واشنطن- تسيطر مصر على معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، مما يجعلها المدخل الوحيد غير الخاضع لسيطرة إسرائيل إلى غزة.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتفاقم الوضع الإنساني هناك، تتكرر النداءات في بعض الدوائر الأميركية بضرورة سماح الحكومة المصرية بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لشمال سيناء.

وتتجه عيون المراقبين في واشنطن إلى معبر رفح كونه المخرج الوحيد عن طريق البر، لكن القاهرة ترفض بقوة فكرة قبول تدفق اللاجئين، ولو بشكل مؤقت، لأنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى توطينهم بشكل دائم، كما حدث مع بعض الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في مناطق أخرى منذ عقود.


موقف أميركي غامض

وخلال زيارته للقاهرة في 15 أكتوبر/تشرين الأول، حاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طمأنة مصر بالقول إن الولايات المتحدة لا تدعم الترحيل الجماعي لسكان غزة إلى مصر، "نريد أيضا التأكد من أنهم بعيدون عن الأذى، وأنهم يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها"، وفق بلينكن.

وبعد 5 أيام من زيارة بلينكن، أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة، في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى النائب الجمهوري باتريك ماكهنري، الرئيس المؤقت آنذاك لمجلس النواب، باعتماد 106 مليارات دولار للتعامل مع "الآثار الإنسانية العالمية للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا وهجمات حماس المروعة على إسرائيل، بما في ذلك تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة"، وفق قوله.

وفي المذكرة، التي اطلعت عليها الجزيرة نت وجاءت في 69 صفحة، طالب بايدن بالمزيد من المساعدات لإسرائيل، كما اشتمل الطلب على "الدعم الإنساني لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في غزة ودعم اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والمناطق المحيطة بها".

وتضمنت المذكرة جزءا خاصا بعنوان "مساعدات الهجرة واللجوء"، طالب فيها بايدن بمبلغ إضافي قيمته 3.495 مليارات دولار، ليظل متاحا حتى يتم إنفاقه، لتلبية الاحتياجات الإنسانية.

وأشارت المذكرة أن قيمة الطلب ستوضع في حساب إدارة مساعدة الهجرة واللاجئين (MRA) داخل وزارة الخارجية، وأنها "ستوفر التمويل أيضا للمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة في إسرائيل، وفي المناطق المتأثرة بالوضع في إسرائيل".

ومن شأن هذه الموارد أن "تدعم المدنيين النازحين والمتضررين من النزاع، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وأن تلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة".

وتركت هذه اللغة الغامضة الباب مفتوحا ليراها البعض كاستعداد أميركي لتوفير الموارد المالية التي تعكس خطط تهجير وتوطين سكان غزة خارج القطاع.

"البديل الآمن"

ولم يقتصر الأمر على البيت الأبيض، فقد تصاعدت الضغوط من مجلسي الكونغرس لتوفر مصر بديلا آمنا لمئات الآلاف من سكان غزة في شمال سيناء.

وقاد النواب دان جولدمان (ديمقراطي من نيويورك) وبليك مور (جمهوري من يوتا) وروبرت أديرهولت (جمهوري من آلاباما) وبراد شنايدر (ديمقراطي من إلينوي) 103 مشرعين آخرين، بعثوا برسالة إلى معتز زهران، السفير المصري لدى الولايات المتحدة، يحثون فيها القاهرة على إنشاء مناطق آمنة للمدنيين في سيناء، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية عبر مصر.

وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمعروفة بدعمها الشديد وقربها من إسرائيل، إن "فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بداية جيدة، لكن الممر الإنساني، إذا تم إنشاؤه، ينبغي أن يمكّن أيضا من مغادرة المدنيين الفلسطينيين مؤقتا إلى الأراضي المصرية، وذلك لإنقاذ الأرواح وإعطاء إسرائيل الفرصة للقضاء على حماس".

واعتبر الخبير العسكري في نفس المؤسسة جو تروزمان، أن مصر "حافظت على علاقات وثيقة مع حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة، وكثيرا ما اضطلعت بدور الوسيط خلال فترات الاضطرابات بين غزة وإسرائيل".

ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن على شركاء مصر إقناعها بالسماح بتدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة لدخول البلاد، والذين قد يقيمون هناك في نهاية المطاف بدون تاريخ محدد للمغادرة".


تصورات إسرائيلية

وفي نفس السياق، عكس مقال رأي للمعلق الإسرائيلي تساحي ليفي مخاوف سيناريوهات مستقبلية؛ مما تتحوط منه الحكومة المصرية. وقال إن "الشد والجذب الدبلوماسي بين إسرائيل ومصر حول فتح معبر رفح سيسهم في تقرير مستقبل قطاع غزة والحرب برمتها. والسؤال هو: أي طرف سينجح في إجبار الطرف الآخر على تحمل المسؤولية عن سكان قطاع غزة؟".

وأضاف الكاتب أن إسرائيل تحتاج إلى التفكير بشكل إستراتيجي حول كيفية تشجيع سكان غزة على شق طريقهم إلى مصر. ويجب على إسرائيل الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر لصالح منحها مساعدات دولية ضخمة مقابل استيعاب كل أو بعض سكان غزة، على حد قوله.

وعرض ليفي خطة من عدة خطوات:

في المرحلة الأولى: تحتاج إسرائيل إلى زيادة الضغط على قطاع غزة حتى يتمكن مئات الآلاف من الجياع والعطشى في نهاية المطاف من اختراق معبر رفح.

في المرحلة الثانية: عندما تواجه مصر الحقيقة النهائية المتمثلة في تدفق اللاجئين على أراضيها، تدفع إسرائيل والولايات المتحدة المجتمع الدولي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وصندوق النقد الدولي لتدفق المساعدات الاقتصادية إلى مصر، لتمكينها من استيعاب بعض سكان غزة في مصر.

وأضاف ليفي أن "إفراغ السكان مع تطبيق السيادة الإسرائيلية يعني انتصارا ساحقا سيعيد الردع في جميع القطاعات، ويعزز اتفاقيات أبراهام، ويجلب السلام مع السعودية". وختم الكاتب المقال بالقول إنه "على إسرائيل أن تستعرض قوتها في هذه اللحظة التي ستغير الشرق الأوسط لأجيال قادمة".

وفي حديث للجزيرة نت، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ماك، إن "قلق المصريين وجيه للغاية. إنهم لا يريدون أن يستضيفوا مليونَي شخص، بينما يمضي الإسرائيليون في التطهير العرقي الذي بدؤوه بإقامة دولتهم المستقلة في عام 1948، واستمر في عام 1967".

في حين أكد السفير الأميركي السابق لدى مصر وإسرائيل دانيال كروتزر، أن هناك 3 عوامل يجب إدراكها لهؤلاء المطالبين ببديل سيناء أمام سكان غزة، وذلك على النحو التالي:

أولا، لا تزال مصر تواجه وضعا أمنيا خطيرا في شبه جزيرة سيناء من الجماعات الإرهابية المحلية. وقد تخشى مصر أيضا من أن يختلط نشطاء حركة حماس بين اللاجئين، ويدخلون مصر، ويشكلون تهديدا أمنيا إضافيا. ثانيا، يعارض العديد من الفلسطينيين فكرة مغادرة غزة، حتى لو تم الإعلان عنها كإجراء مؤقت. حيث يسكن غزة أكثر من مليون من أحفاد اللاجئين من الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948. ثالثا، حتى مع إغراءات المساعدات الخارجية، سيؤدي ذلك إلى استنزاف الموارد المصرية وخلق المزيد من الضغط على الاقتصاد المصري، كما لا تريد القاهرة أن ينظر إليها، من خلال استضافة لاجئي غزة، على أنها تدعم ضمنيا سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

وأكد السفير كروتزر أنه للأسباب السابقة "تحتاج الإدارة الأميركية إلى التخطيط الآن لتلبية احتياجات غزة الفورية، الأمر الذي قد يتطلب دعوة مبكرة لإسرائيل لوقف إطلاق نار إنساني، ولكن يجب عليها أيضا وضع خطة لليوم التالي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: معبر رفح قطاع غزة سکان غزة

إقرأ أيضاً:

تسريب مقترح أمريكي لـ«توطين» سكان غزة في دول إفريقية.. ماذا يتضمّن؟

قدم مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، خلال مفاوضات الدوحة مقترحا “بتمديد وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن عدد من المحتجزين الأحياء في غزة وبعض الجثث”.

ويبدو المقترح الأمريكي نسخة منقحة عما قدمه سابقاً، ويظهر الاختلاف الجوهري في هذا المقترح أن يكمن في “تقليل عدد الأسرى الذين ستفرج عنهم “حماس” خلال الفترة الزمنية نفسها التي كان نص عليها المقترح السابق”.

وكان المقترح السابق ينص على “إطلاق سراح 10 أسرى في يوم واحد”، ويبدو أن النسخة الجديدة أشارت إلى “إطلاق 5 محتجزين أحياء خلال 10 أيام أو أكثر، فضلا عن بعض الجثث”.

كما منح مقترح ويتكوف، الولايات المتحدة “مزيدا من الوقت للتفاوض على هدنة متماسكة وطويلة الأمد، حيث نص على استمرار الهدنة لمدة 50 يوما، بدءا من الأول من مارس بحيث تنتهي في 20 أبريل المقبل”.

فيما كشف مصدران مطلعان أنه “في حال التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، “سيطلب من “حماس” تسليم جميع الأسرى المتبقين، الأحياء منهم والأموات، في اليوم الأخير من تمديد الهدنة المؤقتة، قبل أن يدخل وقف إطلاق النار الملموس حيز التنفيذ”، حسب ما نقل أكسيوس

يأتي ذلك، فيما يرتقب أن يجتمع نتنياهو، مساء غد السبت، مع كبار مساعديه وقادة الأمن لإجراء تقييم للوضع حول آخر تطورات المحادثات المستمرة في الدوحة بين وفد من “حماس” وإسرائيل والوسطاء.

وكانت المرحلة الأولى من اتفاق هدنة غزة، التي استمرت 42 يوماً، بدأت من 19 يناير، انتهت في أوائل مارس الحالي من دون التوصل إلى اتفاق على المراحل اللاحقة التي تهدف إلى ضمان نهاية دائمة للحرب الدامية التي تفجرت في 7 أكتوبر 2023.

يذكر أن “حماس” لا تزال تحتجز 59 أسيراً في غزة، وسط ترجيح المخابرات الإسرائيلية ببقاء 22 فقط على قيد الحياة، حالة اثنين منهم غير معروفة.

وعلى الرغم من تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن خطته بشأن قطاع غزة، وتهجير سكانه إلى دول أخرى، إلا أن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين كشفوا العكس.

فقد أوضح عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين “أن الولايات المتحدة وإسرائيل تواصلتا مع مسؤولين في ثلاث دول بشرق إفريقيا من أجل مناقشة استخدام أراضيها لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة”.

كما كشفوا أن “الدول الثلاث هي السودان والصومال ومنطقة الصومال الانفصالية المعروفة باسم أرض الصومال”، وفق ما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” اليوم الجمعة.

في المقابل، أكد مسؤولون سودانيون أنهم “رفضوا هذه المبادرة، بينما نفى مسؤولون من الصومال وأرض الصومال علمهم بأي اتصالات من هذا القبيل”.

في حين شدد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، يوم الأحد الماضي أمام الكنيست على “أن العمل جار من أجل تنفيذ خطة ترامب للاستيلاء على غزة وترحيل أهلها، مع إجراء عملية توسيع ضخمة للاستيطان في الضفة الغربية أيضا”.

فيما قدمت مصر خلال قمة الجامعة العربية غير العادية التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي “خطة بديلة، تقضي بإعادة إعمار القطاع مع الإبقاء على قاطنيه”.

وكان ترامب، أشعل موجة جدل واسعة وانتقادات دولية وعربية حين كشف الشهر الماضي، “عن خطة لتهجير سكان القطاع الفلسطيني الساحلي، والاستيلاء عليه من قبل الولايات المتحدة، وتحويله إلى منتجعات سياحية وفنادق ومطاعم وأبنية جديدة، بما يجعله “ريفيرا الشرق الأوسط””.

مقتل شخصين برصاص الجيش الإسرائيلي بعد محاولة تسلل من الأردن

وفي سياق آخر، أطلق الجيش الإسرائيلي، النار على 8 أشخاص تسللوا من الأردن إلى منطقة بيسان، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وجرى اعتقال الآخرين.

وذكر الجيش الإسرائيلي في بيان أن مواقع “الاستطلاع رصدت عددا من المشتبه بهم بعد اجتيازهم الحدود مع الأردن في منطقة هعماكيم، وفي أعقاب ذلك، وصلت قوات من الجيش إلى المكان واعتقلتهم”.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن “8 أشخاص تسللوا من الأردن إلى منطقة بيسان، وأطلق جنود النار عليهم، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وجرى اعتقال الآخرين”.

وبحسب القناة فإن “القتيلين قفزا على الجنود من منطقة حرشية، وقد شكلا خطرا على حياتهم”.

وأوردت القناة 14 الإسرائيلية أن “الجيش الإسرائيلي أكد إطلاق النار على عدد من المتسللين، واعتقالهم بعد عبورهم الحدود من الأردن”.

وأشارت القناة إلى أن “التحقيقات الأولية توصلت إلى أن المتسللين هم على الأرجح عمال مهاجرون، وليسوا عناصر مسلحة، مبينة أن 4 إثيوبيين و4 سريلانكيين بينهم أطفال، هم من تسللوا إلى الأراضي الإسرائيلية من الأردن”.

مقالات مشابهة

  • صيام دون إفطار.. الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم مع منع دخول المساعدات منذ بداية رمضان
  • “السودان والصومال” ترامب لم يتراجع.. الولايات المتحدة تقترح تهجير سكان غزة إلى أفريقيا
  • مجموعة السبع: استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة دون معوقات
  • "دون معوقات".. مجموعة السبع تدعو لاستئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • جوتيريش: خفض المساعدات الإنسانية من قبل أمريكا ودول أوروبية جريمة
  • مجموعة السبع تدعو لاستئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • الصومال يردّ على مقترح استقبال الفلسطينيين: نرفض أيّ خطّة تهجير للسكّان
  • غوتيريش: قطع أمريكا ودول أوروبية المساعدات الإنسانية "جريمة"
  • تسريب مقترح أمريكي لـ«توطين» سكان غزة في دول إفريقية.. ماذا يتضمّن؟
  • باكستان تطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب ضد الفلسطينيين