تضع الولايات المتحدة نفسها من الآن فى حالة تأهب قصوى تحسبًا لتدخل حزب الله المدعوم من إيران فى الأحداث الجارية بعد تصاعد حدة التوتر بالمنطقة فى أعقاب الحرب بين إسرائيل وحماس. ولذلك سعت أمريكا إلى دعم التعزيزات العسكرية فى المنطقة، إذ قال وزير الدفاع الأمريكى «لويد أوستن» فى الحادى والعشرين من أكتوبر الجارى أنه قام بتفعيل نشر بطارية الدفاع للارتفاعات العالية جدا، وهى منظومة صواريخ «ثاد»، بالإضافة إلى بطارية «باتريوت» فى مواقع مختلفة من الشرق الأوسط بهدف العمل على تعزيز حماية القوات الأمريكية.
تعتبر منظومة «ثاد» الصاروخية واحدة من أنظمة الدفاع الجوى الأمريكية الأكثر تقدما، حيث تخترق الغلاف الجوى، ولهذا يتنافس الحلفاء فى جميع أنحاء العالم على الحصول على هذه المنظومة وفقا للصحافة الأمريكية. وتعد بطارية الدفاع هذه للارتفاعات العالية سلاحًا دفاعيًا لإسقاط الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى ذات الارتفاعات العالية. وهى نظام من صنع شركة (لوكهيد (مارتن) الأمريكية. وتقول الشركة المصنعة لهذا النظام (إن «ثاد» هو النظام الأمريكى الوحيد المصمم لاعتراض الاهداف داخل وخارج الغلاف الجوي). الجدير بالذكر أن منظومة «ثاد» لديها خمس مكونات رئيسية، هى أجهزة اعتراضية وقاذفات، ورادار، ووحدة التحكم فى الحرائق، ومعدات الدعم.
وتتكون بطارية المنظومة من تسع عربات مجهزة بقاذفات تحمل كل منها من ستة إلى ثمانية صواريخ، إضافة إلى مركزين للعمليات ومحطة رادار. وبحسب الشركة المصنعة فإن الرادار يكتشف الصاروخ القادم أولا، على أن يحدد مشغلو المنظومة التهديد بدقة. وبعد ذلك تطلق قاذفة مثبتة على شاحنة مقذوفات يطلق عليها (لوكهيد مارتن) «اسم معترض» لتدمير الصاروخ الباليستى باستخدام الطاقة الحركية. ولا تحتوى صواريخ «ثاد» الاعتراضية على رؤوس حربية متفجرة. لكنها تتحرك بسرعة أكبر من ميل فى الثانية، وتضرب الصواريخ الباليستية القادمة بقوة كافية لإحداث انفجار.
ولأن نظام صاروخ «ثاد» الاعتراضى يعتمد على الطاقة الحركية، وليس الرأس الحربى الخاص به لتدمير الصاروخ القادم، فإن خطر الانفجار النووى ينخفض إلى الحد الأدنى. ويدعم النظام برادار قوى لالتقاط التهديدات، حيث يمكنه الدفاع عن المراكز السكانية والبنى التحتية ذات القيمة العالية. كذلك يعد النظام قابلًا للتشغيل لتبادل أنظمة الدفاع الصاروخى الباليستية الأخرى، وهو متنقل ويمكن نشره فى أى مكان حول العالم.
