جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-04@14:30:25 GMT

عن المأساة والجحيم في غزة

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

عن المأساة والجحيم في غزة

 

 

وافي الجرادي

algradiwafi@gmail.com

 

الضربات الجوية الوحشية على قطاع غزة وتصاعد موجة العنف، وتزايد أعداد القتلى والجرحى في أوساط الأطفال والشباب والنساء، والتدمير الواسع لأحياء غزة كل هذه شواهد حية على أن ما تمارسه إسرائيل في هذه الحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وأن ما يجري لانتهاك خطير وجسيم للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، كما إن ما يحدث يدل على ازدواجية واضحة في المعايير الدولية وتحديدًا لأولئك الدول التي لطالما تغنّت بشعاراتها وسياساتها بكونها حامية ومدافعة عن حقوق الإنسان، بينما هي مشاركة فعليًا فيما يجري من انتهاكات بحق الإنسانية في فلسطين المحتلة.

في ظل ما يجري من مأساة وظلمٌ وقهر وإبادة في غزة لايمكن للمجتمع الدولي أن يغُض الطرف عما يحدث من مأساة وقتل وتشريد وتسويةً للمباني بالأرض وعدمها فوق ساكنيها وبصورة لا يقبلها منطق؛ فالدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لها تعاملها ووفق ما تراه "الدفاع عن النفس" بغض النظر عمَّا يجري من جحيمٍ وظلم، ودون مراعاة للإنسانية، فباتت هذه الدول تقف وبكل ما تملكه من مقومات وسياسات مع إسرائيل وأن ما تفعله من فظائع وقتل وحصار لمن الواجبات التي على الكيان الصهيوني القيام به، متغاضيةً عما ينجم من وحشية وإرهاب وتجويع وتشريد للمدنيين العُزّل.

تعمل حكومات الدول الغربية على دعم وإسناد إسرائيل في هجمتها الظالمة على غزة، بينما عشرات الآلاف من مواطني هذه الدول يخرجون للشوارع تنديدًا ورفضًا للمجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أبناء غزة، رافضين استمرارية الحرب ومتعاطفين مع غزة وما تمر به من مأساة وجروح يندى لها جبين الإنسانية جمعاء.

والشاهدُ أن اللوبي اليهودي وبفعل توّغله في أنظمة حكم دول الغرب استطاع كسب المزيد من الدعم والتأييد والمساندة، وكل هذا مكّنه من ممارسة وارتكاب الكثير من المجازر، وانتهاك حقوق الإنسان، ومصادرة الأراضي والتوسع في الاستيطان آمنةً بأنه لا يوجد رادع لها لا قوانين دولية ولا دول ولا حكومات وصولًا لمحاولة طمس القضية الفلسطينية تمامًا وهو ما تسعى له إسرائيل من هذه الحرب الوحشية على غزة.

الغرب لطالما أظهر انحيازه الكامل لصالح إسرائيل، ووقف حجر عثرة أمام إلزام الكيان بتطبيق القوانين والدعوات الأممية ومنظماتها الإنسانية، ووفّر الدعم غير المحدود لها لتفعل ما تشاء بالفلسطينيين، ما يُدلل حجم الهيمنة والسيطرة لهذا اللوبي على هذه الدول ودعم حكوماتها له؛ بل إن الكثير من هذه الدول تحاول التأثير على التوجهات الحكومية العربية، وحرف مسار توجهاتها الرامية لحماية المقدسات والوقوف ضد الانتهاكات والممارسات الصهيونية، كما وتقف ضد من يدعم القضية الفلسطينية وتوسمه بوسم الإرهاب والخيانة، وتعتبره مجرد عدو وتتعاطى معه بقسوة مُسخّره بذلك كل أدواتها وسياساتها لمعاقبته، وإلحاق الأذى به في ازدواجية واضحة عن تخلخل وتصدُّع لمنظومة القيم والأخلاق، ووفق ما تسيغُه المصالح لهذه الدول.

ندوب كثيرة ستتركها هذه الحرب الأكثر من وحشية على نفوس الأجيال، ولن ينسى الكثيرون فظاعة مثل هكذا جرائم، يُقتل فيها الصغير والكبير دون استثناء، وتُهدم كل المباني بمن فيها المشافي والمساجد والكنائس وكأن كل شيء في غزة لا يستحق الحياة، وإنما يستحق الإبادة والنفي، في صورة تُجسّد حجم التمادي في الإجرام والظلم والطغيان بحق غزة وساكنيها ومبانيها لدرجة حتى أراضيها الزراعية تُحرق وتُهلك للأسف، فضلًا عن عدم تفريق هذا المحتل لماهو مدني ولما هو عسكري، ولما هو طفل ولما هو كبير.

كل شيء في غزة خصمٌ للكيان الصهيوني هذا ما يجب اعتباره عند النظر لما آلت وتؤول إليه مجريات الحرب فيها، ما يعني أن ثمة إفلاس لا نظير له في أخلاقيات وقيم المحتل ومُسانديه وداعميه، وأن ما يحكم هذا العالم من مؤسسات ومنظمات حقوقية وإنسانية مجرّدة عن إيقاف المأساة، وأن من يحكم العالم هي القوة التي تبتلع الضعفاء وتُصادر الأراضي وتقتل الأطفال وأمام مرأى ومسمع الجميع في العالم.

تبقى غزة وبفعل سياسة التدمير والتطهير المُمنّهجة مدينة مُبادة ومنكوبة، فيما العالم عاجزٌ عن وقف هذه الحرب فلا وقود ولا دواء ولا غذاء وكأن العالم كل العالم مُجمعٌ على معاقبة غزة وكل ما فيها.

وحال كهذه لا يمكن اعتبارها سوى فشل ذريع له من التداعيات والتبعات ما يجعل من المنطقة والعالم يدفعون الثمن، وأن ما يحدث لدوّامة ستطالُ الأمن والاستقرار في منطقتنا وربما العالم في حال أفرزت هذه الحرب فتح جبهات متعددة مع إسرائيل وأمريكا، وتعرُض المصالح ومصادر الطاقة وطرق التجارة للتأثير، وهو ما لا يمكن استبعاده إن خرجت الأمور عن السيطرة ولم يتم احتواء الصراع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

يموت القادة وتنتصر القضية.. عن الفكري والتاريخي والسياسي في مصير المقاومة

نال السيد حسن نصر الله الشهادة على طريق مقدس نبيل هو الدفاع عن غزة ونصرة المقاومة الفلسطينية، والدفاع عن بلده لو سقطت غزة، وسيسجل له التاريخ ذلك ويشهد خلق كثير عليه.

وسيدرك الصهاينة وشركاؤهم الأمريكيون والعملاء والموالون لهم، بأن قتل القادة لا يوقف المقاومة أبدا، وأن القادة الشهداء يُستبدلون وقضيتهم تستمر حتى تتحقق أهدافهم، طبقات قيادية من حركة حماس على رأسهم شيخهم الشهيد أحمد ياسين غُدر بهم واستشهدوا وهم في عز عطائهم وما زاد ذلك المقاومة الفلسطينية إلا قوة وانتشارا، واستشهد قادة النواحي العسكرية في الثورة التحريرية الجزائرية، بن مهيدي وبن بولعيد وعميروش وسي الحواس وديدوش مراد وزيغود يوسف فما زاد ذلك الثورة الجزائرية إلا زخما، وكذلك الثورة الفيتنامية والكوبية وغيرها.

إن الاغتيالات التي قام بها الكيان لن تنقذه من مصيره المحتوم في الزوال القريب، إذ لن يحسم المعركة بالقصف من بعيد، وأنه سيبقى يتلقى الضربات في المواجهة غير المتناظرة التي سينهيه فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، كما هو مصير كل احتلال مهما كانت قوته وكثرة حلفائه.  

إن المعركة القائمة اليوم في لبنان مصيرية لا يمكن أن تنكسر فيها المقاومة، لأنها لا تدافع عن فلسطين ولبنان فقط بل تدافع عن الأمة كلها، فالجنون الذي يبين عليه الصهاينة سيمتد إلى الأردن وسيناء لإنجاز مخطط التهجير ثم التحكم في رقاب كل الحكام العرب والمسلمين.

لقد آن الأوان أن يحاسب الجميع نفسه، أفرادا وجماعات وحكومات، ما الذي يقدمونه فعليا في هذه المعركة التاريخية العظيمة لدعم من يقاومون الإجرام الصهيوني وللانخراط التام في هذه الموقعة التاريخية، وأن ينظر كل واحد في الأمة الإسلامية إلى الموقع الذي يقف فيه بالنظر للخطر الداهم الذي يمثله الخطر الصهيوني، ولا شيء غير ذلك.

ماذا لو اتجهت الصواريخ لضرب الصهاينة من العديد من الدول العربية والإسلامية؟

قرأت في 2010 دراسة أوروبية رسمت مشهدا استشرافيا  لنهاية الكيان على الشكل الذي رأيناه هذه الليلة، وتؤكد الدراسة بأنه حينما تُحاط "إسرائيل" بمنظومة صاروخية من كل جانب (ولا يشترط أن يكون الهجوم من جيوش نظامية حسب الدراسة)، ويوجه إلى العمق "الإسرائيلي" موجة مكثفة من الصواريخ تجعل أعدادا هائلة من السكان اليهود يهربون إلى دول أوروبية وأمريكا، فتصبح الإدارة بلا ظهر فتسقط، ويتحول الجيش " لإسرائيلي" إلى ميليشيات.

إن المعركة القائمة اليوم في لبنان مصيرية لا يمكن أن تنكسر فيها المقاومة، لأنها لا تدافع عن فلسطين ولبنان فقط بل تدافع عن الأمة كلها، فالجنون الذي يبين عليه الصهاينة سيمتد إلى الأردن وسيناء لإنجاز مخطط التهجير ثم التحكم في رقاب كل الحكام العرب والمسلمين.كنت ذكرت هذا السيناريو في الجامعة الصيفية للحركة في 2010 بتلمسان، ولملتقى التميز الأول لأكاديمية جيل الترجيح في نفس السنة بنفس المكان.

لم يكن هذا السيناريو منطقيا في ذلك الوقت، ولكن ما يحدث اليوم صورة عملية لهذا السيناريو، يكفي فقط أن تدخل الدول السنية في المعركة، وما أسهل أن يزول الكيان عندئذ، ولن تنفعه لا أمريكا ولا أوروبا يومئذ.

"حين تبنى الرؤى الطموحة يقال عنها إنها مجنونة ولكن حين تتحقق يندم المتخاذلون أن لم يتوقعوا ذلك" والتاريخ يعيد نفسه.. أمّا إن اتسعت الحرب وتحالفت بعض الدول العربية والإسلامية مع الكيان وأمريكا ضد ايران والمقاومة الفلسطينية واللبنانية فإن الواجب الشرعي والوطني على شعوب هذه الدول أن تتحرك بكل ما تستطيع  لمنع هذه الخيانة العظمى، وإن لم تفعل فهي شعوب ميتة ولا غرابة أن يسلط الله عليهم  حكاما أكثر ظلما وبطشا لهم، يسومونهم  سوء العذاب، على نحو ما ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى: "وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون".

الحرب في لبنان.. الفهم والواجب

كلما تطورت أحداث الحرب التي أشعلها طوفان الأقصى يتعمق الاختلاف بين فئتين في الأمة، فئة تعد الطوفان حالة سننية ربانية انطلقت لكي لا تتوقف حتى التحرير، كما هي الثورات التحريرية في الشعوب، يطلقها وطنيون صادقون مع أوطانهم، متوكلين على الله، قرروا إما النصر أو الشهادة، وفي أغلب الأحيان هي مجموعة  قليلة شرفها الله بالسبق، لم تستشر أحدا للقيام بالواجب،  على نحو ما قام به مجموعة الاثنين والعشرين في الثورة التحريرية الجزائرية، وبعد صعوبات جمة يلحق بهم قادة آخرون والجموع. وفئة يهوّلها الرد العنيف للاحتلال ويخيفها جنون قادة العدو وتكسر أهوالُ الخسائر إرادتَها، تصرف أهوالُ الميدان عقول هؤلاء عن القراءة السننية والتمعن في تاريخ البشرية، فلا ينتبهون بأن التضحيات هي طريق النصر، وأن هيجان العدو دليل بأنه شعر باقتراب النهاية.

إن أسباب تهور نتنياهو ثلاثة: أقلها أهمية ما يقوله الكثيرون بأنه لو تتوقف الحرب يدخل السجن، وثانيها أنه يزج بجيشه وكل كيانه في حرب مدمرة من أجل إنقاذ مجده إذ كان يعد نفسه في نفس مرتبة “بن قوريون” و لا يوجد في من جاؤوا، من قادة الكيان، بعد التأسيس اللعين  من هو في مقامه، وثالث الأسباب أهمها، وهو أنه أدرك بأن المعركة نهائية صفرية، إما تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية أبدا، والسيطرة على المنطقة كلها، أو بزوال دولة الكيان، وزوال كل الأنظمة العميلة والاستبدادية في المنطقة.

وهكذا يجب أن نفهم الحرب القائمة، إن طوفان الأقصى الذي فجره أبطال غزة معركة مقدسة نبيلة اندلعت على عين الله سبحانه، لتشمل الأمة كلها. ولئن كان الفضل قد سبق إليه حزب الله وجماعة الحوثي وكل محور المقاومة فإن الأمة كلها ستنخرط في المعركة لتكون حربا شاملة غير متناظرة تنخرط فيها الأمة كلها بكل مذاهبها وطوائفها، إذ سيفهم الجميع بأنها معركة مصير، ليس لفلسطين وحدها بل لكل المسلمين، إما هوان الأمة الأبدي وإما العودة الحضارية الشاملة، ووالله الذي لا إله إلا هو لن يكون إلا هذا الأخير ، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر..

ليس هذا الحديث حديثا عاطفيا، بل هو عين العقل لمن يتأمل في عمق التطورات ويرفع بصره عاليا لينظر إلى الأفق البعيد. إنه ليس شرا ألّا تدخل إيران الحرب كدولة الآن،  بل في ذلك الخير،  ومن يتكلف في إظهار غضبه على إيران لأنها لم تدخل الحرب، أو يزعم أنها تخلت عن حزب الله فهو يتحدث بنفَسٍ طائفي انتقامي، متوقف في اللحظة التي أجرمت فيها إيران والميليشيات المحسوبة عليها إجراما عظيما في سوريا والعراق، إجراما وجب إدانته بلا مواربة، أو أنه لم يوفق للنظر في المآلات في ما ينفع فلسطين والأمة، وكم من أمم تقاتلت ثم تحالفت ضد عدو يهدد مصير الجميع. كما أن من يستعجل حزب الله للدفع بكل مقدراته في بداية المعركة لم ينتبه إلى ما يريده الصهاينة والأمريكان.

إن أسباب تهور نتنياهو ثلاثة: أقلها أهمية ما يقوله الكثيرون بأنه لو تتوقف الحرب يدخل السجن، وثانيها أنه يزج بجيشه وكل كيانه في حرب مدمرة من أجل إنقاذ مجده إذ كان يعد نفسه في نفس مرتبة “بن قوريون” و لا يوجد في من جاؤوا، من قادة الكيان، بعد التأسيس اللعين من هو في مقامه، وثالث الأسباب أهمها، وهو أنه أدرك بأن المعركة نهائية صفرية، إما تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية أبدا، والسيطرة على المنطقة كلها، أو بزوال دولة الكيان، وزوال كل الأنظمة العميلة والاستبدادية في المنطقة.لا يختلف إثنان أنه حين أُسست دولة الكيان من طرف البريطانيين أُسست لتكون دولة وظيفية كثكنة عسكرية في موقع متقدم في جبهة الصراع الأبدي بين العالم الإسلامي والاستعمار الغربي، صُممت وتعهدها الأمريكان من بعد لتكون متفوقة في كل شيء، ولكن مع مرور الزمن أتاحت المساحات المفتوحة لليهود في الدول الغربية في كل المجالات لدولة الكيان أن تتطور طبيعتها لتصبح  جزءا أساسيا في المنظومة الغربية بشراكة كاملة في الاستراتيجيات والقرار، فصارت الآن أمريكا وأغلب الدول الغربية هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا وأغلب الدول الغربية، ثم جاء طوفان الأقصى فأكد هذه الحقيقة وبيّنها في أوضح صورة. فمن يحارب إسرائيل اليوم سيجد نفسه يحارب أمريكا وأغلب الدول الغربية أو كلها، بشكل مباشر وليس بالوكالة فحسب.

على هذا الأساس، لو استشارني الإيرانيون في دخول الحرب لقلت لهم لا تدخلوا، إلا أن يقدروا قربها لهم، ولحدثتهم عن البديل الواجب الأهم لنصرة المقاومة في غزة ولبنان. لا يمكن لإيران أن تدخل الحرب لمواجهة أمريكا وحدها. وذلك سيكون قرارها ولا شك، لن تدخل الحرب وحدها، لن تقرر ذلك بغير اتفاق مع روسيا ومن ورائهما الصين، ولو دخلت روسيا والصين الحرب مع إيران معنى ذلك أننا ولجنا حربا عالمية ثالثة، ولا أظن أن روسيا والصين يريدان ذلك حاليا، ولا حتى أمريكا تريد ذلك، مع أن الحروب تتدحرج أحيانا لتصل إلى حدود لم يرغب فيها صانعو الأزمات.

ستتوسع الحرب ولا شك ولكن شيئا فشيئا، سيتحمل حزب الله وكل لبنان عبئا كبيرا، والضمان لصمود حزب الله أن لا يُطعن من الخلف من قوى مسيحية وسنية لا يخفى على متابعٍ علاقتها بأمريكا وبعض دول الخليج.

إن الحرب مستمرة والسبيل لتحقيق الانتصار فيها أن تبقى الحرب غير متناظرة إلى أمدٍ طويل يتم فيه استنزاف الكيان والأمريكان على نحو ما حدث في الجزائر والفيتنام قديما وما حدث غير بعيد في العراق وأفغانستان. وواجب الدول العربية والإسلامية كلها (إيران وتركيا والدول العربية)، أن تدعم المقاومة في هذه المعركة المصيرية، وذلك هو الشرف وذلك هو الواجب، فإن لم تفعل فمن حق الشعوب أن تتجاوزها.

إن المعركة اليوم في لبنان، إنها في بلد شقيق ذي سيادة عضو في الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. والكيان الصهيوني لا يفرق مرة أخرى في جرائمه بين عسكري ومدني، وشيعي وسني ومسيحي، وعلماني وإسلامي، يقتل الأطفال والنساء ويدمر المنشآت المدنية والعسكرية والدينية على السواء. ولئن كان الحكام يقولون لا نستطيع دعم غزة بسبب الحصار وغلق المعابر، فها هي لبنان مفتوحة فلتهب الدول العربية والإسلامية إلى دعم الدولة اللبنانية ودعم المقاومة وإغاثة المدنيين، فليظهر لنا الحكام بأننا كنا مخطئين في اتهامنا لهم وفي إساءة الظن بهم.

إن جيش الاحتلال سيحاول دخول جنوب لبنان بعد القصف، وسيعمل على ترحيل سكان الجنوب، وربما سيحاول الوصول إلى بيروت. فليفهم الحكام العرب بأنه إن سقطت لبنان ستسقط بعدها الأردن، إذ يراد لها أن تكون الدولة البديل للفلسطينيين في الضفة الغربية، وستسقط كذلك سيناء لأنه يراد لها أن تكون الوطن البديل لأهل غزة، وبعدها ستسقط كل الدول العربية بإرادة حكامها الخانعين، ليبقوا هم وشعوبهم يعيشون الذل والمسكنة لعقود طويلة مقبلة.

لن يحدث هذا السيناريو المرعب بحول الله، لأنه إن تخلى الحكام عن واجباتهم، ستُحّولُ الشعوب، بكل مذاهبها وطوائفها،  لبنان إلى أرض معركة مصيرية ضد العدو الصهيوني، لا أدري كيف سيحدث ذلك، ولكن هذا الذي يفهمه كل دارس لحركة الشعوب حين يبلغ فيها اليأس مداه، وتنكسر في مخيالها القدوات وتسقط قيمة الزعامات، إلا من بقي من هؤلاء القادة صامدا ثابتا تدعمهم التيارات الشعبية بأجيال جديدة من الزعماء يستبدل بهم الله من أقعدهم العجز والآفات .

ولن يتوقف الأمر في لبنان فقط، ستُسقط العنجهية الصهيونية الدولة الأردنية، وتتحول الأردن كلها إلى أم الساحات شرقي نهر الأردن، وينهض شام الوعد الميمون، ولا ندري ماذا سيحدث في مصر هذا العملاق النائم، الذي حين ينهض تنهض الأمة كلها، والأمل كل الأمل في هذا البلد العظيم في قادة مخلصين موجودين ولا شك في الدولة والمجتمع، ثم سيأتي من غرب الأمة أمثال أبي مدين الغوث صاحب ساحة المغاربة الخالدة، ويأتي من أقصى شرق الأمة أحفاد من سارعوا إلى نجدة الخلافة وهي تتهاوى لو لا الأحداث الأليمة يومذاك  المتسارعة.

هذه هي الرؤية التي يجب استشرافها، وهذه المعركة التي يجب أن تنخرط فيها كل القوى الحية في الأمة. إنه لم يصبح ثمة شيء تستطيع أن تفعله هذه القوى الحية في أقطارها ودولها إذ سيطر الاستبداد على كل شيء وجعل كل شاردة وواردة تحت يده الباطشة، بل أصبحت حياة ونمو المنظمات والأحزاب والمؤسسات والشخصيات تحت رحمته المخادعة، وبعضهم حشروا أنفسهم في أزقة الطائفية الضيقة، يتهجمون على من يقاوم الصهاينة، وهم لا يقاومون، ولو قاومنا واشتبكنا بمجموعنا مع العدو نصرة لغزة  لحلت المشكلة إذ نحن السواد الأعظم في الأمة، بل فيهم من يتشفى في قتلى من يقاوم في جنوب لبنان بلا حياء، ويغالي في تفسيرات يدحضها الواقع وشلال الدماء من القادة والجنود والمدنيين في لبنان.

إن  الأجدر  بنا جميعا أن نحول البوصلة اتجاه فلسطين ولبنان وحيث توجد فرصة لمواجهة العدو، ففي ذلك حياتنا جميعا وسؤددنا ونهضتنا، من طنجة إلى جاكرتا.

*الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة
الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم

مقالات مشابهة

  • القوات: الوقت ليس للتعطيل إنما لإخراج لبنان من هذه المأساة
  • أمم متحدة جديدة
  • ناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان
  • دعم شعبي ثابت في الدول العربية للفلسطينيين من دون تأثير على الحكومات
  • جامعة الدول العربية: نقف صفاً واحداً ضد استهداف لبنان
  • يموت القادة وتنتصر القضية.. عن الفكري والتاريخي والسياسي في مصير المقاومة
  • أمين عام مساعد الجامعة العربية: نقترب بشدة من اندلاع حرب إقليمية
  • الدولة العميقة تريد أن تحلب قرارات بايدن لآخر قطرة لتعيش إسرائيل والعرب يا ( حليلهم ) العلوم والتكنولوجيا ملكوها غيرهم !!..
  • تاريخ الغطرسة
  • عن كثب.. ما هي جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل؟