يعتبر طه حسين واحدا من أهم القامات الثقافية والفكرية المصرية والعربية في عصرنا الحديث، إذ تقاس هذه الأهمية بمدى تأثيره الذي تميز باتساع نطاقه البالغ، بحيث طال مختلف جوانب الحياة في مصر والمنطقة العربية، فلم يقتصر على الجانب الأدبي وحده «وهو مجال تخصصه الأكاديمي»، بل طال الجوانب الإبداعية والفكرية والثقافية، بصفة عامة، فضلا عن الجانب التربوي، والسياسي، وإن كان الجانب الأخير جاء بدرجة أقل.

وفي إطار إحياء «الوطن» لذكرى رحيل عميد الأدب العربي الـ50، قال الدكتور صلاح السروي أستاذ الأدب المقارن والحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، إن طه حسين كاتب روائي وباحث أدبي ومؤرخ، ومفكر إسلامي، ومنظر سياسي، وتربوي، وضرب في كل هذه الاتجاهات منطلقا من قيم «الحداثة»، المتمثلة في: العدل والحرية والاستنارة العقلانية والمنهج العلمي، ما جعل منه واحدا من المتنورين العظام الذين حاولوا وضع مصر على خريطة العصر الذي نعيشه، سواء، أكان ذلك من الناحية القيمية «الأخلاقية»، أو من ناحية نمط التفكير والممارسة الأكاديمية البحثية والسياسية، على حد سواء.

«مستقبل الثقافة في مصر» حمل أهم نظراته التربوية

وأضاف «السروي» في تصريحات لـ«الوطن»، أظن أن نظرات طه حسين التربوية في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، تعد الأهم من بين ما طرحه في كتبه العديدة، لأنه يوضح فيها بجلاء، رؤيته للعلاقة بين الثقافة الوطنية «وبالتالي، الهوية الوطنية» وباقي الثقافات والهويات الأخرى.

ولفت إلى أنه جرى اتهامه بالدعوة إلى التغريب والتأثر بالمستشرقين.. إلخ، ومهاجمته بشراسة وقسوة منقطعتي النظير، وصلت إلى حد تكفيره، فضلا عن محاولات فصله من الجامعة في أجواء العاصفة التي أحدثها صدور كتابه «في الشعر الجاهلي»، والهجوم الحاد العنيف عليه أثناء فترة توليه مسؤولية وزارة المعارف العمومية «وزارة التربية والتعليم الآن»، من المتشددين وذوي الرؤية المتطيرة من كل ما يمثل نزوعا نحو التجديد أو الحداثة أو الالتحاق بركب الزمن الذي نحياه.

كان له موقف بالغ الانحياز للغة العربية والثقافة الوطنية

وقال أستاذ الأدب المقارن، إن طه حسين طرح برنامجا تربويا بالغ الطموح والغنى، يقوم على مجانية التعليم حتى المرحلة الثانوية ونشر المدارس التي تقوم برامجها على هضم التاريخ الوطني والعربي والدولي، والاطلاع على المحطات الرئيسية والإسهامات الجوهرية للثقافة العربية، والعالمية، أدبا، وفكرا، ولغة، فضلا عن الجانب اللغوي، كما في الجوانب الأخرى، كان له موقف بالغ الانحياز للغة العربية والثقافة الوطنية.

ونوه بأنه القائل بضرورة ألا يتعلم الطالب أية لغة أخرى غير اللغة العربية في مراحل تكونه العلمي الأولى، ويقصد بها مرحلة التعليم الإلزامي، حتى لا تزاحم تلك اللغة الأجنبية اللغة الأم، ولا تؤثر على سليقة المتعلم في هذه المرحلة الغضة من عمره، ثم بعد ذلك في المرحلة الثانوية، يلزم أن يتعلم لغتين أجنبيتين على الأقل، على أن تكونا متنوعتين بين مختلف لغات العالم، وليستا مقتصرتين على اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو ما قاربهما من لغات أوروبية.

وأوضح «السروي»، أن عميد الأدب العربي أخذ يعدد اللغات الإنسانية التي يمكن للناشئة تعلمها، فأورد اللغات الروسية والصينية والهندية، إلى جانب الإسبانية والإيطالية.. إلخ، حتى لا تستبد لغة واحدة أو لغتان، بثقافتهما ومخزونهما الحضاري، بألباب الجيل، فيؤثران على انتمائه الثقافي «الحضاري»، مشيرا إلى أن طه حسين كان يرى ضرورة تكريس الولاء «الثقافي.. الحضاري» للوطن أولا، لكن دون انغلاق ولا تعصب ولا عدوان على قيمة الثقافات الأخرى ومنجزاتها الحضارية، بل بانفتاح ندي خلاق ومبدع.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: طه حسين صانع النور الهجرة الجماعية طه حسین

إقرأ أيضاً:

علي بن تميم في "الأسبوع العربي" باليونسكو: رحلة لاستعادة أمجاد اللغة العربية

شهدت العاصمة الفرنسية باريس حدثًا ثقافيًا بارزًا بِـ "الأسبوع العربي" الذي نظمته اليونسكو، والذي مثّل لحظة فارقة في تاريخ العلاقات بين العالم العربي والمؤسسة الدولية، كانت هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها اليونسكو هذا الحدث الضخم، مما يعكس الاهتمام المتزايد بدور اللغة والثقافة العربية في المشهد الثقافي العالمي.

تفاصيل الاحتفالية 

 

وشارك في هذه الاحتفالية نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي العربي، حيث تم تخصيص ركن لكل دولة عربية لعرض تراثها الغني وتنوع إبداعاتها، وقد كان التنوع اللغوي والثقافي حاضرًا بقوة، حيث شهد الزوار عروضًا فنية متنوعة، وورش عمل في الخط العربي، ومعارض فنية تعكس عمق الحضارة العربية وتراثها العريق.

دولة الإمارات العربية المتحدة 

 

وفي هذا السياق، كان لتقرير دولة الإمارات العربية المتحدة عن "حالة اللغة العربية ومستقبلها" صدى واسع، فقد سلط التقرير الضوء على الجهود المبذولة على المستوى الحكومي لدعم اللغة العربية، وأبرز التحديات التي تواجهها، ورسم خارطة طريق واضحة لمستقبلها، هذا التقرير يعد خطوة مهمة في مسار الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، حيث يقدم رؤية شاملة عن واقع اللغة العربية واستخداماتها، ويساهم في وضع استراتيجيات فعالة لتعزيز مكانتها.

مقالات مشابهة

  • مختصون: «المعجم التاريخي» إنجاز يصون إرث لغة الضاد للأمة العربية
  • سلطان القاسمي: انطلاق مشروع علمي عظيم لا يقل أهمية عن معجم «العربية»
  • د. محمد سليم شوشة: استخدام الذكاء الاصطناعي في اللغة يُهدد الحضارة العربية
  • الثقافة العربية في مواجهة الذكاء الاصطناعي.. «فخ الحضارة»
  • أوقاف الفيوم: ختام دورة اللغة العربية للأئمة بالمركز الثقافي
  • أوقاف الفيوم تختتم فعاليات دورة اللغة العربية للأئمة
  • علي بن تميم في "الأسبوع العربي" باليونسكو: رحلة لاستعادة أمجاد اللغة العربية
  • زيادة المدارس الدولية الفرنسية في مصر بعد نجاح خريجيها بسوق العمل
  • رباعية نظيفة .. سلاح جونز يحرر صلاح وينهي صمود ليفركوزن
  • رئيس جامعة الأزهر: نتحرك في مشروع ترجمة الألف كتاب من منطلق ميراث علمي مشرف