حمور زيادة
تصاعد، في منتصف عام 2021، توتّر جديد في السودان بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حتى أصبحا يتحاشيان بعضهما، ويرفضان اللقاءات المشتركة. دعتهما قوى الحرية والتغيير إلى لقاء في منزل رئيس الوزراء وقتها عبد الله حمدوك. حضرا، واشتكى حميدتي ساعاتٍ مما اعتبرها مؤامرة من قائد الجيش للتحالف مع الحركة الإسلامية السودانية وبقايا نظام عمر البشير.
في اليوم التالي، وجّه قائد الجيش دعوة إلى قائد “الدعم السريع”، ويبدو أن صلحاً عجولاً قد جرى، وأقسم الاثنان على المصحف، ليتخلّصا من القوى المدنية المزعجة. وقام حميدتي بدوره كاملاً، فموَّل اعتصاماً مدنياً لمعارضين لـ”الحرية والتغيير” وأشرف عليه، لرسم مشهد احتجاجي مسيطر عليه.
وفي فجر 25 أكتوبر، استيقظت الخرطوم على خبر الانقلاب العسكري، واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وطاقمه الوزاري، والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة (وهم بنصّ الوثيقة الدستورية الحاكمة وقتها في مقام القائد الأعلى للقوات المسلحة)، وقادة في “الحرية والتغيير”.
جاء الانقلاب بعد شهر من التلاسُن بين العسكريين والمدنيين. كان سبب التلاسن الظاهري غضبة عسكرية من اتّهام مدني بتخطيط الجيش لانقلاب. حتى أسبوع من الانقلاب، كان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، يهاجم بقسوة القوى المدنية التي تزعم تخطيطه لانقلاب. ربما ليُثبت كذبهم، نفّذ انقلاباً عسكرياً. نفّذه متزامناً مع موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني داخل المجلس. وفي بيانه، أعلن قائد الجيش أن الانقلاب كان ضرورة لمواجهة انزلاق البلاد إلى حالة فوضى، لأن الخلاف السياسي أصبح يهدّد الأمن القومي للبلاد. ووعد بتكوين المؤسّسات التشريعية غير المكتملة خلال شهر، وأن الجيش سيُجري انتخاباتٍ تنهي المرحلة الانتقالية.
لم يظهر حميدتي في الأيام الاولى للانقلاب، إلا ببيانٍ مسجّلٍ على عجلٍ، دعم فيه “تصحيح مسار الثورة” بعبارات جافّة وأداء باهت. ثم ظهر، في مقابلة تلفزيونية مضحكة، ينفي اعتقال رئيس الوزراء، وزعم أنه هرب من منزله، واحتمى بمنزل قائد الجيش، خوفاً من زوجات الوزراء المعتقلين.
وبينما كانت المظاهرات الاحتجاجية تحتلّ شوارع الخرطوم، كان قادة من الجيش ومن “الدعم السريع” يزورون معتقلي “الحرية والتغيير”. زار الفريق ياسر العطا معتقلين، محاولاً إقناعهم بالوصول الى حل ينهي حالة الانقلاب، والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر. بينما تبرّأ عبد الرحيم دقلو (الرجل الثاني في “الدعم السريع”) أمامهم من قبول الانقلاب، وإنْ لم يتبرّأ من الانقلاب ذاته. من فعل كان حميدتي، عندما صرّح بأن الانقلاب فشل، وأن الوضع بعد الانقلاب أصبح أسوأ. شعر الرجل بالخديعة، عندما رأى الانقلاب الذي شارك فيه، وشاركت قواته في قمع معارضيه، قد فتح الباب واسعاً لعودة الحركة الإسلامية إلى السلطة.
اشتعلت شوارع الخرطوم منذ الساعات الأولى ليوم 25 أكتوبر. ووُجِه المحتجّون بالعنف المفرط، بلغ مداه في مذبحة أم درمان في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث سقط 15 شهيداً من المتظاهرين. وكان ردّ التحالف الانقلابي (الجيش وقوات الدعم السريع) وقتها تقديم مذكرة إلى مجلس الأمن فيها قائمة لما يُفترض أنه عنف المتظاهرين، كان من ضمنها سرقة حقيبة ملابس، وتحطيم كراسي الانتظار بأحد أقسام الشرطة، وإتلاف موتوسيكل نقل (توك توك).
سقط مئات في مواجهة عنف السلطة العسكرية الجديدة، رافعين شعار “العسكر للثكنات، والجنجويد (الدعم السريع) يُحلّ”. ولكن التحالف الانقلابي صمد في وجه الجماهير، بينما ظل يتآكل من الداخل. فبعد إقصاء “الحرية والتغيير” بالقوة، لم يعد أمام قائدي الجيش و”الدعم السريع” عدوّ إلا أنفسهما.
وصل الخلاف داخل التحالف العسكري، في 15 إبريل/ نيسان، مداه. وانطلقت القذائف، وحلقت الطائرات الحربية في سماء الخرطوم، وبدأ الدمار.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحریة والتغییر الدعم السریع رئیس الوزراء قائد الجیش
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تقصف قاعدة وادي سيدنا الجوية ومقر الكلية الحربية بأم درمان
الخرطوم - "الجزيرة"/ أفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الدعم السريع قصفت مساء أمس الجمعة بالمسيّرات قاعدة وادي سيدنا الجوية ومقر الكلية الحربية في أم درمان، وكان مصدر عسكري سوداني قال للجزيرة قبل ذلك بساعات إن قوات الدعم السريع قصفت بالمدفعية الثقيلة مقر القيادة العامة للجيش السوداني وسط الخرطوم انطلاقا من مناطقها بأم درمان مما أدى لتصاعد أعمدة الدخان داخل المقر.
وتأتي هذه الهجمات على مقار عسكرية في الخرطوم بعد نحو شهر من طرد الجيش مسلحي الدعم السريع من العاصمة.
وكانت شبكة أطباء السودان قالت أمس الجمعة إن 11 شخصا قتلوا وأصيب 22 في قصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع مخيمَ نازحين بمدينة عَطْبَرة بولية نهر النيل شمالي السودان.
كما قالت مصادر سودانية محلية للجزيرة إن طائرات مسيّرة هاجمت مواقع في مدينة عطبرة مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي.
وتواترت في الأشهر الماضية هجمات بالطائرات المسيّرة على مرافق خدمية في مدن خارج نطاق الصراع، على غرار عطبرة ومروي والقضارف وسنّار شمال وشرق السودان.
وتعرضت قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة لانتكاسات عسكرية كبيرة أبرزها هزيمتها في الخرطوم وقبل ذلك في ولاية الجزيرة، علما أنها تسيطر على معظم إقليم دارفور الشاسع .