جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@23:58:03 GMT

"وامعتصماه".. غزة تستغيث!

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

'وامعتصماه'.. غزة تستغيث!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

الأمم العريقة تستذكر عند اشتداد مصائبها، قادتها العظام الذين سطّروا بأحرف من النور سجلاً حافلاً يُستعان به، ويَمنح أجيالها قوة معنوية وطاقة جبارة تحطم الأعداء المتربصين بها، وما أحجونا اليوم أكثر من أي وقت مضى لـ"معتصم" جديد، يُعيد لنا أمجادنا، ويُثبِّت أقدامنا في الميادين لتحقيق النصر ويخلق فينا روح التضحية لمناصرة المظلوم ورفع الرايات إلى عنان السماء نحو المجد.

فقبل أكثر من ألف ومائة وخمسة وثمانين عامًا من الآن، أطلقت امرأة عربية مُسلمة استغاثة من مدينة عمورية التي تقع على تخوم الروم في ذلك الوقت، قائلة "وامعتصماه"، موجهةً نداءها شطر عاصمة الرشيد "بغداد" وخليفة المُسلمين المعتصم ابن هارون الرشيد، بعد أن اعتدى عليها الروم، وبالفعل ما كان من المعتصم إلّا أن قال "لبيك"، فأرسل جيوشه الجرارة لتحرير عمورية وطرد العلوج من تلك المدينة التي عاثوا فيها فسادًا.

لكن أين الأمة الإسلامية قاطبة اليوم من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني الذي يذبح كالنعاج على مرأى العالم الإسلامي؟ أين أسراب الطائرات وكتائب الدبابات والأسلحة الفتاكة التي تملكها هذه الدول العربية التي خصصت لها الأرقام الفلكية من أموال الشعوب؟ إنها في حقيقة الأمر وجدت لحماية الأنظمة وليس الدفاع عن شرف الأمة؛ إذ اكتفت تلك الحكومات بالمؤتمرات الشكلية، والبيانات المنددة بالعدوان فقط، بينما اقتصر دور الشعوب في أفضل الأحوال على التعبير عن سخطهم بالتظاهر أمام السفارات الغربية التي يتسابق زعماؤها للحج إلى تل أبيب لتقديم مزيد من الأسلحة الفتاكة والطائرات والدبابات والقنابل العنقودية لقتل الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة والضفة الغربية والقدس الشريف، وفي مقدمة هؤلاء الطغاة الذي شدوا الرحال إلى فلسطين، قادة أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، والذين يتباكون جميعًا ويتضامنون مع نتنياهو ويعزُّونه في هزيمته ونكسته غير المسبوقة، أمام كتائب الشهيد عز الدين القسام الذين لقنوا الصهاينة وجيش الاحتلال درسًا لا يُنسى؛ إذ يهرب من نجا من الجنود من ثكناتهم العسكرية المحصنة، إلى المناطق البعيدة عن استهداف المقاومة، بعد أن ذاقوا أكبر هزيمة في تاريخ الجيوش، والخوف ما يمكن أن يحصل من مفاجآت جديدة للمقاومة الإسلامية في أرض الرباط فلسطين  في قادم الأيام.

لقد كان قطاع غزة في عُهدة جمهورية مصر العربية وتحت إدارتها قبل احتلالها من إسرائيل في نكسة يونيو 1967 والتي انهزم فيها العرب، ومن ذلك الوقت، تمثل هذه المنطقة المكتظة بالسكان- التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا- كابوسًا قاتلًا لحكام إسرائيل عبر العقود الماضية، وذلك لقوة إيمان المقاومة الفلسطينية الباسلة بقضيتها ودفاعها المُستميت عن المسجد الأقصى وتراب فلسطين المبارك.

هنا أتذكر قول إسحاق رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق الذي قال «أتمنى أن أفيق من النوم فأرى غزة غارقة في البحر»، وهذا الشعور العدائي لسكان القطاع يحمله أيضًا نيتنياهو، وقبله أرئيل شارون؛ فالأخير هو الذي فكك المستعمرات وقرر الانسحاب أو في واقع الأمر الهروب من غزة 2005.     

من المفارقات العجيبة، والشيء الذي لا يمكن أن يصدقه العقل والمنطق أن تصبح الدول العربية المجاورة لفلسطين، في موقف المتفرج، فلا تسطيع أن تغيث أبناء غزة المحاصرين منذ عقود طويلة إلا بعد الموافقة الأمنية من جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأدوية والقليل من المواد التموينية. لقد تجاوز عدد الشهداء أكثر من سبعة آلاف بينهم ثلاثة آلاف طفل وأكثر من 1700 امرأة، وهذه حصيلة قابلة الزيادة، في ظل استمرار مجازر العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر الجاري.

من الموسف حقاً أن نسمع بين وقت وآخر أصوات ناشزة من بعض العرب يلومون حماس والجهاد الإسلامي على مقاومتهم البطولية للمحتلين الصهاينة الذين يعيثون في أرض فلسطين المباركة فسادًا وينكلون ويقتلون النساء والأطفال، بجانب استمرارهم في ارتكاب مجازر وإبادة جماعية ضد الأبرياء، بداية من عصابات "الهاجاناه" مرورًا بمجزرة قانا في لبنان وصولًا إلى مستشفى المعمداني في غزة. ووصل الأمر بالبعض أن يجاهر بالقول إنَّ على المقاومة أن تلتزم وتوقف جهادها ومقاومتها لكي لا ترد إسرائيل بالانتقام من المدنيين، وهذا الاعتقاد مردود عليه. فيجب أن يدرك الجميع أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُحرر الأرض المغتصبة، إلّا بالمقاومة والتضحيات، ولعلنا نتذكر كيف استطاع الشعب الجزائري الشقيق أن يطرد المستعمر الفرنسي بعد التضحية بأكثر من مليون شهيد وبعد ذلك نتذكر أيضًا مقاومة الشعب الفيتنامي الذي نجح في تحرير بلده بعد انتصاره على أكبر قوى عظمى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

أين نحن اليوم من الزعماء العظام الذين استخدموا سلاح النفط ومقاطعة الدول الغربية المساندة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، على الرغم من التهديد والوعيد الأمريكي ضد الدول العربية المنتجة للنفط التي اتخذت قرارًا جماعيًا بإيقاف تصدير النفط إلى أوروبا وأمريكا؛ إذ قال الملك فيصل- يرحمه الله- قولته المشهورة في هذا المجال "البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي".

هكذا كانت مواقف العرب سابقًا، فقد نجحت سياسة المقاطعة ليس فقط في ردع المستهلكين للنفط العربي من الدول الغربية؛ بل تضاعف سعر برميل النفط عدة أضعاف، مما ترتب على ذلك ازدهار وتنمية الدول الخليجية التي بنت المدارس والجامعات والطرق والمصانع من ريع النفط منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين وحتى الآن.

في الختام.. هناك حرب نفسية واسعة النطاق، تقودها الأبواق الإمبريالية الأمريكية والإعلام الصهيوني المتعاون مع الجيش الإسرائيلي، حالمين بإمكانية السيطرة الكاملة على قطاع غزة والقضاء على حماس ومحوها من الوجود، وذلك خلال الحرب البرية التي تستعد لها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، لكن في واقع الأمر سوف ينهزم الجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى مرحلة من الانهيار والانتظار الطويل، بينما كتائب القسام قد أعدت لهم العدة، والإنفاق التي ستجعل من تلك الجنود صيدًا سهلًا للمجاهدين الذين يفضلون الشهادة في سبيل الله، بينما يتشبث غيرهم بالحياة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشرع يتلقى دعوة من السيسي للمشاركة في القمة العربية الطارئة في القاهرة

أعلنت الرئاسة السورية، الأحد، تلقي الرئيس في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع دعوة رسمية من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي للمشاركة في الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية.

وهذه الدعوة تأتي بعد توجيه رئيس النظام المصري، الذي بدا عليه التحفظ إزاء التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، التهنئة إلى الشرع بتوليه مهام الرئاسة السورية نهاية شهر كانون الثاني /يناير الماضي.

تلقى رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع دعوة رسمية من رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة السيد عبد الفتاح السيسي للمشاركة في الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية ، والذي سيعقد في الرابع من آذار من عام 2025 في مدينة القاهرة.#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/jgzKMuCirn — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) February 23, 2025
ومن المقرر عقد القمة العربية الطارئة في العاصمة المصرية القاهرة في الرابع من آذار /مارس المقبل لبحث التطورات على الساحة الفلسطينية بما في ذلك دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير سكان قطاع غزة.

وكان من المقرر عقد القمة خلال الأيام القليلة الماضية لكن وزارة الخارجية المصرية أعلنت الثلاثاء الماضي إرجاء موعد انعقادها إلى الرابع من آذار/مارس المقبل، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى "استكمال التحضير الموضوعي".


وقالت الخارجية المصرية في بيان عبر منصة "فيسبوك"، "تستضيف جمهورية مصر العربية القمة العربية الطارئة حول تطورات القضية الفلسطينية يوم 4 مارس 2025 بالقاهرة، وذلك فى إطار استكمال التحضير الموضوعي واللوجستي للقمة".

وأضافت أن "الموعد الجديد تم تحديده بعد التنسيق مع مملكة البحرين رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة وبالتشاور مع الدول العربية".

يشار إلى أن الشرع استنكر في 10 شباط /فبراير الماضي خطة ترامب الرامية لتهجير أهالي قطاع غزة، مؤكدا أنها لن تنجح.


وذكر الشرع خلال بودكاست مع أليستر كامبل المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والوزير البريطاني المحافظ السابق روري ستيوارت، أن "أهل غزة تحملوا العذاب والقتل والدمار خلال سنة ونصف، ولم يقبلوا الخروج من أرضهم".

وأضاف أن "الدرس الفلسطيني خلال 80 سنة من الصراع هو التمسك بالأرض"، مؤكدا أن "إخراج الناس من أرضهم جريمة كبيرة لا يمكن أن تحدث، ولن تنجح".

وانتقد الشرع الرئيس الأمريكي، قائلا إنه "ليس من الأخلاق والسياسة أن يتصدر ترامب لإخراج الفلسطينيين من أرضهم.

مقالات مشابهة

  • الشرع يتلقى دعوة من السيسي للمشاركة في القمة العربية الطارئة في القاهرة
  • سوريا.. بدء توريد «النفط» من المناطق التي يسيطر عليها «الأكراد» نحو دمشق
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • ينبغي على الدول العربية أن توقف ترامب ونتنياهو عن مسارهما
  • اتعمل له غسيل مخ | محلل: على الدول العربية الحذر من ترامب
  • النفط في أفريقيا عبء اقتصادي وفرص للتغيير
  • انطلاق المؤتمر السابع لرؤساء البرلمانات العربية لدعم فلسطين
  • محمد إمام: "اتحادنا محدش يقف قدامه.. تحيا الوحدة العربية"
  • حماس للجامعة العربية: لا تمرروا أي مشاريع ضد الشعب الفلسطيني 
  • ردّ حماس على دعوات الجامعة العربية بالخروج من المشهد