جريدة الوطن:
2025-03-16@15:25:34 GMT

من دراسات الشورى «11ـ 16»

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

من دراسات الشورى «11ـ 16»

الحادي عشر: «التنمية الثقافية في سلطنة عُمان».
تتحدَّث الدكتورة «هالة فؤاد» أرملة الدكتور جابر عصفور، في تقرير نشرته «العربي» في «ديسمبر»، بعنوان «وصيَّة جابر عصفور»، بأنَّ زوجها الراحل «آمَن بأنَّ تحقيق أيِّ تقدُّم أو خطوة تنمويَّة متطوِّرة في بلادنا في أيِّ مجال أو على أيِّ مستوى لَنْ يُكتبَ له النجاح الحقيقي أو يكتملَ ويتمَّ الحفاظ عَلَيْه إلَّا عَبْرَ التنمية الثقافيَّة المستدامة، بل إنَّه كان يرى أنَّ تجاهل البُعد الثقافي، أو إرجاءه، قَدْ يؤدِّي تدريجيًّا إلى انهيار أيِّ مسارات تنمويَّة مادِّيَّة».

وما يُميِّز عُمان عن غيرها من دوَل المحيط أنَّها تمتلك إرثًا ثقافيًّا غزيرًا متعدِّد الأغراض والأنواع والأشكال، أنجزته حضارة عريقة ذات جذور وأساسات تاريخيَّة امتدَّت إلى أعماق الماضي، أثَّرت وتأثرت واستوعبت شعوبًا وأعراقًا ومذاهب وديانات كانت لها إسهاماتها العلميَّة والفكريَّة والأدبيَّة، وتجاربها السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة في مجالات لا حصر لها نراها اليوم ماثلة للعيان في صوَر شتَّى، الصروح والمباني والآثار المتناثرة في مئات القُرى والمُدُن والجبال والسهول من قلاع وحصون وأبراج وأسوار وبوَّابات وحارات قديمة تبهر المشاهد والمتأمل وتسلب العقول جمالًا وزخرفة ومتانة وروعة بناء وتصميم فاتن ـ الأفلاج الَّتي عبَّرت هندسة شقِّها وتصميم سواقيها وتعدُّد أنواعها وأشكالها وجَوْدة بنائها وقدرتها الفائقة على تحقيق أغراضها، عن المهارة والإتقان والإبداع غير المتناهي درجة تسبيب وجودها إلى الأعمال الخارقة الَّتي يُتقنها الجانُّ وأصحاب الكرامات أو أنَّها من مشاريع النبي سليمان عَلَيْه السَّلام ـ مئات المُدُن والقُرى الَّتي أقيمت في قِمم الجبال والسفوح والسهول وعلى ضفاف الأودية الخصبة والشواطئ، بجَمالها السَّاحر وعمارتها المُلهِمة وتقسيماتها بَيْنَ ريف وحارة سكنيَّة وسُوق وأزقَّة ومرافق عامَّة وفلج ومداخل ومخارج ووسائل دفاع وحماية، وأسلوب حياة ونُظُم وأعراف تدير شؤون المدينة والقرية والحارة، تشي كذلك بالازدهار الَّذي بلَغه العُمانيون ـ العلوم والمعرفة الإنسانيَّة، من طبٍّ وعمارة وفلَك وعلوم بحار وزراعة ومياه وتراث إنساني غني ومتدفق تشير إليه وتؤكِّده غزارة التأليف وآلاف الكُتب والمخطوطات والوثائق والآثار العلميَّة والأدبيَّة والإنسانيَّة والشِّعر والفِقه… الَّتي هي الأخرى تعرف بمئات العلماء والمفكِّرين والأدباء والشعراء الكبار الَّذين أنجبتهم عُمان ـ أمَّا الفنون بأنواعها المعروفة فتُعدُّ كذلك مكسبًا آخر يضاف إلى الحضارة العُمانيَّة العريقة ـ مساهمات العُمانيين في الفتوحات الإسلاميَّة، وفي تنشيط التجارة العالَميَّة عَبْرَ البحار والمحيطات وحمايتها، ونشر المعرفة والعلوم وقِيَم ومضامين الرسالة الإسلاميَّة السَّمحة، وتطهير المنطقة من الاستعمار البرتغالي وملاحقتهم حتَّى مناطق شرق إفريقيا، ودرء مخاطر عديدة عن الجزيرة العربيَّة… في مُجملها وثَّقتها كُتب التاريخ ـ بناء امبراطوريَّة واسعة تأسَّست مبادئها ومنهج الحُكم فيها على العدل والمساواة وقِيَم التسامح والتعايش ـ نجاحات وإنجازات وقصص ومواقف العُمانيين في شرق إفريقيا وما أسَّسوا له من صوَر مُشرِّفة… هي قليل من كثير، ولو أنَّني واصلت الحديث عن تدفُّقات ومغذيات ومحاور ومُكوِّنات الثقافة عِند العُمانيين لاحتاج المقال إلى سلسلة مِنْها. هذه الإضاءات المختصرة تُشكِّل اليوم مادَّة دسمة ومغذّيات غزيرة لأعمال ومشروعات ثقافيَّة يُمكِن أن تنقلَنا إلى العالَميَّة على شكل أعمالٍ دراميَّة على غرار دوَل كتركيا والهند وكوريا الجنوبيَّة… الَّتي استطاعت أن تعرفَ العالَم بتاريخها وثقافتها وإعلامها وتروِّجَ لبلدانها