأطراف، تحتاج إلى التفكير خارج الصندوق، لا للتوقف عند الإجراءات”، مردفاً، “علينا دعم الطرفين في جدة لينتصر الوطن في الحرب ببناء دولة جديدة لمصلحة جميع السودانيين”.
واعتبر القيادي بالحرية والتغيير، في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، سقوط مدينة نيالا أكبر الحاميات في دارفور، متغيراً نوعياً في دارفور والحرب، وعد حصار فرقة الهجانة بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان برمزيتها الكبيرة، مؤشراً واضحاً على اتساع رقعة التدمير والخراب الذي ألحقه من وصفهم بـ”فلول النظام السابق” بالجيش وإصرارهم على الدفع به للانقلاب والحرب. وتابع “حتى الآن لم تصدر القوات المسلحة بياناً بخصوص نيالا، وهذه ليست حرب كرامة، بل حرب فلول وخراب، يجب أن تتوقف لمصلحة الشعب أولاً، ثم الجيش و(الدعم السريع)”، مطالباً الجيش بعزل الفلول وتقديم رؤية شاملة في مفاوضات جدة.
في السياق أوضح المتخصص في العلاقات الدولية محمد سعيد نور الدين أن التحاق الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” بمنبر جدة التفاوضي يعزز مقاربة تجميع المبادرات التي طرحت لوقف الحرب السودانية، مشيراً إلى أن توسيع المنبر يجعل الوساطة أكبر نفوذاً، وأكثر موثوقية بالنسبة إلى الطرفين.
وتوقع نور الدين أن يسفر تضافر الجهود الإقليمية والدولية في منبر جدة عن وقف الحرب لمدة ستة أشهر تتواصل خلاها جهود تعزيز وترميم صدوع الثقة، وصولاً إلى الوقف الدائم لإطلاق النار، لافتاً إلى أهمية الدور الوطني في دفع تلك الجهود، مطالباً الجانبين بالتحلي بالشجاعة والإرادة الكافية لإنجاز وقف إطلاق النار الفوري.
ولفت المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن “القادة العسكريين باتوا تحت ضغط كبير وهم يدركون حجم الأخطار التي تهدد البلاد بسبب تمدد الحرب إلى ولايات أخرى كلياً وجزئياً، شملت الخرطوم وشمال وجنوب وغرب كردفان، فضلاً عن ولايات دارفور الخمس والجزيرة والنيل الأبيض، ناهيك بدخول الحرب إلى كل بيت سوداني”.
وحذر نور الدين من “إهدار فرصة المفاوضات الحالية التي قد تكون الفرصة الذهبية لوقف الحرب لمصلحة الوطن والشعب السوداني، وربما تكون الأخيرة، وسيمثل فشلها بداية للتقسيم الفعلي للبلاد، الذي بدأت تلوح ملامحه بعد سقوط مدينة نيالا ثاني أكبر وأهم المدن السودانية بعد الخرطوم، في يد (الدعم السريع)، ومن غير المستبعد أن يجعلها منطلقاً لتشكيل حكومة موازية هناك، في ولوج مباشر نحو السيناريو الليبي”. وتابع “باتت الوساطة الآن ذات طابع دولي أممي وإقليمي، مما يعني أن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيكون معترفاً به دولياً، فضلاً عن أن فشل المفاوضات قد يدفع الوساطة إلى البحث عن خيارات بديلة لحماية المدنيين الذين يعيشون أوضاعاً مزرية تحتم على المجتمع الدولي النظر في خيارات بديلة، أهمها التدخل الدولي المبرر بموجب القوانين الدولية وشواهد الممارسة الفعلية بالتدخل لحماية المدنيين في حالات مشابهة عديدة”.
في دارفور كشفت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين عن أن نحو 109 من نازحين بمخيمات النزوح المحيطة بمدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور قد لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
ولفتت المنسقية إلى أنه منذ أكثر من شهر يحرم نازحو معسكر الحصاحيصا داخل المدينة من الحصول على الرعاية الطبية أو جلب الإمدادات الغذائية.
وأطلقت غرفة طوارئ زالنجي، صرخة استغاثة لمساعدة العالقين داخل المعسكر لتفادي وضع كارثي نتيجة عدم دخول أية إمدادات غذائية إلى المعسكر منذ شهر كامل، في وقت نفدت فيه الإمدادات، إلى جانب النقص الحاد في مياه الشرب الذي أسهم بدوره في تدهور الوضع الغذائي والصحي داخل المعسكر.
