طوفان الأقصى وخلافات صناع القرار الإسرائيلي
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
لا يختلفُ اثنانِ أنَّ عمليّة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 أحدثت صدمةً هائلة في أروقة صناعة القرار لدى الاحتلال الإسرائيلي، سواء السياسية منها أم الأمنية والعسكرية، وحتّى الإعلامية، وقد ظهرت مؤشّرات الخلاف والتخبّط في عدّة ملفات نحاول أن نشير إلى أبرزها في السطور التالية:
تعدّ المسؤوليّة عن الفشل الأمنيّ والاستخباريّ والعملياتيّ عاملَ خلافٍ أساسيًا بين رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقادة جيش الاحتلال، حيث يحاول كلّ طرف التهرّبَ من تحمّل المسؤولية وإلقاءَها على الطرف الآخر.
الخلافات الداخليّة في أوقات المعارك تضعف الرّوح المعنوية والاستعداد للقتال في الطرف الذي يصاب بها، وعندما يكون الخلاف بين القادة والعسكر، فإنّ ذلك يزيد فرصَ القرارات الخطأ في ساحة المعارك، والتردّد، ويطيل أمدَ المعركة، ويرفع تكلفتها، وهو ما تواجهه إسرائيل
ولا يزال نتنياهو يرفض تحمّل المسؤولية بالرغم من أنّ 80% من الإسرائيليين يحمّلونه إياها، وذلك وَفقًا لاستطلاع أجراه معهد لازار. كما طلبت الحركة الديمقراطية الإسرائيلية من المستشارة القضائية لدى الاحتلال فتح تحقيق حول إحراق مكتب نتنياهو وثائقَ بعد 7 أكتوبر؛ بهدف تقليص مسؤوليته عن الإخفاق.
وفيما لم يشرْ نتنياهو لأيّ تصريح يحمل معاني تحمّل المسؤولية عن الحدث، فقد أدلى مسؤولون آخرون، مثل: وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا بتصريحات أعلنوا فيها تحمّل المسؤولية، وصدرت تصريحات مشابهة من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي، وقائد القوات الجوية تومر بار، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وحتى تصريح نتنياهو مساء 25 أكتوبر- الذي جاء بعد تجنّبه للإعلام مدة 18 يومًا- أشار فيه إلى أنّه: "سيتعين على الجميع تقديم إجابات بشأن إخفاقات 7 أكتوبر، وأنا أيضًا"، وبهذا يتحدّث نتنياهو عن إجابات وتوضيحات، وليس عن تحمّل المسؤولية بصفته رئيسًا للحكومة، وهذا ما يأتي منسجمًا مع ما ذكرته صحيفة هآرتس من أن نتنياهو يقوم حاليًا بجمع أدلة ضد الجيش لتحميلهم المسؤوليّة وحدهم. وقد أشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو مخطئ في الاعتقاد أنّه قادر على التهرّب من المساءلة. وفي ذات السياق، ذكرت تقارير أنّ 3 وزراء على الأقل يفكّرون في تقديم استقالاتهم من الحكومة بسبب تهرّب نتنياهو من الإقرار بالفشل وتحمّل المسؤولية.
فضلًا عن المسؤولية- وفي ذِروة المعركة (في اليوم الرابع منها)- برزَ خلاف آخر على المستوى الإعلامي، حيث قام نتنياهو بتعيين متحدّث جديد للتنسيق بين المراسلين العسكريين، وهي المهمة التي كانت تُوكل في العادة لوزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش.
كما ألغى نتنياهو كلمة كان من المقرر أن يلقيها على جنود الاحتياط في قاعدة عسكرية بالقرب من غِلاف غزة، حيث قام بعضُ الضبّاط بشتمه ووصفه بالكاذب، متّهمين إياه بالمسؤولية عن مقتل رفاق لهم.
