الحروب الكبرى مآس كبرى وهي امتحانات كبرى للضمائر والمواقف السياسية للأفراد والهيئات والدول، وعلى قدر حجم الحرب يكون حجم المأساة وصعوبة الامتحانات الذي ينجح فيه من ينجح ويرسب من يرسب. وعملية "طوفان الأقصى" غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي واحدة من هذه الحروب النادرة ذات المآسي العظيمة والامتحانات العسيرة، وقد سقط الإعلام الغربي سقوطا مريعا في هذه الحرب سيبقى وصمة عار في جبينه يؤرخ له.
والامتحان الإعلامي لم يقتصر على الإعلام الغربي، بل امتد للإعلام العربي الذي أزعم أنه تغير وسيتغير بسبب هذه الحرب التي تعد علامة فارقة في تاريخه أيضا. وأسوق عدة أمثلة تمثل لحظات مفصلية في تاريخ الإعلام العربي، وكلها تدور حول تفاعل الصحفيين العربي مع هذا الحدث الجلل.
لا أدري كيف كانت مشاعر وائل الدحدوح الذي اعتبر أن ما حصل هو انتقاما منه؛ وهو يتلقى عزاء البيت الأبيض الشريك في الجريمة التي تحدث في غزة حاليا. وذلك لأن استهداف الصحفيين الذي دأبت عليه إسرائيل وطال مراسلة الجزيرة الراحلة شيرين أبو عاقلة؛ ينتقل لمرحلة أخرى وهي استهداف عائلاتهم وذويهم، وهو أمر عظيم وخطير. وكان رد الدحدوح على الصدمة بمزيد من العمل واستكمال رسالته الإعلامية أبلغ رد على هذه الجريمة
أول هذه الأمثلة بالطبع هو مدير مكتب الجزيرة وائل الدحدوح الذي استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيده وأفراد آخرين من عائلته وهو على رأس عمله، وأصبح ناقل القصص الإنسانية والأخبار هو نفسه خبرا وقصة إنسانية حركت وجدان ومشاعر الملايين حول العالم.
لا أدري كيف كانت مشاعر وائل الدحدوح الذي اعتبر أن ما حصل هو انتقاما منه؛ وهو يتلقى عزاء البيت الأبيض الشريك في الجريمة التي تحدث في غزة حاليا. وذلك لأن استهداف الصحفيين الذي دأبت عليه إسرائيل وطال مراسلة الجزيرة الراحلة شيرين أبو عاقلة؛ ينتقل لمرحلة أخرى وهي استهداف عائلاتهم وذويهم، وهو أمر عظيم وخطير. وكان رد الدحدوح على الصدمة بمزيد من العمل واستكمال رسالته الإعلامية أبلغ رد على هذه الجريمة، وهو درس بليغ في الصحافة في أوقات الحروب والأزمات.
المثال الثاني هو استقالة مراسل هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي في شمال أفريقيا بسام بونني من عمله احتجاجا على تغطية البي بي سي للحرب على غزة. وقرار الاستقالة هذا يذكرنا باستقالة شبيهة تقدم بها الممثل الراحل محمود مرسي حين كان يعمل في القسم العربي في إذاعة البي بي سي بلندن إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي قادته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. مرسي تقدم باستقالته على الهواء مباشرة وأعلن أنه سيقاتل إلى جانب أهله في مصر؛ يعيش معهم أو يموت معهم، بعدها عاد لمصر وعمل في الإذاعة قبل أن يدخل مجال التمثيل بعدها لسنوات.
مع استمرار أوار المعارك في الميدان سيزداد الاختبار صعوبة على الإعلام العربي ليُخرج أفضل ما فيه وربما أسوأ ما فيه، فلن تكون التقسيمة القديمة لوسائل الإعلام على أساس الانحياز والمهنية وما تقدمه وفقط، بل سيدخل الصحفيون أنفسهم داخل دائرة الفرز، لنكتشف المعادن الحقيقة للصحفيين العرب وقدرتهم على مواكبة هذه المآسي المفجعة والقدرة على توصيلها للناس
وقرار الاستقالة هنا ليس قرارا سهلا؛ ليس لأنه يعرض حياة الإنسان المهنية واستقراره للخطر وحسب، ولكنه يستغني بدوره عن العمل مع واحدة من أهم وسائل الإعلام في العالم، ولهذا يمكن التأريخ لهذه الاستقالات في تاريخ الإعلام العربي كما نتذكر نحن الآن استقالة محمود مرسي. وبونني يعطي الأجيال الجديدة من الشباب والصحفيين درسا هما في النزاهة والاستغناء والكرامة، وهو من الصحفيين القلائل في العالم العربي الذين جمعوا بين مهنة البحث ومهنة الصحافة وجمعوا بين العمل في وسائل إعلام ناطقة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
ومع استمرار أوار المعارك في الميدان سيزداد الاختبار صعوبة على الإعلام العربي ليُخرج أفضل ما فيه وربما أسوأ ما فيه، فلن تكون التقسيمة القديمة لوسائل الإعلام على أساس الانحياز والمهنية وما تقدمه وفقط، بل سيدخل الصحفيون أنفسهم داخل دائرة الفرز، لنكتشف المعادن الحقيقة للصحفيين العرب وقدرتهم على مواكبة هذه المآسي المفجعة والقدرة على توصيلها للناس والتعامل مع هذا الكم الهائل من التدفق المعلوماتي والبصري غير المسبوق.
