فيلم Killers of the Flower Moon.. عن الكراهية المستمرة للسكان الأصليين
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
متابعة بتجــرد: ربما من حسن حظ فيلم الأميركي مارتن سكورسيزي الجديد Killers of the Flower Moon (قتلة زهرة القمر)، الذي افتتح مهرجان كان السينمائي في نسخته الأخيرة قبل شهور، أن عرضه بالدول العربية يتزامن مع الحرب الدائرة في غزة، وأن موضوعه يكاد يكون قراءة معمقة في فصل منسي، من فصول التاريخ الأسود للمجتمع الأمريكي، واللون الأسود هنا ينطبق أيضاً على حديث الفيلم عن النفط المتفجر في أراضي السكان الأصليين.
يأتي هذا التزامن، غير المقصود، ليرسخ الفيلم في ذاكرة المتلقي العربي، على اعتبار أنه يكشف، بكل دموية وفضائحية ودون مواربة، عن أسباب الدعم الأميركي للكيانات المحتلة أو الغاصبة في سلطوية غاشمة، على شعوب أصلية وأصيلة، من أجل النفوذ الاقتصادي والمال الوفير، غير المستحق.
تدعم شعرية العنوان جزء أساسياً من حالة التناقض مع حجم الوحشية والقتل ضمن سياقات الفيلم، والتي ترتكب ضد شعب “الأوساج” من أجل الحصول على عائدات النفط المتدفق في أراضيهم، وهم قبيلة ضمن مجموعة قبائل السكان الأصليين في أميركا، يطلقون على الأزهار التي تنمو في الربيع على أرضهم قمر الزهور، وهي تسمية نابعة من كونهم قوم مسالمين، هادئوا الأرواح، مفعمين بالمحبة للأرض والسماء، يعبدون إله واحداً، ويؤمنون أنه عوضهم بالنفط في أراضيهم القاحلة، لأنهم ارتضوا بها، دون أن يطالبوا أحداً بأن يمنحهم أرضاً أخرى، ولا تجرأوا على أرض جيرانهم سواء من السكان الأصليين أو البيض المحتلين.
هذا الشعب، الذي يقرن القمر بالزهور، كان يعتبر أغنى شعب على وجه الأرض في بداية القرن العشرين، حيث إن كل بيت من بيوت عائلاته يحتوي على بئر بترول خاص به، كما نرى في المشهد التأسيسي، حين يصل بطل القصة “إرنست/ ليوناردو دي كابريو” إلى مزرعة خاله “ملك التلال/ روبرت دي نيرو”، الذي يعيش بينهم، حيث يستعرض لنا المخرج بعين طائر محلق عدد الآبار التي ترتفع مداخنها، لتنفث الذهب الأسود في الفضاء الأخضر الواسع الذي يضم بيوت “الأوساج”.
يلعب سكورسيزي لعبة شديدة المكر في السيناريو، الذي كتبه بالتعاون مع إريك روث وديفيد جران، حين يورطنا تدريجياً في علاقة تتبع لحركة البطل “إرنست” وتعاطفنا النسبي معه في البداية، عقب عودته من الحرب العالمية بلا وظيفة ولا مهارة وبنصف معدة، وهي إشارة ترد على لسانه، لكنها سوف تتخذ دلالة رائعة، حين يبدو فيما بعد شرهاً للمال بلا حدود، حتى إنه يُقدم على ارتكاب الموبقات كلها، وصولاً إلى تسميم جسد زوجته من أجل ميراثها.
لا يحاول سكورسيزي أن يخفي شر الخال “وليم ملك التلال”، وهو خال “إرنست” الذي يضمه لعصبته السرية، ومع أداء دي نيرو المخضرم، يطفو الشر الناعم شديد السمّية إلى سطح الأحداث، وعبر المونتاج المتقاطع والحكي غير الخطي، مروراً بلحظات الاستعادة المنضبطة للتفاصيل والأسرار، يبدو اكتشاف أن هذا الخال اليهودي الماسوني، ليس بالمفاجأة المربكة، بل يأتي كنتيجة طبيعية أو كسبب واضح لكل الأجواء المدمرة، التي تعيشها مدينة فيرفاكس بولاية أوكلاهوما، والتي يرتفع فيها عدد قتلى “الأوساج” إلى أكثر من 30 شخصية، لأسباب جنائية دون تحقيقات تذكر، كسرّ يعرفه الجميع، ويكتمونه في الوقت ذاته.