هناك خلافات أخرى حول التقييمات والخطط والقرارات، وقد أشارت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن هناك خلافات- تحديدًا بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت- تعرقل العمل المشترك. وخاصةً حول العملية البرية التي تمّ تأجيل إطلاقها أكثر من مرة؛ لتردّد نتنياهو في إعطاء القرار، وقد وردت تقارير بأن هناك ضغوطًا أمريكية لإعطاء فرص لتحرير مزيدٍ من الرهائن قبل بدء الحرب البرية.
كما أنّ هناك خلافًا حول الموقف من حزب الله، حيث أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنّ وزير الدفاع طالب نتنياهو بالموافقة على تنفيذ ضربة استباقية لحزب الله قبل البدء في عملية برية في غزة، لكن نتنياهو لم يعطِ الإذن بذلك أيضًا، ما حدا بأوساط مقرّبة من الجيش بوصفه بالجبن.
وقد قالت القناة 13 الإسرائيلية: إنّ نتنياهو غضب من تسريبات مجريات اجتماع مجلس الوزراء، وأنه طالب بإجراء اختبار كشف الكذب، مضيفةً: إن التسريبات التي أثارت غضب نتنياهو بشكل خاص، تناولت الخلاف بينه وبين غالانت بشأن ضربة استباقية في الشمال. وما زالت التسريبات من مجلس الوزراء ومجلس الحرب الإسرائيلي مستمرة، وتعرض نتنياهو لانتقادات متتالية.
هناك خلاف واضح أيضًا حول الأهداف، ففيما أعلنت الحكومة أنّ هدفها إنهاء وجود حماس، فإن الجيش غير مقتنع بأنّ هذا هدفٌ قابل للتحقق، وهناك خلاف حول كيفية السعي لتحقيقه، ويرى الجيش أنّ الحكومة لا تضع أهدافًا واضحة، وبدون هذا الوضوح لا يمكن تحقيق أي انتصار.
من زاوية أخرى أدّى إدخال وزراء جدد للحكومة، مثل: بيني غانتس وغادي ايزنكوت إلى مزيد من الارتباك والخلاف، فهؤلاء ما زالوا لا يملكون نفوذًا في عملية اتخاذ القرار، وقد تم منعهم من لقاء مسؤولين خارج المناقشات الوزارية.
خلافات أخرى
هناك خلافات أيضًا حول ملف الأسرى، ولا تزال عائلات هؤلاء تنتقد نتنياهو وتحمله المسؤولية عن حياة أقاربهم، وقد تلقّى انتقادات قاسية بسبب إفراج كتائب القسام عن رهينتَين أمريكيتَين قبل الإفراج عن أيّ رهائن إسرائيلية.
وقد تراجعت ثقة قطاع الأعمال في إدارة الحكومة الملفَّ الاقتصادي، وهناك عدّة عوامل لذلك، منها استياء لدى النازحين من سديروت ومناطق غلاف غزة بسبب الظروف المعيشية السيئة، وأداء الوزارات المختلفة، إضافة إلى الكلفة المادية العالية لاستدعاء أكثر من 360 ألف جندي احتياطي إلى الجيش.
وعلى مستوى أقلّ من الحكومة هناك تراجع كبير في شعبية حزب الليكود، ولذلك يتوقع خبراء السياسة الإسرائيلية أن يقوم الحزب بخلق مسافة بينه وبين نتنياهو، أو أن يكون هناك انفصال بين نتنياهو والحزب.
يوجد خلافات حول الإدارة المالية خلال الحرب، وقد وُجهت الكثير من الانتقادات لوزير المالية سموتريتش؛ بسبب عدم كفاءة الأدوات والتدابير الاقتصادية وقت الحرب، وتتهم الحكومة بالفشل في التعامل مع التداعيات الاقتصادية للحرب حتى اللحظة، وفي هذا السياق، كلما زاد أمد الحرب، زاد الضرر المباشر على الاحتلال الإسرائيلي.
هناك خلافات كثيرة داخل أروقة صناعة القرار لدى الاحتلال، تنبع من أزمة ثقة بين نتنياهو والقادة العسكريين والأمنيين. وفي الحقيقة هناك حالة تصدّع داخل المؤسسات الإسرائيلية تتراوح من الملفات الاستراتيجية إلى الملفات الخدماتية المحلية، واستمرار هذه الخلافات قد يخلق المزيد من التحديات أيضًا؛ لأنّها تعرقل تبنّي سياسة واضحة.
هناك جزء معروف من الخلافات بدأ قبل معركة "طوفان الأقصى"، وقد رأينا المظاهرات الكبيرة احتجاجًا على الإصلاحات القضائية التي رفضتها مجاميع من المؤسستَين: الأمنية والعسكرية، ثم هناك جزء منها مرتبط بعدم القدرة على التعامل بانضباط مع الصدمة التي حققتها عملية "طوفان الأقصى"، فضلًا عن الضغوط الخارجية التي تزيد من الخلافات بين صنّاع القرار داخل دولة الاحتلال.
إنّ الخلافات الداخلية في أوقات المعارك لها تأثيرات سلبية على الجبهة التي تشهدها، فهي تضعف الروح المعنوية، وتقلل من عملية الاستعداد للقتال، وعندما نتحدث عن خلاف بين الساسة والعسكر، فإنَّ احتمال أن نرى قرارات خطأ في ساحة المعارك تتزايد. كما أنّ الخلافات تزيد من التردد وتزيد من إطالة أمد المعركة، وهو ما يعني مزيدًا من التكلفة بأبعادها كافةً.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: تحم ل المسؤولیة طوفان الأقصى بین نتنیاهو هناک خلاف إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما أبرز الإنجازات والمكتسبات التي حققها طوفان الأقصى للقضية الفلسطينية؟
رغم تسبب حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة بأكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وهي إحصائية مرشحة للزيادة بشكل يومي، إلا أن طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حقق العديد الإنجازات التي ربما لم يتم تحقيقها عبر عقود سابقة من السياسات المختلفة.
وجذبت غزة خلال الشهور الـ15 الماضية حالة غير مسبوقة من التضامن الدولي مع فلسطين، وعملت على تسليط الضوء على مكاسب استراتيجية والفشل الأمني الإسرائيلي، وكشفت حقيقة محاولات تجميل وجه الاحتلال الذي استغل مختلف المجلات لـ"تبييض" جرائمه، إضافة إلى الإجازات التي تم تحقيقها من خلال الاعتراف بفلسطين دوليا وجهود المقاطعة الكبيرة.
محاولات "الغسيل"
يمارس الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة مختلف أنواع "الغسيل" من أجل تحسين صورته أمام العالم وتقديم "إسرائيل" سياسيا على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، واقتصاديا أنها "أمة الشركات الناشئة - Start-up Nation"، ورياضيا من خلال مشاريع مختلفة، وحتى أنها تحافظ على "حقوق الحيوان" وأنها تضمن أكبر عدد من "الجنود النباتيين" حول العالم.
ومصطلح "الغسيل" بشكل عام يتم استخدامه لوصف مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التسويقية والسياسية التي تهدف إلى ترويج المنتجات أو سياسات البلدان أو الأشخاص أو الكيانات من خلال إظهار مساندة بعض القيم والقضايا بهدف تسويق صورة تقدمية وحداثية متسامحة تعترف بحقوق الأقليات المضطهدة.
خلال الأولمبياد التي أقيمت في باريس في منتصف العام الماضي، ومن بين الرياضيين الإسرائيليين الثمانية والثمانين المشاركين، أيد ما لا يقل عن ثلاثين منهم علنا الحرب وجيش الاحتلال، وقد عمل بعضهم كدعاة ومتحدثين باسم الجيش، الأمر الذي أكد على مكانتهم كـ"رموز للقوة الصارمة التي تتمتع بها إسرائيل على الساحة العالمية".
ويذكر أن كل إسرائيلي يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والرياضيون المتميزون، رغم أنهم في بعض الأحيان قادرون على تأجيل الخدمة، إلا أنهم ليسوا معفيين منها، وفقا لتقرير نشرته مجلة "ذي نيشين" الأمريكية.
وأكد المقال أن وجود "إسرائيل" هو مثال رئيسي على "غسيل الرياضة"، وهو عندما تستخدم الكيانات السياسية الرياضة والمسابقات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية للتغطية على الجرائم، وهذا يساعد في إضفاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان، بل وحتى تمجيدها.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عمل الاحتلال على الإضرار بمحاولاته لـ"الغسيل الرياضي" بنفسه بعدما اعتدى مشجعون لفريق "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي لكرة القدم، على رمزية العلم الفلسطيني في قلب شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، وترديد هتافات مُعادية للعرب والمسلمين، وهو أثار موجة من الغضب والاستياء، ووثّّقته جُملة من المقاطع التي جابت مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
فضيحة إعلاميه كبيره لقناة Skynews
.
" قامت بنشر فيديو يصف بدقه ما حدث في امستردام
ويصف العنف الذي قام به مشجعوا فريق مكابي وعنصريتهم البشعه
.
" لكن ما حدث هو أن القناه قامت بعد فتره قصيره من نشر الفيديو بحذفه فورا
.
" ويبدوا أن الحقائق التي اظهرها هذا الفيديو غير ملائمه
للروايه… pic.twitter.com/TGdutpGwld — Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) November 10, 2024
وعقب مباراة جرت في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، جمعت بين فريقي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، و"أياكس أمستردام" الهولندي، انتهت بنتيجة 5-0 لصالح الأخير، حصلت توتّرات فجّرتها هتافات عنصرية ونابية صدرت عن مشجعي الفريق الإسرائيلي ضد فلسطين والعرب، بالإضافة إلى الاعتداء على العلم الفلسطيني وتمزيقه.
ولم تكن أحداث أمستردام سوى جزء صغير من فشل الغسيل الرياضي بعدما تسببت الحرب ضد قطاع غزة، باستشهاد أكثر من 715 شهيدا من الرياضيين، بينهم 95 طفلا، بالإضافة إلى تدمير 273 منشأة رياضية في القطاع، وهي أعداد ليست نهائية في ظل كثرة المفقودين، وقلّة مصادر المعلومات.
وعن فكرة "أمة الشركات الناشئة"، صدرت حركة المقاطعة ضمن متابعتها تحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف "إسرائيل"، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار".
ضمن متابعتها لتحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف إسرائيل، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، تصدر حركة المقاطعة (BDS) سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار". pic.twitter.com/L72tcy7Pfr — حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 4, 2024
وقالت الحركة إنه "إلى جانب التصاعد الحاد في هروب رأس المال وجفاف الاستثمارات الأجنبية في التكنولوجيا المتقدّمة الإسرائيلية، أرسل 130 من أبرز الاقتصاديين الإسرائيليين في أيار/ مايو 2024 إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "تحذيرًا واضحًا وحاسمًا من الاحتمال الكبير لسقوط الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي في دوامة الانهيار".
وتستخدم أيضا "إسرائيل" الغسيل النباتي أو الخضري لتحسين صورة جنودها وجيشها أمام العالم، باعتبار أنه الأكثر إنسانية، وفي عام 2018، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن جيش الاحتلال هو "أكثر جيش خضري في العالم"، وقامت بتسليط الضوء على خضرية جنود الاحتلال وحرصهم على احترام النبات والحيوان، لم تقم بالإشارة إلى الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطيني وأرضه.
“The IDF is also issuing leather-free combat boots and wool-free berets to soldiers who register as vegan, so they can march into battle knowing that no living creature has been harmed in their provisioning.”https://t.co/ZmW6hYctQq pic.twitter.com/vcfTsfdEyV — Jehad Abusalim جهاد أبو سليم (@JehadAbusalim) December 11, 2024
وخلال شهور الحرب انشرت العديد من الانتقادات الدولية لجرائم الاحتلال الموثقة من قبل كبرى منظمات حقوق الإنسان، ومن أبرزها منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن "إسرائيل" ترتكب جرمية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
حالة المقاطعة
ولعل من أبرز نتائج طوفان الأقصى هو خلق فكرة الوعي بالمقاطعة وتأثيرها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والجهات الداعمة له اقتصاديا، من خلال مقاطعة المنتجات والشركات وبعض الخدمات التي تدعم "إسرائيل" والإبادة الجماعية بشكل أو بآخر.
ونجحت المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لـ"إسرائيل" على نطاق واسع في الإضرار بهذه العلامات التجارية، ويظهر ذلك في التراجع الكبير لتلك العلامات التجارية خلال شهور الحرب، وهو ما أظهرته النتائج المالية المختلفة لها خلال السنة الماضية.
وانطلقت حملات شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقلت إلى أرض الواقع لمقاطعة المنتجات والشركات التي يُعتقد أنها تدعم "إسرائيل" في حربها ضد قطاع غزة.
ونجحت جهود المقاطعة مثلا في إغلاق العديد من المتاجر والمقاهي الأمريكية، مثلما حدث مع عشرات فروع شركة ستاربكس حول العالم وخاصة في ماليزيا، وإزالة اسم "كارفور" بشكل نهائي وتوقف عملها في الأردن بعد حملة مقاطعة واسعة.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أطلقت العديد من الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل النشطاء حملات واسعة تدعو لاستمرارية مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال، بعدما أصبحت المقاطعة وسيلة فعالة لدى العديد من للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وتحولت إلى جزء أساسي من أساليب محاربة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.
????????????????
4️⃣6️⃣8️⃣????
المقاطعة شعار دائم لن يتوقف بتوقف الحرب ..
إستمرار المقاطعة ..
واجب وأمر مفروغ منه …
إياكم العودة عن قرار المقاطعة …
حتى لا يلتقطوا أنفاسهم وتعويض خسائرهم … ومن ثم دعم العدو …
الآن العدو بحاجة لكل دولار فلا تبخلوا عليه بالمقاطعة ..
فاستمروا يحفظكم الله pic.twitter.com/qhYIzc5Shj — د.أيسر Ayser (@aysardm) January 16, 2025
وبهذا تجاوزت فكرة المقاطعة كونها مجرد رد فعل وموقف عاطفي مما يحدث يحدث في قطاع غزة، لتصبح لدى الكثير من المواطنين العرب فكرة مستمرة ترفض العودة لدعم الاحتلال بعد توقف الحرب على غزة.
الاعتراف بفلسطين
دفعت حرب الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة دول أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
ورغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في نيسان، أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة فإن الجمعية اعتمدت في 10 أيار/ مايو قرارا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
وجاءت خطوة إعادة وضع موضوع الدولة على الطاولة بعد أن رفعت عملية طوفان الأقصى شأن القضية التي كادت أن تذوب في ظل مسار التطبيع والتعاون الأمني بين الاحتلال والدول العربية ومع استمرار الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.
ويعد اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية مؤشرا على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لـ"إسرائيل"، وهو الذي تمثل أيضا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذي تشكل إثر 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأن عدد الدول التي ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع.
#تغطية | في بيان له صدر منذ قليل قال وزير خارجية الاحتـلال قال أنه وجه خطابا شديد اللهجة لسفراء دول #إسبانيا، و #أيرلندا، و #النرويج في إسرائيل بعد القرار الذي اتخذته حكوماتهم بمنح ميدالية ذهبية لإرهابيي حمــ ـاس الذين اختطفوا بناتنا وأحرقوا الأطفال الرضع.
قال كاتس" سيشاهد… pic.twitter.com/B5KW9fsTH5 — عربي21 (@Arabi21News) May 22, 2024
وكانت السويد الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بفلسطين عام 2014، فضلا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد، وهي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، في حين اعترفت آيسلندا والفاتيكان أيضا، وهما من خارج إطار الاتحاد.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته يعد مكسبا مهما لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
التضامن الدولي وتصدير القضية
بدءا بحراك الجامعات الواسع في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الولايات المتحدة الذي انطلق في نيسان/ أبريل 2024، حصلت حالة من التضخم الهائل في الضغوط العالمية تركت الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، وحالة دعم غير مسبوقة لحقوق الفلسطينيين.
وخلال شهور الحرب الأولى من عام 2024، واجهت "إسرائيل" قطيعة نادرة مع واشنطن، وعممت إدارة بايدن حينها، مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يحذر جيش الاحتلال من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث نزح أكثر من مليون فلسطيني".
ورغم أن هذا المشروع لم ينجح وربما لم يكن ضغطا حقيقيا، إلا أنه مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة، لكن نتنياهو بعدها لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية أمرا مفروغا منه، بحسب ما جاء في مقال لمدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز " في لندن مارك لاندلر.
وقال إنديك في ذلك المقال حينها: "هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، الذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيين في الحزب الديمقراطي، غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل".
وأضاف أنه بينما تتعرض "إسرائيل" لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة، وذلك في دول أوروبية عديدة على سبيل المثال.
ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة "إسرائيل"، هو ما حدث بعد ذلك في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، متمثلا بقرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب على غزة فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
وبعد ذلك في 20 أيار/ مايو 2024 طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها جيش الاحتلال بغزة.
وتحقق ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وهو ما فتح الباب حاليا إلى ملاحقة الجنود الإسرائيليين من محتلف دول العالم.
مكاسب استراتيجية
أظهرت عملية طوفان عزما وتصميما وتخطيطا وتنفيذا فاق كل التوقعات من جانب المقاومة الفلسطينية، وأنها كانت في حالة إعداد منذ مدة طويلة، وقد استطاعت الأخيرة تحقيق منجزات أثرت على الحكومة الإسرائيلية الحالية، وستؤثر كما يبدو على أي حكومة مقبلة مضطرة للتعامل مع تبعاتها ونتائج التحقيق في الفشل الأمني الواسع.
ورأى الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج أن عملية طوفان الأقصى عملت على "كسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجندي المدجج بالسلاح المتفوق على الآخرين.. ومباغتة كتائب القسام وتفوقها الملحوظ وإنجازاتها البادية ولا سيما العدد الكبير من القتلى والأسرى الإسرائيليين ومشاهد المواجهات المباشرة بين المقاومين والجنود قد أنتجت صورة من الصعب ترميمها بالنسبة لدولة الاحتلال في السنوات القليلة القادمة".
وأضاف الحاج في مقال له أن هذه الصورة المتضعضعة لقوات الاحتلال سيكون لها أثرها الكبير على معنويات كل من المقاومة الفلسطينية وجمهورها من جهة وجيش الاحتلال وجبهته الداخلية من جهة ثانية بشكلين متعاكسين بطبيعة الحال. فضلا عن أن كسر صورة "إسرائيل" كقوة عسكرية وأمنية كبيرة في المنطقة قد يكون له أثره السلبي على مسار تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإسلامية.
وفيما يتعلق بملف الأسرى، أكد الحاج أن المقاومة الفلسطينية عرضت مرارا عقد صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال عبر وسطاء دون أن تجد تجاوبا، والآن وفي يد المقاومة الفلسطينية عشرات الأسرى لم يعد ممكناُ لأي حكومة إسرائيلية تجنب عقد الصفقة وبما يرضي المقاومة الفلسطينية وتنازلات صعبة على الاحتلال، إذ إنه لن يكون بمقدورها تجنب الضغوط الداخلية عليها لاسترداد هذا العدد الكبير من الأسرى.
ويحدث هذا حاليا مع دخول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار حيز التنفيذ من المرحلة الأولى والإفراج عن ثلاث أسيرات إسرائيليات حتى الأن مقال 90 من الأسرى الفلسطينيين، وهو أول عملية تبادل من عمليات عديدة مرتقبة خلال مراحل الاتفاق المرتقبة.
وسلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.