وفي وقت قيدت شبكات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى قدرة الناس على الوصول بالمعلومات للجمهور، أو بمعنى آخر تراجع ما يعرف بالمواطن الصحفي الذي فقد أدواته، يبرز ويعود دور الصحفي المهني الحقيقي لتقديم الخبر وسياقه للناس في هذه الظروف العصيبة.
twitter.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب الإعلام الجزيرة غزة الحقيقة غزة الجزيرة الإعلام الحرب الحقيقة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلام العربی ما فیه
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الصلاة تغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته بشكل عميق
قال الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن العبادة، وبالخصوص الصلاة، لها تأثير عميق في حياة المسلم وسلوكه، مشيرا إلى أن كثيرًا من الناس يلتزمون بالصلاة ويحافظون عليها، ولكن قد يرتكبون بعض الأخطاء والسلوكيات التي نهى عنها الإسلام، إلا أنه لا يجب أن نحث هؤلاء على ترك الصلاة أو الامتناع عنها، بل ينبغي أن نستمر في دعوة الشخص للاستمرار في الصلاة، لعل الله يهديه ويشرح صدره، فالصلاة لها أثر كبير في تغيير السلوك.
وأشار الدكتور محمد أبو هاشم، فى تصريح له، إلى أثر مروي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، حيث قال: "من لم تنهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"، موضحا أن هذا الأثر يعني أن الصلاة إذا كانت صحيحة ومؤثرة في القلب، ينبغي أن يكون لها دور في تعديل سلوك الإنسان، وأن الصلاة ليست مجرد عبادة فردية، بل هي عامل أساسي في التأثير على سلوك المسلم.
وفي سياق الحديث عن الصلاة، سرد الدكتور أبو هاشم قصة مميزة استمع إليها من أستاذ أجنبي مسيحي زار مصر، حيث قال: "كان هذا الأستاذ من إنجلترا، وعندما سألته عن الإسلام، أخبرني أنه قرأ كثيرًا عن الإسلام، ورغم أنه مسيحي، إلا أنه أعجب بشيء واحد في الإسلام وهو الصلاة، وقال لي إنه في المسيحية، يذهبون إلى الكنيسة مرة واحدة في الأسبوع فقط، لكن في الإسلام، هناك خمس صلوات في اليوم، خمس مرات يقف المسلم أمام الله سبحانه وتعالى وهذه الفكرة كانت تثير إعجابه، لأنه يجد أن هذا يُبقي المسلم قريبًا من الله طوال اليوم".
الدكتور أبو هاشم أوضح أن الصلاة تذكر المسلم دومًا بالله، مما يجعل سلوكه أكثر انضباطًا، وأن الصلاة لا تقتصر على كونها عبادة بدنية فحسب، بل هي فرصة يومية للمؤمن لمراجعة نفسه، والتوبة عن أخطائه، والتذكر الدائم لوجود الله.
وقال: "لو استحضر المسلم هذا المعنى، وأنه يقف خمس مرات يوميًا أمام الله، فإنه لا يستطيع أن يستمر في ارتكاب الأخطاء أو المنكرات، هذه الصلاة تجعل الإنسان يعي عظمته ويدفعه للسعي إلى التحسين من نفسه".
وأضاف الدكتور أبو هاشم أن الصلاة لها أثر تطهيري، فهي كفارة للذنوب والخطايا، كما ورد في الحديث النبوي الشريف، موضحا أنه حتى إذا وقع الإنسان في الخطأ، تظل الصلاة سبيلًا للتوبة والغفران، وتظل هي الطريق لإصلاح السلوك وتقوية العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.
وأكد الدكتور محمد أبو هاشم أن الصلاة في الإسلام ليست مجرد فرض، بل هي نعمة ورحمة من الله تعالى، تهدف إلى تهذيب النفس وتقويم السلوك، وهي الوسيلة التي من خلالها يظل المسلم قريبًا من ربه، ويتجنب المنكرات ويُكفّر عن ذنوبه.