المشروع الصهيوني وحلم إسرائيل الكبرى
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
حافظ إدوخراز
وأنا أتابع التطورات الأخيرة للقضية الفلسطينية في الصحف والقنوات الإخبارية مثلي مثل الكثيرين من المتعاطفين عبر العالم من العرب وغير العرب، أسمع من جديد رواية أن الهواجس الأمنية هي التي تقود السياسة الإسرائيلية منذ سنوات وتفسر ازدهار اليمين المتطرف داخل إسرائيل ورفضه لحل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى كان يطمح إلى أن يعيد إقامة مملكة داوود وسليمان (التي لا وجود لها إلا في الأساطير) على أرض ادّعى الصهاينة أنها من دون شعب، ويشيّدوا فوقها دولة ذات شأن كبير على مستوى العلاقات الدولية، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تحقق مشروع إسرائيل الكبرى وأصبحت إسرائيل القوة المهيمنة في الإقليم. فرواد الصهيونية (الذين كانوا من الأوروبيين) قد تعرّفوا قبلنا على نظرية المجال الحيوي في الجغرافيا السياسية. والقادة في إسرائيل لم يتنازلوا يوما عن هذا المشروع، مهما اختلفوا حول السبل التي يتوسّلونها أو حول الوتيرة التي يسيرون بها من أجل إنجاحه وتحويل الحلم إلى حقيقة. فبين من يتبنى استعمال القوة والاستيطان والتهجير، وبين من يتبنى سياسة المفاوضات والإغراء الاقتصادي، يبقى الثابت في سياسة إسرائيل هو السير قدما نحو إنجاز المشروع الذي وضع الآباء المؤسسون لبناته الأولى، وهم في ذلك يستلهمون مشروعا استيطانيا آخر قام على جثة شعب آخر (الأمريكيون الأصليون) وأفضى إلى بناء القوة الأولى في العالم هي الولايات المتحدة. أفبعد هذا ينكر عليهم القادة الأمريكيون ما فعله أجدادهم، وهم مجرد تلاميذ ينهلون من علم العم سام ويسيرون على خطاه!
هذا لا ينفي طبعا وجود تيار سياسي وجزء من المجتمع الإسرائيلي لا يريد إلا أن ينعم بالسلام ويعيش مثل بقية الشعوب يتوق نحو الرفاهية والازدهار، لكن وزنه في الحياة السياسية الإسرائيلية لا يرقى إلى مستوى إحداث فرق كبير على مستوى صناعة القرار، خاصة وأن حلفاء إسرائيل من الغرب لم يضغطوا عليها يوما من أجل أن تتخلى عن تلك الأوهام والأساطير التي تأسست عليها، بسبب الوزن السياسي للوبي الصهيوني العالمي (الذي يتجاوز اللوبي اليهودي، ويعدّ المكون المسيحي في نسخته البروتستانتية الجزء الأكبر منه) في هذه البلدان، والذي يحمل نفس المشروع ويتوق إلى نفس الحلم من أجل اعتبارات لاهوتية/إسكاتولوجية أخرى (إعادة المسيح على الأرض !).
في هذا السياق، في تصوري، يجب فهم مرور إسرائيل في المدة الأخيرة إلى السرعة القصوى من أجل تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين نحو مصر والأردن، ويحثون الخطى قبل أن تضطر الولايات المتحدة توجيه كامل تركيزها إلى منطقة المحيط الهادي في صراعها/تنافسها مع الصين. السؤال الذي يبقى في الذهن هو: إذا ما نجحت إسرائيل في طرد بقية الفلسطينيين من غزة ومما تبقّى من الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية على نحو غير رجعي، فعلى من يأتي الدور بعد ذلك: لبنان (حيث يوجد حزب الله) أم الأردن أم مصر (سيناء) أم سوريا أم شمال الجزيرة العربية؟
على الدول العربية في المنطقة أن تفهم أن الخطر الإسرائيلي هو تحدّ كبير للأمن القومي العربي. ولا يمكن الاستمرار في التعويل على المظلة الأمنية الأمريكية وعلى العلاقات مع صينٍ لم تستطع بعدُ أن تعالج ملفاتها الإقليمية (وعلى رأسها تايوان)، أو مع روسيا التي لا يستطيع اقتصادها المدني أن يتحمل جهدا حربيا كبيرا. لا يمكن التعويل إلا على الذات وعلى الإيمان بالمصير المشترك وتجاوز كل الخلافات والصعوبات في سبيل ذلك، والسير في اتجاه عمل عربي مشترك يتجاوز اتفاقيات التبادل الحر ويؤسس للحظة تاريخية جديدة تشكّل انعطافة من الناحية الإستراتيجية، وتجبّ كل ما قبلها من تخبّط ومزاجية وخلافات فردية بين القادة.
أدعو دول الخليج العربي إلى السير في اتجاه اتفاقية دفاع مشترك تشمل كل هذه الدول على غرار حلف الناتو، والعمل على إقامة صناعة دفاعية مشتركة قادرة على توطين التكنولوجيا العسكرية وأن تزوّد هذه الدول بجزء لا بأس به من حاجياتها. وليس ذلك بالصعب، فها هي تركيا وإيران غير بعيد لنتأمل تجربتهما وسوف نقف على إنجازات كانت بضعة عقود من الزمن كافية لتصبح واقعا بعد أن كانت مجرد أحلام.
أن تكره الحرب وتؤثر السلام لا ينبغي أن يعني الخضوع الكامل لإرادة الآخرين، والإصرار على إضعاف الذات واستنزاف القدرات، إذ لا يمكنك أن ترهن أمنك القومي بحسن نية الآخرين ومدى استعدادهم للوفاء بالمعاهدات التي تربطك بهم، ولا التعويل على نظام دولي يتآكل يوما بعد يوم، ويعرف حركة تكتونية لا ندري أين تمضي بنا. هذا العالم لا يؤمن مع الأسف إلا بالقوة، ومتى لمس الآخرون منك ضعفا وجدوها فرصة لوضع اليد على ما تملك. وبلدان المنطقة تملك الكثير من الثروات التي تزخر بها جغرافيتها. وأخيرا، كما يقول المثل الروماني القديم: "إذا أردت السلام فلتعدّ نفسك للحرب" (Si vis pacem, para bellum). إذا أردت أن تتجنب الحرب، فعليك أن تملك من قوة الردع ما يكفي لتجعل خصومك يفكرون مرتين قبل الإقدام على إثارة غضبك.
• حافظ إدوخراز كاتب ومترجم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
“السعودية للكهرباء” و”كاوست” تطلقان أول مشروع بحثي من نوعه على مستوى العالم لاحتجاز الكربون بمحطة توليد رابغ
بإشراف من وزارة الطاقة، دشنت الشركة السعودية للكهرباء اليوم، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST)، أول مشروع بحثي من نوعه على مستوى العالم يتم اختباره داخل محطة توليد كهربائية باستخدام تقنية التجميد لاحتجاز الكربون ومعالجة الملوثات الأخرى في محطة توليد رابغ.
ويهدف هذا المشروع البحثي إلى تقليل الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، إضافة إلى الجزيئات الدقيقة، في خطوة تساهم بتحقيق مستهدفات الشركة السعودية للكهرباء في الاستدامة والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.
وتتضمن هذه التقنية المبتكرة تطوير منصة متنقلة ذات سعة يومية لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون، تصل إلى ربع طن، ما يجعلها نموذجًا عمليًا لتطبيق احتجاز الكربون مستقبلاً على نطاق واسع ضمن قطاع توليد الطاقة.
وأكد المهندس خالد بن سالم الغامدي، الرئيس التنفيذي المكلف للشركة السعودية للكهرباء، أن هذا المشروع البحثي يدعم جهود احتجاز الكربون في المملكة، ويعكس التزام الشركة الدائم بالشراكات التقنية المبتكرة، بما يحقق أهداف المبادرات البيئية للمملكة، ويسهم في تحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة، مشيرًا إلى أهمية التعاون البحثي مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في تطوير وتطبيق حلول تقنية تخدم بيئة المملكة والتوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة.
ويعد هذا المشروع البحثي خطوة هامة لإثبات كفاءة التقنية الجديدة لاحتجاز انبعاثات الكربون في أحد القطاعات ذات الانبعاثات الصعب تخفيضها؛ إذ تصل نسبة نقاء الكربون المحتجز إلى ٩٩٪. وتتماشى هذه المبادرة مع طموح مبادرة السعودية الخضراء للوصول إلى الحياد الصفري لغازات الاحتباس الحراري، وذلك من خلال تطبيق تقنيات نهج الاقتصاد الدائري للكربون بحلول عام 2060 أو قبل ذلك عند نضج وتوفر التقنيات اللازمة.