قيادي في حزب الله للجزيرة نت: إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا إذا شنت حربا على لبنان
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
بيروت – يواصل حزب الله معركة إشغال واستنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي في جبهته الشمالية منذ اندلاع المواجهات بينهما ضمن قواعد اشتباك جديدة وواسعة على طول الحدود مع لبنان بعد عملية "طوفان الأقصى" في غلاف غزة.
ويرى مراقبون أن التراجع النسبي في حدة الاشتباكات بين حزب الله وجيش الاحتلال في اليومين الأخيرين، وبمعزل عما يحمله من تصعيد محتمل لاحقا، يكرّس تحكم حزب الله في إيقاع المعركة ضد إسرائيل، وتعزيز التمسك بسياسة الردع التي تم فرضها على إسرائيل من حيث التوقيت والشكل.
ولعل تسريبات الصحف الأميركية حول نصيحة الرئيس الأميركي جو بايدن ومساعديه إسرائيل بتجنب توسيع الحرب مع حزب الله تؤكد المخاوف من تداعياتها، بعدما أثبت حزب الله صدارة دوره ضمن معادلة "وحدة الساحات"، وبمنع إسرائيل -التي تحاول إجراء اختبار لعمليتها البرية بقطاع غزة- من الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية.
في هذه الأثناء، ورغم استمرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأركان جيشه في إطلاق التهديدات لحزب الله وتحذيره بتدمير لبنان إذا ما شن حربا عليها، يتابع حزب الله معركته العسكرية والنفسية أيضا ضد جيش الاحتلال، حيث يكتفي بإعلان ضرباته العسكرية في بيانات رسمية ومقتضبة يوميا، من دون الكشف عن آفاقها المقبلة.
ويرى محللون أن صمت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وعدم ظهوره في خطاب منذ عملية "طوفان الأقصى"، يؤرق الإسرائيليين الذين لا يتوقفون عن الكلام التصعيدي في ظل التساؤل: متى سيتحدث نصر الله؟ وماذا سيعلن؟
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، يتحدث علي فياض النائب البرلماني والقيادي في حزب الله عن قراءته لهذه المرحلة، ويطلق رسائل قصيرة وموجهة من حزب الله إلى إسرائيل وحلفائها، وتحديدا واشنطن.
ويدرج عمليات الحزب في الجبهة الجنوبية ضمن تكتيك مدروس لمحور المقاومة بالمنطقة، وأنه جاهز ومستعد لاحتمالات التصعيد بشتى أشكالها، مؤكدا على مستوى التنسيق العالي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى جاهزيتها العسكرية العالية في قطاع غزة.
وباسم حزب الله، يحذر فياض إسرائيل من دفع ثمن يفوق مخيلتها إذا ما شنت عدوانا على لبنان.
وفي ما يأتي نص الحوار:
تعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي لحظة مفصلية في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. اليوم ومع مرور نحو ثلاثة أسابيع، كيف تنظرون في حزب الله إلى "طوفان الأقصى"؟ وما أبرز النتائج التي حققتها؟
لا شك في أن عملية "طوفان الأقصى" ذات قيمة استثنائية في تاريخ الصراع مع إسرائيل. أولا، من حيث قدرة المقاومة على إحاطة التخطيط والتحضير والتنفيذ بسرية كاملة. وثانيا، لأنها حصلت داخل فلسطين المحتلة. وثالثا، من حيث نتائجها العسكرية، ومن حيث العمق الذي بلغته وحجم الخسائر الإسرائيلية، ومن حيث أعداد الأسرى.
بالمجمل، كشفت مواطن ضعف إستراتيجية في القدرات الاستخباراتية والمعنوية والعسكرية لدى إسرائيل، وأظهرت قدرات استثنائية تمتلكها المقاومة على المستويات المختلفة.
إذن، ما أبرز التحولات والخسائر التي تكبدتها إسرائيل بعد "طوفان الأقصى"؟لقد أعلن العدو الإسرائيلي عن وجود ما يزيد عن 220 أسيرا لدى المقاومة، وما يقارب 1300 قتيل و100 من مجهولي المصير، فضلا عن مئات الجرحى.
بيد أن التحولات التي أنتجتها العملية تبقى الأهم، من ناحية عدم قيمة كل اتفاقيات السلام وعمليات التطبيع في تأمين الحماية والأمن والاستقرار للكيان الصهيوني.
والتحول الأهم، لقد عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة القضايا العربية كقضية مركزية، وإلى صدارة القضايا العالمية كقضية متفجرة منتجة للاضطرابات الخطيرة إقليميا وعالميا، وأظهرت أن الكيان الإسرائيلي لا يزال في المربع الأول بكونه محتلا ومعتديا.
تواصل إسرائيل ردها على "طوفان الأقصى" بأشرس عدوان على قطاع غزة، وتقول إن هدفها هو القضاء على حركة حماس. ما تقييمكم لوضع حماس وفصائل المقاومة عسكريا وميدانيا؟نحن نعتقد أنه رغم المجزرة الفظيعة وغير المسبوقة التي يتعرض لها المدنيون في غزة، فإن العدو لم يتمكن من إلحاق أذى ذي تأثير في بنية المقاومة وقدراتها وتحضيراتها، ومما لا شك فيه أن هذه البنية تمتلك الكفاية العالية لمواجهة العدو في حالة الالتحام البري.
جنوبي لبنان يشهد أعنف تصعيد للمواجهات بين إسرائيل وحزب الله منذ حرب عام 2006 (رويترز) لكن ألا ترون، كحلفاء أساسيين للمقاومة الفلسطينية، أن مجازر إسرائيل بحق المدنيين بلغت مرحلة من الخطورة قد تجبر المقاومة على إعادة حساباتها في الحرب مع إسرائيل؟عندما استهدف العدو الإسرائيلي المستشفى المعمداني، ومن ثم الكنيسة الأرثوذكسية، فقد أراد إيصال رسالة مفادها أن لا خطوط حمراء في استهدافه للمدنيين وللأهداف في غزة وللتمهيد ربما لإمكانية انتقاله إلى استخدام أسلحة محرمة دوليا.
بيد أن ذلك ينطوي على إمكانية أن يتحول إلى قضية رأي عام دولي مؤثر، وفقا لمؤشرات المظاهرة الكبرى في لندن وللمظاهرة التي اقتحمت مقر الكابيتول في واشنطن.
ورغم قساوة وضراوة ما يحصل، فإن صلابة الشعب الفلسطيني وثبات المقاومة على خياراتها يشيران إلى المضي في المواجهة.
ألا تخشون مشروع تهجير جديدا للفلسطينيين في قطاع غزة، رغم تأكيد مصر والأردن (حتى الآن) عدم فتح حدودهما لهذه الغاية؟ وما أدوات التصدي لذلك؟إن مشروع تهجير الفلسطينيين خطر دائم بسبب رؤية أميركا وإسرائيل في التوسع العدواني وتخفيف الحضور السكاني المقاوم، ويجب أن تبقى اليقظة قائمة، ولا يستطيع أحد تنفيذ هذا المشروع مع حضور المقاومة في الميدان.
أعادت عملية غلاف غزة إلى أذهاننا إحدى كبرى المناورات العسكرية لحزب الله في مايو/أيار الماضي، حيث استعرض الحزب راجمات الصواريخ ونفذ محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال، فهل يمكن القول إن "طوفان الأقصى" تحاكي ببعض جوانبها مناورة حزب الله؟نحن لا ننكر التعاون وتبادل الخبرات ونقل الدروس المستفادة والمساعدة على مستويات مختلفة بين المقاومة الإسلامية في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية. بل نعتبر أن من صميم دورنا مؤازرة المقاومة الفلسطينية على تطوير قدراتها.
تردد كثيرا في الآونة الأخيرة وجود غرفة عمليات مشتركة بين أطراف محور المقاومة. ماذا تقول؟
إن التنسيق بين أطراف محور المقاومة قائم، كما أننا نسعى دائما إلى تطويره لجعله أكثر فاعلية وتكاملا.
لماذا لم تقدم إسرائيل حتى اللحظة على تنفيذ عملية برية واسعة في غزة رغم اختباراتها المحدودة؟إن تردد إسرائيل في القيام بالعملية البرية يعود إلى أسباب عديدة، لكن لا شك في أن أحد الأسباب الرئيسية هو عدم يقينها في نجاح هذا الغزو، وقلقها من قدرات المقاومة المجهولة في إلحاق الهزيمة بها.
وأعتقد أنه من الصعب تذليل العقبات والمخاطر التي يتوقعها العدو، وما إطالة الزمن إلا للبحث عن الطرق الممكنة، وهذا صعب.
