لجريدة عمان:
2025-03-04@13:06:09 GMT

طه حسين والقضية الفلسطينية

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

يحيي العالم العربي هذه الأيام الذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربي طه حسين، الذي ظل طوال حياته، وحتى بعد نصف قرن من رحيله مالئ الثقافة العربية وشاغلَ ناسها، وما ذلك إلا دليل على أهميته الكبيرة، التي أهلته لأن يكون بلا منازِعٍ المثقفَ العربي الأكثر تأثيرًا في الثقافة العربية خلال القرن العشرين، والمرشح العربي الأبرز لجائزة نوبل للأدب سنوات طويلة، وهي الجائزة التي مات قبل أن تتشرّف به.

رحل صاحب «الأيام» في الثامن والعشرين من أكتوبر من عام 1973م، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من نصر السادس من أكتوبر المصري على إسرائيل، وتحل ذكراه الخمسون اليوم بعد ثلاثة أسابيع أيضًا من نصر السابع من أكتوبر الفلسطيني على الكيان الصهيوني، وما بين هذين التاريخين كُتِبتْ مئات الصفحات التي تتحدث فقط عن علاقة العميد بفلسطين وقضيتها، واليهود، والصهيونية، ما بين متَّهِمٍ له بخذلان قضية العرب الأولى وممالأة الصهاينة من جهة، ومدافع عنه بضراوة، بل ومفنِّدٍ لهذه الاتهامات من جهة أخرى.

ولعل أبرز الكتب التي شنت هجومًا كبيرًا على طه حسين كتاب «المشروع الصهيوني.. الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017»، الصادر عام 2017م لأستاذة الإعلام المصرية عواطف عبدالرحمن، التي قالت: إن اليهود في مصر تقربوا إلى كبار الكتّاب والأدباء المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، وعملوا على «اكتساب مودتهم وتعاطفهم، وبالتالي ضمان امتناعهم عن كتابة أي شيء يؤدي بشكل أو بآخر إلى كشف النوايا الحقيقية للنشاط الصهيوني»، وأكدت عواطف عبدالرحمن أنهم نجحوا بالفعل في اكتساب «ثقة وتعاطف ومشاركة» عدد من هؤلاء الكتاب، في مقدمتهم طه حسين، وقالت: إن العميد زار مدارس الطائفة اليهودية في الإسكندرية، وقدم فيها محاضرة عن علاقة اليهود بالأدب العربي عام 1944م، وقد تعرض بسبب هذه المحاضرة للهجوم من الصحافة العربية الصادرة في ذلك الوقت، ولكن الصحف اليهودية تصدت للدفاع عنه. وتواصل الكاتبة هجومها على الأديب المصري الكبير بالحديث عن تولّيه في عام 1945م رئاسة تحرير مجلة «الكاتب المصري» متهمة هذه المجلة التي أسستها أسرة «هراري» اليهودية المصرية بأنها لعبت «دورًا خطيرًا في الدعاية غير المباشرة للحركة الصهيونية»، ويبدو أن الباحثة اعتمدت في هذه التهمة على اتهامات مماثلة للمجلة أطلقها عدد من المجلات العربية التي كانت تصدر في وقت صدور «الكاتب المصري» وهي مجلات «الاثنين» المصرية، و«الصياد» و«المكشوف» اللبنانيتان، وجريدة «البلاغ» الفلسطينية.

ممن ردوا على اتهامات عواطف عبدالرحمن الكاتب المصري إيهاب الملاح في كتابه «طه حسين: تجديد ذكرى عميد الأدب العربي» الصادر عام 2021م، وقد خصص فصلا للرد عليها عنوانه: «لم يكن صهيونيًّا، وحاشا له أن يكون» قائلا: إنها تقيم كتابها على خلط فادح بين مفهومي «يهودي» و«صهيوني»، وإنها اتبعت في دراستها منهجًا خاطئًا يعتبر كل يهودي صهيونيًّا بالضرورة، مؤكدًا أن هذا «تناول عنصري وغير سليم». ويستغرب الملاح من عدم رجوع الكاتبة إلى كتاب مهم صدر عام 2010م، ألا وهو كتاب «طه حسين والصهيونية» للكاتب المصري حلمي النمنم.

ومن يقرأ كتاب النمنم يجد أن استغراب الملاح في محلّه. فقد كان بالفعل من أهم الكتب التي دحضت تهمة ممالأة الصهيونية عن عميد الأدب العربي. يقول المؤلف: إن من يتهمون طه حسين بتجاهل قضية فلسطين هم «المثقفون بالسماع»، ويذكّر النمنم قراءه بمقال لطه حسين عنوانه «فلسطين» نُشِرَ في صحيفة «كوكب الشرق» في 28 أكتوبر 1933 ينتقد فيه موقف أوروبا من الاحتلال الإنجليزي لمصر وفلسطين، ومما جاء في هذا المقال: «وإلا فما إخضاع مصر لقوة الإنجليز، وما إخضاع فلسطين لقوة الإنجليز وطمع الصهيونيين»، ثم يتحدث عن مقال آخر للعميد نُشِر في الصحيفة نفسها في 4 مارس 1934 عنوانه «غريب» عن الكاتب الفلسطيني محمد علي الطاهر الذي حاول دخول فلسطين لزيارة أمه لكن السلطات البريطانية منعته، يقول طه حسين: «فما يكون الرجل من أهل فلسطين غريبا في مصر، وما ينبغي أن يكون الرجل من أهل مصر غريبا في فلسطين». ويمضي النمنم في الدفاع عن طه حسين بالتذكير أنه نشر عدة مقالات في عام 1945؛ العام الذي أُنشِئت فيه جامعة الدول العربية، منتقدًا موقف هذه الجامعة من قضية فلسطين قائلًا: إنها لا تفعل شيئًا أكثر من إصدار البيانات (وما أشبه الليلة بالبارحة) في حين تطالب المنظمات الصهيونية بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، وهو ما سيتحقق بعد سنوات قليلة. لكن المقال الأبرز الذي أورده النمنم، والذي يدحض من وجهة نظري أي تهمة محاباة للصهيونية عن عميد الأدب العربي، فهو مقاله «الصلح مع إسرائيل» الذي نشره في الرابع من يونيو 1956 والذي يقول فيه بالحرف: «الصلح مع الظالمين إجرام ما دام ظلمهم قائمًا. الرضا بقصة فلسطين وظلم إسرائيل وأعوانها هو مشاركة في الإثم».

وكان الكاتب والناقد اللبناني محمد دكروب قد سبق الملّاح والنمنم في الدفاع عن العميد، وذلك في مقال طويل له في مجلة الدراسات الفلسطينية عام 2008م بعنوان «طه حسين في الكاتب المصري: هل خدم الصهيونية من دون أن يدري؟» خالصًا إلى أن ما نشرته المجلة عبر أعدادها الاثنين والثلاثين خلال الفترة من أكتوبر 1945 وحتى مايو 1948 كان تنويريًّا ومنحازًا إلى الحق العربي في فلسطين. وقد استشهد دكروب بكتاب الباحث التونسي رشيد القرقوري «طه حسين مفكرًا سياسيًّا» الصادر سنة 2000 الذي يقول فيه: «..هو يرفض صراحةً تجميع اليهود في فلسطين، أو إقامة دولة لهم هناك، لذلك نعتبر طه حسين ذا شجاعة وجرأة عندما خاطب اليهود برفضه لوجودهم في فلسطين، من خلال مجلة يمولها يهود مصريون».

يبدو لي الآن بعد استعراض كل هذه الدفاعات عن طه حسين أن تهمة خذلانه لفلسطين وممالأته للصهيونية هي تهمة واهية ولا تستند إلى أساس.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمید الأدب العربی الکاتب المصری من أکتوبر فی فلسطین طه حسین

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: على حماسس التنحي عن السلطة في غزة.. والموقف العربي من القضية الفلسطينية ثابت

أكد الإعلامي أحمد موسى أن حركة حماس يجب أن تتنحى نهائيًا عن السلطة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن القضية الفلسطينية ليست وليدة اليوم، بل تمتد لأكثر من 80 عامًا، مضيفًا أن العالم العربي يتمتع بقوة هائلة، حيث تبلغ مساحته حوالي 12 مليون كيلومتر مربع، ويملك إمكانيات بشرية واقتصادية كبيرة.

دعم ومساندة.. أحمد موسى: مصر لديها ثوابت فيما يتعلق بالقضية الفلسطينيةأحمد موسى: الكنيست الإسرائيلي شهد خناقة واشتباكات بسبب نتنياهوأحمد موسى: مصر جهزت ورقة عمل واضحة ومحددة بشأن قطاع غزةأحمد موسى: العالم يترقب ما سوف يحدث في القمة العربية الطارئة بشأن غزة

وقال خلال تقديم برنامجه «على مسئوليتي» المذاع عبر قناة «صدى البلد»، إن إجمالي القمم العربية منذ تأسيس الجامعة العربية بلغ 65 قمة، منها 17 قمة عربية طارئة، لافتًا إلى أن أول قمة عُقدت في أنشاص عام 1946 بدعوة من الملك فاروق الأول لدعم القضية الفلسطينية.

الموقف العربي تجاه فلسطين ثابت 

أضاف أحمد موسى أن الموقف العربي الذي سيُعلن غدًا في القمة العربية، هو نفسه الذي طُرح قبل 79 عامًا، وهو جزء من ثوابت مصرية راسخة لن تتغير، مشددًا على أن موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية لا يرتبط فقط بعلاقات الجيرة، بل هو موقف مبدئي ثابت.

وأشار موسى إلى أبرز القمم العربية التي أثرت في مسار القضية الفلسطينية، ومنها: القمة العربية الثانية في بيروت عام 1956، التي أكدت دعم الدول العربية لمصر ضد العدوان الثلاثي، وشددت على سيادة مصر على قناة السويس، والقمة العربية الثالثة في الرياض عام 1976، التي تناولت تطورات القضية الفلسطينية والوضع في لبنان، والقمة العربية الرابعة في المغرب عام 1982، والتي شهدت تحولًا مهمًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث اعترفت خلالها بعض الدول العربية ضمنيًا بوجود إسرائيل.

واختتم موسى حديثه بالتأكيد أن الموقف العربي الذي نشهده اليوم ليس جديدًا، بل هو امتداد لما قيل في القمم العربية السابقة، وسيتم التأكيد عليه غدًا في القمة المنتظرة.

مقالات مشابهة

  • ليون: بن العمري هو اللاعب العربي الوحيد الذي حمل الرقم 3
  • ليون :”بن العمري اللاعب العربي الوحيد الذي حمل رقم 3 “
  • أحمد موسى: على حماسس التنحي عن السلطة في غزة.. والموقف العربي من القضية الفلسطينية ثابت
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • القارئ الطبيب صلاح الجمل لـ«الأسبوع»: أنا العربي الوحيد الذي سُمح له أن يسجل القرآن في الحرمين النبوي والمكي
  • حسين الرواشدة: القضية الفلسطينية قيد التصفية بمخططات الاحتلال وأمريكا.. والعرب حائط صد
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • حسين الرواشدة: القضية الفلسطينية قيد التصفية بمخططات الاحتلال وأمريكا.. والعرب يشكلون حائط صد
  • مباحثات «مصرية-أردنية» حول القمة العربية الطارئة والقضية الفلسطينية
  • نتنياهو يناور.. والقضية الفلسطينية على طاولة القمة العربية في القاهرة