يملك نظام «ثاد» معدل نجاح اعتراضيًا بنسبة 100% فى الاختبارات، بعد تسجيله ستة عشر اعتراضًا ناجحًا فى ست عشرة محاولة اعتراض، وفقًا لشركة «لوكهيد»، فيما تبلغ تكلفته مليار دولار. وتستخدم صواريخ «ثاد» الاعتراضية تكنولوجيا الضرب، حيث يجرى تدمير الأهداف ذات التأثير المباشر، كما تحمى الأصول الحيوية على الأرض. يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد نشرت نظام «ثاد» الذى جرى تطويره خلال التسعينيات فى جميع قواعدها بما فى ذلك إسرائيل وكوريا الجنوبية واليابان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الولايات المتحدة حالة تأهب قصوى
إقرأ أيضاً:
هواجس اليوم التالي في سوريا
سقط النظام الحاكم في سوريا ولجأ رئيسه بشار الأسد إلى موسكو، وحدث ذلك كلّه بسرعة مذهلة لم يكن بمقدور أحد أن يتوقّعها ولو في أكثر خيالاته جموحاً، لم يكد الناس في كلّ أنحاء العالم العربي يستفيقون من ذهولهم حتى بدأت صيحات التكبير تعلو وزخات الرصاص تطلق في الهواء تعبيراً عن الفرح والابتهاج من جانب أناس يظنون أنهم تخلّصوا من نظام مستبدّ طاغٍ وعنيف، وذلك بالتوازي مع سماع أصوات تنتحب ودموع تذرف من جانب أناس يطنون أنهم فقدوا نظاماً عروبياً أصيلاً ومقاوماً صلباً لمشروع الهيمنة الصهيوأمريكي على المنطقة.
ولأنّ صيحات العويل هنا وصخب الفرح هناك لن يعيدا عقارب الساعة إلى الوراء ولن يغيّرا من الأمر الواقع شيئاً، فربما يكون من الأجدى للجميع الآن أن لا يتوقّفوا طويلاً عند سؤال كيف ولماذا انهار نظام عربي يزيد عمره على نصف قرن بمثل هذه السرعة والسهولة، وأن يهتموا أكثر بمحاولة الإجابة عن سؤال ماذا سيحدث في اليوم التالي؟، والتعمّق في بحث تأثير ما جرى على أوضاع العالم العربي وموازين القوى في المنطقة.
تواجه سوريا الآن تحدياتٍ جساماً، يتعلّق أهمّها بطبيعة النظام السياسي المرشّح للاستقرار ولقيادة هذا البلد العربي البالغ الأهمية في المرحلة المقبلة. فالقوى التي حملت السلاح ضد نظام الأسد، وتمكّنت من إسقاطه في النهاية، كثيرة ومتنوّعة وتكاد تكون كراهيتها له هي القاسم المشترك الأعظم بينها.
أما وأنّ هذا النظام قد سقط الآن وأصبح ذكرى من الماضي، فمن المتوقّع أن تبدأ التناقضات الأيديولوجية والسياسية والطائفية الكامنة بين هذه القوى في الظهور تدريجياً، وربما يكون من الصعب جداً عليها أن تتوافق فيما بينها على صيغة موحّدة لإدارة الدولة وشؤون الحكم تتسع للجميع، أو أن تبني رؤية مشتركة تساعدها على التعامل بفاعلية مع مختلف القضايا والتحديات التي ستواجه “سوريا الجديدة” على الصعيدين الداخلي والخارجي.
إذا احتكمنا للسوابق التاريخية التي شهدها العالم العربي خلال العقدين السابقين فسوف نلاحظ أن قوى المعارضة نجحت في إسقاط وهدم أنظمة حكم مستبدة في دول عربية عديدة، خصوصاً إبان موجات متعاقبة من ثورات “الربيع العربي”، لكنها فشلت في كلّ مرة في بناء أنظمة حكم بديلة أكثر ديمقراطية وقابلية للاستمرار.
حدث هذا في تونس، التي نجحت في الإطاحة بزين العابدين بن علي وتمكّنت من هدم نظامه، وفي مصر وفي ليبيا وفي السودان.
ولأنّ القوى التي أطاحت بنظام بشار هي في معظمها ميليشيات مسلّحة تدعمها أطراف خارجية، وبالتالي يصعب النظر إليها باعتبارها قوى أو تيارات سياسية أصيلة أو وطنية، فليس من المستبعد أن تلجأ إلى القوة المسلحة لحسم ما قد يثور بينها من خلافات سياسية أو يحتدم بينها من تناقضات أيديولوجية، وربما أيضاً لحسم ما قد يثور من خلافات بين الأطراف الخارجية التي تدعمها بسبب صراعها على النفوذ في سوريا، وهو ما قد يمهّد الطريق لاندلاع حرب أهلية ربما تفضي إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية.
ولأن المجتمع السوري شديد التنوّع إثنياً وطائفياً، فقد يؤدي حرص المليشيات المتصارعة على إحداث قدر من التوازن في القوة بين الطوائف الرئيسية إلى إقامة نظام في سوريا أشبه بالنظام السائد في لبنان أو في العراق، وهو ما سيقود حتماً إلى كارثة كبرى تساعد المشروع الصهيوني على تحقيق حلمه في تفتيت العالم العربي إلى كانتونات ترسم الحدود فيما بينها على أسس طائفية، ويمهّد الطريق أمام الكيان للهيمنة على المنطقة برمّتها في الأمد المنظور.
على صعيد آخر يتوقّع أن تواجه “سوريا الجديدة” تحديات هائلة في إدارة علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع دول الجوار بصفة عامة ومع كلّ من تركيا والكيان الصهيوني بصفة خاصة، وسرعان ما ستكتشف أن هذه العلاقات تكتنفها تعقيدات هائلة وتنطوي على تناقضات كثيرة تبدو غير قابلة للحلّ. ولأنّ سوريا ظلّت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً مسرحاً لصراع مفتوح تشارك فيه قوى إقليمية ودولية كثيرة، إما بوصفها أطرافاً داعمة ومساندة للنظام الذي سقط، مثل روسيا وإيران وحزب الله، وإما بوصفها أطرافاً داعمة ومساندة للفصائل المعارضة للنظام، مدفوعة في ذلك بأطماع تجاه سوريا نفسها أو بمطالب تريد فرضها على النظام الحاكم، مثل تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.
ناهيك عن بعض دول الخليج التي وجدت في “الربيع العربي” فرصة للتخلّص من نظام مناكف، ومن ثم اكتفت بتقديم التمويل والدعم اللوجستي لقوى المعارضة. ورغم أنّ سقوط نظام بشار يعدّ في الوقت نفسه هزيمة للأطراف الإقليمية والدولية التي ساندته، إلا أنّ روسيا لا تزال تحتفظ بقواعد بحرية وجوية في سوريا، وليس من المعروف ما إذا كانت ستنسحب بإرادتها من هذه القواعد أم أنها ستصرّ على البقاء فيها وربما تناور بمحاولة مقايضة انسحابها بانسحاب الولايات المتحدة من القواعد والمناطق التي تحتلها، وفي مقدّمتها المناطق الغنية بالنفط والغاز.
تعيش تركيا حالياً لحظة نشوة عارمة بعد سقوط نظام بشار، ولذا تعتقد أنها أصبحت في وضع يتيح لها ممارسة تأثير هائل على الأوضاع في سوريا في مقبل الأيام، خصوصاً وأنّ الفصيل الذي ساندته ودعمته بالمال والسلاح، وهو هيئة تحرير الشام، يتبوأ موقع القيادة في المرحلة الانتقالية التي ستتولّى وضع أسس النظام السياسي الذي سيقود “سوريا الجديدة” في المرحلة المقبلة. غير أنّ أيّ نظام وطني قابل للاستقرار في سوريا لا بدّ وأن يصطدم حتماً مع تركيا، أياً كان نظام الحكم السائد فيها، على خلفيّة مسألتين مترابطتين على جانب كبير من الأهمية، الأولى: أطماع تركيا التاريخية في سوريا، والثانية: الموقف من المسألة الكردية.
ففيما يتعلّق بالمسألة الأولى، يُلاحظ أنه سبق لتركيا أن احتلت لواء الاسكندرونة وضمّته إليها عام 1939، غير أن مطامعها في سوريا لم ولن تتوقّف عند هذا الحد، خصوصاً وأنّ عدداً من المسؤوليين الكبار في تركيا صرّح مؤخّراً بأنّ حلب مدينة تركية ويجب أن تعود إلى الوطن الأم. وفيما يتعلّق بالمسألة الثانية، يلاحظ أن تركيا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وغالبية مقاتليها من الكرد السوريين، حركة إرهابية تشكّل امتداداً لحزب العمال التركي الذي يطالب بانفصال الكرد وإقامة دولة كردية موحّدة، فيدرالية أو كنفدرالية، تشمل المناطق التي يعيش فيها الكرد في كلّ من تركيا وإيران وسوريا.
لذا يتوقّع أن تماطل تركيا في الانسحاب من المناطق التي تحتلها في شمال سوريا، بدعوى أن وجودها في هذه المناطق يعدّ ضرورة أمنية لمحاربة “الإرهابيين الكرد”. وسوف يصعب جداً على أيّ نظام سوري يعتبر نفسه وطنياً أن يسلم بأطماع تركيا التاريخية في سوريا، أو يعطي لتركيا الحقّ في تحديد مستقبل الكرد السوريين، لأنّ هذا شأن داخلي سوري لا يجوز لتركيا أن تتدخّل فيه.
بقي أن نلقي نظرة سريعة على أطماع الكيان الصهيوني في سوريا، والتي يرى كاتب هذه السطور أنها ستكون المحك والاختبار الحقيقي لمدى وطنية النظام السوري الجديد، بل والكاشفة لحقيقة انتماءاته الدينية والحضارية. فأطماع الكيان الصهيوني في سوريا موثّقة ولا تحتاج إلى إيضاح أو تأكيد. فلم يكتفِ هذا الكيان باحتلال مرتفعات الجولان السورية لكنه قام بضمّها أيضاً وما زال ويؤكّد صباح مساء أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من “إسرائيل” وستظل كذلك إلى الأبد ولن ينسحب منها مطلقاً.
وقد انتهز الكيان حالة الفوضى التي تمرّ بها سوريا حالياً ليعلن أنه بات في حرب حقيقية وشاملة معها، ليبرّر بذلك استيلاءه على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية الواقعة على الناحية السورية من مرتفعات الجولان، وإقدامه على احتلال المنطقة منزوعة السلاح والإعلان عن إنهاء اتفاقية فضّ الاشتباك الموقّعة عام 1974م من جانب واحد، رغم أنها أبرمت بوساطة أمريكية قام بها هنري كيسنجر، واحتلّت كذلك مدينة القنيطرة وعدداً من القرى السورية المتاخمة للحدود مع فلسطين وأصبح “جيشها” بالتالي على مسافة تقل عن 40 كيلومتراً من دمشق.
ولم يكتفِ الكيان بذلك كلّه وإنما قام بشنّ مئات الغارات على مختلف أنحاء سوريا استهدفت تحطيم كلّ القدرات البرية والبحرية والجوية التي يمتلكها الجيش السوري. والغريب أننا لم نسمع كلمة إدانة واحدة لهذا السلوك من جانب من يحكمون سوريا الآن، إذ لا يخفى على أحد أن للكيان الصهيوني علاقات قوية بعدد من الفصائل السورية التي عارضت نظام بشار، وسبق أن كشفت وسائل إعلامية صهيونية عن استقبال الكيان لعدد من المقاتلين الجرحى والمرضى، بمن فيهم مقاتلون من جبهة النصرة، وتمّ علاجهم في مستشفياته.
وفي سياق كهذا، يصعب التنبّؤ بما سيكون عليه موقف النظام السوري الجديد من القضية الفلسطينية، ومن المقاتلين الفلسطينيين الموجودين حالياً فوق الأراضي السورية، ومن المكاتب التي تمثّل العديد من الفصائل الفلسطينية المسلّحة في دمشق، ومن بينها حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها.
لن يندهش كاتب هذه السطور إذا أعلنت دمشق في غضون عام أنها باتت جاهزة لإبرام معاهدة سلام مع الكيان. فتداعيات الزلزال الذي ضرب سوريا لم تظهر جميعها بعد، ولن تقتصر على النظام الإقليمي العربي، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة على كل حال، وإنما ستمتدّ لتشمل توازنات النظام العالمي أيضاً.
ليس من المهم أبداً أن يكون اسم رئيس الدولة السورية بشار الأسد، لكن الأهم أن تظلّ سوريا كما كانت دائماً، قلب العروبة النابض وقلعة المقاومة الصامدة في وجه جبروت المشروع الصهيوني.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة