دخلت أسبوعها الرابع .. هل ستتخطى حرب غزة الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
تتوالى التحذيرات حول العالم من مغبة انفلات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، واندلاع حرب إقليمية وربما دولية على وقع المواجهة المتواصلة التي دخلت أسبوعها الرابع بين إسرائيل وحماس، إثر الهجوم الواسع الذي نفذته الحركة في 7 أكتوبر الجاري.
وفي أخطرها جاء تحذير الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخير من أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين قد يتخطى حدود منطقة الشرق الأوسط.
تفاصيل التحذير
وأدلى بوتين بهذه التصريحات في اجتماع في الكرملين مع زعماء دينيين روس من عقائد مختلفة، قال فيها :"إن من الخطأ معاقبة نساء وأطفال وشيوخ أبرياء في غزة بسبب جرائم اقترفها أشخاص آخرون".
وشدد على أن "إراقة الدماء في المنطقة لا بد أن تتوقف"، مضيفا أنه "أبلغ زعماء العالم في مكالمات هاتفية بأنه إذا لم يحدث ذلك، فقد يندلع صراع أوسع نطاقا بكثير".
وتابع بوتين: "مهمتنا اليوم، مهمتنا الرئيسية، هي وقف إراقة الدماء والعنف، وإلا سيكون مزيد من تصعيد الأزمة محفوفا بعواقب وخيمة وشديدة الخطورة والدمار، ليس فقط لمنطقة الشرق الأوسط. بل قد يمتد الأمر ليتخطى حدود تلك المنطقة".
تهويل أم تشخيص واقع ؟
ويرى مراقبون أن تحذير سيد الكرملين في محله تماما، ويعبر عن مدى خطورة ما يحصل، وما قد يجره من حرب تتورط فيها قوى إقليمية وعالمية كبرى.
في المقابل، يرى آخرون أن الصراع في حقيقة الأمر محصور في نطاق عملياتي جغرافي ضيق، وأن فرص اتساع رقعة الحرب لبقية دول المنطقة والعالم تبدو ضئيلة للغاية.
ويعتقدون أن ما يبرز من تباين في الموقفين الروسي والأميركي من الأزمة هو انعكاس مفهوم وطبيعي للصراع المحتدم بين الجانبين ولا سيما بعد اندلاع حرب أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وما خلفته من عقوبات غربية على موسكو وتدهور خطير في العلاقات الروسية الأميركية والغربية عامة.
يقول الباحث والخبير الروسي في العلاقات الدولية، تيمور دويدار، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية":
في موسكو لا يتم النظر لما يحصل على أنه صراع ثنائي بين إسرائيل وحماس فقط، بل هو صراع معقد وخطير مرشح للاتساع والانفجار والتحول لحرب إقليمية كبرى، تشترك فيها دول الجوار الإسرائيلي العربية وخصوصا لبنان وسوريا فضلا عن إيران. لهذا فروسيا اتخذت إجراءات عسكرية واستخباراتية تحسبا، وهي تعكف على دراسة الوضع ومراقبته عن كثب، والتحوط لكافة الاحتمالات المفتوحة والتي تنذر بصراع متشعب وطويل الأمد وقابل للتمدد شرقا وغربا. لا ننسى أيضا مصالح الصين الحيوية في المنطقة واستثماراتها الطائلة فيها، ولهذا ففي حال تطور الصراع وتفجره على نطاق واسع، فإن بكين وموسكو معنيتان تماما به، ولن تقفا مكتوفتي اليدين حيال حريق مدمر على تخومهما، وفي عقر فضاءهما الحيوي والاستراتيجي. وفي هذا السياق يجب قراءة تحذير بوتين، فنحن بالفعل على حافة هاوية خطيرة لا تقل عن خطورة أزمة أوكرانيا والصدام الروسي الغربي حولها، ولهذا فالأمر يؤخذ على محمل الجد في موسكو وفي إطار زاوية أوسع بكثير مما تعتقده العواصم الغربية .بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي، جمال آريز، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية":
رغم كونه في محله لكن هذا التحذير ينطوي كذلك على بعض المبالغة، حيث صحيح أن الشرق الأوسط هي منطقة استراتيجية بالغة الأهمية في المعادلات الدولية، لكن الصراع الدائر حاليا هو في نطاقه الإقليمي حصرا، رغم الدعم الغربي لإسرائيل، والمواقف الأقرب للفلسطينيين كما هي حال موقفي الصين وروسيا مثلا. والواضح أن خلاف موسكو وبكين حول حرب غزة مع عواصم الغرب، هو جزء من التنافس والتزاحم المعهود بين الطرفين على وقع الخلافات التقليدية بينهما، في سياق الصراع على النفوذ والسيطرة حول العالم، والذي احتدم أكثر على خلفية حرب أوكرانيا والدعم الغربي لكييف. ولهذا فالتهويل النسبي هنا ينطوي على رسائل توجهها موسكو لواشنطن وهي بمثابة رد على ما تعتبره تهويلا غربيا لأزمة أوكرانيا وصبا للزيت على نارها من قبل الغرب وحلف الناتو.المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات فلاديمير بوتين الشرق الأوسط الكرملين أخبار فلسطين إسرائيل حرب غزة حركة حماس الشرق الأوسط فلاديمير بوتين الشرق الأوسط الكرملين أخبار فلسطين الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
ترامب وملفات الشرق الأوسط المتشابكة
من الأمور غير المعتادة في التقاليد السياسية الأميركية حدوث تعاون مفاجئ بين رئيسين أميركيين، أحدهما لم تكن ولايته انتهت بعدُ، والآخر لم يكن دخل البيت الأبيض بعدُ، وخصوصاً إذا كانا على طرفي نقيض، وبينهما ود مفقود. فترامب رفض حضور حفل تنصيب بايدن في 20/1/2021، ولم يكتفِ باتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية، التي هُزم فيها، وإنما شجع أنصاره أيضاً على اقتحام مبنى الكونغرس بالقوة، في محاولة منه للتعبير عن رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، التي ادّعى أنها سُرقت منه.
ومع ذلك، فهذا هو ما حدث بالفعل. ففي نهاية الأسبوع الماضي، أوفد ترامب مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى الدوحة للمشاركة في جولة المفاوضات الأخيرة، والتي استهدفت وقف الحرب في غزة، وكان مع مبعوث بايدن إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، يمثلان الولايات المتحدة فيها رسمياً. ومن هناك، أجرى مبعوث ترامب اتصالاً هاتفياً بنتنياهو المُصِرّ على التسويف والمماطلة، الأمر الذي أجبره على التراجع وقبول اتفاق لم يكن يرغب في الموافقة عليه.
لم تَفُت ترامب المفاخرةُ علناً بتمكنه من تحقيق إنجاز كبير قبل أن تطأ قدماه أرض البيت الأبيض، وادعاء أنه لولاه لَما توقفت الحرب المشتعلة في غزة منذ أكثر من خمسة عشر شهراً. غير أن لهذا الاعتراف دلالة تتجاوز رغبته في الكَيد لبايدن والتشهير بإدارته، لأنه يعني أن له مصلحة واضحة في إبرام اتفاق يحرص على أن ينسبه إلى نفسه، وبالتالي سيعمل على ضمان التزام كل الأطراف المعنية تنفيذَ جميع مراحله. وهذا هو الاختبار الذي سيواجه خلال جولة المفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية.
الحرب في غزة لن تكون هي الملف الوحيد المدرَج في جدول أعمال سياسة ترامب الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، فهناك ملفات أخرى كثيرة، في مقدمتها ملف البرنامج النووي الإيراني، في ضوء انخراط إيران المباشر في الصراع العسكري ضد “إسرائيل”، والملف السوري، عقب سقوط نظام بشار الأسد، والملف اللبناني، في ظل وجود رئيس منتخب للجمهورية ورئيس حكومة مكلف، وملف أنصار الله في اليمن، والذين دخلوا على خط المواجهة المسلحة مع “إسرائيل”، وملف إدارة العلاقة بالعراق… إلخ.
وكلها ملفات متداخلة، تصعب معالجة أي منها بمعزل عن الآخر, إذ يتطلب هذا التداخل وجود رؤية موحَّدة تتيح تعاملاً متناغماً بين جميع الملفات، وإزالة ما قد يوجد بينها من تناقضات. ولأن قضايا السياسة الداخلية تحتل موقع الصدارة في رأس جدول أعمال إدارة ترامب، في ولايتها الثانية، يُتوقع أن تتولى هذه الإدارة معالجة مختلف ملفات السياسة الخارجية من منظور مدى تأثيرها في “كيفية جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”. وليس من المستبعَد، في هذا السياق، ظهور فجوات واسعة بين المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية، في المديين القريب والمتوسط، وخصوصاً إذا تمكن نتنياهو من التغلب على أزماته الداخلية، ونجح في الاستمرار في قيادة الحكومة الحالية، حتى نهاية فترة ولايتها الطبيعية.
يحتاج ترامب إلى فترة معقولة من الهدوء في منطقة الشرق الأوسط، يركّز خلالها على قضاياه الداخلية وعلى ملفات السياسة الخارجية المؤثرة فيها بصورة مباشرة. لذا، يُتوقع أن يعطي الأولوية، خلال الشهور الأولى من فترة ولايته، لملفات الهجرة والاقتصاد والطاقة، على الصعيد الداخلي، ولملفات الحرب الأوكرانية وإعادة ترتيب أوراق ملف العلاقة بكل من الصين وحلف “الناتو”، على الصعيد الخارجي.
ولأن هدوءاً نسبياً يُتوقع أن يسود منطقة الشرق الأوسط، خلال الفترة المقبلة، على الأقل خلال الأسابيع الستة التي سيستغرقها تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يُتوقَّع أن يحاول ترامب استثمار هذه الفترة لاستكشاف مدى استعداد دول الخليج العربي للتعاون مع إدارته في الجهود الرامية إلى البحث عن “صفقة قرن جديدة، أو معدَّلة”، من أجل تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة إلى المصالح الأميركية.
غير أنه سرعان ما سيصطدم بعقبتين يتعين عليه العمل على إزالتهما من طريقه. الأولى: تتعلق بسبل ضمان استمرار وقف إطلاق النار في غزة، لأنه سوف يستحيل عليه أن يعثر على أي أفق سياسي يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة إذا اشتعلت الحرب في غزة من جديد، وخصوصاً أنها تحولت، منذ البداية، إلى حرب إبادة جماعية يمكنها أن تُلحق ضرراً كبيراً بترامب، الذي يحرص كثيراً على أن يَظهر في صورة “صانع السلام” بدلاً من صورة “مُشعل الحروب”.
والثانية: تتعلق بالسبل الكفيلة بالعثور على صيغة تَصلُح لاحتواء إيران، ومنعها من تصنيع السلاح النووي، ومن تطوير برنامجها الصاروخي، من ناحية، وتَحُول دون تمكينها من استعادة نفوذها الإقليمي، عبر إعادة إحياء “محور المقاومة” وتوسيعه، من ناحية أخرى، وخصوصاً أنه سوف يستحيل عليه أن يعثر على أي أفق سياسي يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة من دون مشاركة إيجابية من جانب إيران. بعبارة أخرى، يمكن القول إن ترامب سيحتاج، في المديَين القصير والمتوسط، إلى تحقيق هدفين رئيسَين. الأول: ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عبر كل مراحله، الأمر الذي يدفعه إلى العمل، بكل جدية، إلى إنجاح مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق من دون صِدام مع نتنياهو. والثاني: البحث عن السبل الكفيلة بتمكينه من الدخول في مفاوضات جادة مع إيران، تستهدف التعرّف إلى مدى استعدادها للمشاركة الإيجابية في الترتيبات المتعلقة باستقرار المنطقة ككل، قبل اللجوء إلى خيارات أخرى عنيفة، كالعقوبات الشاملة، أو العمل العسكري.
