لجريدة عمان:
2024-09-16@12:29:39 GMT

ما يحدث في ألمانيا يكشف حالة اليسار الغريبة

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

في صباح يوم الاثنين، قامت سارة فاجنكنيخت، صاحبة أقوى كاريزما لسياسي في حزب اليسار الألماني بقيادة مظاهرة ضد حزبها. هي عضوة قديمة في البرلمان الوطني، وشريكة حتى عام 2019 في قيادة الوفد البرلماني لحزب اليسار، لكن لديها الآن في ما يبدو فكرة مختلفة عما يعنيه "اليسار". فقد أعلنت هي وتسعة من زملائها أعضاء البرلمان أنهم سوف ينشئون حزبا جديدا في يناير لاجتذاب الناخبين الساخطين مثلها.

كانت سارة فاجنكنيخت تلمح للانفصال عن الحزب منذ شهور. وحزب اليسار في ألمانيا هو سليل الحزب الحاكم القديم في ألمانيا الشرقية الشيوعية الذي انضمت إليه سارة فاجنكنيخت في عام 1989 قبيل سقوط سور برلين. لكنه ليس بالحزب القديم الذي كان إياه. ولوضعه في سياق أمريكي صرف نقول إنه أصبح أكثر صحوية [too woke] مما تحتمل سارة فاجنكنيخت. إن الحكومة الألمانية الحالية تتألف من أحزاب الديمقراطيين الاشتراكيين، والخضر، والديمقراطيين الأحرار ذوي التوجه السوقي. وهي تطرح أجندة لما تطلق عليه فاجنكنيخت "يسار نمط الحياة" وليس يسارا حقيقيا. ومع ذلك فقد أغوت الكثير من زملائها القدامى.

تقول سارة فاجنكنيخت إنه في وقت يشهد عجزا في الإسكان وضعفا في نمو الأجور، فإن عزوف الحكومة عن إيقاف تدفق اللاجئين الاقتصاديين "عملا غير مسؤول". والقيود الثقيلة التي تفرضها على الطاقة تتسبب في عبء كبير على الأسر الفقيرة. وموافقتها غير المشروطة على دعم الولايات المتحدة للحرب الممتدة في أوكرانيا تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والشلل في الاقتصاد الألماني.

ولا يقتصر اعتراض سارة فاجنكنيخت على حزبها بسبب عجزه عن معارضة الحكومة وإنما أيضا بسب تنمره بالمواطنين الذين يعارضونها والتقليل من شأنهم. فقد كتبت في عام 2021 كتابها الرائج الذي شنت فيه هجوما على اليسارية المسايرة للصرعة بعنوان “The Self-Righteous”. وفي خريف العام الحالي ظهرت في أحد أهم البرامج الحوارية في ألمانيا لتصر على أن من اعترضوا على القواعد الألمانية الوحشية التي اتبعت في فترة كوفيد إنما هم "مواطنون طبيعيون" ولتبرر أيضا عدم تلقيها للقاح.

ويقول منتقدو فاجنكنيخت إن ما يجري أمر بسيط: إنها تتحول إلى اليمينية.

وهذا غير صحيح بالمطلق. فلم يزل تفكيرها يحمل أثر سنوات التكوين الشيوعي. وقد يكون موقفها من الهجرة تقييديا، لكنها تؤثر فتح حدود ألمانيا لطالب اللجوء السياسي. (فالتقييد الذي تريده مقصور على هجرة العمالة). ولعلها تأسى لتدفق المهاجرين من أفغانستان وسوريا والعراق، لكنها تلوم في ذلك السياسة الخارجية الأمريكية.

غير أنه صحيح أيضا أن ما تحاول فاجنكنيخت عمله بحزبها الجديد هو ذو طبيعة تحولية. وله آثاره لا على مستقبل السياسة الألمانية وحدها وإنما أيضا على تفكيرنا في ما يتحول إليه اليسار في أغلب أرجاء العالم الغربي.

في ألمانيا كما في الولايات المتحدة، ثمة انقسام عميق في الناخبين إلى "شعبويين" و"نخبويين". وكلا الجانبين غير راض عن تسميته، ناهيكم عن اتهامات التطرف التي غالبا ما تصاحب التسميتين. ومن المؤكد أن فاجنكنيخت شعبوية. ولكن في السياق الألماني أصبح السؤال عما لو أنها شعبوية يسارية أم شعبوية يمينية سؤالا ملحًّا للغاية.

بعد انصرام سبعة عقود على الحرب العالمية الثانية بات فيها الاعتدال شعارا سياسيا للبلد وأصبح فيه الديمقراطيون المسيحيون مستودعا لأغلب النزعات المحافظة، تغيرت ألمانيا كثيرا. وبعد ويلات أزمة اليورو في 2010، وأزمة الهجرة ابتداء من عام 2015، وأزمة الصناعة بسبب حرب أوكرانيا، تطرف البلد إلى حدود لا يمكن تصورها. فحزب "البديل من أجل ألمانيا" [AfD] هو أول حزب قومي كبير في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وترتيبه حاليا هو الثاني في استطلاعات الرأي.

وفي خطبة له، أشار أخيرا النائب بيورن هوكي ـ زعيم الجناح الأكثر تشددا في حزب "البديل من أجل ألمانيا" ـ إلى المصاعب التي تواجهها فاجنكنيخت مع حزب اليسار ثم خلص إلى دعوتها: "تعالي إلينا".

قالت فاجنكنيخت إنها تعد هوكي متطرفا يمينيا ولا تريد أن تكون لها علاقة به. وتميل المواقف الألمانية بشأن حزبها الجديد إلى التمحور حول مسألة محددة: هل ستوسع فاجنكنيخت الصعود الشعبوي اليميني أم ستخصم منه. والاستطلاعات ترجح الخصم: ففي أغسطس نشرت صحيفة دي تسيت استطلاعا أجراه معهد إنسا في ولاية تورينجيا حيث حزب (البديل من أجل ألمانيا) هو أكبر الأحزاب مبينة أنه لو خاض حزب فاجنكنيخت الانتخابات هناك فسوف يأتي في المركز الأول بـ 25% ويليه حزب (البديل من أجل ألمانيا) بـ22%. وقد أظهرت الاستطلاعات سابقا نسبة 30% لحزب البديل من أجل ألمانيا.

يتشكك آخرون في أن فاجنكنيخت سوف تجتذب ناخبين من اليمين المتطرف. ففي مقالة كثر التعليق عليها بعد نشرها في صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج التي تنتمي إلى يمين الوسط، أكد أستاذ علم الاجتماع أوليفر ناختوي المقيم في بازل بسويسرا أن أهدافها المفضلة ليست التطرف في ألمانيا وإنما الوسط الليبرالي وأن انتقادها "لا يختلف كثيرا عن حرب اليمين الثقافية".

والوسط الليبرالي معرض بالفعل للخطر. فقد أجريت انتخابات الولايات هذا الشهر في ولايتي هيسي وبفاريا، وفي كلتيهما خسرت أحزاب الائتلاف الفيدرالي الحاكم الثلاثة جميعا ـ وهي أحزاب الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والديمقراطيين الأحرار. فالتحالف الذي بدا حتى وقت قريب أنه يمثل مطامح المزيد من العالمية والوعي البيئي في ألمانيا بات يترنح.

شيء ما يجري في البلاد الغربية لدفع الجماهير (مثلما كان يطلق عليهم) بعيدا عن أحزاب اليسار ويسار الوسط بعد أن كانت على مدار القرن الماضي ترحب بها وتناصرها. في بعض الأوقات تلوم فاجنكنيخت كسل الساسة المحترفين. فقد قالت مرة إن "تنظيم حرية التعبير أسهل من رفع الحد الأدنى للأجور". وهي كثيرا ما تتحدث وكأن هناك بالفعل يسارين اثنين: يسار رفع الأجور الراغب في توزيع الثروة بإنصاف ويسار تنظيم حرية التعبير الذي يريد تأكيد الهوية الجندرية أو محاربة العنصرية. ولوقت طويل كان هذان اليساران ـ اقتصاديا وثقافيا ـ يميلان إلى استيطان الأحزاب نفسها.

لكن ربما كان هذا حادثا تاريخيا أكثر مما هو تماثل فعلي. فقبل أجيال، كان عمال الزراعة والصناعة يضبطون نبرة الحركات اليسارية. وكان مشروعها لضمان معاملة اقتصادية أكثر إنصافا يتقاطع في بعض المواضع مع مشاريع المهاجرين والأقليات العرقية والعنصرية، والنساء، والمثقفين. وبرغم أن عمال المزارع اليوم يشكلون نسبة ضئيلة من أغلب القوى العاملة في الغرب، كما تقلصت معدلات تشغيل العمالة في الصناعة بشكل حاد أيضا. وهكذا أصبح اليسار ـ بشكل طبيعي إلى حد كبير ـ حركة سياسية مختلفة. وليس ذلك لأن أحدا غير رأيه أو ارتكب خطأ أيديولوجيا ولكن لأن اليسار الآن يعكس مصالح فئات مختلفة من الشعب.

ولامتلاء اليسار بالأقليات، فإنه يزداد اهتماما بهيراركيات الاحترام وينتبه إلى مراقبتها. ولامتلائه بالمثقفين، فإنه ـ بشكل متزايد وخاطئ ـ يميل إلى اعتبار الديمقراطية بحثا عن الحقيقة لا بحثا عن التوافق، ويميل إلى حسبان المختلفين معه ـ مهما كثروا عددا ـ أعداء الديمقراطية بل ومستبدين. ولعل بعض الناس لا يزالون موجودين في اليسار ومنشغلين بنوعية المظالم الاقتصادية التي كانت تؤجج حماسة فاجنكنيخت أيام كانت تقرأ كارل ماركس وروزا لوكسمبرج في القرن العشرين. ولكن هؤلاء لن يستمروا حاضرين بالضرورة.

ما من خروج على القانون في سياسات آخر الزمن هذه التي يتبعها اليسار. لكنها لم تعد سياسات واضحة في قيامها على رؤية المساواة، وقد تنتهي إلى أن تكون سياسات نخبوية. وطبيعي لمن لم تزل ذاكرتهم اليسارية تمتد إلى العهد الذي تمتد إليه ذاكرة فاجنكنيخت أن يجدوا صعوبة في اعتبارها سياسات يسارية أصلا.

كاتب المقال من كتاب الرأي في التايمز ومن مؤلفاته "تأملات في الثورة في أوروبا: الهجرة والإسلام والغرب".

• https://www.nytimes.com/2023/10/27/opinion/germany-leftist-populist-party-wagenknecht.html

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البدیل من أجل ألمانیا حزب الیسار فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

تحقيق يكشف الثغرات التي سمحت بمحاولة اغتيال ترامب

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن تحقيق الخدمة السرية أكد وجود ثغرات أمنية مهدت الطريق لمحاولة اغتيال دونالد ترامب، كما كشف عن معلومات جديدة، بما في ذلك أن العملاء لم يوجهوا الشرطة المحلية لتأمين سقف المبنى الذي استخدمه المسلح، وفقًا لمسؤولين حكوميين كبيرين مطلعين على التحقيق.

وقال المسؤولون، الذين تحدثوا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إن التحقيق وجد أن عملاء من مقر الخدمة السرية ومكتب بيتسبرغ الميداني كان لديهم استراتيجية متهورة بشكل مثير للقلق لمنع مطلق النار المحتمل من رؤية المرشح الجمهوري للرئاسة بوضوح في تجمع 13 يوليو في مدينة بتلر، بولاية بنسلفانيا.

وأضاف المسؤولون أن العملاء الذين يؤمنون الحدث ناقشوا إمكانية استخدام معدات ثقيلة وأعلام لإنشاء عائق بصري بين مبنى "أغر الدولي" ومنصة التجمع. لكن المشرفين الذين وصلوا إلى بتلر في يوم التجمع وجدوا أن الرافعات والشاحنات والأعلام لم يتم نشرها بطريقة تحجب خط الرؤية من ذلك السقف.

ووفقا للصحيفة، تمكن توماس ماثيو كروكس من الصعود إلى أعلى المبنى وفتح النار على ترامب، مما أدى إلى إصابة أذنه وإصابة شخصين آخرين بجروح خطيرة وقتل أحد المتفرجين قبل أن يُقتل برصاصة قناص من الخدمة السرية.

وأوضحت الصحيفة أنه يتم استخدام التحقيق الداخلي، المعروف باسم تحقيق "ضمان المهمة"، عادة لتحسين ممارسات الأمن.

وأشارت الصحيفة إلى أن تحقيق بتلر وجد نقاط ضعف كبيرة في نظام اتصالات الخدمة السرية للأحداث التي يظهر فيها المرشحون السياسيون. على عكس نظام الاتصالات القوي لظهور الرئيس أو نائب الرئيس، والذي تدعمه المؤسسة العسكرية الأميركية، حيث تستخدم الخدمة السرية مركز قيادة لاتصالات الحدث منفصل عن الشرطة المحلية المخصصة للحدث.

وذكرت الصحيفة أنه في بتلر، وجد التحقيق أن غرفة راديو الخدمة السرية، حيث كان من المفترض أن يراقب العملاء التهديدات المحتملة ويحصلون على تقارير عن أي مشاكل، ليس لديها طريقة لتلقي تنبيهات في الوقت الفعلي من الشرطة المحلية التي تراقب الحشد والمحيط الخارجي.

وأوضحت أنه لم يتم بث تنبيه الشرطة المحلية بشأن رجل مشبوه في التجمع قبل وصول ترامب على نطاق واسع عبر إذاعة الخدمة السرية. وبدلاً من ذلك، تم توجيه قناصة مكافحة الإرهاب المحليين لإرسال صورة للرجل، الذي كان يتصرف بشكل غريب بالقرب من مبنى "أغر" ويحمل جهاز تحديد المدى، إلى مسؤول واحد فقط من الخدمة السرية، ما يحد من وعي الوكالة بالرجل الذي تبين أنه المسلح.

ولفتت إلى أنه لم يسمع عملاء الخدمة السرية أبدًا عن معلومات الراديو للشرطة المحلية حول محاولة تعقب ذلك الرجل ثم رصده بعد أن بدأ ترامب في التحدث.

ووجد التقرير أيضًا، بحسب الصحيفة، أن مكتب العمليات الوقائية التابع للخدمة السرية كان بطيئًا في تعزيز الأمن لترامب عندما بدأ حملته، حتى بعد أن حصلت الوكالة على معلومات استخباراتية تشير إلى وجود مؤامرة من قبل الدولة الإيرانية لقتل أو إيذاء المرشحين السياسيين.

ووفقا للصحيفة، شهد القائم بأعمال مدير الخدمة السرية، رون رو، أمام الكونغرس، في نهاية يوليو، أنه يشعر بالحرج من الثغرات الأمنية التي علم بها في بتلر وتعهد بأن المراجعة الداخلية ستساعد في تعزيز مهمة الوكالة في المستقبل.

وقال المسؤولون الحكوميون للصحيفة إن نتائج هذه المراجعة قد يتم نشرها للجمهور، الأسبوع المقبل. وقال أحد المسؤولين إن رو شارك ملخصًا في إحاطات خاصة مع لجنة الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ وفريق عمل تحقيقي في مجلس النواب، الخميس، وأخبر المشرعين أنه أمر بعدد من التغييرات في خطط الأمن لمعالجة هذه الثغرات.

وعلى سبيل المثال، قال المسؤول إن الوكالة تضع الآن عملاء الخدمة السرية والشرطة المحلية في نفس مركز القيادة للظهور العام للمرشحين الرئاسيين، بحسب الصحيفة.

وقال السناتور ريتشارد بلومنثال (ديمقراطي من كونيتيكت)، عضو لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ، لشبكة فوكس نيوز بعد إحاطة، الخميس: "أعتقد أن الشعب الأميركي سيصاب بالصدمة والذهول والفزع مما سنبلغه به عن إخفاقات الخدمة السرية في محاولة اغتيال الرئيس السابق".

ويؤكد التحقيق العديد من التقارير السابقة من صحيفة "واشنطن بوست" وغيرها من المؤسسات الإخبارية التي ذكرت أن الشرطة في مقاطعة بتلر حذرت الخدمة السرية في الساعات التي سبقت التجمع من أنها لن تكون قادرة على نشر سيارة دورية بجوار مبنى "أغر"، لكن عملاء الخدمة السرية لم يعطوهم أي تعليمات أخرى لتأمين المبنى. 

مقالات مشابهة

  • إطلاق نار كثيف في أنفة وتلة العرب... ما الذي يحدث هناك؟
  • محلل قناة الجزيرة ‘‘اللواء فائز الدويري’’ يكشف مفاجأة عن الصاروخ الحوثي الذي استهدف تل أبيب (فيديو)
  • عاجل: الجيش الإسرائيلي يكشف مفاجأة جديدة عن نوع الصاروخ الحوثي الذي ضرب ”تل ابيب” ولماذا فشل باعتراضه
  • ألمانيا: على صناع السياسة النقدية الأوروبية أن يظلوا في حالة تأهب
  • فيدرالية اليسار تحتج أمام المجلس البلدي على خلفية الأوضاع المتدهورة التي آلت إليها مدينة المحمدية
  • ما الذي يحدث لجسمك إذا تناولت حلوى المولد النبوي ليلًا.. خبير يكشف مفاجأة
  • تحقيق يكشف الثغرات التي سمحت بمحاولة اغتيال ترامب
  • حالة الطقس الآن في مصر.. الأرصاد تزف بشرى سارة للمواطنين
  • بشرى سارة من الأرصاد بشأن حالة الطقس غدا.. انخفاض في درجات الحرارة
  • بشرى سارة.. منظمة الصحة العالمية تعلن أول لقاح معتمد ضد جدري القرود