بحسب المتحدث باسم المنسقية آدم رجال فإنه لم يعد هناك سبيل لوصول المساعدات الإنسانية إلى 155 معسكراً تعتمد كلها على المساعدات الإنسانية، التي توقفت مع اندلاع الحرب الراهنة.
من جهته دعا رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت شقي الحرية والتغيير (المجلس المركزي) و(الكتلة الديمقراطية) إلى الاجتماع بالعاصمة جوبا لبحث توحيد المجموعتين وسبل إنهاء الحرب مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وحض ميارديت في لقائه قادة الحركات الموقعة على السلام عقب الاجتماع التشاوري بينهم في جوبا على العمل المشترك لتعزيز وحدة القيادات السياسية السودانية والبحث بشكل تعاوني عن حل سياسي للأزمة المستمرة في بلاده.
وفوض رئيس جنوب السودان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، العمل على تنسيق الجهود والاستراتيجيات مع نظرائه في المنطقة بهدف دعم جهود الحوار والحل السلمي للصراع السوداني، مشيراً إلى تقدم ملحوظ وكبير تحقق في هذه المهمة.
وشدد ميارديت على ضرورة تركيز المفاوضات الجارية الآن في مدينة جدة السعودية، بالدرجة الأولى على إنهاء الأعمال العدائية وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية، وتمكين المدنيين من العودة إلى منازلهم دون عوائق كمطلب أساس ملح وأولوية قصوى.
اندبندت عربية
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الفرصة ضياع مراقبون من يحذرون الدعم السریع وقف الحرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
استضافت كينيا الأسبوع الماضي اجتماعات متتالية للاتفاق على ميثاق (مانفستو) تؤسس عليه حكومة الدعم السريع التي تنوي إقامتها افتراضيًا أو مكانيًا (بحسب تمدد العمليات العسكرية الجارية حاليًا في مختلف مناطق السودان)، ونحاول هنا أن نراجع خط الزمن من بدايته لنعرف السياق الذي ألجأ المجتمعين هناك إلى اتخاذ تلك الخطوة.
الخطة الأساسية للهجوم الذي ابتدأته قوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان 2023، هي الانقضاض على الحكومة السودانية والقبض على قائد الجيش أو قتله، كما صرح بذلك علنًا قائد الدعم السريع قبل اختفائه هو، وخروج قائد الجيش إلى بورتسودان.
تمدد الدعم السريع بعد مجزرة الجنينة في مايو/ أيار 2023، ليمضي لتنفيذ جرائم مشهودة قتلًا واغتصابًا وتدميرًا وسرقة، وثقتها المنظمات الأممية، ويهجر ملايين السودانيين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق، ليحل في منازلهم وأعيانهم بديلًا عنهم من أتى بهم الدعم السريع من عرب الشتات من مختلف الدول.
امتصّ الجيش السوداني الصدمة، وأعاد ترتيب صفوفه التي انضم إليها الآلاف من عموم السودانيين، منهم المجاهدون السابقون والمستنفرون الحاليون ومجموعات الحركات المسلحة التي ذاقت الأمرّين من الجنجويد منذ عام 2005.
إعلانعاد الجيش السوداني متمكنًا من أم درمان ومستعيدًا مواقعه ومحررًا لولايتَي سنار، والجزيرة ومناطق واسعة في الخرطوم، هُزمت فيها مجموعات الدعم السريع هزائم مريرة، أوضحت قوة الجيش السوداني المهنية وصحة ترتيباته وخططه العسكرية.
وقتها علت أصوات كانت خافتة من داخل الحاضنة السياسية للدعم السريع، تتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة موازية تنطلق من دارفور حيث ينتشر الدعم السريع ووسط حاضنته الاجتماعية. صدى هذه الأصوات انتهى لخروج جزء من الحاضنة السياسية وانشطار "قحت/ تقدم" إلى مجموعات مضى جزء منها مواليًا وداعمًا ومشاركًا في تأسيس منطلقات الحكومة الموازية.
الانتقال إلى الخطة (ب)هكذا انتقلت ترتيبات المخطط للخيار (ب) بتشكيل حكومة موازية تضمن استمرار الحرب ووجود لافتة الدعم السريع التي تراجعت تمامًا وانهزمت عسكريًا في كل المعارك، وفي غالب الولايات عدا دارفور. ذلك سيضمن مكاسب عند التسوية السياسية بنهاية الحرب.
لتنفيذ ذلك، عمد المخططون إلى محاصرة الحكومة السودانية خارجيًا بتأثير مباشر على دول الجوار، كينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، إضافة إلى تشاد التي غدت مركزًا رئيسيًا للإمداد بالعتاد والسلاح الخارجي للدعم السريع.
يضمن ذلك تمدد التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، ولربما مضت إلى أجندة ومصالح أجنبية تمضي إلى فصل دارفور، وكردفان عن بقية السودان، وما انفصال الجنوب ببعيد بعد أن تمددت الأيادي والمنابر الخارجية لتنال من وحدة السودان وأهله.
تكررت ذات المشاهد وفتحت كينيا أبوابها ومنابرها لمخطط مماثل يمضي على ذات منوال ليبيا، واليمن. قبلت كينيا أن تقوم بالدور وتفتح أراضيها للمؤامرة، وهي الدولة التي تعرضت أواخر عام 2007 لذات النزاعات السياسية والقبلية عقب الانتخابات، وقتها سقط آلاف الأبرياء من القتلى والنازحين في مدنها المختلفة، وقتها رفضت كينيا كل أشكال ومبررات التدخل الخارجي.
إعلانواليوم لا تسعف الذاكرة كينيا وهي تجسد دور التدخل الخارجي وتمهد الطريق لتقسيم السودان وتمزيق وحدته وتقدم المنصة الدعم المطلوب لذلك.
جمع المخططون الشتاتَ والتناقضَ من هنا وهناك مع الدعم السريع، للإيهام بأن من يقف وراء الخطة قوم معتبرون سياسيًا واجتماعيًا من مختلف مناطق السودان، وأنفقت الأموال بلا حساب لتنفيذ المخطط، كما أكد عدد من المشاركين أنفسهم.
نتج عن جمع التناقضات تأخير التوقيع لمرتين وإلغاء المؤتمر الصحفي الذي أُعلن عنه في نيروبي، هذا علاوة عن تصريحات مشككة وضعيفة من بعض المشاركين حول ماهية تفاصيل الوثيقة والميثاق وما يتبعها من خطوات، وإلى أين ستمضي؟ ومن سيقودها ويشكل حكومتها؟ ومن يمولها؟ وأين سيكون مقر هذه الحكومة؟ وغيرها من الأسئلة.
وقبل أن نخوض في قراءة الميثاق الذي من المفترض أن تؤسس عليه حكومة الدعم السريع الموازية للحكومة السودانية القائمة، يجدر أن نجيب عن سؤالي المدخل لهذا الحدث:
السؤال الأول: لماذا انعقد اللقاء في نيروبي؟اللقاء في نيروبي انعقد تأسيسًا على ما يجمع قائد الدعم السريع والرئيس الكيني من علاقة قديمة بدأت منذ كان الثاني نائبًا للرئيس الكيني، توثقت بشراكة اقتصادية بينهما في استخراج الذهب من عدة مناطق بالسودان، وربطت الرجلين تفاصيل المخطط الخارجي الذي يرمي إلى استغلال موارد السودان والتحكم في ثرواته وإدارة موارده وسلطته.
هكذا أصبح روتو منحازًا، بل ومتبنيًا لسردية الجنجويد منذ أول تدخل له في النزاع المسلح في السودان عام 2023، ومحاولته قيادة لجنة الإيغاد (IGAD) التي لم يكن ابتداءً طرفًا فيها. من تلك البداية وحتى البيان الأخير الذي صدر عن الحكومة الكينية الأسبوع الماضي، تأكد بوضوح الموقف الكيني المنحاز للدعم السريع.
أولى وأهم نقاط البيان الكيني، هي غياب الإشارة المباشرة إلى وحدة أراضي السودان، وهو أمر متعارف عليه دبلوماسيًا، ما يعني دعم كينيا لتقسيم السودان بإقامة حكومة أخرى تحكم أجزاء منه، وعمليًا تقسيم البلاد، وذلك ما ورد في الميثاق التأسيسي الموقع في نيروبي.
إعلانلتأكيد ذلك، ذكر البيان "حق الشعب السوداني في تقرير مصيره"، وهو تعبير واضح يفتح الباب إلى إعادة تقرير مصير أجزاء من السودان وخروجها من الحكومة المركزية، وهو اعتراف ضمني بدور قوات الدعم السريع كفاعل سياسي يمثل مجموعات من الشعب السوداني تختار دولتها كما ترى وترغب، مما يخرج كينيا تمامًا عن الحياد، ويؤكد التزامها بمسار المخطط وما تقوم به قوات الدعم السريع. استضافة قوات الدعم السريع في نيروبي لا تأتي في سياق وساطة، وإنما كجزء من موقف كيني في التعامل مع الأزمة السودانية.
لا يمكن مقارنة هذا الموقف الكيني بمحادثات مشاكوس/ نيفاشا 2002، التي كانت نتاج عملية تفاوضية تحت إشراف الإيغاد (IGAD) وبمشاركة طرفي النزاع: (الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان).
