صديق الزيلعي نظم الاسلامويين حملة ضخمة ومضللة حول ضرورة دعم الجيش لأنه عماد الدولة وبهزيمته تنهار الدولة. وتم تسمية الحرب المدمرة الحالية بحرب الكرامة. هذه الحملة الكاذبة هي تعبير حقيقي عن تفكير الاسلامويين واستعدادهم للتضليل والكذب الصريح من أجل مصالحهم. كذلك هي الوجه الاخر والمكمل لاستغلالهم الدين للوصول للسلطة، ووصف منافسيهم السياسيين بأعداء الدين.

اليوم سأعرض بعض مواقف الاسلامويين من الجيش وكيف انهم عادوا الجيش وحاربوه عندما كانوا في المعارضة وعندما سيطروا على الجيش جعلوه مثل عجل السامري. الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة تتأثر وتؤثر على السلطة الحاكمة، وليس سلطة فوق المجتمع ومؤسساته. واجبه الأساسي هو حماية البلاد من الأخطار الخارجية وعليه الامتثال لسلطة الحكومة المدنية. الأمثلة التالية تظهر بعض تناقضات الاسلامويين:
شارك الرشيد الطاهر بكر عندما كان ضمن تنظيم الإسلامويين في انقلاب عسكري عام ١٩٥٩ ضد نظام عبود مما يعني محاولة إسقاط حكومة الجيش. خلال سنوات الحكم العسكري الأول شارك الاسلامويين في انشطة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم المعادية للحكومة. كان اتحاد الجامعة يدار عن طريق التمثيل النسبي حيث تمثل كل المعسكرات السياسية الطلابية في المجلس الاربعيني واللجنة التنفيذية حسب ما نالته من أصوات في الانتخابات مما يعني ان الاتحاد يمثل كل تيارات الطلاب السياسية. لم نسمع او نقرأ ان الاسلامويين داخل الاتحاد رفضوا مواقف الاتحاد المعادية للحكومة العسكرية، بل في ندوة أكتوبر الشهيرة لم يدافعون عن الجيش وافعاله في الجنوب. الأدهى وأمر انهم ملاوا الدنيا صراخا ، بعد سقوط الدكتاتورية، انهم من أشعل ثورة أكتوبر.
اندلعت المواجهات العسكرية في الجزيرة ابا في مارس ١٩٧٠ وكان الاسلامويين حلفاء لحزب الأمة وقتل في تلك المعارك محمد صالح عمر أحد قادة الاسلامويين وهو استاذ الجامعة الذي ترك قاعات الدرس لمحاربة الجيش السوداني مع الأنصار حينذاك قالوا في سلطة الجيش ما لم يقله مالك في الخمر.
في مظاهرات شعبان ١٩٧٣ شارك الاسلامويين في المظاهرات الطلابية التي سملت كل القطر وكان موجهة ضد نظام الجيش المسمى بمايو.
تدرب الاسلامويين مع قوات الأنصار والاتحاديين في ليبيا ثم غزو السودان معهم في ٢ يوليو ١٩٧٦ ودخلوا مع الجيش السوداني في معارك دامية. ومن عجائب تلك الفترة ان الإعلام الرسمي كان يصرخ صباح مساء بتسمية الغزاة مرتزقة وكان أحد ادلتهم ان هناك ضباط ليبين يحاربون معهم في إشارة الي الاسلاموي غازي صلاح الدين المكلف بحراسة كبانية الخرطوم بسبب بياض بشرته. عقد الصادق المهدي مصالحة مع نميري تم بموجبه رجوع المعارضين من الخارج لداخل البلاد. لم يستمر الصادق طويلا فقد كان يشترط تنفيذ بنود الاتفاق كاملة وعندما لم تنفذ خرج من السلطة لرفضه الانصهار التام في النظام المايوي. اما الترابي وبعقلية الاسلامويين الانتهازية فقد اهتبل الفرصة واحتضن نميري وصار يدعم نظامه. وبدأ مشروعهم لأسلمة الجيش والسيطرة على النظام من الداخل. واقنعوا قادة الجيش بتجنيد طلاب جامعيين لإلحاقهم بالأسلحة الفنية. قاموا بإدخال العشرات بهذا الأسلوب ومن ضمنهم الطيب سيخة ومطرف صديق. ناموا كورسات دينية للضباط الجيش عن طريق المركز الاسلامي الافريقي وتم تجنيد عددا منهم خلال تلك الكورسات. كما قدموا سلفيات سخية من بنك فيصل للضباط الجيش الأمر الذي أغرى المزيد من الضباط لابتلاع الطعم المالي. وهكذا توسع وجودهم داخل الجيش وقويت شوكتهم. اكتشف نميري قبل أيام من اندلاع انتفاضة ١٩٨٥ ما يقومون به فقام بطردهم من السلطة واعتقالهم. عندما تحركت الجماهير في الانتفاضة طلب الضباط من القائد العام سوار الدهب الانحياز للانتفاضة رفض سوار الدهب بحجة انه ادي القسم لقائده نميري فقام صغار الضباط بالتهديد بانهم سيتحركون دعما للجماهير ففعل ذلك مرغما. أذكر جيدا اننا في سجن كوبر سمعنا التهليل والتكبير من العنبر الذي كان به الاسلامويين عند سماعهم ان سوار الدهب سيذيع بيانا هاما. بعد نجاح الثورة أصر على الاستمرار في قيادة المجلس العسكري الذي فرض نفسه حكومة ولم يستقيل. بل كدأب الاسلامويين في الانتهازية استغل منصبه لدعم خط الاسلامويين المعادي لقوى الانتفاضة مما ساعدهم علي نيل مكاسب كبيرة في انتخابات 1986 بعد تفصيل قانون الانتخابات على مقاسهم، الأمر الذي أدى لفوزهم بعدد من الدوائر، ويا للدهشة دائرة في جنوب السودان في انتخابات ١٩٨٦.
* كان المجلس العسكري الذي فرض نفسه حكومة بعد الانتفاضة هو أول نجاح لخطة الاسلامويين في السيطرة على الجيش واستغلاله في الصراع السياسي وهكذا كانت قيادة الجيش هي مخلب القط الذي ساهم في تخريب الانتفاضة ودعم الاسلامويين. ومنذ ذلك الوقت انقلب خطاب الاسلامويين الذي عادوا الجيش لعقود من الزمن الي الدعوة التي تجعل الجيش فوق كافة مؤسسات الدولة والحاكم الفعلي لبلادنا.  استمر خط الاسلامويين في التقرب من الجيش وامطاره بالثناء والظهور بمظهر القوى الوحيدة الحادبة عليه خلال الديمقراطية الثالثة. ونذكر جيدا حديث على عثمان محمد طه في الجمعية التأسيسية عن إهمال الحكومة للجيش وسفره الي جوبا لمخاطبة الحاميات العسكرية في الجنوب. وقيام نساء الجبهة الاسلاموية بتنظيم حملة قنطار ذهب لصالح الجيش
* ظهرت اول أكاذيب الاسلامويين عندما قالوا للضباط ان انقلابهم هو انقلاب قيادة الجيش كتنفيذ للمذاكرة الشهيرة التي قدمتها قيادة الجيش الي الحكومة في ١٩٨٩. ساعدت كل تلك الجهود في سرقة السلطة في ١٩٨٩ ومنذ ذلك الحين ظهرت حقيقة دعمهم للجيش الذي صفوه من الالاف من خيرة ضباطه. وهو موقف يكشف تماما زيف حديثهم المتكرر حول دعم الجيش وانه عماد الدولة ويجب الحفاظ عليه بينما هم يطردون خيرة ضباطه ويفقدونه تلك الخبرات النادرة.
ذكرت أعلاه بعض مواقفها تجاه الجيش والان أعرض بعض تناقضاتهم التي تفضح عدم مبدئية تنظيمهم وقد لخص الترابي رايهم في كتابه عن الحركة الاسلامية بان الجيش بعيد عن الاسلام. قاتلوه عندما كانوا في المعارضة ثم استخدموا كل الاحابيل لإيقاعه في شراكهم المفخخة. وعندما تمت سرقة السلطة دمروا الجيش المعروف لنا. ثم صمتوا عن دعم الجيش عندما صار الحاكم الفرد البشير يتحكم فيه ويفعل به ما يريد كأنه من املاكي الخاصة في ظل صمت مريب من الذين ملاوا الأرض صراخا عن دعم الجيش وتقويته. عندما أنشأ الطاغية البشير قوات الدعم السريع للقتال ضد حركات دارفور ولحمايته شخصيا مما يعني تشييد جيش موازي وهو امر يناقض كل قوانين الجيوش في كل العالم لم يحرك من يتباكون الان ساكنا وران صمت القبور عليهم. صار الاسلامويين أصحاب الأصوات العالية خرسا عندما قال حميدتي قولته الشهيرة الجيش قاعد في الباردة ونحن فازين في الحرابة وسخر قائلا تتكلم عندما تعمل لك جيش، ثم تفاخر بموقفه من الصادق المهدي: نقول أقبضوا الصادق يقبضوه ونقول فكوا الصادق يفكوه. هناك مئات الصور لضابط كبار يقفون كالتلاميذ أمام حميدتي بعد أداء التحية العسكرية بكامل الاحترام ولم نسمع شخشخة. هل سمع احدكم مقالات او تصريحات او بيانات عندما صار ضباط وجنود جيشنا يتسابقون لإرسالهم كمرتزقة الي اليمن. كم عدد المرات التي أهان جنود الدعم السريع كبار الضباط بالجلد أمام الجماهير واسمعوهم إهانات لفظية مريرة. صار جنود وضباط الدعم السريع يتلقون مرتبات اكثر من زملائه في الجيش رغم إمكانيات الجيش الهائلة والتي لخصها حمدوك في انها ٨٠ في المائة من اقتصاد بلادنا المنكوبة وتبخرت الدعوات لدعم الجيش. وجنوده يعانون المسغبة. واصل البرهان نفس منهج البشير في تقوية الدعم السريع على حساب الجيش وصمتت الصحافة الصفراء التي انتقدت اي فعل قام به حمدوك.
اختم واقول ان التباكي الحالي ووصف حربهم العبثية بمعركة الكرامة بل ومطالبة أبناء شعبنا بالاستنفار لدعم الجيش هو دموع التماسيح بعد فشل مغامرتهم في سرقة السلطة مرة اخري. الدعم الحقيقي الذي ندعو له هو إنهاء هذه الحرب وانشاء جيش قومي موحد وابعاد عناصر التمكين الاسلاموي عنه وتصفية كل الجيوش الأخرى. الوسومصديق الزيلعي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صديق الزيلعي الدعم السریع دعم الجیش