على مستوى جبهة الجنوب، نشهد يوميا وتيرة متصاعدة في المواجهة بين حزب الله وجيش الاحتلال. هل كسرت "طوفان الأقصى" قواعد الاشتباك التقليدية بين الحزب وإسرائيل؟عندما نتحدث عن قواعد الاشتباك بين المقاومة والعدو الإسرائيلي لا يقصد بها أي تفاهم مباشر أو رسمي، فهذا ليس واردا في حسابات المقاومة. لكن قواعد الاشتباك هي ترجمة لمعادلات الردع والتوازن التي فرضتها المقاومة على مدى تاريخها وخاصة بعد النصر الكبير في عدوان يوليو/تموز 2006.
أما الوضعية الراهنة فتقول إن المقاومة سترد على أي عدوان، ومهما تكن طبيعته صغر أم كبر، بالمثل وبما يفوق المثل، تبعا لتقدير المصلحة في حسابات المقاومة.
هل تمهد هذه الوتيرة المتصاعدة من التوتر إلى اشتعال الحرب في لبنان؟لقد فرضت المقاومة على العدو معركة إشغال واستنزاف وتشتيت لقواه العسكرية، وهي معركة تفضي إلى إنهاكه معنويا وعسكريا في ظل الخسائر الجسيمة التي تصيبه، ويتكتم عليها، وفي اضطراره إلى إجلاء مستوطنات الشمال وتعطيل دورة الحياة الطبيعية مع آثار اقتصادية كارثية.
إن أي تغير في وضعية المواجهة مرتبط بتطور الظروف التي تفرض أن تكون الخيارات مفتوحة.
تشييع عدد من مقاتلي حزب الله الذين استشهدوا خلال المواجهات مع القوات الإسرائيلية جنوبي لبنان (الأناضول) كان لافتا إطلاق صواريخ من الجنوب من أطراف في المقاومة الفلسطينية (الجهاد الإسلامي وحركة حماس) وعمليات التسلل، إضافة إلى ضربة صاروخية من قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية. في أي إطار تضعون عمليات حلفائكم في الجبهة الجنوبية للبنان؟ما تتعرض له غزة كسر كل قواعد وتجاوز كل حدود، والمقاومة الإسلامية في لبنان لا يمكن أن تؤدي دور حرس حدود للعدو الإسرائيلي، وليست معنية بأمنه أو الحؤول دون استهدافه من قبل فصائل المقاومة.
ما الظرف أو الحدث الذي يعد خطا أحمر عند حزب الله ويستدعي الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل؟نحن نتحرك في إطار متحرك ميداني ومفتوح الأفق، تبعا لقراءتنا للتطورات وما تستوجب من تعاط قادر على تحقيق النتائج المرجوة.
ولقد أشرنا إلى أهمية نتائج عمليات المقاومة في الجنوب عسكريا، لكن ثمة أهمية استثنائية في المجريات الراهنة تكمن في أن العدو بات يدرك عمليا أنه لن يتمكن من الاستفراد بمواجهة أي طرف مقاوم، دون أن يترك هذا الأمر تأثيراته العملية على أدوار الأطراف المقاومة الأخرى.
هل ترون أن شعار وحدة الساحات في محور المقاومة، خصوصا بعد القصف الأخير من العراق واليمن، دخل حيز التطبيق؟ وهل الحرب الجارية يمكن أن تشعل حربا إقليمية؟نحن متمسكون بشعار وحدة الساحات، وثمة جهود كبيرة بُذلت، ولا تزال تبذل في سبيل توفير مقومات نجاح هذا الشعار، وما يجري راهنا يصب في هذا الاتجاه، ويشكل ترجمة لخطوة مهمة في هذا المسار.
وأمام تمادي العدو الصهيوني في مجازره، وفي ظل هذا الغطاء الغربي والشراكة الأميركية والعجز الدولي عن حماية المدنيين في غزة، فإن ذلك يضع المنطقة بأسرها أمام احتمالات شديدة الخطورة.
هل تتفقون مع من يرى أن جلب حاملات الطائرات الأميركية لشرق المتوسط يستهدف حزب الله حصرا؟إن الحضور العسكري الأميركي على مستوى حاملات الطائرات وغيرها، يجعل أميركا شريكا في تحمل مسؤولية ما يجري من مجازر وتداعيات. وإن المقاومة الإسلامية في لبنان تمارس دورها وواجباتها تجاه شعبها وقضاياها دون رضوخ لأي تهديدات مهما تكن طبيعتها أو الجهة التي تقف وراءها.