اللقاء الأخير في نيروبي جمع فقط مجموعات الدعم السريع ومناصريهم، وهدف إلى تشكيل حكومة موازية دون حضور الطرف الآخر (حكومة السودان أو حتى القوات المسلحة). غياب الطرف الآخر يفقد الحدث صفة الوساطة أو المفاوضات أو المحادثات.
انعقاد المؤتمر بقرار كيني منفرد يضعف مصداقية الرئيس روتو كوسيط، ويعزز الشكوك حول حياده، ويؤكد انطباع السودانيين أن كينيا منحازة للدعم السريع.
يجمع بين حميدتي وروتو أيضًا النزعة العرقية التي يقوم عليها كلٌّ منهما، ففي الانتخابات الكينية عام 2007، اندلعت احتجاجات عنيفة في البلاد بدعوى تزوير الانتخابات، وأخذت الاحتجاجات طابعًا عرقيًا، وشاركت فيها عرقية الكالينجين (قبيلة روتو) وغيرها، الأمر الذي أصدرت على إثره المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، قائمة بالمسؤولين عن التحريض على العنف، من بينهم الرئيس روتو، واتهمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبتنظيم وتنسيق لهجمات دموية مسلحة استهدفت مجموعات عرقية.
كينيا، التي تتدخل الآن في الشأن السوداني، لا تنفك عنها الأزمات منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، فمن دوامة الاقتتال إثر انتخابات 2007، التي خلفت المئات من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، مرورًا بأحداث القتل في 2013 إثر الانتخابات التي جمعت بين أهورو كينياتا ورفيقه وليام روتو، وهما من بين أربعة أشخاص وجهت إليهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بشأن حمام الدم الذي وقع في الانتخابات السابقة، ثم التدخل الكيني في الصومال، الذي تبعه رد فعل صومالي مماثل في كينيا أودى بحياة المئات، ثم أعمال العنف التي صاحبت انتخابات عام 2022، والتي اتُهم روتو بتزويرها لصالحه ليصبح رئيسًا بعد ستة أيام من صمت لجنة الانتخابات.
إعلانلم تستقر الأوضاع الاقتصادية في كينيا، وتكررت الاحتجاجات العنيفة مع استمرار التضخم الاقتصادي في الارتفاع، مع تراجع مقدرات الكينيين الشرائية، ما دعا الحكومة الكينية إلى سنّ قوانين مالية جديدة تفرض زيادات ضريبية كبيرة على المواد الأساسية.
اندلعت التظاهرات وتحولت إلى تعبير شعبي عن السخط إزاء طبقة سياسية يُنظر إليها على أنها فاسدة، وسقط العشرات قتلى في التظاهرات، وانتقدت الأمم المتحدة الحكومة الكينية لاستخدامها "القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين"، واتهمتها "بالفشل في حماية مواطنيها أثناء ممارسة حقوقهم الديمقراطية"، ما دعا الرئيس الكيني إلى التراجع عنها. أوشكت حكومة روتو على السقوط، وضحّى بإقالة غالب وزرائه.
الوضع الاقتصادي المتردي فتح الباب للمخطط الخارجي لابتزاز الرئيس الكيني بالدعم الاقتصادي، ما فتح الباب لأطراف إقليمية تملك الأموال لإغراء كينيا لدعم أجندة الدعم السريع مقابل وعود بمئات الملايين من الدولارات.
هكذا انضمت كينيا إلى مخطط تدمير وحدة السودان وتقسيمه، وأقيم المؤتمر التأسيسي لذلك في 19 فبراير/ شباط 2025، لتقديم مليشيات الدعم السريع بواجهة سياسية وغطاء مدني من بعض الموالين قبليًا ومناطقيًا، وبعض من أغراهم الدعم المالي.
في المقابل، استنكر مسؤولون كينيون هذه الخطوة، التي تشكل دعمًا ضمنيًا لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الحكومة السودانية، ومنهم برلمانيون ووسائل إعلام أكدوا أن هذا التصعيد يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم ونيروبي، في وقت حساس تمر فيه كينيا بتحديات داخلية وخارجية.
توقع عدد من القيادات السياسية الكينية ألا يقبل الأفارقة بالدور المنحاز الذي تلعبه حكومتهم ضد الحكومة السودانية، وذلك ما حدث بالفعل في أول محفل أفريقي جامع، إذ سقط المرشح الكيني (رئيس الوزراء السابق) في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي أمام مرشح جيبوتي (وزير خارجيتها)، ما عُدّ انتكاسة كبرى للسياسة الكينية ووزنها الأفريقي.
إعلانكذلك، يتوقع الكينيون ردات فعل سياسية واقتصادية من الحكومة السودانية تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، وربما تقود إلى تعقيدات حادة في عدة مجالات ومحاور ضارة بكينيا.
السؤال الثاني: من الحاضرون؟ ومن يمثلون؟بعد فشل مشروعها الأساسي بهزيمة الجيش السوداني وتدميره والاستيلاء على الحكم بكامل البلاد، لجأت المؤامرة الخارجية للخطة (ب) بالإعلان عبر مجموعات الدعم السريع عن ميثاق تأسيسي يمضي لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
المجموعات التي انضمت للدعوة لا تعدو كونها انشطارات صورية عن أحزاب تقليدية معروفة بموقفها من الدعم السريع منذ تأسيسه إبان حكم الإنقاذ.
من وقع عن حزب الأمة لم يستذكر موقف الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله، من الجنجويد، وجهره بكلمة الحق منتصف عام 2014، والتي أكد فيها "ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب لممتلكات المواطنين، وضم عناصر غير سودانية إلى صفوفها، والعمل خارج نطاق القوات النظامية".
موقف الحزب ممن وقع باسمه كان سريعًا وحاسمًا بإقالته من رئاسة الحزب. كذا كان نفس الموقف لمن وقع باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي. أما بقية من وقع من المدنيين والواجهات واللافتات التي حُشدت في نيروبي، فلا يقف وراءها مد جماهيري ولا بعد سياسي.
ما تبقى من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا ولم تنحز للجيش السوداني، فتلك أيضًا تعاني من تعقيدات قبلية ومناطقية أفقدتها عددًا كبيرًا من مقاتليها، وأصبحت مرتهنة بيد الدعم السريع ماليًا وسياسيًا.
حضر لقاء الميثاق رئيس "الحركة الشعبية – شمال"، السيد عبدالعزيز الحلو، المعروف عنه رفضه أي اتفاق أو توافق مع أي حكومة مرت على البلاد طوال الحقب السابقة وحتى حكومة الثورة.
فرض الحلو على الميثاق بنوده وشروطه التي ظل يرددها دون معنى وبلا تبرير، وعلى رأسها العلمانية وفصل الدين عن السياسة. أيضًا انتهت مجموعته إلى التشتت، واستقال عدد من كوادر الحركة وانتقدوا مواقفه بشدة.
إعلانبهذا التناقض جاء التأسيس لخطة التقسيم، لافتات مدنية ضعيفة تلتف حول الدعم السريع لتقدم الغطاء المطلوب، تمامًا كما حدث في ليبيا مع حفتر ونموذج المجلس الانتقالي في اليمن.
ظهر الدعم السريع متسيدًا للمشهد، مقدمًا المشاركين كمتحالفين معه وداعمين له. صورة انقسام وتشظي الأحزاب التقليدية تعزز مخطط الانقسام الجهوي والجغرافي المطلوب لفرض المخطط الخارجي وتقسيم البلاد.
تسارعت الخطى لانعقاد لقاء الميثاق، والواضح أن التقدم العسكري للجيش السوداني، الذي يتوسع يومًا بعد يوم، هو الدافع الرئيسي لذلك، قبل أن يفقد الدعم السريع ما يحتله حاليًا من مناطق يمكن أن تنطلق منها، ولو شكليًا، ما سموه بحكومة السلام المدنية.
المخطط يتطلع للتشبث بمناطق دارفور، التي تتوفر فيها مطارات تستقبل الدعم الخارجي، خاصة الدعم العسكري الثقيل، الذي يمكن أن يوقف تقدم الجيش وانتصاراته. ظهرت أهداف اللقاء قبل أن تقدم ورقة الميثاق، حينما أكد أفراده أن الدعم الخارجي بانتظار اجتماعهم وتشكيل حكومتهم الموعودة.
هكذا تتسارع الخطى من جانبين:
القوات المسلحة، التي يقف خلفها الشعب السوداني مستنفرين وداعمين، متطلعين للعودة إلى منازلهم ودورهم لإعادة حياتهم الطبيعية بعد قتل ونهب وسرقة مليشيات الدعم السريع لممتلكاتهم. مخطط الخارج، عبر مليشيات الدعم السريع وداعميه، لتثبيت أقدامهم في نيالا، والجنينة، والضعين، وكاودا، ليكون للمخطط مساحة جغرافية يوهم بحكمها، وتهبط فيها طائرات الحرب تحمل الدمار للسودان.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline