لجريدة عمان:
2024-11-24@00:49:27 GMT

متى يعلنون وفاة العرب

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

أستأذن الشاعر الراحل الكبير نزار قباني في استعارة عنوان قصيدته الشهيرة (متى يعلنون وفاة العرب )، وكل بيت فيها يعبر عما آلت إليه أحوالنا من هزائم وانكسارات:

أنا منذ خمسين عاما

أرقبُ حال العرب

وهم يرعدون ولا يُمطرون

وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون

وهم يعلكون جلود البلاغة

ولا يهضمون

لعل بعض أبيات هذه القصيدة التي لا يتسع المجال بعرضها كاملة تعبر في مجملها بصدق عن أحوال أمتنا العربية، التي انحدرت إلى هوة سحيقة لم يعد الخروج منها آمنا، ولو كان نزار حيًا بيننا لعبر بحسرة ومرارة أكثر مما قاله في هذه القصيدة.

على الرغم من أهوال الحروب التي حصدت مئات الملايين منذ فترة مبكرة من التاريخ الإنساني، وصولًا إلى أهوال الحرب الدائرة في غزة، والتي تحصد كل يوم أرواح آلاف الأبرياء، ورغم ذلك فان القوى المتحكمة في مصائر العالم لم تستوعب الدرس بعد أن فقدت ضميرها الإنساني في ظل وجود منظمات دولية وإقليمية تأسست بهدف حماية الإنسان من استقواء الأقوياء الذين يرفعون شعارات صباح مساء، دفاعًا عن الحرية والديمقراطيات في العالم، وهي ذات الأهداف التي حارب الحلفاء من أجلها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يلتفت العالم إلى زيف هذه الشعارات، حينما لم يتحقق السلام في العالم منذ أن تأسس مجلس الأمن وغيره من المنظمات الإقليمية، فقد بقي العالم رهنا بسياسات الأقوياء، الذين تحكموا في مصائر العالم، ولم تنجح هذه المنظمات يومًا في رفع الظلم عن المستضعفين في العالم.

فقدت القوى المتحكمة في مصير العالم مصداقيتها، سواء بسبب وقوفها لدعم كل القوى المستعمرة أو في استقوائها بما يُسمى الأمم المتحدة، التي تشكلت منذ نشأتها على أسس غير عادلة يتحكم فيها العالم القوي في مصير الشعوب المستضعفة، ولعل ما يحدث في غزة الآن يعد نموذجًا للقهر والقسوة، لدرجة أنه حينما تقدمت روسيا بمشروع قرار لوقف إطلاق النار على غزة، وهو ما رفضته الولايات المتحدة الامريكية ومن ورائها القوى الأوروبية المتحكمة في مصير العالم، وهي سياسة افتقدت إلى كل القيم الإنسانية، استجابة لمطلب إسرائيل بحجة الدفاع عن نفسها، وهو مشهد بائس ينم عن افتقاد كل قيم العدالة، حيث يواصل الإسرائيليون صباح مساء هدم المنازل على رؤوس ساكنيها وتدمير المستشفيات والمساجد والكنائس، والمضي في سياسة إحراق الأرض على ساكنيها، بينما العالم الذي يسمي نفسه حرًا ماضيًا في غيه وعدوانه وسط صمت الأسرة الدولية، وهو أمر لن يُفضي إلا إلى مزيد من القتل والعنف والدمار.

اللافت للنظر، أن الكثير من صراعات العالم قد توقفت، وخصوصًا الصراع الروسي الأوكراني الذي تراجع إلى الهامش وكأن هناك اتفاق دولي على إرجاء كل الصراعات في العالم لصالح إسرائيل، التي حظيت بدعم هائل من القوى الكبرى، وأصبحت تل أبيب محط أنظار الساسة ورؤساء الدول يزورونها كل يوم، في رسالة واضحة لدعم إسرائيل عسكريًا وسياسيًا وماديًا، لدرجة استقدام حاملات الطائرات والبوارج العسكرية في مشهد ينم عن خلل واضح في منظومة العدالة. كل ذلك في سبيل إعلان الحرب على شعب غزة الذي لا يتجاوز عدده أكثر من المليونين، وعلى مساحة جغرافية لا تتجاوز ٣٥٠ كم، في ظل حصار عسكري مُحكم، وظروف اقتصادية واجتماعية وإنسانية شديدة التعقيد.

لم يلتفت الكثيرون في عالمنا العربي إلى أن معظم أزماتنا العربية منذ إنشاء إسرائيل ١٩٤٨، وحتى اليوم، كان من ورائها الولايات المتحدة الامريكية والغرب، مرورًا بكل الأزمات الكبرى في كل أقطارنا العربية، وخصوصًا ما شهدته المنطقة خلال العقود الأخيرة، والتي بدأت بأزمة الكويت وما تبعها تجييش القوى العالمية التي دمرت العراق، والتي تجاوزت التخلص من حكم صدام إلى تفكيك الوطن العراقي وانهيار قواه، وهو ما فتح الباب أمام انتشار ظاهرة العنف والإرهاب، وقد اصطفت بعض أقطارنا العربية لدعم العدوان على العراق دون النظر للعواقب التي تنجم عنه، ورغم مضي أكثر من عقدين فمازال العراق يلعق جراحه، ولم يستعد قواه بعد.

لم تكتف القوى الكبرى بما حل بالعراق، الذي كان سببًا في تفكيك أوصال أمتنا العربية، بل عملت الولايات المتحدة ومن ورائها أتباعها لإشعال فتن وثورات طالت معظم الأقطار العربية، وقد بذلت القوى الغربية في سبيل ذلك أموالًا ودعمًا سياسيًا وإعلاميًا، بحجة دعم الديمقراطيات في العالم العربي، وهو ما أحدث انهيارًا في بعض الأنظمة العربية، التي كانت مستقرة، وما تزال النيران مشتعلة من جراء هذه المؤامرة الكبرى، ولعل ما يحدث في غزة يعد حالة كاشفة عن الوهن والضعف الذي ضرب أوطاننا في مقتل، وخصوصًا وأن الكثير من دولنا العربية تعاملت مع الأزمة من قبيل إبراء الذمة، بيانات، وتصريحات عنترية، ولا بأس أن تخرج بعض المظاهرات دليلًا على الحرية التي تتبناها أنظمتنا العربية دعمًا لقضايانا القومية، ولم تتجاوز المواقف مجرد إصدار البيانات أحيانًا أو الصمت المطبق في كثير من الأحيان.

لقد انكفأ العرب على قطريتهم وأنانيتهم، معتقدين أنهم ناجون من هول هذا الطوفان، بينما أهلنا في غزة المحاصرة يُقصفون بمختلف صنوف الأسلحة الفتاكة، وقد فقدوا حتى مجرد الحصول على العلاج، بعد أن تهدمت مستشفياتهم ومُنع عنهم الماء والدواء والكهرباء، وراح الموت يحصد المرضي والأسوياء على قدم وساق تحت أعين وبصر والعرب، الذين يتابعون المأساة على التلفاز، وهم جالسون في غرفهم يأكلون ويشربون ويتسامرون.

هل آن الأوان لكي نعلن وفاة العروبة، التي لم يبق منها إلا لغة يتحدثون بها وثقافة يتباكون عليها، وتراث من الفخار يودعونه بكل ألم ومرارة ؟ هل نعلن وفاة العروبة التي داهمها الجهل والخوف والحرص الذي أذل أعناق الرجال؟ ألم يحن الوقت بعد كل ما حدث لأوطاننا وشعوبنا من العودة إلى مراجعة النفس، والاعتصام بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا؟ اعتمادا علي شعوب حية تتحرق شوقًا نحو الخروج من دائرة الموت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم فی غزة

إقرأ أيضاً:

موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب

زنقة 20. الرباط

جدد رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، اليوم الجمعة بسلا، على شكره لجلالة الملك محمد السادس على مبادرة إستضافة المنتخبات الأفريقية التي لا تتوفر على ملاعب مؤهلة، على الأراضي المغربية.

وأشاد المسؤول الكروي الإفريقي، الذي وجد في استقباله رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، السيد فوزي لقجع، بجهود الجامعة للنهوض بالكرة المغربية وخدمة كرة القدم الإفريقية، معربا عن السعادة التي تنتابه كلما حل بالمغرب “بلدي الثاني”.

ونوه السيد موتسيبي بمبادرة المملكة المغربية بفتح ملاعبها في وجه المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب لخوض مبارياتها، معربا عن امتنانه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على هذه المبادرة.

وحول التظاهرات الكبرى التي تنظمها المملكة، جدد موتسيبي التأكيد على أن كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب- 2024) ستكون “النسخة الأفضل والأنجح على الإطلاق” لهذه المسابق مؤكدا أن نسبة المشاهدة ستكون بدون شك أعلى خلال النسخة المغربية، بالنظر إلى المؤهلات التي تحظى بها المملكة، “البلد المتميز وأحد أفضل الوجهات السياحية في القارة”.

من جهة أخرى، أكد السيد موتسيبي أن المنتخب المغربي “دخل التاريخ” ببلوغه نصف نهائي كأس العالم الأخيرة (قطر 2022) لأول مرة في تاريخ كرة القدم بالقارة الإفريقية، مشددا على أن تلك اللحظة مثلت “مصدر فخر لنا جميعا”.

وبخصوص التنظيم المشترك لكأس العالم لكرة القدم 2030 بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، سجل السيد موتسيبي أنه سيمثل “لحظة تاريخية وإنجازا غير مسبوق ومصدر فخر ليس للمغاربة فحسب، وإنما لكل شعوب القارة الإفريقية”.

مقالات مشابهة

  • التمكين الرقمي يطلق نشاطاته في تقنيات المستقبل بالمنطقة العربية
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • قبائل رداع يعلنون عزمهم الثائر من قيادات حوثية متورطة بالقبض على البطل الزيلعي
  • موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب
  • الإمارات الدولة العربية الوحيدة المشاركة في تأمين قمة العشرين
  • الحوثيون يعلنون استهداف قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية
  • زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"
  • بمشاركة المملكة ..انطلاق أعمال الاجتماع المشترك بين أجهزة مكافحة المخدرات وممثلي الصحة بالدول العربية
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • خبير سياسي: السلوك الإسرائيلي بعد «7 أكتوبر» أدى إلى وفاة منطق حل الدولتين