في حالة مفترضة، هل يمكن أن يستدعي اشتباككم مع القوات الأميركية، إن حصل، التدخل الإيراني في المعركة؟
نحن نقوم بدور فاعل في مواجهة العدو، وجاهزون تماما لأي تطور يطرأ في سياق المواجهة.
إذا قرر حزب الله فتح جبهة حرب مع إسرائيل، هل الساحة اللبنانية الداخلية مهيأة بالتفاهم السياسي لهذه الخطوة؟ وهل تقلقكم الأصوات المحذرة من جر لبنان إلى حرب؟إن حزب الله يقارب تعقيدات المرحلة بحكمة وشجاعة وبثبات وإدراك عميق للظروف كافة، وهو يتحرك في إطار دوره الإستراتيجي في مواجهة العدو الإسرائيلي، وبهدف مؤازرة غزة وحماية المصالح الوطنية اللبنانية.
يحذر البعض من الدمار الذي سيلحق بلبنان إذا شنت إسرائيل حربا عليه والتذكير بما حصل جراء حرب 2006، بما تردون؟نرد بأن العدو سيدفع ثمنا باهظا يفوق مخيلته إذا شن عدوانا تدميريا على لبنان.
كيف تقيمون المساعي الإقليمية، عربيا وغربيا، لوقف الحرب على قطاع غزة ومنع تمددها على جبهات أخرى في طليعتها لبنان؟للأسف الموقف العربي مخز ولا يرقى إلى مستوى ما تتعرض له غزة، أما الموقف الغربي فهو إما شريك في العدوان وإما متواطئ، بمعزل عن بعض الاستثناءات التي صدرت. في حين أن الموقف الشعبي في بعض البلدان يشكل مؤشرا واعدا على تحولات قد تؤدي دورا فعليا في إيقاف الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة المقاومة الإسلامیة العدو الإسرائیلی المقاومة على طوفان الأقصى مع إسرائیل قطاع غزة حزب الله فی لبنان فی غزة من حیث
إقرأ أيضاً:
جيش العدو يستبيح سوريا.. والخطاب المتصالح لا يردعه!
لا شك أن موقف “الحكم الجديد” في سوريا من العدوان الصهيوني الشامل على أصول الجيش السوري، والتوغل والاحتلال للمنطقة العازلة والسيطرة على مناطق جديدة في العمق السوري، والذي تمثل في توجيه خطاب متصالح مع هذا العدوان والإعلان عن عدم وجود نية للاشتباك مع “إسرائيل”، هو تحديث استراتيجي دراماتيكي على الموقف السوري التاريخي من الصراع، لا يقل دراماتيكية عن التحديث الذي قام به قائد الحكم الجديد على اسم تنظيمه ولقبه الشخصي.
والجولاني (مؤسس جبهة النصرة المصنفة دوليًا منظمة إرهابية) بعد تحديث اسمه بالتخلي عن الكنية التي أدخلته تحت تصنيف الإرهاب، واستبدالها باسمه “أحمد الشرع”، وبعد تحديث تنظيمه بالتخلي عن “جبهة النصرة” لـ”هيئة تحرير الشام”، أثبت أن الشرعية الدولية لحاكم سوريا على صلة وثيقة بالموقف من الصهاينة، وأن الشرعية باتت مفهوماً انتقائياً تماماً كتوصيف الإرهاب الذي أصبح كالقفاز يسهل خلعه أو ارتداؤه وفقاً لاسم التنظيم أو القائد شكلاً، ووفقاً للموقف من الصراع مضموناً.
لقد أكد التوغل الصهيوني في المنطقة العازلة وانتهاك وإنهاء اتفاق فض الاشتباك مع سوريا الموقع منذ العام 1974م، والتوغل لمسافات مضافة باتجاه ريف دمشق وكذلك السيطرة على كامل جبل الشيخ والاقتراب من لبنان والإشراف الكامل على البقاع وقطع طرق الإمدادات للمقاومة، مع الصمت الأمريكي والدولي، صحة ما قاله الإمام السيد الخامنئي من أن الأحداث كانت برعاية غرف أمريكية وصهيونية.