وتأتي شخصية “الخال هيل”، بتجاعيده المرعبة التي يحاول إخفاءها خلف نعومة زلقة، لتذكرنا بيهودي آخر لم يبرح ذاكرة الأدب والسينما طول عقود، وهو “شيلوك”، في مسرحية “تاجر البندقية” لشكسبير، المرابي الذي انتظر بسكينة، أن يحصل على رطل اللحم من صدر التاجر، فالخال “هيل” لا يكتفي بأن يغوي أقاربه بحجم العوائد التي يجب أن يستولوا عليها من وراء الزواج بالهنديات الجميلات، ثم التفنن في قتلهن بشتى الطرق، خفية كانت كتركهن فريسة للمرض أو تهديدية كضربهن بالنار في رؤوسهن الصغيرة، لا يتورع أيضاً عن الحفاظ على حياة شريكه الهندي، لمجرد أن يضمن استلام بوليصة التأمين على حياة الهندي ذي الميول الانتحارية بمجرد تفعيلها، وكأنه يقوم بتربية واحدة من رؤوس الماشية العديدة التي يربيها فوق أرض الهندي نفسه.
حين تحاول عينا “إرنست” أن تحتوي الاتساع الرهيب، عندما تنطلق السيارة وسط عشرات المداخن التي تنفث غاز الذهب الأسود، يسأل “هنري/ الهندي” ذو الميول الانتحارية- أرضاً من هذه، فيقول له الهندي بكل فخر وثقة وبديهية (هذه أرضي)، ولا ينطق الحوار بكلمة عقب الجملة الأخيرة.
تحلق الكاميرا، وتترك الكلمة ترن في أذن المتفرج، كأنما هي تحديد لفريقي الصراع الذي سوف يتابعه طوال ساعات الفيلم الطويلة، الصراع ما بين “شيلوك” الجديد وعائلته، وبين أصحاب الأرض الأصليين، الذين لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام وهناء مادي، توفره لهم ثورة أرض أسلافهم، التي هي أقدم من أعمار كل اليهود والماسونيين والبيض، الذين جاءوا كي يعبؤوا بكفوفهم المليئة بالدم براميل النفط.
يمكن للمتلقي أن يستعيد تعبير “هذه أرضي”، في المشهد الذي تحاول فيه العائلة أن تضغط على “إرنست” بالفصل الأخير، كي يغير من شهادته ضد خاله وبأنه حرضه على قتل “هنري”، ليبدو الأمر انتحاراً بحكم ميوله المعلنة، وتفجير منزل عديله ليذهب الميراث إلى زوجة “إرنست” التي ترقد تحت أقدام الهزال، لأن زوجها الحبيب يحقنها بما يدمر دماءها المليئة بمرض السكري، وقت ان كان مرضا مميتاً قبل 100 عام.
في هذا المشهد نجد محامي العائلة ضمن مجموعة أفراد، يعرفون أنفسهم على اعتبار أنهم أصحاب وممثلو شركات نفط أمريكية كبيرة، وهكذا دون ثرثرة حوارية أو نبرة خطابية، يرسم لنا السيناريو الخط المطلوب كشفه بين مخططات الخال “هيل”، وبين مصالح تلك الشركات ورغبتها في الإسراع بالتطهير العرقي، كي يصب المال من آبار “الأوساج” في جيوبهم (البيضاء).
نعود هنا للإشارة إلى ذكاء السيناريو في توريطه لـ”إرنست”، ضمن سياقات العصبة اليهودية الماسونية، على نحو سريع ومفاجئ، في مشهد اكتشافنا لكونه واحداً من عصابة صغيرة لتجريد “الأوساج” من جواهرهم، بينما هم عائدون مساءً من أحد السهرات، دون أن تتسخ يداه بالدم في البداية، ثم تدريجياً يصبح رسول الموت من خاله، إلى الأيدي المنفذة لعمليات الإبادة العرقية.
وحتى في اللحظات التي يرق فيها قلبه قليلاً، ويطلب من الحانوتي أن يترك الجواهر على صدر أخت زوجته المقتولة، لا يمهلنا السيناريو مشاهد قليلة، قبل أن يتم تفجير التابوت الماهوجني الغالي، من أجل أن يتم انتزاع المجوهرات من فوق الجسد، قبل أن يبلغه دود الأرض.
يمكن أن نمد خطاً مستقيماً، واضح التوجهات، بين العديد من تجارب سكورسيزي السابقة، وبين فيلمه الجديد، يمكن بسهولة أن نعتبر Killers of the Flower Moon، هو جزء ثان غير متصل مع Gangs of New York (عصابات نيويورك)، خاصة في المشهد الأخير من الفيلم الثاني، والذي ترتفع فيه الكاميرا لنرى المدينة التي لا تنام، ترتدي ناطحات السحاب المزينة بفخر الحضارة الغربية، بينما ندرك أن كل هذا بُني على بحيرات الدم، وكتل من الأشلاء والنهم والشراهة، والرغبة في السلطة المطلقة على البشر والعالم.
هنا يظهر سكورسيزي نفسه في نهاية الفيلم، ليقرأ لنا السطور الأخيرة من قصة القتلة، حيث يتم الإفراج عنهم عقب الحرب العالمية الثانية، رغم كونهم محكومين بالمؤبد مدى الحياة، على رأسهم “شيلوك الجديد” المعروف بـ”الخال هيل”، وأن هذا الإفراج، غير المستحق، هو جزء لا يتجزأ من الطمس المتعمد للتحقيق الذي كان يجب أن يجري على نطاق واسع في جرائم إبادة “الأوساج”، والتي ارتكبتها المجموعة اليهودية الماسونية، ليس في بداية احتلال الأرض الجديدة، ولكن بعد أن لبست أميركا ثوب التمدن البراق.
بل أنه من الظلال السوداء التي يلقيها الحوار بين “الخال هيل” وبين بعض أفراد الإدارة المالية والسياسية بالمدينة، هو اعترافه أن الولاية كلها أرض هندية وليست أميركية، وأن أميركا هناك في العاصمة واشنطن، ولكن أوكلاهوما وفيرفيكس هي أرض هندية ملك سكانها الأصليين، ورغم ذلك هو لا يتراجع عن قتلهم وتفجير منازلهم (في مشهد يذكرنا بحطام البيوت في غزة)، بجانب تدبير الزيجات الملوثة من أجل قتل الزوجات والاستيلاء على عوائد نفطهن.
هذا الفيلم ليس مجرد توثيق لحوادث دموية، شكلت جزءاً من كراهية الشخصية الأميركية للسكان الأصليين في تاريخها الحديث، ولكنه شهادة دقيقة على أسباب مناصرة أميركا لقوى الاحتلال، والسيطرة وبسط النفوذ واغتصاب حقوق الشعوب، فمن مجموعة “قتلة زهور القمر” لضاربي “الفيت كونج” بالنابلم، لمجتاحي بغداد، وصولا إلى قاصفي المستشفى في غزة، هناك خط وخيط متصل وفاضح
ومع بطء إيقاع الفيلم وطوله الزمني (206 دقائق)، وطبيعة مشاهدة الحوارية الطويلة، يصبح لدى المتلقي فرصة جيدة للتأمل والغوص في أصل الأمور، ومحاولة إسقاطها بشكل مباشر وغير مباشر على الواقع الدولي المعاش في حقب سابقة، وفي هذه اللحظة التاريخية أيضاً.
main 2023-10-28 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
أول صورة للمُجرم الذي دهس الدراج في بيروت.. شاهدوها
صــدر عـن المديرية العامـة لقـوى الأمـن الداخلي ـ شعبـــة العلاقــات العامـة البلاغ التالي:
"بتاريخه تم توقيف المجرم الذي تعمّد بعد ظهر اليوم صدم ومحاولة قتل أحد عناصر مفرزة سير وسط بيروت في أثناء تأديته مهامّه، وفرّ هاربًا، وذلك من قبل شعبة المعلومات ويدعى: خليل أحمد سبليني، والدته مريم صفيّ الدين (مواليد 2005 لبناني) رقم السجل 58 الناقورة.
أجري المقتضى القانوني بحقّه بناء على إشارة القضاء المختصّ".