اقتصاديًّا وسياحيًّا عَبْرَ الأعمال الدراميَّة الجذَّابة والمُتقَنة الَّتي استقطبت مئات الملايين حَوْلَ العالَم، وترجمت من اللغة المصدر إلى عشرات اللغات الأخرى، وأسهمت في تنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات وتوفير الوظائف وتنشيط قِطاعات وأوردة اعتمدت عَلَيْها في النُّمو والتطوُّر. الأعمال الروائيَّة، الأدب والشِّعر، التقدُّم العلمي والمعرفي، الترجمة والفلسفة… جميعها تُسهم في عصرنا الحديث في التعريف بالمُجتمعات الإنسانيَّة والترويج لها وتنمية مواردها واستثمار المواهب وتحريك الأنشطة الاقتصاديَّة والمجالس والمنتديات الأدبيَّة، وتُعمِّق الوعي وتُشكِّل حماية للمُجتمعات عن الانشغال بالترّهات وبثِّ الإشاعات والتأثر بقِيَم وثقافات الآخرين حتَّى الثمالة، والانزلاق في براثن الجهل والتخلُّف، والانغماس في اللَّهو والمُسكرات والمضار والمخاطر الكثيرة الَّتي تحيط اليوم بالإنسان… القِطاع الثقافي العُماني وفقًا للمؤشِّرات المقروءة، وعلى ضوء خلاصة البحث والنقاش والاستطلاعات والمقارنات يعيش في سُبات منذ سنوات، سببُه الرئيس يعود إلى تجاهل المؤسَّسات الحكوميَّة المتخصِّصة لهذا القِطاع وإهماله وتراجع مستويات الدعم والتحفيز والتطوير المخصَّصة له، رغم النِّداءات والدَّعوات والمطالبات والاستغاثات الَّتي يُطْلقها ويقُودُها المثقَّفون والمفكِّرون والكتَّاب والأكاديميون وأصحاب المكتبات ودُور النَّشر والمؤسَّسات الإعلاميَّة الخاصَّة ومخرجات جامعيَّة اختارت التخصُّصات الثقافيَّة وما في حُكمها والمرتبطة بها، ورغم الأوامر السَّامية الَّتي صدرت عن ـ المغفور له بإذن الله تعالى ـ السُّلطان قابوس بن سعيد في 2009م، بالعمل على تطوير الدراما العُمانيَّة، إلَّا أنَّ المسؤولين للأسف لَمْ يُعيروها اهتمامًا. فلماذا هذا التجاهل لقِطاع حيوي ومُهمٍّ يُعدُّ لبنة من لبنات التقدُّم عِند الأُمم وتحقيق نهضة الدوَل؟ مجلس الشورى كان واعيًا بحقيقة هذا الدَّوْر الكبير والواسع للثقافة عِندما أعدَّ ورفع دراسته المتميِّزة في يناير 1999م، بعنوان «التنمية الثقافيَّة في السَّلطنة»، الَّتي أكَّد عَبْرَ فصولها أنَّ «التنمية الثقافيَّة إنَّما تقوم على دعائم أربع: أوَّلها: إدارة العمليَّة الثقافيَّة والتخطيط لها على المدى القريب والبعيد. ثانيها: نشر الثقافة وتعميمها وتحقيق مبدأ الثقافة للجميع. ثالثًا: المحافظة على الهُوِيَّة الحضاريَّة والثقافيَّة. أخيرًا: إطلاق العنان للإبداع الثقافي ورعاية المُبدعين. وانطلاقًا من هذه الدعائم الأربع للتنمية الثقافيَّة، أوصى المجلس بضرورة وضع استراتيجيَّة وطنيَّة للتنمية الثقافيَّة، وإنشاء مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب، ومراجعة الأُطر التنظيميَّة ذات الصِّلة بالعمل الثقافي، وتطوير وتحديث التشريعات الثقافيَّة النافذة، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيَّة وتخصيص اعتمادات ماليَّة مناسبة لإقامة المشرعات الثقافيَّة، ونشر وتعميم الثقافة في المُجتمع العُماني عَبْرَ المؤسَّسات التعليميَّة ووسائل الاتِّصال الثقافي المباشر وتداول الكتاب وتحسين أوضاع المكتبات ووسائل الإعلام المختلفة، وتشجيع الإبداع ورعاية المُبدعين ورفع مستوى الثقافة العلميَّة والأدبيَّة والفنيَّة، والعناية باللغة العربيَّة وإحياء وتجديد التراث العربي الإسلامي، وإبراز الأهمِّية العلميَّة للوثائق والمخطوطات العُمانيَّة وأساليب المحافظة على الآثار وتطوير المتاحف الوطنيَّة…». بحمد الله، والشكر للمبادرات والجهود المُجتمعيَّة والفرديَّة وعزيمة بضعة أشخاص مؤمنين بالتنمية الثقافيَّة، ظهرت إلى المشهد، بعض دُور النَّشر والمكتبات والمراكز الخاصَّة المُشجِّعة على تحقيق الوثائق وحفظ المخطوطات… وعلى الرغم ممَّا تكابده من ضعف الدَّعم والعديد من المعيقات إلَّا أنَّها مستمرَّة في المقاومة والاستمرار والتطوُّر.

سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التنمیة الثقافی ة الثقافی الع مانی العال م

إقرأ أيضاً:

الشورى: القوات المسلحة اليمنية لديها من الخيارات ما يمكنها من ردع العدوان

وأكد مجلس الشورى، في بيان صادر عنه الأحد، أن العدوان الأمريكي البريطاني على الأعيان المدنية في العاصمة صنعاء ومحافظات صعدة وحجة، وذمار، والبيضاء ومأرب، جريمة حرب مكتملة الأركان وتجاوز فاضح للقانون الدولي والإنساني والمواثيق الدولية.

وأدان استهداف الأحياء السكنية الذي أسفر عن استشهاد وجرح العشرات جلهم من النساء والأطفال في جريمة موصوفه تؤكد طبيعة النزعة الإجرامية للإدارة الأمريكية وعدم اكتراثها باتفاقيات حقوق الإنسان التي تجرّم استهداف المدنيين.

وحذر المجلس من مغبة استمرار العدو الأمريكي في انتهاك السيادة اليمنية واعتماد أساليب التضليل والخداع لشرعنة استهداف البلاد وعسكرة البحر الأحمر خدمة للكيان الصهيوني والتغطية على جرائمه في فلسطين ولبنان وسوريا.

وأشار البيان، إلى أن ما يقوم به العدوان الأمريكي البريطاني من تعدٍ سافر على اليمن غير مبرر سيما والعمليات العسكرية اليمنية في البحار لا تستهدف سوى سفن الكيان الصهيوني حتى يلتزم بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ويسمح بدخول الغذاء والدواء إلى غزة.

وشدد مجلس الشورى، على أن القوات المسلحة اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي انتهاك للسيادة الوطنية ولديها من الخيارات ما يمكنها من ردع العدوان والدفاع عن الشعب اليمني ومقدراته بكل اقتدار.

وجدد التأكيد على دعم كل خيارات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، ورئيس والمجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط، لمواجهة تصعيد العدوان، داعيا كافة أبناء الشعب إلى تعزيز وحدة الصف والوقوف خلف القيادة الثورية والسياسية في مواجهة الصلف الأمريكي.

وطالب البيان، رابطة مجالس الشيوخ والشورى في أفريقيا والعالم العربي بالوقوف أمام التصعيد الأمريكي البريطاني على اليمن وإدانة عدوانه الغاشم الذي يستهدف الشعب اليمني، ويهدد أمن وسلامة الملاحة الدولية.

 

مقالات مشابهة

  • الشورى: القوات المسلحة اليمنية لديها من الخيارات ما يمكنها من ردع العدوان
  • وزير الثقافة يبحث مع القائم بأعمال سفير الهند بالقاهرة سبل تعزيز التعاون الثقافي المشترك
  • رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: البحث العلمي يمكنه حل مشكلات المجتمع
  • مليار جنيه لدعم البحث العلمي.. تفاصيل مبادرة تحالف وتنمية برعاية الرئيس السيسي
  • أكثر من 50 مليار ريال عُماني إجمالي تحويلات القوى الوافدة في دول المجلس
  • دراسات تؤكد أن المدن ذات الكثافة السكانية العالية أكثر عرضة للفيضانات والجفاف
  • في أمسية رمضانية.. الثقافة والفنون بجدة تبرز الموروث الثقافي في ظل التحولات الاجتماعية المعاصرة
  • الاحتفاء بأربعة كُتّاب مصريين في ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي
  • المنتخب السوداني يتعادل مع نظيره العُماني بدون أهداف
  • «طنطا للموسيقى العربية» تفتتح ليالي رمضان الثقافية والفنية بالمركز الثقافي