«مفاوضات جدة»… نافذة الرجاء السوداني

فيصل محمد صالح

حين تطالع عيون القراء هذه الأحرف يفترض أن تكون مفاوضات جدة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» قد بدأت أعمالها برعاية سعودية – أميركية، بعد انقطاع استمر أكثر من 4 أشهر. وكانت المفاوضات قد بدأت بعد أسبوعين من انفجار القتال في العاصمة الخرطوم في 15 أبريل (نيسان) الماضي، وعقدت عدداً من الجولات، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار والتوقيع على اتفاق هدنة أكثر من مرة، لكن لم يتم الالتزام بهذه الاتفاقات، وتبادل الطرفان الاتهامات بخرقها، مما دفع الوسطاء لإعلان تجميد المفاوضات في الأول من يونيو (حزيران) الماضي؛ «لعدم جدية الطرفين».

توقفت المفاوضات… ولم يتوقف القتال منذ ذلك الوقت، وامتد إلى عدد من الولايات، وتدهورت الأوضاع في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وتمددت سيطرة قوات «الدعم السريع» على مناطق كبيرة، بخاصة في منطقة شرق النيل التي تشمل الخرطوم بحري وضواحيها. وفقدت القوات المسلحة مناطق استراتيجية منها مصنع اليرموك للصناعات العسكرية، وقيادة الاحتياطي المركزي، وحاصرت مناطق أخرى، بينما استطاعت القوات الموجودة في سلاح المهندسين ومنطقة كرري العسكرية، بما فيها قاعدة وادي سيدنا الجوية، الصمود أمام هجمات قوات «الدعم السريع».

على الصعيد الإنساني تدهورت الأوضاع أيضاً في العاصمة والولايات بسبب نزوح مئات الآلاف من العائلات إلى المدن الأخرى، واستمرت دورة قتل المدنيين بسبب القصف العشوائي والجوي من الطرفين. لكن كان الوجه الأبرز للمعاناة الإنسانية يتمثل في عمليات السلب والنهب والاستيلاء على منازل وسيارات وممتلكات المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع»، بفعل مباشر من هذه القوات، أو بتسهيل مهمة اللصوص الذين ينهبون المنازل، ولم تنجُ معظم مناطق العاصمة من هذه العمليات، كما وقع بعضها في مناطق سيطرة الجيش.

خلال هذه الفترة انقسم المجتمع السوداني بشكل لم يحدث من قبل، وباصطفافات جديدة غير التي كانت موجودة. كان هناك مؤيدون للحرب من البداية باعتبارها ستغير خريطة توازن القوى لمصلحتهم، وستضعف القوى المدنية غير المسلحة، ويتساوى في هذا الظن قيادات «الدعم السريع»، والمجموعات المسيسة المنتمية لنظام الإنقاذ داخل المؤسسة العسكرية. ويمكن القول إن هؤلاء لم يكونوا أغلبية، ثم تسببت ممارسات قوات «الدعم السريع» في تحول مواقف مجموعات أخرى من القوى الاجتماعية المدنية التي انحازت للقوات المسلحة وصارت تدعم استمرار الحرب حتى القضاء على قوات «الدعم السريع». وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي حرباً أخرى بين المجموعات المختلفة، لم تكن حدتها أقل من حدة المعارك الميدانية. مؤيدو استمرار الحرب، يصنفون كل من يعارضون الحرب من البداية بأنهم خونة وداعمون لقوات «الدعم السريع»؛ لأنهم يستقوون بها في مواقفهم السياسية، ويخافون من انتصار الجيش عليها. وأنصار شعار «لا للحرب»، أو بعضهم على الأقل، من جانبهم، يصنفون كل مؤيد لاستمرار الحرب باعتباره مؤيداً لفلول النظام السابق وداعماً لمخططهم للقفز على السلطة عبر دبابات القوات المسلحة.

بالتأكيد كانت هناك أصوات هنا وهناك تحاول أن تدفع بعدد من الأسئلة والاحتمالات لعقلنة الحوار والنقاش الدائر، ومن ثم محاولة بناء المواقف على هذا الأساس العقلاني. فالموقف على الأرض كان من الوضوح لكل عاقل يريد أن يقرأ بعقله، لا بعواطفه، قوات «الدعم السريع» تتقدم وتحتل مواقع جديدة، وقوات الجيش تتمترس في قواعدها العسكرية من دون محاولة الخروج. ورأى كثيرون أن استمرار الحرب بهذه الطريقة وانتصار قوات «الدعم السريع» قد يعني وبشكل واضح لا لبس فيه انهيار الدولة السودانية وتمزقها، وأن وقف الحرب والاتجاه للتفاوض سيحافظان على ما تبقى من عظم الجيش السوداني ليتم البناء عليه بعد عملية إصلاح شاملة تضمن بناء جيش قومي مهني موحد.

وكان واضحاً كذلك أن قوات «الدعم السريع» قد منيت بخسائر فادحة، واستعانت بمقاتلين قبليين يعملون على أساس الغنائم التي ينهبونها، وليس على أساس أي جيش نظامي، وكان هذا ما شكل خطورة على القوات نفسها، لذلك صارت تكرر ترحيبها بالتفاوض.

من ناحية أخرى، فقد كانت قيادة الجيش المحاصرة داخل القيادة العامة خاضعة لابتزاز الإسلاميين وضغوطهم لاستمرار الحرب التي وظفوا لها كتائب منظمة تعمل على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجرم أي دعوة للتفاوض.

خروج الفريق عبد الفتاح البرهان من حصار القيادة العامة، ومن ثم تبعه خروج الفريق شمس الدين الكباشي، والفرصة التي أتيحت للبرهان لمقابلة رؤساء وزعماء دول المنطقة، ومتابعة ردود الفعل المحلية والإقليمية والعالمية، وقراءة الواقع الميداني، ساعد في اتخاذ القرار الذي تأخر كثيراً باستئناف التفاوض، وربما احتاج الأمر لتهيئة الأجواء داخل القوات المسلحة، وإجراء حوار داخلي، يحترم مشاعر الجنود والضباط الذين ودعوا إخوة وزملاء استشهدوا في هذه الحرب، ويعمل في الوقت نفسه على المحافظة على أرواح ودماء أبناء الشعب السوداني من النظاميين والمدنيين.

هذا التفاوض يفتح نافذة للأمل بأن تتوقف الحرب بأسرع ما يمكن، وتنصرف جهود السودانيين لمداواة الجراح ومعالجة أسباب الحرب، والاتجاه لبناء بلد دمرته مطامع وأهواء بعض أبنائه، قبل إلقاء اللوم على القوى الخارجية، وهي مهمة عسيرة بالتأكيد، ولن تتحقق بخطوة واحدة، لكنها تبدأ بهذه الخطوة… لعل وعسى.

 

الوسومالتفاوض الجيش الدعم السريع جدة فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التفاوض الجيش الدعم السريع جدة

إقرأ أيضاً:

متى تنتهي الحرب في السودان؟.. الجيش يستعد للحسم

تشهد الساحة السودانية تطورات عسكرية وسياسية متسارعة، مع إعلان وزير الخارجية علي يوسف الشريف عن قرب انتهاء الحرب الدائرة منذ عام ونصف، وتصريحات قائد الفرقة الرابعة مشاة في ولاية النيل الأزرق، اللواء عمر مصطفى، التي أشارت إلى جاهزية القوات المسلحة للحسم في مواجهة قوات الدعم السريع.

وأكد اللواء عمر مصطفى، خلال زيارة ميدانية للخطوط الأمامية، أن جنود الفرقة الرابعة مشاة مستعدون للحسم الكامل في المعارك. 

وأوضح أن الجيش يقاتل "مرتزقة"، على حد تعبيره، مشددا على أن القوات المسلحة تقف إلى جانب الشعب السوداني ولم ترتكب انتهاكات ضد المدنيين.

وسائل إعلام سودانية، وصفت هذه التصريحات بأنها "بشريات" تحمل تفاؤلا بانتصار الجيش، خاصة مع تعزيز الروح القتالية والاطمئنان على الجاهزية الإدارية في صفوف القوات المسلحة.

وزير الخارجية: الحرب لن تدوم طويلا

من جانبه، أكد وزير الخارجية علي يوسف الشريف أن الحرب ستنتهي خلال شهرين أو ثلاثة بانتصار القوات المسلحة السودانية. 

وأشار الشريف إلى الدعم الشعبي الذي تحظى به القوات المسلحة، بالإضافة إلى مساندة دول صديقة للسودان.

وأضاف الوزير، أن الجامعة العربية تبذل جهودًا منسقة مع القوى الإقليمية والدولية لتعزيز الشرعية وإعادة الاستقرار في السودان، مؤكدًا على أهمية العلاقات بين السودان ومصر، التي وصفها بأنها "الأهم على الصعيد الخارجي".

جهود دبلوماسية مكثفة

تأتي هذه التطورات بعد لقاء جمع وزير الخارجية السوداني مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، حيث ناقشا دعم الجامعة للسودان في مجالات متعددة. 

كما تم التطرق إلى متابعة تنفيذ الاتفاقيات التي تمت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.

وأكد الشريف، أن اللقاءات الثنائية مع الجانب المصري تركز على تنسيق الجهود المشتركة لحل الأزمة السودانية وتعزيز الاستقرار.


© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)

وسام نصر الله كاتب وصحفي

كاتب وصحفي متخصص في الشؤون السياسية والدولية، وعضو في نقابة الصحفيين الأردنيين واتحاد الصحفيين العرب. يعمل محررا في قسم الأخبار في "البوابة" منذ عام 2011، حيث يتابع ويحلل ويغطي أبرز الأحداث الإقليمية والدولية.

الأحدثترند متى تنتهي الحرب في السودان؟.. الجيش يستعد للحسم حزب الله يمطر عكا وحيفا بالصواريخ ما هو موعد وقناة عرض حفل توزيع جوائز الفراشة الذهبية؟ 100 شهيد في غزة منذ الفجر.. الدفاع المدني يعلن عجزه أمام مجازر بيت لاهيا نتفليكس تدخل الحلبة: تايسون ضد بول يحطم الأرقام ويعطل الخدمة في أمريكا Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • بعد إعلان نجاح الجيش على قوات الدعم السريع.. الوافدون السودانيون يدشنون مبادرة «راجعين لبلد الطيبين»
  • بنك السودان المركزي يقرر تجميد حسابات قوات الدعم السريع والشركات التابعة لها
  • سلاح إماراتي وضربات مصرية.. تعليق جديد من الدعم السريع في السودان
  • السودان..مقتل 150 عنصراً منالدعم السريع بمعارك الفاشر
  • قوات الدعم السريع السودانية تنفي ارتكاب انتهاكات وتلقي دعم إماراتي  
  • أجانب يواجهون أهوال الحرب في معتقلات الدعم السريع بالخرطوم
  • ماذا تبقى في جعبة الجيش السوداني والحركة الإسلامية من خيارات لتفادي خسارة الحرب؟
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 150 من قوات الدعم السريع ويكشف تفاصيل معركة ضارية في الفاشر
  • مواطنون يرون الانتهاكات التي تعرضوة لها من قبل قوات الدعم السريع بمنطقة الحلفايا – فيديو
  • متى تنتهي الحرب في السودان؟.. الجيش يستعد للحسم