(عدن الغد)خاص:

تحليل يقرأ في تبعات القرارات المتخذة في عدن والتي أضرت القطاعات العقارية والتجارية والاستثمارية..

هل نحن أمام خطة ممنهجة لتدمير القطاع الاقتصادي بشكل كامل في عدن؟

الإجراءات الأخيرة المتخذة اقتصاديا ومعيشيا.. هل هي فعلا غير مدروسة؟

ما التحرك الواجب اتخاذه لوقف القرارات هذه غير المدروسة التي أضرت القطاع العقاري والتجاري؟

لماذا وصل الأمر إلى مستوى مطاردة الناس في مصادر أرزاقهم البسيطة.

. وماذا لو استمر هذا الوضع؟

كيف يمكن أن تستفيد محافظات أخرى من الإجراءات غير المدروسة بعدن؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تسلم نظام ما بعد الاستقلال مدينة عدن من سلطات الاحتلال الإنجليزي وهي درة وجوهرة التاج البريطاني الذي لا تغيب عنه الشمس، ومركزا اقتصاديا وتجاريا وملاذا للمستثمرين، وقبلة التنوير الثقافي والفني والأدبي، في الجزيرة العربية والخليج، ولا مبالغة لو قيل حتى على مستوى الشرق الأوسط برمته.

فمجرد الحديث عما يقدمه ميناء عدن للمدينة وسكانها والمسيطرين عليها من شهرة وتجارة واقتصاد منتعش، كفيل بتأكيد هذه الحقيقة، التي للأسف لم يستوعبها الحكام الجدد لعدن ممن تحولوا إلى مجرد مجموعة من (الفحامين) الذين تعاملوا مع هذه الجوهرة كقطعة فحم، ولم يدركوا أهميتها فحولوها آنذاك إلى مجرد قرية مظلمة خاوية على عروشها.

حل الاستقلال الوطني على عدن أواخر العام 1967، ورغم النهج الاشتراكي الذي انتهجه الحكام الجدد، إلا أن شيئا من النشاط التجاري والبنوك العالمية والشركات العابرة للقارات كان مازالت متواجدا في المدينة، رغم رحيل الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال منها، غير أن الأمر لم يستغرق سوى أقل من عامين حتى يتم تأميم كل تلك المعالم الاقتصادية لتتحول عدن إلى مدينة أشباح، بعد أن ضجت بالتجارة والنشاط المالي والاقتصادي لعقود.

عملت سياسة التأميم على إلحاق كل شيء بأملاك الدولة، بدءا بالبنوك العالمية، ومرورا بالشركات الكبرى التي كانت قد اتخذت من عدن مقرا لها، وليس انتهاء بمساكن المواطنين ومحالهم التجارية الصغيرة ودكاكينهم، حتى إن غالبية سكان عدن غادرها مأسوفا عليها، كما رحل عنها رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأعمال والمستثمرون ليعملوا على إنعاش الاقتصاد في مدن شرق أفريقيا وغرب الخليج العربي والسعودية وجنوب شرق آسيا، ويتركون مدينة عدن لقدرها المحتوم.

تلاشت ملامح الريادة الاقتصادية والمركز التنويري الذي مثلته عدن طيلة أكثر من 120 عاما؛ بفضل مينائها العالمي الذي فتح أبواب الرزق لكل العالم، واستثمرته بريطانيا أحسن استثمار، حتى بات ثاني أكثر موانئ الدنيا ازدحاما بالسفن التجارية، ولم تكن سلعة حول العالم إلا وتتواجد في عدن أو تنطلق منها أو تمر عبر مينائها الشهير.

غير أن الحكام الجدد حينها أماتوا كل شيء في المدينة بمجرد استلام مسئولية إدارتها، فالنظام المنغلق بسبب النهج الاشتراكي التأميمي الذي اتبعه حكام عدن وجنوب اليمن عقب الاستقلال، جعل من المدينة فارغة من أية مؤشرات اقتصادية وتجارية قد تعيدها إلى عهدها الذهبي ما قبل خروج البريطانيين منها، خاصة خلال فترة سبعينيات القرن الماضي.

> تخفيض الراتب

لعل ما يعلق في أذهان الكثيرين، وما يطلع عليه الجيل الجديد في كتب التاريخ، أن هناك مظاهرة شعبية خرجت في عدن ذات يوم من أيام سبعينيات القرن الماضي تطالب الحكومة حينها بتخفيض مرتبات موظفي الدولة، وهو ما لم يحدث في أي مكان من العالم.

لكن النظام في ذلك الوقت لم يكن بمقدوره دفع مرتبات الموظفين، فعمل على الترتيب لإخراج آلاف المنتسبين للسلك المدني والعسكري ليوحي للعالم أن الشعب وبشكل عفوي يُقدر ظروف الدولة وأوضاعها الاقتصادية الصعبة.

بينما النظام هو من فرض عليهم ذلك، بعد أن عجز عن دفع التزاماته تجاه الموظفين، عقب تحويل عدن إلى مجرد قرية تفتقر للأنشطة التجارية والاقتصادية، ونفرت منها رؤوس الأموال ورجال الأعمال والشركات الكبرى، وتم تصفية البنوك العالمية من المدينة، حتى لم يعد في عدن أية مقومات لاقتصاد حقيقي ينتشلها من وضعها الاقتصادي المتردي.

خلال السبعينيات القرن الماضي، لم يكن قد تبقى في عدن أي مستثمر أو رجل أعمال، وتوقفت غالبية النشاطات التجارية من استيراد أو تصدير في عدن، فكيف يمكن ذلك وقد فرض النظام نهجا اقتصاديا منغلقا جعل كل تلك المسئوليات بيد الدولة وأجهزتها الرقابية والاقتصادية، وحدد ما يتم استيراده، بينما لم يكن هناك أي شيء يمكن تصديره.

وهذا ما انعكس على وضع الإيرادات في البلاد كلها، ما فضح الدولة وباتت عارية أمام ما تبقى من شعبها الذي لم يغادر عدن وكان ينتظر مرتباته، ليتفاجأ أن الحكومة تجبره على الخروج بمظاهرات يطالبها بتخفيض قوته ومعاشه الذي لم يتبقَّ للناس في عدن شيء سواه.

وكل ذلك ناتج عن سياسة التأميم وتطبيق نظام الاشتراكية في كل تفاصيل ومرافق الدولة، حتى إن أحدا لا يستطيع أن يبني غرفة في بيته إلا بإذن رسمي، ولا أن يشتري ما يريده من احتياجات إلا بطوابير طويلة، ربما في النهاية لا يجد ما يشتهيه، أو يتم إجباره على شراء شيء لا يرغب فيه.

> ما أشبه الليلة بالبارحة

ذلك التاريخ التعيس لمدينة مثل عدن عرفت عهودا من الازدهار والتألق الاقتصادي والتجاري، يتكرر اليوم في المدينة وبشكل يكاد يكون متشابها للغاية، بعد أن شهدت قرارات اقتصادية وأخرى متعلقة بالاستثمار والمستثمرين بدأت نتائجها تعطي مؤشرات سلبية، ألحقت أضرارا بالقطاع العقاري في عدن، ودفعت نسبة كبيرة من المستثمرين ورؤوس الأموال إلى المغادرة.

وهذا يذكر الجميع بما حدث لمدينة عدن في السبعينيات، فما أشبه الليلة بالبارحة، فاليوم تعيش عدن وقفا تاما لمعظم المشاريع الخاصة والأهلية، فلم يعد أصحاب العقارات يبنون، وضرب الكساد سوق الأراضي بعد أن عجز الناس عن بناء أراضيهم بسبب تكاليف التراخيص الباهظة، حتى على مستوى أصحاب وملاك المنازل الصغيرة من المواطنين البسطاء، ممن عجزوا عن ترميم غرفهم أو عمل إضافات.

في المقابل، يعيش ميناء عدن أسوأ فتراته على الإطلاق، ليس أسوا منها سوى فترة السبعينيات، بعد أن تراجع مستوى نشاطه لحساب ميناء الحديدة، نتيجة ممارسات كثير من نقاط الجبايات الأمنية على طول مسار نقل البضائع من ميناء الحاويات بعدن إلى مناطق وصولها في مختلف محافظات اليمن؛ ما دفع التجار إلى تحويل سفنهم من ميناء عدن إلى موانئ أخرى، على رأسها يأتي ميناء الحديدة.

وجميع تلك القرارات، كوقف التصرف بالعقارات، وممارسات الإتاوات على شاحنات النقل وآثارها على ميناء عدن، وحتى إيقاف عمل محطات الغاز، ومنع حركة الدراجات النارية وحرمان مواطنين وشباب من مصدر رزق، يصنفها بعض المراقبين بأنها خطة ممنهجة لتدمير القطاع الاقتصادي والتجاري بشكل كامل في عدن، بشكل يشابه إلى حد كبير ما كان يجري من ممارسات قبل نحو خمسين عاما.

وبحسب أولئك المراقبين، فإن مثل هذه القرارات لا يمكن أن تكون قد اتخذت بطريقة واعية لصالح الاقتصاد في عدن تحديدا وبقية المحافظات الجنوبية، غير أنهم أكدوا عدم وجود أي رؤية لما بعد تنفيذ تلك القرارات، ولعل قرار وقف عمل محطات الغاز أكبر دليل على هذا التخبط، فسرعان ما تم التراجع عنه بعد أن تسبب بمشاكل عديدة.

الأمر الذي يؤكد أن هذه القرارات التي تدفع ثمنها مدينة عدن لم تكن مدروسة أو مخطط لها، إلا في اتجاه الإضرار بالاقتصاد والوضع التجاري في عدن، فهناك توجه لإلحاق مشاكل معيشية في عدن، ما نتج عنه هذه القرارات العشوائية التي أضرت أكثر مما أفادت، كما أن قرارات أخرى كمنع الدراجات النارية ومطاردة أصحابها وأرزاقهم يحمل الكثير من الأضرار المعيشية على نسبة واسعة من الأسر والشباب العاطلين عن العمل، والذين يمكن أن يتحولوا إلى مشكلة جديدة، بعد أن كانت تلك الأعمال تشغل كل وقتهم.

وجميع تلك الممارسات والحملات والقرارات تؤكد أن عدن تسير إلى الوراء، وتعيد الزمن من جديد، وترجع إلى عهد السبعينيات المظلم اقتصاديا ومعيشيا، واليوم تعيش المدينة نفس ما كانت تعيشه قبل خمسين عاما، من الركود الاقتصادي والكساد التجاري الذي ألقى بظلاله على الناس والبسطاء ودفعهم إلى الهجرة والنفور من المدينة.

> أين يكمن الحل؟

لم ينتهِ الوقت بعد، وبإمكان السلطات المسئولة عن عدن والمحافظات الجنوبية تلافي القرارات المتخذة وتبعاتها الخطيرة اقتصاديا ومعيشية، من خلال التعامل مع كل المشاكل المترتبة على القرارات بشكل مرن، والتراجع عن اتخاذها مع العمل على تنظيم وترتيب القضايا التي اتخذت القرارات بشأنها.

فهيبة الدولة والنظام لا تتم عبر إعلان قرارات معينة وتنفيذها، والضرب بعرض الحائط بكل تبعاتها وتداعياتها المعيشية، ولكن من خلال ترتيب وتنظيم وتخطيط المشكلات التي نتج عنه هذه القرارات، كملف العقارات، ومشاكل إتاوات النقل والنقاط الأمنية، وحتى ملفات الوقود والدراجات النارية، فيمكن من خلال هذا التنظيم والتخطيط إيجاد الحل لكل تلك المعضلات.

فبدلا من منع البناء في العقارات والأراضي، يمكن فرض معايير وضوابط معينة من قبل السلطات المختصة ومراقبة النشاط العقاري وليس إيقافه، وعليه كان يمكن ترقيم وتنظيم حركة الدراجات النارية وتقييد حركتها بمناطق المديريات وضبط المخالفين منهم، بدلا من إيقاف حركتها وقطع أرزاق البسطاء والعاطلين عن العمل من الشباب.

ويمكن لحلول كهذه، أن تمنع التبعات المعيشية وربما حتى الأمنية لمثل هذه القرارات التي أغلقت أبواب الأمل أمام الناس والشباب تحديدا، وجعلت من حياتهم مجرد سواد طاغٍ يغشي عيونهم وآفاق مستقبلهم، بل ويجعلهم يفكرون بالانحراف، أو في أحسن الحلول الرحيل عن عدن، وهذا الأمر يستحب على التجار والمستثمرين ورؤوس الأعمال، وحتى ينسحب على الشباب.

وهنا، قد تنتهز محافظات يمنية أخرى، وربما حتى دول أخرى، هذه المشكلات التي تعاني منها عدن، بسبب قراراتها العشوائية وتتلقف المستثمرين ورجال الأعمال وتشجعهم على الاستثمار فيها، أو استغلال توقف ميناء عدن مثلا لتشغيل موانئها بطريقة أكثر فاعلية، واستقطاب رؤوس الأعمال لتنفيذ مشاريع عقارية وسياحية بعد أن نفروا من عدن نتيجة ما يجري فيها من قرارات غير مدروسة.

وتلافيا لكل تلك الخسائر، يمكن للقائمين على عدن وسلطاتها من حكومة ودول تحالف، تجاوز تلك التبعات والتداعيات والعودة إلى جادة الصواب، وإنعاش اقتصاد المدينة عبر فرض تشغيل ميناء عدن حتى على الدول الرافضة لمثل هكذا إجراء، وإحلال الاستقرار في المدينة بهدف تشجيع المستثمرين ورؤوس الأعمال على إمشاء مشاريع عقارية وسياحية، وتشغيل الشباب وخلق وصناعة فرص عمل كثيرة.

كما يجب على السلطات تجنب الإضرار بأصحاب المشاريع المتناهية الصغر، والتي في مقدمتها تأتي الدراجات النارية، التي تمثل مشاريع حيوية لأصحابها توفر لهم قوت يومهم، وفيهم تتجسد معاني الوضع المعيشي، حيث إنهم أكثر الفئات التي تكتوي بنيران التراجع المعيشي أو قرارات تعسفية تتخذ بلا رؤية أو دراسة علمية لتبعاتها.

 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: الدراجات الناریة هذه القرارات فی المدینة مدینة عدن میناء عدن عدن إلى فی عدن کل تلک بعد أن

إقرأ أيضاً:

الأقصر تعود إلى رصيفها الحضاري.. قرارات حاسمة لتنظيم حركة الحنطور

أصدر المهندس عبد المطلب عمارة، محافظ الأقصر، مجموعة من القرارات الحاسمة لتنظيم حركة عربات الحنطور، شملت هذه القرارات تفعيل خط ساخن لحجز الحنطور، وتخصيص مواقف محددة، وتوزيع "بامبرز" مجانًا على أصحاب الحنطور للحفاظ على نظافة الشوارع، وتحديد أسعار موحدة، من قبل نقابة النقل البطئ وتفعيل منظومة النقل البطئ مع محاسبة المخالفين بكل قوة وعدم التهاون معهم.

تهدف هذه الإجراءات إلى القضاء على الفوضى التي كانت تشهدها شوارع الأقصر بسبب الحنطور، وتحسين تجربة السياح، وضمان سلامة المواطنين، كما تساهم هذه القرارات في الحفاظ على المظهر الحضاري للمدينة، وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية.

وكان قد عقد محافظ الأقصر منذ وصوله المحافظة، عدة اجتماعات مع ممثلى وزارة السياحة وغرفة المنشآت الفندقية وغرفة شركات السياحة ونقابة المرشدين السياحيين ونقابة النقل البطيء بحضور اللواء دكتور على الشرابى، رئيس مدينة الأقصر والأجهزة المعنية وتم اتخاذ عدة قرارات لتنظيم حركة سير عربات الحنطور.

يذكر أن محافظة الأقصر تشتهر بانتشار عربات الحنطور التى يستقلها السياح الأجانب والمواطنين، للتنزه على كورنيش النيل وبين المعالم الأثرية والسياحية.

مقالات مشابهة

  • تفاقم معاناة النازحين في الخيام مع وصول المنخفض الجوي للقطاع
  • وزير الخارجية لولي عهد الكويت: نتطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري
  • تحديد الرسوم والمقابل المالي للخدمات التي تصدرها " تنمية المؤسسات"
  • الأقصر تعود إلى رصيفها الحضاري.. قرارات حاسمة لتنظيم حركة الحنطور
  • بدر عبدالعاطي: يجب احترام قرارات الجنائية الدولية وكل الدول تخضع للمحاسبة
  • خبير اقتصادي: تخارج الدولة من المشروعات للقطاع الخاص محسوب وبهدف| فيديو
  • تحليل فني من عماد السالمي لخسارة النصر وفوز القادسية
  • بعثة اقتصادية مصرية تتجه إلى الكونغو لتدشين «الأسبوع المصري الكونغولي التجاري»
  • الكونغرس العالمي للإعلام 2024 يناقش تعزيز الأداء الإعلامي ومواكبة التحديات المتسارعة للقطاع
  • تعيين شركة جنة هينت الأمريكية مشغلا جديدا للقطاع النفطي الخامس في شبوة