إيطاليا.. أسطورة المستعمر الطيب لأفريقيا تنكأ جراح الذاكرة
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
بينما تعود إيطاليا لدخول أفريقيا من باب التجارة والمعادن والمحروقات، يدافع عدد من قادة الحكومة المحافظة المتشددة عن ماضيها الاستعماري وإن كان دمويا، لقاء "تسويات ومصالحات محدودة" مع التاريخ، دون الغوص بعمق في مشروع مصالحة وتعافي الذاكرة الذي يرغب فيه جزء من المجتمع.
وبينما تسببت تجربة إيطاليا الاستعمارية في القارة الأفريقية، في مقتل مئات الآلاف من المدنيين، بحسب مؤرخين، أكد الدبلوماسي إدموندو تشيريلي أن روما لم تقم سوى "بمهمة لنشر الحضارة وجلبت قيمها من دون إراقة دماء أو الاستيلاء على ثروات الشعوب الخاضعة لها".
وقال تشيريلي النائب أيضا عن حزب "إخوة إيطاليا" الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني "سواء قبل أو أثناء الفاشية، بنت الحكومة ثقافة لنشر الحضارة" في مستعمراتها، مرددا بذلك فكرة "المستعمرين الطيبين" التي تلقى شعبية لدى اليمين المتطرف.
"لسنا شعب قراصنة"وأضاف تشيريلي أن "ثقافتنا القديمة تعني أننا لسنا شعب قراصنة سينهبون العالم". وهذه الفكرة تتبناها ميلوني أيضا التي زادت رحلاتها إلى أفريقيا لتنويع مصادر إمدادات الطاقة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
ودفعت هذه التصريحات المؤرخين واليسار إلى الرد، معتبرين أن إيطاليا لم تقم بعد بدراسة لضميرها الجماعي.
وتعود جذور الفاشية الإيطالية إلى حرب الوحدة التي انتهت عام 1870 بضم العاصمة روما. ومع اكتمال الوحدة الترابية، برز إشكال هوية حاد أجّجه التباين الكبير بين سكان إيطاليا اجتماعيا واقتصاديا وعرقيا.
ضحايا الاستعمارومن أجل تشجيع دراسة الذاكرة الاستعمارية، قدّم نواب للمعارضة مشروع قانون لتخصيص "يوم لذكرى ضحايا الاستعمار الإيطالي" في القرنين الـ19 والـ20 في ليبيا وإثيوبيا وإريتريا، وفي المنطقة التي أصبحت منذ ذلك الحين الصومال.
والتاريخ المقترح هو 19 فبراير/شباط يوم بداية مذبحة السكان المدنيين الإثيوبيين على يد القوات الإيطالية في أديس أبابا في عام 1937 (نحو 20 ألف قتيل).
وقالت لورا بولدريني من الحزب الديمقراطي اليساري، الرئيسة السابقة لمجلس النواب لوكالة الصحافة الفرنسية إن "دولا أخرى مثل بلجيكا وألمانيا طلبت الصفح عن جرائم الاستعمار. لكن في إيطاليا، نميل إلى إنكار هذه الجرائم والقول إن (إيطاليا الطيبة) بنت طرقا ومستشفيات ومدارس".
وشاركت بولدريني في وضع مشروع قانون لا يتمتع بفرص كبيرة لاعتماده في البرلمان نظرا للأغلبية الكبيرة التي يتمتع بها اليمين المتطرف واليمين بشكل عام في البرلمان.
وقالت بأسف إن "الصحف اليمينية كتبت مقالات مسيئة لمشروع القانون، وهذه الحكومة لا تأخذ جرائم الاستعمار على محمل الجد".
جنود إيطاليون أمام جثث مقاتلين عرب خلال الحرب الإيطالية العثمانية (1911 – 1912) (شترستوك)ورأى البروفيسور يولديلول تشيلاتي درار، من جامعة ماتشيراتا أن جذور الاستعمار الإيطالي تكمن في منطق الاستيطان، موضحا أن إيطاليا الفتية الموحدة في 1861 سعت إلى "حل مشكلتي البطالة والسخط الاجتماعي الكبيرتين" عبر "تصدير قوتها العاملة" إلى البلدان المحتلة.
وأضاف أن هذا ما يفسر "استثمار إيطاليا أكثر من القوى الاستعمارية الأخرى في تطوير بنى تحتية"، الفكرة التي يركز بعض اليمينيين المتطرفين عليها.
وقال البروفيسور أليساندرو بيس من جامعة كالياري إن فكرة "الناس الطيبين" هي أسطورة "تتجلى جذورها في رفض المجتمع الإيطالي لقبول تأكيد أن تاريخنا كان أيضا تاريخ عنف واستغلال وعنصرية".
ويقدر المؤرخ البريطاني إيان كامبل عدد الذين قتلوا من السكان الأصليين نتيجة احتلال الدول الأفريقية الأربع بـ700 ألف.
ليبيا.. ذاكرة الدماء والدموعفي ليبيا وحدها، أدت "سياسات الإبادة الجماعية" التي اتبعها نظام بينيتو موسوليني إلى مقتل 150 ألف مدني، كما يقول البروفيسور شيلاتي درار.
إذا كان المستعمرون هناك على هذه الدرجة من الكرم والإحسان، فلماذا وقّع سيلفيو برلوسكوني رئيس الحكومة آنذاك، "معاهدة بنغازي" في 2008 مع العقيد معمر القذافي؟
فلوضع حد للخلاف بشأن أكثر من 30 عاما من الاحتلال الإيطالي (1911-1942)، قدم برلسكوني اعتذارات روما لليبيا وتعهد بدفع 5 مليارات دولار تعويضات على مدى 25 عاما بشكل استثمارات.
البروفيسور ميشال بالتشيرزاك، عضو فريق الخبراء العامل التابع للأمم المتحدة المعني بالسكان ذوي الأصول الأفريقية: غياب إيطاليا الاستعمارية السابقة من الكتب المدرسية والنقاش العام أسهم مع عوامل أخرى، في "العنصرية الحديثة"
وقال تشيلاتي درار إن الاعتراف بجرائم الماضي من شأنه أن يكتسب أهمية تعليمية حقيقية اليوم لأن عمل المؤرخين "لا يدخل إلى المدارس".
وفي 2015 بعد بعثة دراسية إلى إيطاليا، قال البروفيسور ميشال بالتشيرزاك، عضو فريق الخبراء العامل التابع للأمم المتحدة المعني بالسكان ذوي الأصول الأفريقية إن "غياب إيطاليا الاستعمارية السابقة من الكتب المدرسية والنقاش العام" أسهم مع عوامل أخرى، في "العنصرية الحديثة".
نقد "انتقائي" للاستعمار الأوروبيورغم شهرة خطابات جيورجيا ميلوني -خاصة قبل توليها رئاسة الوزراء- في مهاجمة قوى أوروبية استعمارية سابقة في أفريقيا، خاصة فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة والبرتغال، لم يسجل لها خطابات مماثلة تنتقد التاريخ الاستعماري الإيطالي في ليبيا وشرق أفريقيا.
وبخلاف الجدل في الأروقة السياسية الإيطالية، يقع تسليط الضوء على جوانب الاستعمار المفيدة فقط في مؤسسات التعليم والإعلام الإيطالية؛ إذ يتم تقديمه كاستثناء من التجربة الأوروبية.
وحسب البروفيسور ماريو دي جان فرانشيسكو المتخصص في القضايا الدولية بجامعة سابينزا في روما، فإن "الاستعمار الإيطالي لا علاقة له بالاستعمار الفرنسي أو البريطاني؛ فقد ساهمنا (إيطاليا) بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والثقافية لإثيوبيا وليبيا"، على حد تعبيره.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
فضيحة تضرب جراح تجميل شهير.. ماذا فعل؟
انهارت مسيرة جراح تجميل فرنسي شهير بعد اتهامات بأن عملياته "شوّهت" النساء، وجعلت أنوفهن تبدو مثل "البطاطس".
وتعود تفاصيل حادثة أوليفييه غيربو (58 عاماً)، والذي لقبه الفرنسيون بـ "مايسترو الأنف"، إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حيث صدر قرار بتوقيفه عن العمل لمدة عامين بناء على شكاوى قدّمها بعض مرضاه إلى لجنة الأخلاقيات الطبية في البلاد حول أنوفهن التي "تم تشويهها".
توالت الاتهامات لاحقاً بأن الجراح التجميل جعل أنوفهن تبدو مثل "البطاطس"، بينما لا يزال الفرنسي يمارس مهنته في باريس.
ولا يزال يواصل نشر أحدث أعماله التجميلية عبر صفحته الرسمية على إنستغرام باسم "دكتور غيربو باريس"، ويتابعها نحو 112 ألف شخص.
شكاوى المرضىأحد هؤلاء المرضى واسمها المستعار "إليسا"، خضعت لعملية جراحية في أغسطس (آب) 2020 وهي متحمسة لتقويم أنفها المعوج على يد الجراح الشهير.
وروت في تصريح نقله موقع مترو، أنها حين استفاقت من العملية، فوجئت بأنف "طويل، معوج، وسميك" في المرآة كان "يبدو مثل البطاطس".
وأكدت أنها كانت تبكي في تلك اللحظات أمام المرآة، بينما كان غيربو يمدح عمله الجراحي.
يؤكد غيربو أنه ضحية لحملة تشويه من قبل جراح تجميل منافس وأنه استأنف القرار. ومنذ ذلك الحين، خرج مرضى آخرون ليزعموا أن وجوههم قد "تم تشويهها" على يد الجراح الفرنسي.
وذكرت مريضة أخرى، لم يكشف عن اسمها، أنها حصلت على أنف كبير "يشبه حبة البطاطس"، ما تسبّب بفقدانها وظيفتها وإصابتها بالاكتئاب.
وعادت إلى غيربو على أمل إنقاذ وجهها، لكن العملية الثانية أسفرت عن نتيجة أسوأ، حسبما أكدت في حديثها مضيفة: "لقد ذبحني".
عمليات لم يطلبها المرضىيُتّهم الجراح أيضاً بإجراء عمليات فاشلة على أجزاء أخرى من الوجه، بما في ذلك إجراء عمليات لم يطلبها المرضى.
ومن بين هؤلاء الضحايا امرأة استفاقت بعد الجراحة لتكتشف قيام الطبيب بإخضاعها لعملية تجميل ذقن، رغم رفضها المسبق لخضوعها لهذه الجراحة.
وقالت: "أشعر وكأنه قد تم تشويهي... عندما استيقظت، كنت أتقيأ لترات من الدم". وأكدت أنه منذ ذلك الحين، أصبحت تعاني من آلام مزعجة خلال تنفسها واشتكت بالقول: "غيربو دمر حياتي".
سجن مع إيقاف التنفيذيُزعم أن غيربو لا يزال يمارس الجراحة بشكل غير قانوني في عيادة بباريس، وفقاً لما ذكرته صحيفة لو باريزيان الفرنسية، حيث قدم المجلس الطبي الفرنسي شكوى ضد الجراح بتهمة انتهاك الحظر المفروض عليه.
وكان جراح الأنف قد وقع في مشكلة قانونية بتهم "محاولة ابتزاز" ضد الجراح المنافس نيكولا لاري.
ووجدته محكمة مارسيليا مذنباً في مارس (آذار) 2023، فحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 5000 يورو.
كما تلقى ابنه نيكولا حكماً بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 8000 يورو، بتهمة محاولة تشويه سمعة لاري من خلال نشر تقييمات سلبية وهمية على غوغل.