ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (أنا في صدد عمل دراسة أكاديمية في خصوص أحكام المعاملات البنكية في الشريعة الإسلاميَّة، واطلعت على رأي فضيلتكم بجواز ومشروعية التعامل مع البنوك؛ إيداعًا وتمويلًا، سواء كانت بنوكًا تجارية أو غيرها، وفي سياق آخر اطلعت على كثير من الشبهات والردود التي تُحرِّم هذا التعامل وتصفه بالرِّبَا، فأرجو الإفادة كتابة ببيان المستندات الشرعية التي استندتم إليها في فتواكم.

أفيدونا أفادكم الله.

حكم الشرع في قرض السيارة.. رد واضح من دار الإفتاء 500 ألف جنيه .. تفاصيل قرض العمرة في هذه البنوك

وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إنَّ الفتوى قد استندت في اختياراتها لحِلِّ ومشروعية المعاملات البنكية المختلفة والمتنوعة على جملة من التخريجات الفقهية، والغايات الشرعية، والدلالات القانونية، والممارسات الواقعية، والتي تتلخَّص فيما يلي:

أوضحت دار الإفتاء، أن البنوك عبارة عن شخصيات اعتبارية وهيئات معنوية؛ لها أحكامها التي تختلف عن أحكام الشخصية الطبيعية، منوهة أنَّ ما تمارسه البنوك من عملياتٍ مصرفية يُعدُّ عملًا تجاريًّا محضًا -بحكم القانون- تتغيَّا من خلاله الربح والتكسُّب، مراعيةً في أصل نشأتها العدالة المجتمعية في إدارة حركة الأموال، والدعم الاقتصادي في استقرار أحوال البلاد (تكاملًا وتكافلًا) من خلال تمويل المشروعات التنموية والإنتاجية للأفراد والشركات والمشروعات (طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل).

وأشار إلى أنه لم تضع البنوك في قاموسها العملي قضية "الاقتراض والإقراض"، بمعناهما الفقهي الموروث الذي يقصد به الإشفاق والإرفاق، ورفع الضِّيق، حتى وإن شاع في تسمية بعض معاملاتها الماليَّة بالقرض؛ لأن الأحكام إنَّما تناط بحقيقة الواقع، وأنَّ العبرة في العقود بمسمياتها ومعانيها، لا بألفاظها ومبانيها.

وأكدت أن الفتوى حينما تُبين المستندات الشرعية للمعاملات البنكية في جملتها، تتفق مع المخالف في كبرى القياس؛ وهو حرمة المعاملات التي تشتمل على الرِّبَا المُحرَّم بكافة صورها، ولكنها سلكت في صغرى القياس: الاجتهاد والنظر المشروع الذي لا يتعارض مع قطعيات الشريعة؛ وذلك لأن نوعية فكرة البنك وما يجري عليه العمل المصرفي من صيغ وصور للمعاملات لا تحل إشكالاتها منهجية التقليد المحضة ولا الجمود على النصوص المنقولة؛ بل لا يخلو من الاستناد إلى أقوال فقهية معتبرة.

ولذلك ذَكرتْ أن هذه العمليات عبارة عن عقودٍ جديدة، راعت ما وضعه الفقهاء من "أسباب الفساد ومثاراته" والتي تدور حول (الغرر والضرر والغش والربا والباطل)، وما دامت محققة لمبدأ الرضا بين أطرافها، لأنَّ الْعُقُود والمعاملات إنما تتبع مقاصدها والمراد منها، والأصل فيها الصحة، حتى يقوم الدليل على بطلانها.

وأشارت دار الإفتاء، إلى أنَّ مردَّ العمليات المصرفيَّة -بالنظر إلى المدخلات والمُخرجات المالية للبنك- راجعٌ إلى ثلاثِ عمليَّاتٍ رئيسيَّة:

الأولى: أخذ الأجرة على تقديم الخدمات؛ وهو مما لا يتعارض مع الأجر المأخوذ على أعمال الخدمات الجائزة شرعًا، والذي ينتفع فيه الشخص بما عند غيره مما هو قابل للانتفاع به، فيصحّ أخذ الأجرة على هذه المعاملة بناءً على ما فيها من المنفعة؛ وقد قرَّر الفقهاء أنَّ المنافع كالأعيان؛ قصدًا وعقدًا؛ لأنَّ المنفعةَ مالٌ متقوِّمٌ، يصح اعتبارها للتملك والتعاقد عليها، وهي موجبة للمقابلة بالأجر، وكذلك في وفاء الدَّين بها.

الثانية: قبول الأموال من العملاء في صورة (ودائع): وهو من قبيل المعاملات الشرعية المباحة في جملتها؛ لأنها إمَّا أن تدخل تحت الوكالة المطلقة؛ والتي اتفق الفقهاء على جوازها وأخذ الأُجرة عليها، وإمَّا أن تدخل تحت المضاربة الشرعية المباحة، ولا يضر فيها تحديد الربح (الفائدة) مقدمًا؛ لأنَّ الرِّبح على ما اشترطه الطرفان، وتراضيا عليه، والفقهاء وإن منعوه عددًا مُقدَّرًا، إلَّا أنهم علَّلوا ذلك بأنه يفضي إلى جهالة، وأنه ربما استغرق هذا القدر المحدد كامل الربح، فإذا ما انتفت هذه الجهالة في تقدير الربح: ارتفع الحكم بالمنع؛ لأن المعلول يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

وتنتفي الجهالة والغرر والمخاطرة في ذلك بطريقين جوهريتين:

الأول: القوانين المنظِّمة لعمل البنوك والتي تنص على التصرفات التي يجوز لها أن تباشرها، والتي يُحظر لها أن تباشرها كليًّا، أو تقييدها جزئيًّا، بما يضبط هذه التصرفات من أيِّ نشاط تتعرض معه أموال المساهمين والمودعين للخطر أو الخسارة؛ بحيث يكون أصل المال المتمول وفائدته القانونية مضمونَين.

والثاني: النُّظم المعتمدة في العمل، والمبنية على السياسات النقدية والدراسات الاكتواريَّة والخطط المستقبلية التي يقدمها البنك لاستثمار أمواله وتنمية موارده، وأن التحديد وإن كانت صورته تقديرية، إلَّا أنه نسبة معيَّنة تُحسب على حركة المال وفق النظام المتبع، فتدخل تحت مفهوم التقدير المشاع، إضافة إلى أنَّ تحديد هذا العائد فيه تعريف كلِّ ذي حقٍّ بحقه، وحفظ الأموال من الضياع، وتقليل النزاع والخصام وسوء الظن فيما بين المتعاقدين، وهو ما اعتمدته دار الإفتاء المصرية في فتاويها منذ 1990م، وقرره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في قراره رقم (146) المنعقد بتاريخ 31/ 10/ 2002م، وأفتى به المحققون من العلماء المعاصرين؛ كالإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، والعلامة الشيخ علي الخفيف في إباحة أرباح أموال البريد.

الثالثة: استثمار الأموال، ومنحها العملاء في صورة (تمويل) للمشروعات الإنتاجية: وهو عكس ما تؤول إليه العقود الربوية، (خاصَّة رِبَا النسيئة) الذي من شأنه أن يزيد من معدلات التضخم الاقتصادي، ويؤدي إلى الكساد المجتمعي، والظلم الطبقي، بخلاف التمويل الذي يكسر احتكار رأس المال في يد فئة معيَّنة، ويعمل على تقليبه واكتمال دورته وزيادة قدرة الأفراد وملاءتهم في مواجهة التحديات الاقتصادية، بما له الأثر الأكبر في دفع عجلة التنمية، ورفع شأن الصناعة، وحث الناس على الادخار والإنتاج، فهو مخالفٌ لمعنى الرِّبا، ومن ثمَّ فهو جائزٌ شرعًا، سواء توسطت السلعة أو الخدمة فيه بين العميل والبنك؛ لأنها حينئذٍ من قبيل المرابحة الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل، أو لم تتوسَّط السلعة بين العميل والبنك (فيما يُعرف بالتمويل الشخصي أو الاستهلاكي)، وهي صورة جائزة أيضًا؛ لما قرره العلماء من أن الحرمة متعلقة بالنقد المتَّخذِ أو المُغطَّى بالذهب أو الفِضَّة اللذين هما أصل التعامل في التجارات والمبادلات.

أما وأنَّ الأوراق النقدية (البنكنوت) خرجت عن أصل النقدين في التعامل: فإنَّ إطلاق الحكم بربوية التعامل المالي بين طرفين، بالزيادة أو التفاضل في قيمةٍ شرائيَّةٍ واحدةٍ، قد ذَهَبَ بذهابِ أصله، وسقطَ بسقوطِ مَحلِّهِ، شأنها في ذلك شأن الفلوس الرائجة التي نصَّ جمهور الفقهاء على عدم ربويَّته في التعاملات والمبادلات، وإن فضَلَت أو زادت.

وأضافت، أنَّ البنكَ تابعٌ للدولة تبعيَّة إداريَّة كاملة، وأنَّ صافي أرباح البنوك في النهاية تؤول إلى الخزانة العامة للدولة، وقد أجاز الفقهاء صورًا في التعامل المالي بين (التابع والمتبوع) مفاضلة وزيادة؛ لما تقرَّر أن "التابع تابع"؛ فنصوا على أنه لا رِبا بين العبد وسيده، والوالد وولده، والساعي وصاحب المال في الزكاة، وأجازوا اقتراض الأموال بفائدة لإعمار الوقف أو المسجد، وكلها هيئات وصفيَّة اعتباريَّة أوقفت حكم الرِّبَا في المعاملات المالية، فإذا ما اعتبرنا بهذا الوصف الاعتباري أنَّ المواطنين متبوعون للدولة التي لها وصف السلطة والسيادة: فإن التعامل المالي بينهما داخلٌ في أنَّها تتصرفُ فيما هو حقٌّ لها بحكم القانون، ومن ثمَّ يجوز التعامل المالي بينهما زيادةً ومفاضلة، ولا يدخل في حكم الرِّبَـا.

وبناء على ذلك: فلا خلاف في كبرى القياس من أن الرِّبَا أمرٌ محرمٌ شرعًا بإجماع المسلمين، إنما الخلاف في صغرى القياس؛ وهي المعاملات البنكية (في أصل فكرتها ونظام عملها وعلاقاتها التعاقدية)، والتي ظهر لنا من خلال تنزيل واقعها القانوني والاقتصادي على الأحكام الشرعية والمقاصد المرعية أنَّها دائرة تجاريَّة محدَّدَة، تختلف تمامًا عن دائرة القرضيَّة، وهي في جملتها عبارة عن استثمار للأموال وتقليبها بغرض الربح، ومن ثمَّ: فلا حرمة في التعامل بها بكافة أنواع التعاملات التعاقدية، وأن الفتاوى التي تحرم فوائد البنوك، لم تقرأ واقع عمل الجهاز المصرفي قراءةً صحيحة، بل هي حبيسة تصورات خاصة، كيَّفَهَا أصحابُها على أنها علاقة قرض أو مضاربة فاسدة، فضلًا عن أن إيراداتهم على القول بالمشروعية هي إطلاقات غير مُحدِّدة لما هو حرام فيها على وجه دقيق، وهي صورة منتفية تمامًا، وفقًا لتصورنا عن طبيعة أعمال البنوك وما آلت إليه تعاملاتها، والذي حسم فيه القانون بناء على واقعه الاقتصادي مادة هذه النزاعات، فإذا كان الحاكمُ قد فصلَ بحكم القضـاء في مثل هذه التعاملات الماليَّة، وحكم عليها بأنها عمليات تجاريَّة؛ إيداعًا وتمويلًا: فإنه ينبغي العمل بما قضى به؛ لما تقرر في القواعد من أنَّ حكم الحاكم يرفع الخلاف.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء المعاملات البنكية البنوك دار الإفتاء فی التعامل التی ت

إقرأ أيضاً:

ترامب: وجهت البنتاغون بالاستعداد لعمل عسكري محتمل ضد نيجيريا.. ما السبب؟

(CNN)-- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السبت، أنه أمر وزارة الدفاع (البنتاغون) بالاستعداد لعمل عسكري محتمل في نيجيريا، في ظل استمراره في اتهامها بالعنف ضد المسيحيين، وهو اتهام نفته أبوجا مرارًا.

وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيه ما وصفه بـ"المذبحة الجماعية" للمسيحيين في البلاد، كتب ترامب أن الولايات المتحدة "ستوقف فورًا جميع المساعدات والمعونات لنيجيريا"، وحذّر حكومة بضرورة "التحرك بسرعة".

وفي الرسالة المطولة، قال ترامب إن الولايات المتحدة "قد تدخل هذا البلد المدان الآن، بكل قوتها، للقضاء تمامًا على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع المروعة".

وكتب ترامب: "أُصدر تعليماتي لوزارة الحرب للاستعداد لأي عمل عسكري محتمل. إذا هاجمنا، فسيكون ذلك سريعًا وشديدًا... تمامًا كما يهاجم الإرهابيون مسيحيينا الأعزاء! تحذير: على الحكومة النيجيرية التحرك بسرعة!"

يأتي هذا الإعلان بعد أن اتهم ترامب نيجيريا، الجمعة، بانتهاك الحريات الدينية، مُدعيًا أن "المسيحية تواجه تهديدًا وجوديًا في نيجيريا"، وصنّفها بأنها "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" بموجب قانون الحريات الدينية الدولية. ويشير هذا التصنيف إلى أن إدارته وجدت أن نيجيريا قد تورطت في "انتهاكات منهجية ومستمرة وصارخة للحرية الدينية" أو تغاضت عنها.

وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي بعد هذا التصنيف، وقبل ذكر ترامب للجيش، كتب الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو: "إن وصف نيجيريا بالتعصب الديني لا يعكس واقعنا الوطني، ولا يأخذ في الاعتبار الجهود الدؤوبة والصادقة التي تبذلها الحكومة لحماية حرية الدين والمعتقد لجميع النيجيريين".

وأضاف أن نيجيريا "تعمل مع حكومة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتعميق التفاهم والتعاون بشأن حماية المجتمعات من جميع الأديان".

ردّاً على منشور لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على مواقع التواصل الاجتماعي أدان فيه "مذبحة آلاف المسيحيين"، وصف المتحدث باسم تينوبو هذا الوصف بأنه "مبالغة فادحة في تصوير الوضع النيجيري"، مضيفاً أن "المسيحيين والمسلمين والكنائس والمساجد يتعرضون لهجمات عشوائية".

وقال بايو أونانوجا: "ما تطلبه بلادنا من أمريكا هو الدعم العسكري لمحاربة هؤلاء المتطرفين العنيفين في بعض ولاياتنا، وليس تصنيفها كدولة مثيرة للقلق بشكل خاص".

مقالات مشابهة

  • مرصد حقوقي: “إسرائيل” تمنع الصحفيين من دخول غزة لمحو الأدلة وإسكات الأصوات
  • ما هي الكيفية الشرعية لتكفين الميت رجلا كان أو امرأة؟
  • 5 طرق مختلفة لعمل البطاطا بمذاقات «حلوة وحادقة» اعرفي الطريقة
  • ترامب: وجهت البنتاغون بالاستعداد لعمل عسكري محتمل ضد نيجيريا.. ما السبب؟
  • الأردن وألمانيا تدعوان لتفويض أممي لعمل القوة الدولية في غزة
  • كيم كارداشيان تشكك في رحلات القمر و"ناسا" ترد: لدينا الأدلة منذ أكثر من نصف قرن
  • متحدث الأدلة جنائية في غزة : توثيق تعذيب العدو الصهيوني للأسرى قبل قتلهم
  • أسهل طريقة لعمل السوشي الياباني في المنزل
  • كم سعر تذكرة المتحف المصري الكبير ..الإجابة هنا
  • لن تتوقع الإجابة.. تفسير صادم من شركة أمازون عن سبب تسريح نحو 14 ألف موظف