- ستكون ومحبة الوطن اليوم وجهًا لوجه عندما تنتخب عضو ولايتك الذي سيمثلها في مجلس الشورى، ويُعول عليه نقل متطلباتها للحكومة خلال الفترة القادمة.
آمل أن تتخطى ما دون تلك المحبة كالروابط الأُسرية والقبيلة والفخيذة والصداقة والمصالح الضيقة، وترتقي بتفكيرك؛ لأنه لا إخلاص يعلو الإخلاص لتراب الوطن ولا محبة تعدل محبة الأرض.
أعي تماما أنك تتعرض لضغوطات كثيرة من أشخاص تربطك بهم علاقات أزلية أو قديمة بعضهم ممن «يمون عليك» وأنك مُشتت بين هذا وذاك لكنني أثق أيضًا في إدراكك لحجم المسؤولية المُلقاة على عاتقك وأنك تخاف الله في وطن تظلك سماؤه وتخشاه في الشخص الذي ستنتخبه من غير استحقاق.
ولأن بلادك منحتك حرية الاختيار التام غير المشروط لمن سيمثلك، فإن ذلك يأتي من منطلق إيمانها بأهمية رأيك وقناعتها بمبدأ المشاركة في صنع القرار فضع نفسك في الموضع الصحيح الذي يليق بك، ويمثل وعيك وثقافتك فمن ساهمت في عضويته هو في الحقيقة أنت فكن كما ينبغي لك أن تكون.
2 - سنبدو غاية في السطحية إذا آمنا أنك بريء من تهمة الاستغلال عندما تفدُ «زائرًا» من ولايتك مع زوجتك وكتيبة الأطفال التي تمشي خلفك كل مناسبة إلى بيت أخيك أو أختك في مسقط أيام المناسبات والإجازات، حيث تعيش «محمولا مزمولا» دون أن يرف لك جفن.
بلا شك سنكون سُذجًا أيضًا إن صدّقنا أنك قدِمت واصلا للرحِم متذكرًا وصية أبيك المتوفى أو أمك الهالكة وأنك لا تتهرب من عبء استئجار شقة فترة وجودك في مسقط وتسعى إلى توفير ثمن المأكل والمشرب أو أنك لا تعلم شيئا عن الحاصل في أسعار فواتير الكهرباء والماء والضرائب التي تقصم ظهر الإنسان «هذا إذا بقي له ظهر لم يُكسر».
نعرف جيدا أنك «تُطنش» ما يُقال في حضرتك ووراء ظهرك ولا تكترث إلى أن نزولك بين أهلك «كالقضا المستعجل» يحجب عنهم متعة الاستمتاع بوقتهم وإجازاتهم وعندما حللت بينهم ضيفا ثقيلا تصادر حريتهم في الخروج واستقبال من يحبون.. لكنك تتجاوز كل ذلك بكل ببرود أعصاب.
3 - اعتدت على منظر السيارات الفارهة «الخرِبة» المتوقفة لفترات طويلة أمام بعض البيوت المتواضعة في المربع وهي مهملة يعلوها الغبار بسبب أعطال يبدو أنه لا براء منها أو أن صاحبها في الغالب لا يملك القدرة على شرائها حديثة إلا إذا لجأ إلى الاقتراض لذا اقتناها مستعملة.
لدي كل اليقين أن من يقتني سيارات الـ«نص لُبس» كما يقولون ليس الإنسان المقتدر ولا الذي يملك قدرة امتلاك أكثر من واحدة ولا من يهوى امتلاك الموديلات القديمة إنما الفقير الذي يُصر على لبس ثوب غير ثوبه.
يشتري الرجل المقتدر السيارة من وكالتها ليستمتع بجديد مواصفاتها سنوات «محددة» يعلمها جيدا وما إن تنقضي هذه السنوات يُعيدها إلى نفس الوكالة وهي بحالة جيدة جدا ليستخرج موديلها الجديد.
وأثناء بحث الفقير عن سيارة مُستعملة يتصادف بما تركه الباحث عن التغيير فتسول له نفسه باقتنائها وكأنه وقع على كنز بسبب قيمتها المتدنية مقارنة بسعرها وهي جديدة لكن وبعد سنة واحدة بالكمال والتمام تبدأ السيارة بالانهيار التدريجي وتوالي الأعطال معلنة دخول الصاحب في جبهة استنزاف جديدة لا تُغلق إلا ببيعها خاسرًا
آخر نقطة..
مهمتك كناخب واعٍ أن تكون عونا للحكومة في عمليتي البناء والإصلاح وهذا لا يتأتى إلا بوضع العضو المناسب في المكان المناسب واختيار من هو أصلح وأنفع للوطن.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
داخل قرية لا يتأتى اسمها على مسمع الكثير من أبناء الوطن ، كان يسكن كاتبنا رحمه الله ، منزلا صغيرا تخيره بعيدا عن العمار متوسطا جسرا يمر على شريط القطار وارضا زراعية على يساره ،مع اختين لم يتزوجا وكأنهما صاحبوا جميعا الوحدة والعزلة ،وكنت أنا الشاهد على هذا اللقاء الذي مر عليه عقدان ونصف من الزمن ، إذ ذهبت قاصدا تلك القرية "شبشير الحصة " محاولا البحث عنه بسبب تغيبه عن حضور جلسات نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا .وقد سولت لي نفسي أني بمجرد السؤال عن اسم كاتبنا سيدلني أول شخص ألتقيه،لكن الواقع كان مناقضا لما ظننت وتوهمت ،فلم يكن أحدا من أهل القرية يعرفه أو يسمع عنه ،دلني بعض الأهالي على شخص يعمل في صحيفة ورقية تهتم بحوادث المحافظة ،قالوا أن هذا هو الكاتب الأشهر في بلدتنا ...ولم نسمع عن كاتب اسمه سعد الدين حسن .
كانت نهاية التسعينيات ومطلع الألفية هي الرواج الفعلي للثقافة داخل الأقاليم التي تبعد عن العاصمة ،فكانت نوادي الأدب هي المقصد الأهم لكل من يبحث عن ري لموهبة الكتابة الإبداعية بمختلف مجالاتها ،شعرية أو نثرية ،حيث كانت هذه الفترة هي الأكثر خصوبة للقصة القصيرة وكتابات أجيال جديدة تعبر عن هموم قضايا لم يكن يحملها كتاب الستينيات أو السبعينيات أو الثمانيينيات ،لم تكن أجهزة الجوال قد ظهرت بعد ولم يكن هناك ثمة عوالم افتراضية لنشر الإبداع الشبابي ،فكانت نوافذ الإبداع التي تفتح لمن هم في مثل حالتي هي نوادي الأدب بقصور الثقافة داخل المحافظات في ربوع الوطن .وحيث كان مقعده مبتعدا أيضا عن الجموع التي تستقبل المنصة والصدارة وجالسا في ركن يجاوره شاب قد أتى لأول مرة ،كان يجلس كاتبنا راهب القصة المصرية القصيرة سعد الدين حسن ،متواضع في جلسته ،مقل في حديثه ،يتدافع الجميع للإدلاء بأرائهم بينما هو يظل صامتا لأن تنتهي الندوة ثم يرحل منصرفا في صمت ،وعقب الندوة تجد الجالسين على المنصة يتدافعون لمصافحته فكانت هذه هي النبضة الأولى بداخلي للتساؤل عن هذا الرجل ،من هذا الرجل .....؟ فكان الجواب من الشاعر طارق بركة :"ده الأستاذ الكبير سعد الدين حسن ،وكان صديق نجيب محفوظ ،وتربطه صلة كبيرة بالوزير فاروق حسني " ..وربما لأمر بساطة مظهر الكاتب ظننت أن الشاعر طارق بركة بالغ في الأمر ونسيت أن بعض الظن إثم .
ودفعني تواضع الرجل للتقرب منه لمحاولة فهمه وايجاد اسباب ترفعه وابتعاده عن الوسط ،مقلا لا زال في حديثه يأتي اسبوع ثم يتغيب عدة أشهر ،لأواصل البحث عنه لعلي أرضى شغف فضولي واكتشافه ،ثم كان اللقاء فطلب مني ان نلتقي صبيحة اليوم الثاني بمقهى بسيط في شارع البورصة بمدينة طنطا ..
مقهى بسيط ، يتعاملون مع الكاتب كونه شخصا وافدا من عالم آخر ، اقتربت من منضدته وكانت الساعة لم تقر بالعاشرة بعد من صباح هذا اليوم ،كان بيده كتاب الفتوحات المكية وقد تلصصت على الكتاب من عنوانه الذي كان باديا جليا . سحبت مقعدا وفي يدي عملي الأدبي الذي سيعرض على الكاتب ، وإذ بصاحب المقهي يأتي مسرعا لكاتبنا ويتحدث بلهجة متعثرة :"يا أستاذ تلفون لسعادتك بيوقولوا مكتب وزير الثقافة ..." قام كاتبنا في فتور ، متوجها لموضع الهاتف ليرد ، وإذ بصاحب المقهي يسألني هو مين الأستاذ :"فأجابته انه كاتب كبير زي يوسف ادريس ونجيب محفوظ لكنه متواضع بزيادة "..عاد كاتبنا ،فسألته ،هل الأمور خير :فأجاب مافيش كان فيه ميعاد بس اعتذرت عنه ..فسألته ميعاد مهم ؟...قالي وزير الثقافة فاروق حسني ..فكانت اجابته كفيلة بصمتي .
بضعة أشهر مرت على رحيل الكاتب سعد الدين حسن رحمه الله ،الكاتب الذي دون الوزير فاروق حسني في خانة المهنة لديه "كاتب قصة قصيرة " وكان يعتز ويخلص لهذا الفن الأدبي لم يحد عنه ولم يتخطاه أو يتعداه لكتابة الرواية إلا محاولة واحدة من اصدارات اتحاد الكتاب بل كانت كتابته أشبه بقصاصات متوسطة الحجم تحمل لغة شاعرية ،الامر الذي دفع الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا لأن يبادر ويشجع باحثا لعمل أطروحة للماجستير تتولى وتكشف عن ابداع سعد الدين حسن .
الندوة التي أقامها فرع اتحاد الكتاب بالغربية لتأبين سعد الدين حسن ،جمعت رفاقه الذين كانوا بصحبته ،الكاتب محمد حمزة العزوني ،الذي تحدث عن كاتبنا الراحل موضحا أنه كان مكتفيا بوظيفة كاتب القصة القصيرة ، ورغم محاولات الوزير فاروق حسني في توظيفه بأكثر من إصدار ينتمي لوزارة الثقافة ليكفل قوت يومه ، كان سعد رحمه الله يتحجج ولا يستمر إلا شهرين ثم يعتذر ، عائدا إلى بيته غير مخالط لأحد ولا يتحدث مع أحد .
بينما أوضح الشاعر طارق بركة أن سعدا كان مقربا له متداخلا معه في مشكلاته الروحية والحياتية ،فهو الدرويش سعد الدين حسن وهو الزاهد سعد الدين حسن الذي كانت كرامته وكبريائه فوق رأسه ، لدرجة أنه طلب من الشاعر أن يشيع إشاعة أن سعد الدين حسن قد ورث إرثا ماليا كبيرا حتى لا يعرض أحد مساعدة مادية عليه تخدش من كرامته أو تنال من اعتزازه بنفسه ، فلم يكن سعد يتاجر بصدافته لوزير الثقافة السابق بل كان يتأخر عن المنصة ويقدم غيره ، كان متيما بكتابات كبار المتصوفة وربما كان واحدا منهم دون أن نعلم .
وهو بتعبير الناقد صبري قنديل حالة الكاتب الذي يمسك بعين القاريء لا يتركها حتى ينتهي مما يكتب سعد الدين حسن ، فعلي الرغم من صداقته وعلاقته الطيبة بالكاتب الراحل يحيي الطاهر عبد الله إلا أن سعد الدين حسن كان ينتمي لمدرسة القصة التلغرافية وموسيقى الفظ التي تظن لوهلة أنك امام قصيدة نثر لا قصة قصيرة من عذوبة ما يكتب سعد الدين حسن .