كما أثبت الانتهاك التركي المستمر للشمال السوري والذي يستعد لعملية كبرى مرتقبة كشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الدولة الجارة التركية كانت على صلة وثيقة بغرفة العمليات الصهيو أمريكية، فقد أفادت الصحيفة أن القوات التركية والموالية لها، والتي تشمل قوات كوماندوز تركية ومدفعية بأعداد كبيرة ومقاتلين من فصائل مسلحة، وتتركز قرب عين العرب (كوباني)، تستعد لعملية كبرى وشيكة نقلاً عن أحد المسؤولين الأمريكيين.
وبالتالي نحن أمام تحول استراتيجي خطير يثبت أن الأمر قد يتخطى تقاطع المصالح الصهيونية مع ما حدث أو مجرد توظيف واستغلال لسقوط النظام، بل إن هناك ما هو أكبر وما قد يصل لرعاية كاملة لإيصال هذا النظام تمهيداً للتوغل والاحتلال، ومن ثم استخدام ورقة المنطقة العازلة التي جرى احتلالها لابتزازه بغرض تقديم كامل الضمانات لأمن الكيان.
وهنا تجدر ملاحظة عدة نقاط:
1 – إسباغ أمريكا الشرعية على منظمة سبق أن وصفتها هي وقائدها بالإرهابية يعني أن الغنيمة كبيرة، وتتمثل في نقل سوريا إلى ضفة أخرى مختلفة جذرياً عن تموضعها الاستراتيجي في محور المقاومة وهو ما تؤيده الشواهد من استثمار صهيوني سريع ورد فعل باهت ومتصالح من جانب نظام الحكم الجديد.
2 – هناك تناغم واضح بين التصريحات الصهيونية ومراميها وبين تصريحات الجولاني، وكلاهما يصب في كسب مزيد من الوقت لتكريس أوضاع جديدة تتسق مع مشروع الشرق الأوسط الجديد بجوانبه الحدودية التي ترمي إلى زيادة مساحة “إسرائيل” والتي أشار إليها الرئيس ترامب الذي يرغب في زيادة مساحتها متجاوزاً القرارات الدولية، وكذلك تنظيف الطوق الصهيوني من المقاومات وجعل حدودها آمنة. وهذا الرهان على الوقت أبرزته تصريحات نتنياهو في زيارته لجبل الشيخ عندما قال: “إن القوات الإسرائيلية ستبقى متمركزة داخل سورية في المستقبل المنظور، وأن “إسرائيل” ستظل في المنطقة حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل وفي المستقبل، ستحدد إسرائيل أفضل ترتيب يضمن أمننا”.
وهو ما يتناغم مع حديث الجولاني، إلى “تايمز” ووسائل إعلام دولية أخرى في دمشق، عندما قال إن أولويته هي استقرار البلاد وإعادة بنائها قبل أي انتخابات، والتي وصفها بأنها “بعيدة المنال الآن”، وهذا الاستبعاد للانتخابات وانتقال السلطة يشي بأمرين، أولهما إنه قابض على السلطة لفترة طويلة وهو المشرف على الترتيبات مع الصهاينة في الفترة القادمة، والثاني، هو أن استبعاد الانتخابات يعني استبعاد ما هو أكبر وأهم وهو استعادة الجيش وصياغة الاستراتيجية الدفاعية ومواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” والتوغلات تحت بند عدم وجود فرصة لهذه المواجهة لحين الاستقرار في أجل غير مسمى!.
وقد أرفق الجولاني تصريحاته هذه بتصريحات موجهة للصهاينة تؤكد خلو سوريا الجديدة من المقاومة وأنها ستشكل طوقاً آمناً للكيان عندما أكد عدم نية النظام الجديد في سوريا مهاجمة “إسرائيل”، والتي قال عنها إنها: “فقدت ذرائع التدخل العسكري في سوريا”، داعيًا إياها إلى “إيقاف غاراتها الجوية على سوريا، وسحب قواتها من الأراضي التي سيطرت عليها وأنه لن يسمح باستخدام البلاد نقطة انطلاق لهجمات ضد “إسرائيل”، أو أي دولة أخرى”.
3 – أكدت الأحداث أن كلفة المقاومة أقل كثيراً من كلفة الاستسلام، حيث تردد العدو “الإسرائيلي” طويلاً في استهداف الأصول العسكرية السورية بسبب معادلات الردع والاحتفاظ بخيار المقاومة، بينما استباح جميع الأصول العسكرية بمجرد التقاط الإشارة بعدم نية المواجهة، وهو ما يثبت صحة خيار المقاومة وأن الحياد أو خيار السلام لن يمنع العدو من العدوان، لأن السلام بمفهوم العدو هو الضعف وعدم امتلاك أي قوة أو معادلة ردع والهدف الحقيقي هو تفريغ المنطقة من أي قوة تهدد الكيان مهما كانت وديعة ومسالمة.
