ماذا وراء غموض موقف بايدن من فكرة تهجير سكان غزة لسيناء؟
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
واشنطن- تسيطر مصر على معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، مما يجعلها المدخل الوحيد غير الخاضع لسيطرة إسرائيل إلى غزة.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتفاقم الوضع الإنساني هناك، تتكرر النداءات في بعض الدوائر الأميركية بضرورة سماح الحكومة المصرية بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لشمال سيناء.
وتتجه عيون المراقبين في واشنطن إلى معبر رفح كونه المخرج الوحيد عن طريق البر، لكن القاهرة ترفض بقوة فكرة قبول تدفق اللاجئين، ولو بشكل مؤقت، لأنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى توطينهم بشكل دائم، كما حدث مع بعض الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في مناطق أخرى منذ عقود.
موقف أميركي غامض
وخلال زيارته للقاهرة في 15 أكتوبر/تشرين الأول، حاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طمأنة مصر بالقول إن الولايات المتحدة لا تدعم الترحيل الجماعي لسكان غزة إلى مصر، "نريد أيضا التأكد من أنهم بعيدون عن الأذى، وأنهم يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها"، وفق بلينكن.
وبعد 5 أيام من زيارة بلينكن، أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة، في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى النائب الجمهوري باتريك ماكهنري، الرئيس المؤقت آنذاك لمجلس النواب، باعتماد 106 مليارات دولار للتعامل مع "الآثار الإنسانية العالمية للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا وهجمات حماس المروعة على إسرائيل، بما في ذلك تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة"، وفق قوله.
وفي المذكرة، التي اطلعت عليها الجزيرة نت وجاءت في 69 صفحة، طالب بايدن بالمزيد من المساعدات لإسرائيل، كما اشتمل الطلب على "الدعم الإنساني لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في غزة ودعم اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والمناطق المحيطة بها".
وتضمنت المذكرة جزءا خاصا بعنوان "مساعدات الهجرة واللجوء"، طالب فيها بايدن بمبلغ إضافي قيمته 3.495 مليارات دولار، ليظل متاحا حتى يتم إنفاقه، لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
وأشارت المذكرة أن قيمة الطلب ستوضع في حساب إدارة مساعدة الهجرة واللاجئين (MRA) داخل وزارة الخارجية، وأنها "ستوفر التمويل أيضا للمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة في إسرائيل، وفي المناطق المتأثرة بالوضع في إسرائيل".
ومن شأن هذه الموارد أن "تدعم المدنيين النازحين والمتضررين من النزاع، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وأن تلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة".
وتركت هذه اللغة الغامضة الباب مفتوحا ليراها البعض كاستعداد أميركي لتوفير الموارد المالية التي تعكس خطط تهجير وتوطين سكان غزة خارج القطاع.
"البديل الآمن"ولم يقتصر الأمر على البيت الأبيض، فقد تصاعدت الضغوط من مجلسي الكونغرس لتوفر مصر بديلا آمنا لمئات الآلاف من سكان غزة في شمال سيناء.
وقاد النواب دان جولدمان (ديمقراطي من نيويورك) وبليك مور (جمهوري من يوتا) وروبرت أديرهولت (جمهوري من آلاباما) وبراد شنايدر (ديمقراطي من إلينوي) 103 مشرعين آخرين، بعثوا برسالة إلى معتز زهران، السفير المصري لدى الولايات المتحدة، يحثون فيها القاهرة على إنشاء مناطق آمنة للمدنيين في سيناء، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية عبر مصر.
وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمعروفة بدعمها الشديد وقربها من إسرائيل، إن "فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بداية جيدة، لكن الممر الإنساني، إذا تم إنشاؤه، ينبغي أن يمكّن أيضا من مغادرة المدنيين الفلسطينيين مؤقتا إلى الأراضي المصرية، وذلك لإنقاذ الأرواح وإعطاء إسرائيل الفرصة للقضاء على حماس".
واعتبر الخبير العسكري في نفس المؤسسة جو تروزمان، أن مصر "حافظت على علاقات وثيقة مع حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة، وكثيرا ما اضطلعت بدور الوسيط خلال فترات الاضطرابات بين غزة وإسرائيل".
ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن على شركاء مصر إقناعها بالسماح بتدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة لدخول البلاد، والذين قد يقيمون هناك في نهاية المطاف بدون تاريخ محدد للمغادرة".
تصورات إسرائيلية
وفي نفس السياق، عكس مقال رأي للمعلق الإسرائيلي تساحي ليفي مخاوف سيناريوهات مستقبلية؛ مما تتحوط منه الحكومة المصرية. وقال إن "الشد والجذب الدبلوماسي بين إسرائيل ومصر حول فتح معبر رفح سيسهم في تقرير مستقبل قطاع غزة والحرب برمتها. والسؤال هو: أي طرف سينجح في إجبار الطرف الآخر على تحمل المسؤولية عن سكان قطاع غزة؟".
وأضاف الكاتب أن إسرائيل تحتاج إلى التفكير بشكل إستراتيجي حول كيفية تشجيع سكان غزة على شق طريقهم إلى مصر. ويجب على إسرائيل الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر لصالح منحها مساعدات دولية ضخمة مقابل استيعاب كل أو بعض سكان غزة، على حد قوله.
وعرض ليفي خطة من عدة خطوات:
في المرحلة الأولى: تحتاج إسرائيل إلى زيادة الضغط على قطاع غزة حتى يتمكن مئات الآلاف من الجياع والعطشى في نهاية المطاف من اختراق معبر رفح.
في المرحلة الثانية: عندما تواجه مصر الحقيقة النهائية المتمثلة في تدفق اللاجئين على أراضيها، تدفع إسرائيل والولايات المتحدة المجتمع الدولي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وصندوق النقد الدولي لتدفق المساعدات الاقتصادية إلى مصر، لتمكينها من استيعاب بعض سكان غزة في مصر.
وأضاف ليفي أن "إفراغ السكان مع تطبيق السيادة الإسرائيلية يعني انتصارا ساحقا سيعيد الردع في جميع القطاعات، ويعزز اتفاقيات أبراهام، ويجلب السلام مع السعودية". وختم الكاتب المقال بالقول إنه "على إسرائيل أن تستعرض قوتها في هذه اللحظة التي ستغير الشرق الأوسط لأجيال قادمة".
وفي حديث للجزيرة نت، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ماك، إن "قلق المصريين وجيه للغاية. إنهم لا يريدون أن يستضيفوا مليونَي شخص، بينما يمضي الإسرائيليون في التطهير العرقي الذي بدؤوه بإقامة دولتهم المستقلة في عام 1948، واستمر في عام 1967".
في حين أكد السفير الأميركي السابق لدى مصر وإسرائيل دانيال كروتزر، أن هناك 3 عوامل يجب إدراكها لهؤلاء المطالبين ببديل سيناء أمام سكان غزة، وذلك على النحو التالي:
أولا، لا تزال مصر تواجه وضعا أمنيا خطيرا في شبه جزيرة سيناء من الجماعات الإرهابية المحلية. وقد تخشى مصر أيضا من أن يختلط نشطاء حركة حماس بين اللاجئين، ويدخلون مصر، ويشكلون تهديدا أمنيا إضافيا. ثانيا، يعارض العديد من الفلسطينيين فكرة مغادرة غزة، حتى لو تم الإعلان عنها كإجراء مؤقت. حيث يسكن غزة أكثر من مليون من أحفاد اللاجئين من الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948. ثالثا، حتى مع إغراءات المساعدات الخارجية، سيؤدي ذلك إلى استنزاف الموارد المصرية وخلق المزيد من الضغط على الاقتصاد المصري، كما لا تريد القاهرة أن ينظر إليها، من خلال استضافة لاجئي غزة، على أنها تدعم ضمنيا سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.وأكد السفير كروتزر أنه للأسباب السابقة "تحتاج الإدارة الأميركية إلى التخطيط الآن لتلبية احتياجات غزة الفورية، الأمر الذي قد يتطلب دعوة مبكرة لإسرائيل لوقف إطلاق نار إنساني، ولكن يجب عليها أيضا وضع خطة لليوم التالي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: معبر رفح قطاع غزة سکان غزة
إقرأ أيضاً:
جسر الحياة لغزة.. جهود مصرية مستمرة لدعم الفلسطينيين بالمساعدات والعلاج
منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تواصل مصر جهودها الإنسانية لدعم الفلسطينيين، مقدمةً مختلف أشكال المساعدات الطبية والصحية للمساهمة في تخفيف معاناتهم.
وتأتي هذه المساعدات ضمن الدور المصري الريادي في دعم الشعب الفلسطيني، من خلال إرسال القوافل الطبية والإغاثية، واستقبال المصابين للعلاج في المستشفيات المصرية، وتنسيق الجهود مع المنظمات الدولية لضمان استمرارية الدعم الإنساني.
ويواصل الجانب المصري يواصل استقبال المصابين والمرضى الفلسطينيين لتلقي العلاج، في ظل استمرار إغلاق الاحتلال للمعابر الفلسطينية للأسبوع الثاني على التوالي، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
تنسق مصر جهودها مع المنظمات الدولية والإغاثية لضمان استمرارية الدعم الإنساني لسكان غزة.
وقدمت العديد من الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المصرية مساهمات كبيرة في تجهيز قوافل المساعدات، تعبيرًا عن التضامن العميق مع الفلسطينيين.
ويُعد معبر رفح البري المنفذ الأساسي لمرور المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة، حيث يتم فتحه أمام تدفق المساعدات العاجلة ضمن الجهود المستمرة لدعم سكان القطاع.
وتعمل الشاحنات المصرية على نقل المواد الإغاثية من داخل الأراضي المصرية إلى المعبر، حيث يتم تفريغها داخل معبري كرم أبو سالم والعوجة على الجانب الفلسطيني، تحت إشراف الهلال الأحمر المصري، الذي يتولى تنظيم عملية الإغاثة بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية.
استقبال المصابين الفلسطينيين وعلاجهم في مصرإلى جانب المساعدات الإغاثية، تواصل مصر استقبال المصابين الفلسطينيين القادمين من غزة لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بتقديم الدعم والرعاية الطبية اللازمة لهم. وتُنفذ خطة علاج متكاملة تشمل ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: يشمل مستشفيات محافظة شمال سيناء، التي تم تعزيزها بعدد إضافي من الأطباء بمختلف التخصصات، إضافةً إلى توفير سيارات الإسعاف وكافة المستلزمات الطبية الضرورية.المستوى الثاني: يضم مستشفيات المحافظات المتاخمة لشمال سيناء، التي جُهزت لاستقبال الحالات التي تحتاج إلى رعاية طبية إضافية.المستوى الثالث: يتضمن مستشفيات القاهرة الكبرى، المجهزة لاستقبال الحالات الحرجة التي تحتاج إلى تدخلات طبية متقدمة ورعاية متخصصة.وتصطف سيارات الإسعاف في وضع جاهزية كاملة على جانبي معبر رفح، فيما تتأهب الفرق الطبية المخصصة لاستقبال المصابين لفحصهم وتحديد الحالات الطارئة التي تحتاج إلى تدخل فوري. ويعمل الأطباء وفق خطة تحويل دقيقة تهدف إلى توزيع المرضى على المستشفيات وفق احتياجاتهم العلاجية، لضمان تلقي كل حالة الرعاية المناسبة.
الدور المصري في دعم الشعب الفلسطينيتعكس هذه الجهود الدور الريادي لمصر في دعم القضية الفلسطينية، والتزامها بمساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة الأوضاع الإنسانية الصعبة. ويؤكد هذا الدعم العلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر وفلسطين، حيث كانت مصر دائمًا في مقدمة الدول الداعمة لغزة، سواء عبر المساعدات المباشرة أو من خلال جهود التهدئة والوساطة لتخفيف معاناة المدنيين.
وتواصل مصر تقديم كافة أشكال الدعم الإنساني، سواء من خلال إرسال القوافل الإغاثية أو استقبال المرضى والمصابين، في إطار التزامها التاريخي تجاه الفلسطينيين. وتستمر الجهود المصرية لضمان وصول أكبر قدر من المساعدات إلى سكان غزة، والمساهمة في إعادة إعمار القطاع، بما يعزز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الإنسانية المتزايدة.