أما أولويات نتنياهو فتبدو مغايرة، إلى حد كبير، وخصوصاً أن انفراط عقد حكومته سوف يؤدي ليس إلى إنهاء دوره السياسي فحسب، وإنما إلى احتمال دخوله السجن أيضاً. لذا، هو لا يبحث عن تحقيق الهدوء والاستقرار في المنطقة، لأنهما أقصر الطرق الذي قد يؤدي إلى سقوط حكومته وتفككها، وإنما يبحث عن التصعيد، عبر استئناف الحرب، والعمل على إقناع الرأي العام الداخلي بأن “إسرائيل” تواجه تهديداً وجودياً، وتلك هي وسائله المفضَّلة لضمان البقاء في السلطة وتجنب السَّجن.
لذا، يُتوقع أن يتبنى نتنياهو موقفاً متشدداً من مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وخصوصاً أن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية، هدَّد بتقديم استقالته وخروجه مع وزراء حزبه من الحكومة في حال عدم استئناف الحرب على غزة، بعد انقضاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
كما يُتوقع، في الوقت نفسه، أن يستمر نتنياهو في محاولاته الرامية إلى إقناع ترامب بأن الوقت حان للقيام بعمل عسكري يؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني، بدعوى أن هذا النظام أصبح الآن في أضعف حالاته، بعد الضربات المُوجعة التي تلقاها حلفاؤه في “محور المقاومة”، وأن استمرار سياسة المهادنة معه، كتلك التي انتهجتها إدارة بايدن خلال أعوام ولايته، سيؤدي إلى تقويته وتمكينه من إعادة بناء “محور المقاومة” من جديد، الأمر الذي سيقوّض المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
تبايُنُ أولويات إدارة ترامب، وخصوصاً في بداية ولايتها الثانية والأخيرة، عن أولويات حكومة نتنياهو، الأكثر تطرفاً في تاريخ “إسرائيل”، لا يعني أن الصدام بين الرجلين بات وشيكاً. فترامب يؤمن بشدة، على الصعيدين الأيديولوجي والسياسي معاً، بأن “إسرائيل” هي الحليف الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وأن أمنها يُعَدّ جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي. وبالتالي، فإن كل ما يحقق مصلحة إسرائيلية يصب بالضرورة في نهر المصالح الأميركية.
لكن نتنياهو شيء و”إسرائيل” شيء آخر. وبالتالي، ليس كل ما يصب في مصلحة نتنياهو يصب بالضرورة في مصلحة “إسرائيل”، وتلك منطقة إدراكية لم تُستكشف بعدُ، ولا يزال الغموض يلّف كل ما يدور بشأنها في ذهن ترامب. صحيح أن العلاقة بين الرجلين بدت على ما يرام خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وصحيح أيضاً أن نتنياهو وترامب لم يتغيرا، لكن أولويات الولايات المتحدة و”إسرائيل” تغيرت، وكذلك الأوضاع العالمية والإقليمية، وخصوصاً بعد الحرب في كل من أوكرانيا وغزة، وفي ظل فترة ولاية ثانية سيكون ترامب خلالها أقل تأثراً بضغوط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ثم، ليس من المستبعد أن يفضل ترامب أن يتعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي آخر غير نتنياهو.
وفي جميع الأحوال، سوف تأتي لحظة ما سيتعين فيها على ترامب، الذي يطمع في “أن تصبح أميركا عظيمة مرة أخرى”، أن يقرر إذا كانت “إسرائيل” تحولت فعلاً إلى عقبة كبرى تَحُول دون تمكين أميركا من تحقيق هذا “الهدف النبيل”، وخصوصاً أنها، أي “إسرائيل”، تَمْثُل الآن أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجامعة، كما أن رئيس وزرائها الحالي، ووزير أمنها السابق، مطلوبان، في الوقت نفسه، للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
حين تتطهّر الولايات المتحدة من جريمة “الهولوكوست”، التي اشتركت مع “إسرائيل” في ارتكابها في حق الشعب الفلسطيني، وحين يحكمها رئيس يدرك أن المشروع الصهيوني بات عبئاً عليها، وليس سلاحاً في يدها، سيكون الطريق أمامها أصبح ممهَّداً كي تعود “عظيمة كما كانت”. لكن هذه اللحظة لم تأتِ بعد.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة