صدى البلد:
2024-12-18@20:16:05 GMT

نهال علام تكتب : 57357

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

من يسمع ليس كمن يرى، آمنت بذلك بعد ما جرى، ودعوني أقص عليكم حكايتي ربما تجدوا فيها ما يعضد شهادتي، أؤمن أن يد الله مع الجماعة والنوايا المخلصة تجتمع عندها أجمل العطايا، ويُسخر لها عجيب المطايا التي  تسوق لها الخير وتلك أرق وأنبل القضايا التي تستأثر بالقلب بل بالعُمر لتظل هي المنجى والملجأ من رحايا الضيق لرحاب الفرج.

في منتصف التسعينات لاحت بوادر دامغة أن هناك صرحا آتيا، منظومة دقيقة بل آلة طبية رقيقة ويمكن وصفها برسول رحمة ظهر لجعل المرض رحلة صديقة، ووعد بأنها رفيقة منذ الابتلاء وحتى الشفاء وما بينهما من لحظات الشقاء في رحلة الصراع للبقاء ضد عدو خبيث إذا ذكر اسمه يسبق ذكره اللهم أحفظنا منه، فهو المرض العنيف ذلك الخبيث السرطان الرجيم اللهم احفظنا وأحبائنا من همزات هذا اللئيم.

كانت بادرة الأمل التى وعدت بأن تعتني جيداً بالأمل هي يد مستشفى 57357 النابضة بالحلم والمحناة بالعمل، مبدعة في كل ما ترسمه من خطوات وابتسامات، والجريئة فيما يتطلبه الأمر من استجلاب المستحدثات، فجاءت بصرح غير عادي مخطط له من حيث سينتهى الآخرون بعد العديد من السنين.

كانت أول مبادرة خيرية أشارك فيها وأنا طفلة لم تع بعد المفهوم الكامل للأعمال التطوعية، ولكنها تؤمن بروعة الأمنيات الخيالية وأن المستحيل سيتحطم بعصا سحرية، قد تكون رغبة التغيير الحقيقية من أجل عالم بلا أوجاع ولا ودموع الأمهات، ممتلئ بضجيج صخب وشقاوة ولعب العيال، الذي يبعث في الدنيا دفئ ضحكات يمتد صداها لأميال، وليس كل عالمها مواعيد الأمصال، وجرعات الدواء والبحث في كومة قش عن الشفاء وليالي من العناء والنجاة من براثن المرض التي لا تتحقق إلا بالدعاء.

صبية كنت وشابة أصبحت… وامرأة شهدت من الحياة تجارب عديدة صرت، بدت بعضها بارقة في بدايتها ولكنها تعثرت في منتصف سكتها فزاد ذلك من إيماني بالمستشفى الثابتة خطواتها، سنوات طويلة أتابع تقدمها وأتقصى نسب شفائها واتحرى عن خططها واتجاهل ما يثار من شائعات حولها، فانجازاتها تضحد تلك المحاولات البائسة من النيل من عزمها، ولم تستطع السنوات أن تقطف حلمها ولا تردها عن طريقها ولم تحيدها عن خطها وهو العلاج المجاني بالكامل للأطفال من عمر يوم وحتي ستة آلاف يوم أي لعمر ثمانية عشر عاما.

انتويت أن أزور المستشفى مراراً، ولكن لم تكن رغبتي الخجول تلح علي تكرار، صدقاً كان السبب هو الخشية من مشاهدة المرار في عيون الأمهات ومسحة الحزن في قسمات ابنائنا من المرضى الأبطال، حتى شاء الله بموعد الزيارة التي ذهبت إليها بمشاعر حيرانة بين تلمس الأمل في صدق التجربة، ولمس الألم في عيون ضحايا القدر الذي لم تكن لهم في الحياة أي تجربة إلا التجارب الدوائية والاختبارات السريرية، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان وإليكم بعض مما كان…

في قلب القاهرة القديمة تقبع المستشفى ساكنة ولكن ليست مستكينة، أطباء وموظفون، ممرضات وممرضون، عمال ومديرون كل منهم في موقعه آلة بشرية تنبض بالحب مهما كان دوره فقبل أن يتقنه عليه أن يؤمن به ويقدسه، فالالتحاق بفريق العمل ليس وظيفة وإنما هو استحقاق لمن يعلم أنه عقيدة، تنص على تقديم رسالة إنسانية فريدة، مفرداتها الرحمة والصدق والإخلاص، وهما مفتاح الثأر من هذا المرض الدنئ الذي يضرب ولا يبالي بوجع الأطفال والأهالي.

يبلغ ارتفاع المبنى ست أدوار ولكن حجم الأحلام يلامس السماوات، كل سنتيمتر مربع تم استغلاله لتقديم الخدمة بشكل أكثر بهجة وحرفية، في مدخل المستشفى وقفت تحت الكرة الزجاجية التي علمت أنه تم اختيار شكلها الكروي لتكون جاذبة للأطفال ككرة القدم وترسل رسالة لهم أنك أيها الصغير حتى لو كنت مريضا فأنت قلب العالم النابض ومحور الكون الذي يدور فتحلى يا صغيري بالأمل والسرور، وما أثار دهشتي هو أن الزجاج المصنوع منه الكرة الزجاجية ليس من أجل الأغراض الجمالية، بل يعكس أشعة الشمس الضارة ويمتص المفيدة التي يحتاجها الأطفال بدنياً وليس فقط لادخال النور مما تنعكس آثاره نفسياً.

كل أسطح المستشفى من الأرضيات ومكاتب الاستقبال مصمتة فهي مصممة بشكل غير مسامي حتى لا تكون بيئة للفيروسات، بل ومعالجة بمواد تمنع تماماً تلك الأنواع من التلوث والعدوى، نقطة التقاء حوائط المستشفى مع الأرض مصممة بشكل نصف دائري ناعم وليس هندسي حاد حتى لا تكون الزوايا الحادة مرتعاً للجراثيم ومصدراً للعدوى.

في كل أدوار المستشفى مكتب الاستقبال والتمريض دائري وفي منتصف المكان ويتفرع بحسب تعريفهم لثلاث دومات، والدومة هي الطرقة التي تجمع غرف المرضى وتتكون كل منها من 10 غرف بمجموع 30 غرفة في الدور الواحد وكل دور له تخصص واحد، وذلك التصميم يسمح بسهولة الحركة وسرعة الاستجابة لنداءات المرضى، وتكفل عدم استنزاف طاقة الممرض في اللهث الذي هو له طوال اليوم متعرض.

أبواب الغرف بحاجة لشفرة لا يمكن أن يفهمها إلا الأطباء والممرضين وأهالي المرضى، من طريقة كتابة الاسم بشكل يكفل الخصوصية الكاملة للمريض وحتى الرموز الذي تشير لحالته دون إن تتسبب في إحراجه فمثلاً حرف F على باب الغرفة يعني أن المريض يعاني الدوار وعرضة للسقوط لذا على الزائر أو المرافق مراعاة ذلك، كما أن تعليمات دخول الغرفة مدرجة ولكل غرفة متطلباتها بحسب الحالة بدءا من غسل الأيدي وارتداء الكمامة وحتى زمن الزيارة ودرجة حرارة الغرفة.

كل ساعتين النظام مبرمج على استقبال تحديث خاص بحالة المريض، إذا لم يحدث ذلك يعني وجود تقصير وهو ما لن تجده في هذا الصرح العظيم، الذي راعى زي الممرضات المزركش بصور الشخصيات الكارتونية وشكل الأغطية والمفروشات المطبوعة بصور الألعاب لتكون ناقوساً يذكر هؤلاء المرضى أنهم لا زالوا أطفالا، هم كأقرانهم الأصحاء لديهم الألعاب والأنشطة ومساحات اكتشاف المواهب الغنائية والفنية والموسيقية والأشغال اليدوية، وحتى أصناف الطعام الغير تقليدية من البيتزا والبرجر والأيس كريم يكفل تقديمهم قسم التغذية العلاجية الذي يعمل ليل نهار لتلبية رغبات الملائكة الصغار.

ابن 57 غير مسموح له أن يتناول قرص إسبرين دون الرجوع لفريقه الطبي، ليس فقط معالجي الأورام ولكن حتى لو أصابته نزلة معوية أو دور زكام، فبرقمه الطبي المسجل عليه حالته بالكامل يتم الكشف عليه داخل العيادات التخصصية في المستشفى للحفاظ على بروتوكول العلاج ومن ثم نتائج الشفاء.

الطرقة المؤدية لمكتب الاستقبال مموجة في تصميم هندسي قادر على امتصاص الأصوات حرصاً على راحة رواد المكان، المستشفى متكاملة الكنيسة والجامع داخلها لهم أمكنة، أما الصيدلية فدعني أحدثك عن ادارتها المميكنة بصورة عبقرية كلها تعمل بالذكاء الاصطناعي وذلك لتخفيض عدد الموظفين من 15 لواحد فقط وتوفيراً للنفقات ومنعاً للخطأ البشري في صرف الأدوية وتخفيض الهادر لنسبة صفر في المائة.

أما الصيدلة العلاجية التي يقوم فيها الصيدلي البارع بيجاد بتقديم مشروع حصري يستحق براءة الاختراع وذلك بتحويل شكل الدواء لصورة دوائية متقبلة للأطفال من حيث الطعم والرائحة وحتى الشكل نفسه، فلو الدواء على هيئة أقراص يحولها دكتور بيجاد لصورة سائلة ومحببة لتكون رحلة العلاج أقل ألماً بقدر المستطاع، وبالفعل قامت 57 بتوقيع اتفاقات عالمية مع العديد من المستشفيات لاستيراد تلك التركيبات مما يدعم هدف المستشفى بأن تكون منتجة وكل ما تجنيه من عوائد يدخل مرة أخرى لعلاج الأطفال.

المستشفى كانت سباقة في فكرة توفير الطاقة فهى تعتمد على ضوء الشمس طوال فترة بزوغها، وكل العاملين في المستشفى لا يستخدمون المصعد فقط السلالم في الحركة، وهي كثيرة ومستمرة ولكنها العقيدة التي لن نكف عن الإشارة إليها، كل درجة من درجات المستشفى مكتوب عليها كلمات ما بين الحكمة والأمل وجمل تدعم الوطنية وتحث على العمل، أدوار بالكامل تعتمد على الهوية الوطنية لقدماء المصريين وعندما سألتهم عن السبب زاد إعجابي وزال العجب! أجابوا بمنتهى الطلاقة نحن نربي طفل سيشفى بإذن ربي ويتعافى لذا عندما يخرج للمجتمع يجب أن يكون سليم النفس والسجية ويكون مواطنا ذا فطرة سوية.

المستشفى تتبنى البحث العلمي وتطبق ذلك بشكل عملي في معامل التحاليل التي تعمل أيضاً بنفس فكرة الصيدلية، بطريقة آلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للوصول لأدق وأسرع النتائج بأقل تكلفة ممكنة، حتى حديقة المستشفى تم تصميمها على أحدث طراز في تنسيق الحدائق وذلك لاستخدامها بالطبع في الترفيه عن الأطفال وإقامة الحفلات، وتصوير الإعلانات التي يتولى تجهيزها بالكامل فريق الميديا في المستشفى، وأيضاً تقوم المستشفى بتأجير الحديقة لأي من يرغب بمساعدة المستشفى وتحقيق استفادة بنفس الوقت، وذلك في الساعات التي يخلد الأطفال فيها لغرفهم حرصا من المستشفى أن تؤمن موارد مالية من امكانياتها الذاتية، حتى غرف الاجتماعات توفرها المستشفى للجمهور العام، وذلك أيضاً لتوفير موارد مادية ودعاية إنسانية ليشعر الأطفال أنهم ليسوا كماً منسياً.

حرصت 57 على توفير الجهاز الأحدث في العالم وهو جهاز السايبر نايف، المستخدم في علاج الأورام الدقيقة دون الحاجة لجراحة منهكة ونسب شفائها متدنية، هذا بالإضافة أن الجلسة الواحدة تساوى ثماني جلسات كيماوية وإشعاعية لذا تكلفته باهظة، وكعادة المستشفى تحاول البحث عن حلول غير تقليدية لتوفير الموارد المالية ولكن تكلفة العلاج لازالت مستعصية أن تدبرها المستشفى دون يد التبرعات الحانية.

منعت المستشفى التعاملات الورقية في انظمتها الداخلية وحولت اعتمادها الكامل على الطرق الإلكترونية سعياً للتطوير وحرصاً على البيئة وتوفيراً لكل قرش ليذهب في مكانه الصحيح وهو توفير العلاج لطفل ليُمنح الحياة وهو معافى وصحيح.

المستشفى بحاجة للدعم لتستمر في تقديم ما يتجاوز 500 جلسة علاج كيماوي يومياً، ولتستطيع أن تصل لنسبة الشفاء العالمية التي وصلت 80% و57357 قد قاربت على ذلك حيث تجاوزت نسب الشفاء 72% تبرعك ومساهمتك ولو بالقليل ستصنع من المعجزات الكثير، اذهب لزيارة المكان وأحمل في قلبك المحبة وفي يدك حتى لو علبة ألوان سيصنع ذلك فرقاً في حياة الأطفال.

عالجت المستشفي بالفعل على مدي السنوات السابقة التى تتجاوز 25 عاما ما يزيد عن 18 ألف طفل،  أي أن كل يوم هناك طفلين يتماثلان للشفاء تماماً بفضل الله ومجهود فريق المستشفى وتبرعاتك التي تسمح لعجلة الشفاء أن تظل دائرة، فرجاء لا تتهاون بالقليل ولا تستكثر ما تعتقد أنه كثير فتكلفة علاج طفل اللوكيميا وصل لما يقارب مليوني جنيه ويماثله علاج سرطانات المخ، تبرع بما تستطيع إليه سبيلاً حتى لا تغلق درباً للبراءة من المرض ومعها قلب أم لحظة علمها بمرض فلذة كبدها سقطت في الهاوية، أنت قادر بالبأس أن تنتشلها من غياهب اليأس فلا تتردد واتبرع ولو بجنيه، وتذكر أن من يفعل الخير بيداه يوماً ما سيتلقاه.

عدت من الزيارة وأنا بالفعل ندمانة، لكن على تلكعي طوال تلك السنوات عن الذهاب لهناك، فكم الطاقة الإيجابية التي امتلأ بها قلبي بسبب الإرادة الحديدية في تطويع المحنة لتصبح منحة، بداية جديدة للمريض واختبار أيسر على أسرته وقهر المستحيل بالبحث والعمل وانتهاج كل ما هو غير يسير، لتكون النتيجة أن هذا الطبيب وتلك الممرضة وبعض الزوار من المتطوعين لتقديم العون والدعم النفسي للأطفال كانوا يوماً من أبناء المكان واليوم هم الدليل على هزيمة المرض على مذبح اليقين.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة

أبي المختطف هاشم عبدالله صالح الهمداني: سنة في ظلام الزنزانة الانفرادية

لا أستطيع أن أصدق أن عامًا وأكثر قد مر على اختطاف أبي، هاشم عبد الله الهمداني، دون أن أتمكن من رؤيته أو زيارته ولو لمرة واحدة.

في الثامن من نوفمبر 2023، كنا نعتقد أن سفر أبي من مطار صنعاء سيكون بداية أمل جديد لعلاجه من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. لكن للأسف، انتهى الأمر إلى مأساة لم تكن تخطر على بال أحد. أبي، الذي أفنى عمره في كفاح الحياة وتحمل مشاقها، اختُطف ظلمًا وعدوانًا دون أن يرتكب أي ذنب. بينما كان يستعد للسفر لتلقي العلاج الذي لم يتوفر في وطنٍ أنهكته الأزمات، اقتادته مجموعة مسلحة من المطار أمام أعين المسافرين، دون أي مبرر قانوني.

ولم تكتفِ تلك الأيادي الغاشمة بهذا الفعل الشنيع، بل اقتحموا بيتنا في الصباح الباكر دون أي تصريح، وسط صرخات الأطفال وبكاء النساء. كسروا الأبواب، عبثوا بأثاث المنزل، وأخذوا أخي الكبير عمرو دون رحمة. كان المشهد قاسيًا لا يحتمل، حيث لم يحترموا حرمة بيتنا، ولم يراعوا وجود الأطفال والنساء.

مرّت سنة كاملة، وما زال أبي وأخي وأعمامي وأبناء خالاتي وباقي أفراد أسرتي خلف جدران الزنازين الانفرادية، ممنوعين من التواصل معنا أو حتى الاطمئنان على أحوالهم. سنة من الألم والقلق المستمر ونحن نعيش في انتظار لا ينتهي. الطرقات إلى أبواب القضاء أغلقت في وجوهنا، ولم نحصل على أي إجابة تُطمئننا.

لماذا كل هذا؟ إن كان لديهم أي دليل يدين أبي أو أخي عمرو أو باقي أفراد أسرتي، فلماذا لا يقدمونهما لمحاكمة عادلة؟ إن كان ما يدّعونه من اتهامات صحيحًا، فلماذا يخفونهما عن العالم ويمنعوننا من زيارتهما؟ الحقيقة واضحة؛ لا دليل لديهم سوى ظلمهم وجبروتهم.

أبي، الذي سافر لعلاج مرضه، يُترك اليوم في زنزانة انفرادية، محرومًا من أبسط حقوقه، في ظروف لا نعلم مدى قسوتها.

عام كامل وأبي بعيد عني، ليس لأنه اختار الغياب، بل لأنهم سلبوه حريته ووضعوه في زنزانة ضيقة مظلمة، لا ترى الشمس ولا تسمع فيها سوى صوت الوحدة. وهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري. عام كامل ونحن نعيش في ألم لا يوصف، عاجزين عن رؤيته أو سماع صوته، حيث مُنعنا حتى من زيارته.

أتخيل أبي الآن في مكانه، ينظر إلى جدران صامتة كأنها تُشارك في تعذيبه، يحاول أن يحتفظ بعقله وقلبه وسط قسوة العزلة. هل يفتقدنا كما نفتقده؟ هل يتخيلنا حوله ونحن نضحك ونتحدث؟ أم أن الألم قد طغى حتى على الذكريات الجميلة؟

الآن، لا نسمع صوته ولا نرى ابتسامته. فقط نعيش على أطياف الذكريات التي صارت أقسى ما يمكن أن نملكه.

أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يتحمل هذا الكم من الظلم؟ أي ذنب ارتكبه أبي ليُعاقب بهذه الطريقة؟ هل لأنه كان شجاعًا، حرًا، رفض أن يخضع؟ أم أن الظلم يقتات على أرواح الشرفاء فقط لأنه قادر؟

وما يكسر قلبي أكثر، أنه لم يعرف حتى الآن أنه أصبح جدًّا لأول حفيد له يحمل اسمه. حفيدته الأولى لابنه البكر عمرو هاشم الهمداني. فرحة عمره التي كان ينتظرها، جاءت إلى الدنيا ولم تستطع رؤيته. لم يتمكن من احتضانها أو حتى سماع صوتها. لا يعرف عن ملامحها شيئًا، لا يعلم كيف تنام وكيف تضحك. تلك الصغيرة، التي كانت ستعيد الحياة إلى قلبه المُتعب، حُرمت منه كما حُرم من كل شيء آخر.

أتساءل: كيف يمضي عليه الوقت وهو محروم من هذه الفرحة؟ كم ليلة مرّت وهو يفكر بنا، ونحن نفكر فيه؟ كم مرة تخيل حفيدته بين ذراعيه، يضمها بحب كما كان يضمنا؟ لكنهم قطعوا هذا الحلم، وحرمونا حتى من إهدائه فرحة بسيطة تخفف عنه ألم الزنزانة.

أصعب ما في الأمر أنهم حرمونا من زيارته، من رؤيته، من الاطمئنان عليه ولو للحظة. كم كنت أحتاج إلى نظرة من عينيه تحمل صبره المعتاد. لكنهم أغلقوا كل السُبل وطرق الوصول إليه.

ومع ذلك، مهما حاولوا كسر روحه، أنا متأكدة أن أبي أقوى من هذا السجن، أقوى من الزنزانة، أقوى من الظلم. سيعود يومًا، وسنمسك أيدينا من جديد. وسيروي لي قصصه عن الصمود كما كان دائمًا يفعل، وسأخبره أنني لم أفقد الأمل أبدًا، أنني كنت أؤمن أنه سيعود مهما طال الانتظار.

نطالب بإطلاق سراح أبي وأخي عمرو وباقي أفراد أسرتي فورًا، لقد ذقنا مرارة الظلم بما فيه الكفاية.

 

 

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة أسيوط يزور الطالبة التي قفزت من الطابق الرابع بالمدينة الجامعية
  • الكونغو.. حل لغز المرض الغامض الذي قتل 143 شخصا
  • تكريم محاربي السرطان بمجمع الشفاء الطبي ببورسعيد
  • مهرجان Social Media Festival يكرم نهال عنبر كضيف شرف
  • مهرجان Social Media Festival يكرم نهال عنبر
  • ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة
  • وفد حقوق الإنسان بوزارة الداخلية يدعم الأطفال مرضى السرطان بالأقصر
  • وفد حقوق الإنسان بوزارة الداخلية يدعم الأطفال مرضى السرطان في شفاء الأورمان بالأقصر
  • يالصور.. وفد حقوق الإنسان بوزارة الداخلية يدعم الأطفال مرضى السرطان بالأقصر
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته