لجريدة عمان:
2024-07-06@02:41:32 GMT

المشروع الصهيوني وحلم إسرائيل الكبرى

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

حافظ إدوخراز

وأنا أتابع التطورات الأخيرة للقضية الفلسطينية في الصحف والقنوات الإخبارية مثلي مثل الكثيرين من المتعاطفين عبر العالم من العرب وغير العرب، أسمع من جديد رواية أن الهواجس الأمنية هي التي تقود السياسة الإسرائيلية منذ سنوات وتفسر ازدهار اليمين المتطرف داخل إسرائيل ورفضه لحل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

ينمّ هذا الرأي في اعتقادي عن قصور كبير في فهم حقيقة المشروع الصهيوني من حيث أساساته الإديولوجية واللاهوتية أو طموحاته السياسية. قادة الحركة الصهيونية لم يبنوا إسرائيل من أجل أن تكون دولة أخرى من دول العالم وفقط، تحقق هدف إنشاء وطن لليهود (كما تقول السردية السائدة) كيفما كان هذا الوطن. ولو كانت القضية قضية أمن فقط لتكفلت به الولايات المتحدة وأوروبا (بما في ذلك روسيا التي يعيش مئات الآلاف من حاملي جنسيتها داخل إسرائيل)، أو ربما لكفاها امتلاكها للسلاح النووي رادعا يحميها من كل متربّص. ولم يعد خافيا على أحد أن إسرائيل قوة نووية على الرغم من كل التستّر الذي يلف هذا الموضوع، فإسرائيل لم تؤكد ولم تنفِ يوما امتلاكها للسلاح النووي.

المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى كان يطمح إلى أن يعيد إقامة مملكة داوود وسليمان (التي لا وجود لها إلا في الأساطير) على أرض ادّعى الصهاينة أنها من دون شعب، ويشيّدوا فوقها دولة ذات شأن كبير على مستوى العلاقات الدولية، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تحقق مشروع إسرائيل الكبرى وأصبحت إسرائيل القوة المهيمنة في الإقليم. فرواد الصهيونية (الذين كانوا من الأوروبيين) قد تعرّفوا قبلنا على نظرية المجال الحيوي في الجغرافيا السياسية. والقادة في إسرائيل لم يتنازلوا يوما عن هذا المشروع، مهما اختلفوا حول السبل التي يتوسّلونها أو حول الوتيرة التي يسيرون بها من أجل إنجاحه وتحويل الحلم إلى حقيقة. فبين من يتبنى استعمال القوة والاستيطان والتهجير، وبين من يتبنى سياسة المفاوضات والإغراء الاقتصادي، يبقى الثابت في سياسة إسرائيل هو السير قدما نحو إنجاز المشروع الذي وضع الآباء المؤسسون لبناته الأولى، وهم في ذلك يستلهمون مشروعا استيطانيا آخر قام على جثة شعب آخر (الأمريكيون الأصليون) وأفضى إلى بناء القوة الأولى في العالم هي الولايات المتحدة. أفبعد هذا ينكر عليهم القادة الأمريكيون ما فعله أجدادهم، وهم مجرد تلاميذ ينهلون من علم العم سام ويسيرون على خطاه!

هذا لا ينفي طبعا وجود تيار سياسي وجزء من المجتمع الإسرائيلي لا يريد إلا أن ينعم بالسلام ويعيش مثل بقية الشعوب يتوق نحو الرفاهية والازدهار، لكن وزنه في الحياة السياسية الإسرائيلية لا يرقى إلى مستوى إحداث فرق كبير على مستوى صناعة القرار، خاصة وأن حلفاء إسرائيل من الغرب لم يضغطوا عليها يوما من أجل أن تتخلى عن تلك الأوهام والأساطير التي تأسست عليها، بسبب الوزن السياسي للوبي الصهيوني العالمي (الذي يتجاوز اللوبي اليهودي، ويعدّ المكون المسيحي في نسخته البروتستانتية الجزء الأكبر منه) في هذه البلدان، والذي يحمل نفس المشروع ويتوق إلى نفس الحلم من أجل اعتبارات لاهوتية/إسكاتولوجية أخرى (إعادة المسيح على الأرض !).

في هذا السياق، في تصوري، يجب فهم مرور إسرائيل في المدة الأخيرة إلى السرعة القصوى من أجل تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين نحو مصر والأردن، ويحثون الخطى قبل أن تضطر الولايات المتحدة توجيه كامل تركيزها إلى منطقة المحيط الهادي في صراعها/تنافسها مع الصين. السؤال الذي يبقى في الذهن هو: إذا ما نجحت إسرائيل في طرد بقية الفلسطينيين من غزة ومما تبقّى من الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية على نحو غير رجعي، فعلى من يأتي الدور بعد ذلك: لبنان (حيث يوجد حزب الله) أم الأردن أم مصر (سيناء) أم سوريا أم شمال الجزيرة العربية؟

على الدول العربية في المنطقة أن تفهم أن الخطر الإسرائيلي هو تحدّ كبير للأمن القومي العربي. ولا يمكن الاستمرار في التعويل على المظلة الأمنية الأمريكية وعلى العلاقات مع صينٍ لم تستطع بعدُ أن تعالج ملفاتها الإقليمية (وعلى رأسها تايوان)، أو مع روسيا التي لا يستطيع اقتصادها المدني أن يتحمل جهدا حربيا كبيرا. لا يمكن التعويل إلا على الذات وعلى الإيمان بالمصير المشترك وتجاوز كل الخلافات والصعوبات في سبيل ذلك، والسير في اتجاه عمل عربي مشترك يتجاوز اتفاقيات التبادل الحر ويؤسس للحظة تاريخية جديدة تشكّل انعطافة من الناحية الإستراتيجية، وتجبّ كل ما قبلها من تخبّط ومزاجية وخلافات فردية بين القادة.

أدعو دول الخليج العربي إلى السير في اتجاه اتفاقية دفاع مشترك تشمل كل هذه الدول على غرار حلف الناتو، والعمل على إقامة صناعة دفاعية مشتركة قادرة على توطين التكنولوجيا العسكرية وأن تزوّد هذه الدول بجزء لا بأس به من حاجياتها. وليس ذلك بالصعب، فها هي تركيا وإيران غير بعيد لنتأمل تجربتهما وسوف نقف على إنجازات كانت بضعة عقود من الزمن كافية لتصبح واقعا بعد أن كانت مجرد أحلام.

أن تكره الحرب وتؤثر السلام لا ينبغي أن يعني الخضوع الكامل لإرادة الآخرين، والإصرار على إضعاف الذات واستنزاف القدرات، إذ لا يمكنك أن ترهن أمنك القومي بحسن نية الآخرين ومدى استعدادهم للوفاء بالمعاهدات التي تربطك بهم، ولا التعويل على نظام دولي يتآكل يوما بعد يوم، ويعرف حركة تكتونية لا ندري أين تمضي بنا. هذا العالم لا يؤمن مع الأسف إلا بالقوة، ومتى لمس الآخرون منك ضعفا وجدوها فرصة لوضع اليد على ما تملك. وبلدان المنطقة تملك الكثير من الثروات التي تزخر بها جغرافيتها. وأخيرا، كما يقول المثل الروماني القديم: "إذا أردت السلام فلتعدّ نفسك للحرب" (Si vis pacem, para bellum). إذا أردت أن تتجنب الحرب، فعليك أن تملك من قوة الردع ما يكفي لتجعل خصومك يفكرون مرتين قبل الإقدام على إثارة غضبك.

• حافظ إدوخراز كاتب ومترجم

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من أجل

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يدمر أبراج الاتصالات لحجب مأساة غزة عن العالم

من أجل إبعاد عين العالم عن الجرائم الإسرائيلية في غزة ومنع وصول الفلسطينيين للفضاء الخارجي، دمرت دولة الاحتلال الإسرائيلي على يد جيشها 75% من أبراج الاتصالات، وبلغت قيمة خسائر البنية التحتية للاتصالات نحو 223 مليون دولار أمريكي.

استهدافات بالجملة

الاستهداف طال تدمير المقاسم الرئيسية والفرعية، كما تم تعطيل أبراج التقوية، بجانب تدمير شبكات الألياف الضوئية وتعطيل المسارات والخطوط الناقلة الرئيسية بجانب نفاذ الوقود اللازم لتشغيل المولدات، بحسب بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

مفاوضات مع إسرائيل

أعلنت الأمم المتحدة مساء اليوم الأربعاء التفاوض إسرائيل بشأن وضع نظام الإنترنت الخاص بإيلون ماسك في غزة، حيث سيتم إتاحة الإنترنت في غزة عن طريق الشركة الخاصة برجل الأعمال الأمريكي الكندي إيلون ماسك صاحب موقع تويتر (إكس حاليا) للتغريدات القصيرة والذي يمتلك أقمارا صناعية في الفضاء أطلقتها شركته إكس المتخصصة في علوم الفضاء ولكن كل هذا يشترط موافقة إسرائيل عليه.

الحرب على غزة

وتستمر الحرب لأكثر من 270 يومًا على التوالي، إذ بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة صباح السبت السابع من أكتوبر 2023، عقب تنفيذ الفصائل الفلسطينية عملية طوفان الأقصى، ردًا على الانتهاكات المستمرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

37 ألف شهيد فلسطيني

وتستمر الحرب لشهرها التاسع حاليا، وسط ارتفاع أعداد الخسائر في الجانب الفلسطيني، التي سجلت أكثر من 37 ألفًا و800 شهيد حتى الآن أغلبهم من الأطفال والسيدات.

مقالات مشابهة

  • لقجع ولفتيت يستعرضان بطنجة المشاريع الكبرى لمونديال 2030
  • أمين الباحة يكشف سبب تأخر مشروع «سيرا»  
  • أفضل 10 أفكار مشاريع صغيرة مربحة في السعودية
  • مدبولي: تكليفات من الرئيس بسرعة إنجاز المشروعات الكبرى بالقطاع العقاري
  • بنك التنمية الألماني يوقع أول اتفاقية تمويل بالمغرب
  • بالفيديو.. باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل إذا دخلت في جبهة صراع جديدة
  • غزة.. بين الموت قصفاً والموت جوعاً..!
  • الاحتلال الإسرائيلي يدمر أبراج الاتصالات لحجب مأساة غزة عن العالم
  • جوف.. «التأهل السهل» في ويمبلدون
  • المواجهة الكبرى الافق والاسباب والنتائج