دعت حاجة المُجتمعات وتطوُّرها وتنامي أعداد أفرادها إلى بروز فكرة التمثيل النيابي، التي مفادها اختيار جماعة الناخبين ـ عموم الشَّعب ـ لمجموعة من الأشخاص؛ لتمثيلِها والدِّفاع عن مصالحها أمام السُّلطة التنفيذيَّة، تطوَّر الأمْرَ بعد ذلك لِيناطَ بممثِّلي الشَّعب مهام دراسة وإقرار القوانين المنظِّمة لعلاقة الأفراد بالسُّلطة وعلاقتهم فيما بَيْنَهم.
والمتأمُّل للدَّوْر المخوَّل لممثِّلي الشَّعب يدرك منذ الوهلة الأولى مدى أهمِّيته الكبرى على كافَّة الأصعدة، وهذا ما يؤكِّد الغاية السَّامية من إقرار نظام الانتخاب بصفة عامَّة التي تكمن في انتقاء الصفوة ـ من قِبَل فئة مستوفية للشروط المقررة قانونًا ـ لتمثيلِها فيما رشَّحتها له، وذلك لَنْ يتأتَّى ما لَمْ تتم الانتخابات بحُريَّة مُطْلَقة وإرادة مستقلَّة ونزاهة وشفافيَّة. وقَدْ يكُونُ عزوف بعض المواطنين في مُجتمع ما عن الانتخاب رضوخًا لأمْرٍ يرونه واقعًا مؤلمًا، مفاده القناعة التامَّة بأنَّ تصويتهم لَنْ يجدِيَ نفعًا في مواجهة الأصوات الأخرى المبنيَّة على التحيُّز بدافع قبَلي أو عشائري أو فئوي، وقَدْ يكُونُ ذاك العزوف وهذا التحيُّز نابعَيْنِ من اختزال المهام الجِسام المُلقاة على عاتق ممثِّليهم نيابيًّا في بعض الخدمات المُجتمعيَّة التي لا تعدو أن تكُونَ خدمات متعلِّقة بإنجاز معاملة شخصيَّة في دائرة حكوميَّة، أو تحريك معاملة متعطِّلة لتحقيق خدمة فئويَّة، أو دعم مادِّي لكيانٍ خاصٍّ، وما هو من قبيل ذلك. وإذا ما اتَّخذنا انتخابات
مجلس الشورى بسلطنة عُمان نموذجًا، فإنَّنا نجد ـ بدايةً ـ أنَّ مجلس الشورى أُنشئ بالمرسوم السُّلطاني رقم (94/1991) الصادر بتاريخ12/11/1991؛ لِيحلَّ محلَّ المجلس الاستشاري آنذاك؛ وكان يرمي إلى مشاركة المواطنين ـ من خلال الأعضاء ـ في اتِّخاذ القرارات المحوريَّة الَّتي تهمُّ الوطن والمواطن، وقَدِ اتَّبع المُشرِّع ـ لتحقيقِ تلك الغاية ـ سياسة التدرُّج في منح الاختصاصات وتوسيع الصلاحيَّات، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر. وإيمانًا من لدُن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمِّية الشورى، وتماشيًا مع نُموِّ سلطنة عُمان المُطَّرد في كافَّة المجالات، التي مِن بَيْنِها ممارسة الحقوق السياسيَّة على نَحْوٍ يتوافق مع أعرق النُّظُم الديمقراطيَّة من جهة، والموروث السِّياسي الثابت المتأصل من جهة أخرى، فقَدْ أرسى الباب الخامس من النظام الأساسي للدَّولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (6/2021) بتاريخ 11/1/2021 دعائم القواعد والأُسُس المُنظِّمة لمجلس عُمان ـ مجلسَي الدَّولة والشورى ـ، الَّتي كانت المرجع الذي بُنيت عَلَيْه نصوص قانون مجلس عُمان، الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (7/2021) بتاريخ 11/1/2021 الَّذي خصّص الفصل الخامس مِنْه لأدوار انعقاد مجلس عُمان واختصاصاته، تلاه الفصل السادس المخصَّص لأدوات المتابعة ـ المراقبة ـ المقرَّرة لمجلس الشورى وآليَّات وإجراءات استعمال كُلِّ أداة من هذه الأدوات. لذلك فإنَّ المطَّلع على اختصاصات مجلس الشورى والصلاحيَّات المنوطة به وفق آخر التعديلات القانونيَّة يعي بوضوح عدم إمكان ممارستها لتحقيقِ الغاية التي تغيّاها المُشرِّع ما لَمْ تتوفَّر في ممارسيها ـ الأعضاء الذين يتمُّ انتخابهم بالاقتراع السِّري المباشر ـ الكفاءة العلميَّة والخبرة العمليَّة والأمانة والنزاهة، وغيرها من الإمكانات والصِّفات التي تُميِّزهم وتجعلهم أهلًا لتمثيل المُجتمع. وقَدْ صدر مؤخرًا قانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى بالمرسوم السُّلطاني رقم (54/2023) بتاريخ 27/7/2023 الَّذي فصَّل آليَّات وإجراءات الانتخاب ابتداءً بالسِّجل الانتخابي وحقِّ الترشُّح، وانتهاءً بالعقوبات التي خُصص لها الفصل السابع من هذا القانون. عَلَيْه، إن كانت مسؤوليَّة المُشرِّع ـ في هذا الجانب تحديدًا ـ هي إصدار القوانين المُنظِّمة للعمليَّة الانتخابيَّة وسدُّ الفراغات التشريعيَّة أيْنَما وجدت، وهذا ما تمَّ على أرض الواقع ولله الحمد، فإنَّنا لا ننسى المسؤوليَّة المُلقاة على عاتق المترشِّح والناخب على حدٍّ سواء؛ إذ يتوجب على المترشِّح لعضويَّة مجلس الشورى الوعي التَّام بجسامة المسؤوليَّة الدينيَّة والمُجتمعيَّة المنتظرة، ووجوب رسم نهجه على هذا الأساس، كما يتوجب على الناخب الابتعاد والترفع عن التحيُّز لانتخاب مرشَّح ما؛ لسببٍ غير السبب الذي يدفعه لاختيار الأكفأ بكُلِّ ما تحمله الكلمة من معنى، ولْيعلَمْ أنَّ صوته وإن كان ملكه إلَّا أنَّ تأثيره يعُودُ في نهاية الأمْرِ على مُجتمعه نفعًا أو ضررًا.
صفوة القول إنَّ العزوف عن الانتخاب أو التحيُّز فيه أمْرٌ يتعارض مع المصلحة العامَّة، خصوصًا في ظلِّ تطوُّر النصوص القانونيَّة بصدور قانونَي مجلس عُمان وانتخاب أعضاء مجلس الشورى المشار إليهما، اللذَيْنِ لَمْ يتركا أمرًا إلَّا وقَدْ نظَّماه، ومع ذلك فإنَّ النصوص القانونيَّة تبقى نصوصًا مسطَّرة جامدة لا تُحقِّق غايتها ما لَمْ يتم الالتزام بتنفيذها من قِبَل اللجان المعنيَّة والمرشَّحين والناخبين، لذا يجِبُ توافر الرقابة لضمان التطبيق الأمثل والدَّقيق للنُّصوص. وخير ختام لهذا المقال إنَّ للرقابة الذاتيَّة من قِبل المرشَّح والناخب والقائمين على التنفيذ، بالإضافة إلى الرقابة المصاحبة ـ المتزامنة ـ للتنفيذ من قِبَل الجهة المعنيَّة أهمِّية كبرى في إنجاح انتخابات مجلس الشورى.
جلال بن أحمد الهلالي
كاتب عُماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
مجلس الشورى
إقرأ أيضاً:
رئاسة البرلمان تناقش القوانين التي يهدف المجلس لتشريعها
بغداد اليوم- بغداد
بحثت رئاسة مجلس النواب، اليوم الثلاثاء، (26 تشرين الثاني 2024)، أبرز القوانين التي يهدف المجلس الى تشريعها خلال الفترة المقبلة.
وذكر بيان للمكتب الاعلامي لرئيس المجلس، تلقته "بغداد اليوم"، ان "النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، استقبل اليوم الثلاثاء في دار ضيافته، رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، ونائب رئيس المجلس، شاخه وان عبد الله، وناقشت رئاسة مجلس النواب في إجتماعها، ابرز القوانين التي يهدف المجلس إلى تشريعها قبل انتهاء الفصل الحالي".
وأكدت رئاسة مجلس النواب، وفقاً للبيان، على "ضرورة تفعيل عمل اللجان النيابية، وتعزيز الدور الرقابي للمجلس، والدعوة إلى تظافر الجهود وتعزيز التعاون مع جميع القوى الوطنية لتلبية احتياجات المواطنين ودفع عجلة التقدم والبناء في البلاد".
وكان مجلس النواب قد صوت في جلسته التي عُقدت اليوم الثلاثاء على تمديد فصله التشريعي لمدة شهر واحد، وبانتظاره حملة من القوانين الخلافية ابرزها تعديل قانون العفو العام، والأحوال الشخصية والخدمة والتقاعد للحشد الشعبي وغيرها.