من هنا كان خيار المقاومة هو مساندة أي نظام مقاوم في سوريا، لأن المقاومة تعلم أن مجرد رفع راية المقاومة والاحتفاظ بخيارها هو رادع للكيان ومقيد لشراسته، بينما التلويح بالسلام كفيل بالقضاء على الدولة السورية وعلى خطوط إمداد المقاومة وافتراس كل من يحاول حتى الدفاع عن سيادته ومنع الاستباحة الصهيونية.
وهو ما أكدته الطريقة التي تلقف بها الكيان تصريحات الحكم الجديد في سوريا، حيث تلقت “إسرائيل” هذه التطمينات بخبث شديد، فبدأت مساراً مزدوجاً للتمكن من شرعنة احتلالها وتوغلاتها وتدميرها للقوة العسكرية السورية (إلقاء نحو 1800 قنبلة على أكثر من 500 هدف وتدمير بين 70 و80 % من القدرات العسكرية للجيش السوري)، وهذا المسار تمثل في استخدام الحكم الجديد كفزاعة لتبرير الاستباحة (وصفت نائب وزير الخارجية “الإسرائيلي” شارين هسكل «أبا محمد الجولاني» بأنه «ذئب في ثوب حمل»)، وكذلك إبداء الحياد وطمأنة الداخل الصهيوني من خلال مقابلات أجريت، على مدى الأيام السابقة، مع معارضين سوريين، أعربوا صراحة عن أنهم لا يريدون حربًا مع “إسرائيل”؛ لا بل يتمنون أن يروا مراسلًا لقناة “إسرائيلية” يبث رسالته من قلب دمشق.
كما جاء على لسان نتنياهو نفسه كلام لافت عندما قال إنه وجه الجيش بـ«السيطرة على المنطقة العازلة وعلى مواقع السيطرة القريبة منه، وفي موازاة ذلك، نعمل من أجل جيرة حسنة، كتلك الجيرة الحسنة التي نفذناها وننفذها هنا عندما أقمنا مستشفى ميدانياً للعناية بآلاف السوريين الذين أصيبوا في الحرب الأهلية، وقد وُلد مئات الأطفال السوريين هنا في إسرائيل».
وهو خيط التقطته وسائل الإعلام العبرية بلقاءات مع الخبراء الصهاينة المتابعين للملف السوري منذ بداية الأحداث في 2011م، حيث تناول المتحدثون التاريخ الطويل للعلاقات “الإسرائيلية” مع طرفي الصراع في سوريا، النظام من جهة والمعارضة من جهة ثانية، وكيف طلبت عناصر في المعارضة الدعم وحتى السلاح من “إسرائيل” في سنة 2011 – 2013م، مقابل الوعد باتفاق سلام يتم بموجبه تأجير الجولان المحتل لـ”إسرائيل” 15 سنة. وتبين لاحقاً أن بين من عالجتهم “إسرائيل” جرحى “جبهة النصرة”، الأمر الذي أثار الدروز في “إسرائيل” الذين كانوا يناصرون الدروز في السويداء، بعدما هاجمتهم “جبهة النصرة”، كما أفادوا بأن «هيئة تحرير الشام» وعدت بإقامة «علاقات سلام عميقة مع إسرائيل»، بينما تعهدت تركيا بألا توجه أسلحة المعارضة لـ”إسرائيل”، بينما سعت أمريكا لإقناع “إسرائيل” بأن قائد «تحرير الشام» أبا محمد الجولاني رجل منفتح، وقد تغيرت مواقفه وبات يؤيد “الإسلام المعتدل”.
هذه التطورات تؤكد صوابية بوصلة المقاومة في لبنان عندما تربط مواقفها وعلاقاتها بالدول بالموقف من الكيان “الإسرائيلي” وعندما تحتفظ بخيار المقاومة مهما كانت التضحيات حيث ثبت بالوقائع أن ترك السلاح هو إيذان بالاستباحة الكاملة وتدمير جميع المقدرات، وتبقى الأوضاع أمام أسئلة مفتوحة عن طبيعة ما حدث في سوريا وعن تطوراته وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة بعد هذا “الثوب السوري الجديد”؟.