إقرأ أيضاً:

الكومبرادورية الإستشراقية وإنحراف الثورة

قالت روزا لوكسمبورغ أن ” إنحراف الثورة عن مسارها، يعتبر أشد خطراً عليها من توقفها.”
ولا شك أن الثورة السودانية بدات مسيرة انحرافها منذ منتصف ٢٠١٩. وكان هذا الإنحراف بائنا لبعض من كان خارج دوائر السلطة حينها ولكنه لم يكن بائنا للجميع وهذا مفهوم.
ولكن تفاقم الإنحراف في نهاية ٢٠١٩ وبدايات ٢٠٢٠ بصورة يصعب إخفائها. ولا بد أن من كان في السلطة أو مقربا من دوائرها رأي من علامات الإنحراف أضعاف ما رأي غيرهم من الخارج ولكن معظمهم فضل الصمت والتظاهر بان الأمور عال العال ووجدوا ما يكفي من الأعذار تحت شعار أغلطو إنتو يا حبان نحاول نلقي ليكم عذر.

وكان الخطاب السياسي السائد ما وصفه محمد طه القدال بانه ” الكلام المبهرج وخاوى…الكلام المزيف ولا فيه غير إحتلام وانفصام.. يوم تقوم القصائد مقام الطبول والبخور…عليها المصائب تمام التمام… القصائد بتنزل مُريدة وتسبح بحمد الذى ابتلاك وهدانى الودار.”
يتضح الآن الثمن الباهظ للصمت عن الإنحراف حينما كان من الممكن إصلاحه واحتوائه قبل أن يستفحل ويضعنا في حافة الهاوية.

إختلفت دوافع الصمت عن الإنحراف. أعتقد البعد أن نقد الممارسة السياسية للمجموعة الحاكمة يساعد الكيزان لذلك سكتوا. جل هؤلاء وطنيون شرفاء أخطأوا في التقدير وهذا عادي فكلنا بشر نخطئ ونصيب ولكن عليهم تعلم الدرس بان واجب الشعب هو مراقبة السلطة بصورة دائمة وان لا يكتبوا شيكا علي بياض لأي جهة مهما حسنت صورتها وحسن ظنهم بها ومهما تأنقت سيرتها الذاتية أو إحمرت كرفتاتها.

وكان هناك أيضا الساكتون عن إنحراف الثورة من خوف. الخوف من عنف الهجمة المضادة المتوقعة من أهل الحكم وكتابهم فالسلطة دائما تكره النقد وتسعي لتدجين الراي العام وتطويع المثقفين الفاعلين بالذات.
الذين تصدوا مبكرا لقضية إنحراف الثورة عن مسارها كانوا علي سنة روزا لوكسمبورغ التي قالت إنه “لا يكفي أن نشرح للجماهير أنّهم مضطهدين سياسياً، بل من الضروري أن نظهر لهم انتهازية هؤلاء الذين يقدمون الكثير من الأعذار في جميع الأوقات والظروف لوقف إكمال أهداف الثورة، يتخذون مواقف إصلاحية من أجل إجراء تعديلات سطحية على السلطة القديمة للجلوس مكانها. “

ولكن من سولت له نفسه نقد السلطة المنحرفة دفع ثمنا أقله نعته بانه كوز وشيوعى في نفس الفقرة أو ربما نعتوه بما هو أسوأ من ذلك وربما لحقه ضرر مادي مباشر. من دعا لإصلاح الخطأ حين كان ذلك ممكنا تم تشويه صورته بوصفه بكسر المقاديف ونشر التشاؤم والتكلس الأيديلوجي لان الشعار السائد كان شكرا قحتوك، سنعبر وننتصر في ظل شراكة مثالية غير مسبوقة في تاريخ البشرية بين جيش وجنجا وقحت.

أما الذين انتقدوا السلطة بنعومة لا تفسد لودهم مع أهلها قضية فربما كان سكوتهم أفضل حتي لا يضيفوا النفاق أو علي الأقل حتي يتجنبوا فتح إحتمال أن يكون نقدهم فكا للملام وتبرئة للذمة من غير أن يتكبدوا أي خسائر شخصية أو لان الإعتدال في مقاومة الشر المهدد للحياة ليس من ضمن الفضائل المعروفة.

الفئة الأخيرة من الذين سكتوا ولم يقوموا المنكر لا بيدهم ولا بلسانهم فعلوا ذلك عن طمع. الطمع في ألا تحرمهم السلطة من إمتيازات القرب منها. وإن لم يكونوا علي قرب فلا داعي لحرق الجسور الممكنة مع أهل الحل والعقد وعلية القوم ولا داعي لنسف إحتمال أن يصيبهم منهم خير ما وربما منصب أو تشبيك أو حتي شروى ورشة ترفع البريستيج وقد يكون فيها سفرة مجانية ونثريات وذلك أضعف الايمان.

والان يبدو إننا قد عبرنا إلي وادي الموت محمولين علي خازوق ثلاثي المواسير من سوء التقدير بحسن نية وخوف وطمع. وما زال فلاسفة الشراكة المثالية يؤمنون إيمانا قاطعا بحقهم في الوصايا علي الشعب السوداني وشتمه إن لزم الأمر إستنادا علي أيديلوجيا يمكن وصفها بانها كومبرادورية إستشراقية يرون في مرآتها أنفسهم صفوة نوعية مجازة من الخواجة والاجنبي بينما شعبهم أهالي، “بيئة” خليط من البراغيث والجهلاء والكيزان والمغفلين والشرذمة وسقط المتاع والمجرمين والعطالى.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الكومبرادورية الإستشراقية وإنحراف الثورة
  • الجيش الأميركي يكشف عن طراز المقاتلات التي شاركت في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين
  • فوضي الميكروباص بالمحافظات
  • منصة صينية تعرض صورا لاستهداف ابراهام .. الجيش اليمني لم يعد ذلك الذي يرتدي النعال
  • الجيش الذي “لا يرتدي النعال”.. الاستخبارات الصينية تعرض صوراً لعملية استهداف حاملة الطائرات “إبراهام” وكيف اختبأت المدمرات الأمريكية ضمن تشكيلة الأسطول الصيني (تفاصيل مثيرة)
  • السوداني يوجه وزارة النفط بالتواصل مع شركة شِل لتحقيق المشاريع التي تخدم العراق
  • السوداني يوجه بالتواصل بين وزارة النفط وشركة شِل لتحقيق المشاريع التي تخدم العراق
  • الجنيه السوداني يدخل ساحة الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» .. مسؤول رفيع سابق بالبنك المركزي: تبعات القرار كارثية
  • عبد الرحمن الجماز يعلق على آراء البعض.. في تناقض واضح من اللي بالي بالك .. فيديو
  • الجمهوريون يكتسحون السلطة بتحقيق الأغلبية في الكونغرس الأمريكي