لجريدة عمان:
2024-11-26@12:26:31 GMT

كيف نتفاعل مع أحداث غزة؟

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

لم أعتد كتابة المقالات ذات الطابع السياسي؛ إذ لست ممن تستهويهم السياسة وأحداثها بالرغم أني أحاول قراءة التفاعل العلمي في المشهد السياسي وأحداثه، وأتتبع مجرياته القادمة للبحث عن استشفاف أو رؤية مستقبلية تخص المجتمعات الإنسانية والصناعية؛ فالنمط السياسي مثلما يكون أسيرا للحركة الاقتصادية؛ فإنه يتأثر بالحركة العلمية وتطوراتها، وهذا ما أشرت إليه -بشكل غير مباشر- في مقال الأسبوع الماضي الذي تحدثت فيه عن دور التقنيات الذكية في الحروب الذي اتخذت فيه حرب الكيان المحتل على غزة أنموذجا.

أعددت – قبل كتابتي لهذا المقال- مقالا يحمل طابع العلم والفلسفة -كما هي عادتي- آملا أن غزة الجريحة ستشفى وتعود إليها الحياة إلا أنني وجدت مجريات الأحداث تتسارع إلى الأسوأ؛ فالعدوان الصهيوني المدعوم من الغرب يكثّف من جرائمه وإبادته الجماعية التي لا تفرّق بين طفل وامرأة ومُسّن؛ فبات الجميع هدفا مشروعا لهذا الكيان المحتل الذي منحته معظم دول الغرب الحرية المطلقة في ممارسة القتل بكل الوسائل والأسلحة الفتّاكة. أكتب هذا المقال - رغم الأسى على ما يجري في غزة- وفي داخلي بصيص أمل في نصر يلوح لهؤلاء المستضعفين في الأرض، وأن أزمتهم الخانقة ما هي إلا دخول في عنق زجاجة ضيِّقٍ يتجاوزونه ليخرجوا إلى فساحة الحرية حيث يجدون الكرامة والحياة المطمئنة، وحيث تتوافر فرص لتحقيق آمالهم وأحلامهم في الحياة.

ماذا عنا نحن؟ ماذا عن دورنا وتفاعلنا مع هذه الأحداث؟ أليس هؤلاء الذين يقتلون في غزة إخوة لنا نشترك معهم في الإنسانية بدايةً، ثم في الدين والعروبة ثانيًا؟ أيمكن أن نتحايل بمقدمات واهمة وضعيفة مثل العدالة مفقودة في هذا العالم ولا سبيل إلى تحقيقها، والشر غالب على فرص الخير ومنابعه؟ لا يمكن أن نُفقد دورنا وتفاعلنا مع هذه القضية أقلها الشعور والتعبير عن رفض كل أشكال الظلم، وهذا الدور منوط بالجميع حكومات وأفرادًا، ومع وجودنا على هامش هذه الأحداث التي لا نعايش مرارتها كما يعيشها أهل غزة؛ إذ لا يعرف الألم الحقيقي إلا من يكابده ويعانيه، ولكن يُشعرنا وجودنا بأننا أصحاب قضية مشتركة، وأن ما سيضّر إخواننا سيضّرنا بشكل مباشر أو غير مباشر. سعدت بما رأيته من يقظة ووعي لدى المجتمعات العربية وغير العربية، وأسعدني التفاعل في سلطنة عُمان -حكومة وشعبًا-؛ فنجد حرية التعبير عبر كل الوسائل متاحة للجميع، والدعم للقضية الفلسطينية الذي توليه الحكومة والأفراد موجود غير مفقود، وهذا مدعاة إلى الفخر في أننا لم نفقِدْ تفاعلنا أو يُغيَّبْ مع هذه القضية. أخذت قضية العدوان على غزة حيزا عالميا واسعا، وتوسعت دائرة التفاعل في العالم، وأصبح معظم أفراد العالم مؤمنين بوجود قضية فلسطينية ووجود كيان غاصب محتل؛ وانكشف للعالم وقاطنيه ازدواجيه المعايير عند الغرب وحقائق كثيرة كانت منسية ومجهولة بالنسبة لكثيرين؛ فمع تعنّت الكيان المحتل عبر استمراره في مجازره وضربه بكل المبادئ الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط -الذي لم يكن ليكون لولا الدعم الغربي اللامحدود-. أفاق الكثير في هذا العالم من حالة اللاوعي التي مارسها الإعلام الغربي منذ عقود طويلة؛ ليكتشفوا زيف الرواية الإسرائيلية والغربية وكذبهم المتعمّد ماثلا بكل وضوح؛ ففقد المواطن الغربي ثقته بكثير من مؤسساته الإعلامية التي تعمّدت تزييف الأحداث عبر الكذب في سرد الرواية وعبر التجزئة المقصودة مثلما حصل مع نقلهم لشهادة الأسيرة الإسرائيلية المسنّة التي حررتها المقاومة الفلسطينية -لدواع إنسانية- التي نقلت صورة مشرّفة تثني فيه على أخلاق رجال المقاومة وحسن تعاملهم مع الأسرى؛ إذ حاول الإعلام الغربي أن يتلاعب بشهادة هذه المسنّة بطريقة مشينة تفاعل معها المجتمع الغربي -الذي لم تغب عنه الرواية الحقيقية للأحداث ومنها شهادة هذه الأسيرة المحررة- بسلبية اتجاه نفاق إعلامه المُخترق والمنحاز مع الظلم والظالمين، ولم يكن للمجتمع الغربي أن يكتشف تلاعب بعض وسائل الإعلام الغربية في شهادة هذه المسنة لولا التفاعل الذي أحدثه المراقبون لمجريات هذه الأحداث عن طريق تتبع مصادرها والتحقق منها ونشرهم للحقائق عبر كل الوسائل المتاحة لتصل إلى مجتمعات العالم.

نحن اليوم أمام مجريات غير معهودة من الممكن أن تُحدث تغييرا جذريا في المنطقة بأكملها؛ فتوحي لنا مشاهد الإبادة الجماعية والمساندة الغربية العمياء لهذا الكيان الغاشم وتكثيف الكذب الإعلامي في الغرب أننا أمام محاولة تنفيذ مخططات استيطانية كبرى مشابهة لتلك التي انطلقت في عام 1948م، وأننا أمام تهجير ممنهج لأصحاب الحق والأرض في غزة، وهذا من شأنه أْنْ يطرح تساؤلات كثيرة منها ماذا سيكون بعد ذلك؟ وما المصلحة التي يسعى الغرب لتحقيقها عبر دعمه الكبير لهذا المشروع الذي يضحي بسببه بسمعته الأخلاقية؟ ومن الضحية القادمة بعد غزة؟ أطلعتنا هذه الأحداث على حقائق لا تقبل النقاش تتلخص في أن السلام المنشود بين العرب والكيان المحتل مجرد وهم لا وجود له، وأن ابتلاع الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية سيتبعه أطماع لأراضٍ عربية أخرى، ولهذا من الضرورة إيقاف هذه الهمجية الصهيونية حتى لا تقود إلى كارثة إنسانية أكثر تفاقما وإلى نكبة جديدة كبرى وإلى هزّ استقرار المنطقة أكثر مما يمكن تحمله. يتحدد تفاعلنا مع قضية غزة وفق أطر المبادئ الأخلاقية الداعية إلى تحقيق العدالة واجتثاث الظلم، وكل فرد منا لديه ما يمكن أن يساهم به في نصرة هذه القضية؛ فنشر الكلمة والحقيقة الصادقة مَهمَّة اتضح مفعولها؛ فتفاعل المجتمع الغربي الداعم للقضية الفلسطينية عبر ضغطه على حكوماته الداعمة للكيان المحتل ناتج من التفاعل ونشر حقيقة مجريات هذه الأحداث ونقلها بواسطة وسائل الإعلام التي سلمت من قمع حرية التعبير. التفاعل الحاصل يشترك فيه العربي وغير العربي باختلافِ أديانهم وأعراقهم وألوانهم؛ فنجد بجانب التفاعل الإسلامي بما فيه العربي تفاعل الفرد النصراني واليهودي والبوذي والهندوسي في جميع بقاع الأرض تعبيرا عن رفضهم للظلم الذي لا ينتمي إلى دين أو عرق بل إلى نرجسية وأنانية بشرية كارهة للإنسان وكرامته.

* د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکیان المحتل هذه الأحداث

إقرأ أيضاً:

العدالة والتنمية يدعو لمقاطعة المجموعة الناشرة لجريدة ’’الأحداث المغربية’’ بسبب “إسرائيل”

قال حزب العدالة والتنمية انه فوجئ بالمقال الذي كتبه ونشره المدعو أحمد الشرعي، المالك للمجموعة الإعلامية “غلوبال ميديا هولدينغ” الناشرة لجريدة ’’الأحداث المغربية’’، في صحيفة ” تايم أوف إسرائيل” بتاريخ 24 نونبر 2024، والذي يطعن من خلاله في قرار المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال في حق مجرمي الحرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني “نتانياهو” ووزير الدفاع السابق “غالانت”، وذلك دون أي اعتبار لعشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ الذي قتلهم جيش الاحتلال الصهيوني المجرم.

وأضاف الحزب في بيان لأمانته العامة، إن المفاجأة لا تأتي من عدم معرفتنا بمواقف صاحب مقولة ” كلنا إسرائليون” ومواقف مجموعته الإعلامية المتماهية بخسة ودناءة قل نظيرها مع مواقف دولة الاحتلال الصهيوني النازي، بل من درجة الصَّهْينة والوقاحة والعَمَالة التي وصل إليها الشرعي، وتحدِّيه الصريح لمواقف بلادنا الثابتة والراسخة والتي يرأس عاهلها لجنة القدس، وإدانتها مراراً لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تقتيل وتهجير على يد الاحتلال الصهيوني.

وأدان الحزب مضمون المقال المذكور، ولصاحب المقال، معلنا مقاطعته كل تعامل بأي شكل من الأشكال مع المجموعة الإعلامية التي يملكها هذا الشخص، ودعا جميع المغاربة لمقاطعة هذه المجموعة التي أصبحت عنوانا للخذلان وللتطبيع وللاختراق الصهيوني ولطابور “كلنا إسرائليون”.

ونبه كل من يهمه الأمر، إلى خطورة تحركات هذا الطابور ببلادنا، والذي أصبح يعمل علنا في خدمة جهات ومصالح أجنبية، وهو ما يمسُّ بالتماسك واللحمة الوطنية للشعب المغربي، في وقت نحتاج فيه جميعا للتعبئة للدفاع عن قضايانا الوطنية العادلة وقضايا أمتنا المشروعة.

ودعا أهل الاختصاص والصفة للنظر فيما تضمنه هذا المقال ومتابعة صاحبه بما اقترفه من تجاوزات قانونية عبر إشادته وتمجيده ودفاعه عن جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق المدنيين الفلسطينيين، وعن الإفلات من العقاب ومن العدالة الجنائية الدولية.

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة الأسبق: مصر حققت نجاحا في كل القطاعات وسط تحديات الأحداث بالمنطقة
  • تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في مراجعات ريتا
  • المنظومات التاريخية .. تقاطعات التاريخ والأدب
  • العدالة والتنمية يدعو لمقاطعة المجموعة الناشرة لجريدة ’’الأحداث المغربية’’ بسبب “إسرائيل”
  • أبناء العلقمي الجدد… ما أشبه الليلة بالبارحة
  • في جلسة حوارية بمتحف عمان عبر الزمان سرد تاريخي تناول تأسيس الدولة البوسعيدية
  • أحمد حسام عوض يشارك في ماجستير تنظيم الأحداث الرياضية العالمية
  • عضو مجلس إدارة الأهلي يشارك في ماجستير تنظيم الأحداث الرياضية العالمية
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • غارة إسرائيلية على البقاع الغربي في لبنان