تحت نيران الحرب.. كيف عاشت غزة 40 ساعة بدون اتصالات؟
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
يتمنى الكثيرون أن يعيشوا في جزيرة معزولة بدون اتصالات ولا انترنت بعيدا عن ضجيج العالم وأخباره السيئة، ولكن هذا كان كابوسا طارد على مدار 40 ساعة متواصلة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة يواجهون حربا إسرائيلية غير مسبوقة.
نيران القصف الإسرائيلي الذي دمر مدنا ومناطق سكنية كاملة، وقتل وأصاب عشرات الآلاف وانقطاع المياه والكهرباء ونقص الغذاء والدواء، كلها ظروف مأساوية ربما تشهدها غزة للمرة الأولى بتاريخها، لكن انقطاع الاتصالات والإنترنت كان مرحلة مفصلية في مجريات الحرب المتواصلة منذ 23 يوما.
الحكاية بدأت في الساعة 18:30 بالتوقيت المحلي في غزة، من مساء الجمعة الماضية، بعد نحو ساعتين من مزاعم أطلقها الجيش الإسرائيلي باتخاذ حركة “حماس” لمستشفى الشفاء بغزة مقرا لقيادتها.
كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، وجه عدة اتهامات، خلال مؤتمر صحافي، لـ”حماس” من بينها أن القيادة المركزية للحركة موجودة أسفل مستشفى الشفاء في غزة، وأن هناك وقودا في المستشفيات في غزة، وحماس تستخدمه لبناها التحتية.
هذه الاتهامات، نفاها رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف ومدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية في مؤتمر صحافي، عقداه من داخل المستشفى بحضور وسائل إعلام عربية ودولية.
في تلك الساعة تفاجأ الفلسطينيون في غزة بتوقف شبكات الهاتف المحمول وانقطاع الإنترنت بشكل كامل، عن جميع مناطق القطاع.
دخل السكان في موجة من الذعر، فهم يعلمون من تجربة سابقة في حرب العام 2009 أن هذه العزلة تعني تخطيط الجيش الإسرائيلي لعمليات عسكرية واسعة ضدهم، ويريد أن لا تصل أصواتهم وصورهم إلى العالم.
ولعل ما عزز هذه المخاوف، الحديث الواسع للجيش الإسرائيلي عن اتخاذ “حماس” لمجمع الشفاء مركزاً لعملياتها، فهذه المستشفى يتخذها نحو 50 ألف نازح فلسطيني ملجأ لهم بعد قصف منازلهم أو تهديدها بالقصف، واستهدافها سيعني “مذبحة جديدة”.
وقالت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، السبت، إن إسرائيل نفذت “عمداً” قطع خدمات الاتصالات والإنترنت عن غزة، من خارج القطاع.
وذكرت الوزارة في بيان: “الانقطاع الكامل للاتصال مع غزة، ناتج عن الأفعال المتعمدة التي قامت بها سلطات الاحتلال من خارج حدود القطاع خلال العدوان المستمر”.
وتقصد الوزارة أن قطع الخدمات ليس ناتجا عن عمليات القصف المستمرة، بل قطع متعمد للخدمة من خلال فصل مقاسم الخدمة الدولية، والتي تسيطر عليها إسرائيل أيضا، لكنها لم تشر لذلك صراحة.
وتسيطر إسرائيل على شبكات الاتصالات في فلسطين، خاصة تلك التي تربط الضفة الغربية بقطاع غزة، أو التي تربط الأراضي الفلسطينية بالعالم.
أعنف ليلةوبعد 3 ساعات من انقطاع الاتصالات والإنترنت، بدأت أعنف ليلة تشهدها مدينة غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع بل منذ عقود.
الطائرات الحربية والمدفعية والبوارج، شاركت جميعها في قصف شمالي القطاع ومدينة غزة في تلك الليلة، التي لم تنطفئ نيرانها حتى ساعات الفجر الأولى ليتم تدمير عشرات الطرق الرئيسية والمباني السكنية والمؤسسات الحكومية.
واستمر تصاعد ألسنة اللهب وأعمدة الدخان السوداء، جراء القصف العنيف حتى ساعات عصر اليوم التالي بصورة لم تشهدها غزة من قبل.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إن 100 طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو، شاركت في قصف أهداف بقطاع غزة خلال ليل الجمعة السبت.
وأضاف الجيش: “خلال الليل ضربت الطائرات المقاتلة 150 هدفا تحت الأرض في شمال قطاع غزة من بينها أنفاق يستخدمها الإرهابيون، ومواقع قتال تحت الأرض ومنشآت أخرى.. وقد قتل عدة إرهابيين من حماس”.
تعطل عمليات الانقاذوفي تلك الليلة، أول مشكلة واجهها الفلسطينيون بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، عدم قدرة أطقم الإسعاف والدفاع المدني على تحديد المناطق المستهدفة بدقة والتوجه إليها لانتشال الشهداء والجرحى.
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أشرف القدرة، إن انقطاع الاتصالات أثر بشكل كبير على عمل أطقم الإسعاف وقدرتها على الوصول السريع إلى المناطق المستهدفة.
ويضيف القدرة، فرق الإنقاذ كانت تواجه مشكلة في تحديد المناطق المستهدفة بدقة وفي بعض الأحيان كانت تنتظر السيارات المدنية لتصل إلى المستشفى لتبلغ عن مواقع القصف لتقوم بدورها بالتوجه إليها.
ورصد مراسل الأناضول، عددا كبيرا من السيارات المدنية تصل إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهي تنقل جرحى من مواقع قصف مختلفة، وتبلغ أطقم الإسعاف والدفاع المدني عن المنطقة المستهدفة لتتوجه إليها وتكمل عمليات الإنقاذ والإسعاف.
ويتابع القدرة: “المنظومة الصحية في القطاع تعمق انهيارها، بسبب انقطاع الاتصالات وعدم توفر المستلزمات الطبية والوقود”.
ويقول: “نحن وصلنا إلى مرحلة تعطل فيها تقديم الخدمة الصحية ذات القيمة المطلوبة للجرحى بسبب انعدام الإمكانيات”.
توقف التغطية الصحافيةالصحافيون كان لديهم مشاكلهم أيضا، فتغطية أحداث تلك الليلة المشتعلة توقفت بشكل شبه كلي فلا يوجد إنترنت لإرسال الأخبار والصور إلى وسائل الإعلام المختلفة.
وكالة الأناضول كانت من بين عدد قليل من وسائل الإعلام، تمكنت من تغطية الحدث بعد أن لجأ مراسلوها إلى شبكات اتصال وإنترنت إسرائيلية، ظلت تعمل في مناطق محددة بمدينة غزة، وبسرعات بطيئة للغاية كون أبراج إرسالها بعيدة نسبيا عن القطاع.
ونقلت الأناضول عبر العشرات من الصور، مشاهد القصف الإسرائيلي العنيف الذي شهدته مدينة غزة وشمالي القطاع، والذي حول ليلها إلى نهار غلب عليه لون الدم والنار.
انقطاع التواصلفي جانب آخر من هذه المشكلة، فقد الفلسطينيون التواصل فيما بينهم فالعائلات في غزة خاصة النازحين وزعت أفرادها على عدة منازل بعد تدمير بيوتها.
القلق حينها ملأ بيوت وقلوب الجميع، فالجميع كان يغلبه الظن أن القصف استهدف منزل يقيم فيه أفراد من عائلته بالنيران التي كانت تنزل من السماء كالحمم ولا أحد يعرف أين تسقط.
في الصباح، كان على الجميع التنقل بحذر للاطمئنان على بعضهم البعض، ولكن لم ينجح كثيرون في ذلك فالمواصلات مقطوعة أيضا منذ عدة أيام، بسبب نفاد الوقود باستثناء بعض المركبات التي تعمل على الغاز الطبيعي وعددها قليل للغاية.
وعدد كبير ممن نجح بالوصول لمنازل يقيم فيها أفراد من عائلاتهم، خاصة في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، اكتشف الكارثة فجميعهم أو غالبيتهم أصيبوا أو استشهدوا بفعل القصف الإسرائيلي.
وحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد 40 فلسطينيا وأصيب عشرات آخرون جراء قصف إسرائيلي استهدف مربعا سكنيا في مخيم الشاطئ ليلة الجمعة / السبت.
الفلسطيني مصعب الغول يقول، إنه اضطر للمشي لمدة ساعتين قبل أن يصل لمنزل يقيم به أفراد من عائلته بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
ويضيف الغول: “الحمد لله تمكنت من الاطمئنان على أفراد عائلتي هناك.. جميعهم بخير لكن منزل لجيرانهم تم قصفه وسقط عدد كبير من الشهداء والجرحى”.
عودة تدريجية للاتصالاتوبعد 40 ساعة من الانقطاع عادت الاتصالات والإنترنت تدريجيا فجر الأحد، إلى معظم مناطق قطاع غزة.
وأعلنت شركة “الاتصالات الفلسطينية وجوال”، الأحد، عودة خدمات الاتصال والإنترنت للعمل بشكل تدريجي في قطاع غزة.
وقالت الشركة في منشور على منصة “إكس”:”نعلن عن عودة خدمات الاتصال “الثابت والخلوي والإنترنت” للعمل بشكل تدريجي، والتي تم فصلها عن قطاع غزة نتيجة للعدوان يوم الجمعة 27/10/2023″.
وأضافت “أما بخصوص الشبكة الداخلية في القطاع، وبالرغم من خطورة الوضع الميداني فإن طواقمها الفنية كانت ولا زالت تعمل كل ما بوسعها لإصلاح ما أمكن من الأضرار التي حلت بالشبكة، قدر المستطاع وضمن ما هو متوفر من إمكانيات”.
وتشن إسرائيل منذ 23 يوما عملية عسكرية في قطاع غزة أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”، دمرت أحياء بكاملها، وأوقعت 7703 شهداء، بينهم 3195 طفلا، و1863 سيدة، إلى جانب 19743 أصيبوا بجراح مختلفة.
وخلال الفترة ذاتها قتلت حركة “حماس” أكثر من 1400 إسرائيلي وأصابت 5132، وفق وزارة الصحة الإسرائيلية، كما أسرت ما يزيد على 230 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.
(الأناضول)
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي الاتصالات والإنترنت انقطاع الاتصالات الجیش الإسرائیلی مدینة غزة قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
إعادة إعمار غزة.. التحدي الكبير بعد اتفاق وقف إطلاق النار
وضعت الحرب أوزارها في قطاع غزة، وغلّف الفرح أجواء القطاع، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ليبرز ملف إعادة الإعمار باعتباره "معضلة" لن تنتهي بانتهاء الحرب.
فأكثر من عام ونيف على امتداد الحرب، كانت كفيلة بأن تجعل غزة أثرا بعد عين، بفعل الغارات الجوية الإسرائيلية والعمليات البرية والقصف المدفعي.
ومع صمت أزيز الطائرات وفوهات المدافع، يتصدر ملف إعادة الإعمار في القطاع، أحد أكبر المعضلات التي لن تنتهي مع وقف الحرب، وأحد أكبر التساؤلات بين ركام الحرب والمؤجلة فيما يسمى اليوم التالي للحرب، والتقديرات بشأن الموعد المتوقع لعودة الحياة إلى طبيعتها في القطاع.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن مسألة إعادة الإعمار ستكلف أكثر من ثمانين مليار دولار، لكن المعضلة الأكبر التي ستواجه هذه العملية هي إزالة الأنقاض، لا سيما وأن أكثر من سبعين في المئة من مساكن غزة تضررت بين تدمير كلي وجزئي، إلى جانب المستشفيات والمدارس والمرافق الأخرى من البنى التحتية.
وأشارت الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي إلى أن إزالة أكثر من اثنين وأربعين مليون طن من الأنقاض وحدها ستكلف ما يزيد على مليار دولار.
كما أوضحت أن العملية معقدة وقد تستغرق سنوات عدة، بسبب وجود القنابل والألغام والصواريخ غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والجثث التي لا تزال تحت الأنقاض.
ولفتت المنظمة في تقريرها إلى أن إعادة بناء المنازل المدمرة في غزة قد يستمر حتى عام ألفين وأربعين على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود في حال سارت بنفس وتيرة إعادة الإعمار بعد الحروب السابقة التي شهدها القطاع.
وأثر حجم الدمار الناتج عن الحرب، على القطاع الزراعي الذي يطعم سكان غزة، فوفق صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الأمم المتحدة، فقد أظهرت أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة، والتي تعد حيوية لإطعام السكان الجوعى، تدهورت بسبب الصراع.
وأعلن رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الأربعاء، نجاح جهود الوساطة المشتركة التي قادتها الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والرهائن.
وأكد رئيس الوزراء القطري على عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل دائم ومستدام بين الجانبين فضلا عن إيصال كميات مكثفة من المساعدات الغذائية والإنسانية إلى قطاع غزة.
وأوضح أن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيدخل حيز التنفيذ بدءا من يوم 19 يناير الجاري، على أن يتم تحديد ساعة بدء سريانه لاحقا.
كما أشار إلى أنه مع موافقة الطرفين على الاتفاق سيجري العمل الليلة لإنهاء الإجراءات التنفيذية كافة، وستشمل المرحلة الأولى من الاتفاق ومدتها 42 يوما ستشهد وقفا لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقا وبعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان للتمركز على الحدود في جميع مناطق قطاع غزة.
وأوضح أن الاتفاق يشمل تبادل الأسرى والرهائن وفق آلية محددة وتبادل رفات المتوفين وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم مع تسهيل مغادرة المرضى والجرحى لتلقي العلاج.