Living with Colonialism: Nationalism and Culture in the Anglo- Egyptian Sudan
جون فول John O. Voll
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة استعراض لكتاب الأستاذة الدكتورة هيذر شاركي المعنون: "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي - المصري"، الصادر في عام 2004م عن دار جامعة كالفورنيا للنشر، قام بنشره بروفيسور جون فول شهر يونيو 2004م في دورية H – Net Reviews in the Humanities and social Sciences تحت عنوان " الأعداء الحميمون للاستعمار Colonialism’s Intimate Enemies".


وهناك استعراض آخر لهذا الكتاب بقلم الباحث البريطاني مايكل فيكرز تجده في الرابط التالي: https://tinyurl.com/595y7yyf
ومؤلفة الكتاب هي المؤرخة الأمريكية هيذر شاركي، المتخصصة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط وإفريقيا، والعالمين المسيحي والإسلامي. حصلت المؤلفة (الأستاذة بجامعة فيلادلفيا) على درجة البكالوريوس في الأنثروبولوجيا من جامعة ييل الأميركية، ودرجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي درم البريطانية وبرنستون الأميركية، على التوالي، ولها عدة كتب ومقالات عديدة عن السودان ومصر.
أما كاتب الاستعراض فهو البروفيسور الأمريكي جون فول، الذي يعمل أستاذا للتاريخ الإسلامي في جامعة جورج تاون بواشنطن، ونائبا لمدير معهد الأمير الوليد بن طلال للتفاهم المسيحي - الإسلامي بالجامعة نفسها. نال بروفيسور جون فول درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في عام 1969م (وكانت رسالته عن الطريقة الختمية بالسودان)، وظل يدرس التاريخ الإسلامي لأكثر من خمسة عقود في جامعتي نيو هامشير وجورج تاون، وعاش رَدَحاً من الزمان في بيروت والقاهرة والخرطوم. وللرجل كتب ومقالات كثيرة تناولت مواضيع مختلفة شملت الإسلام والديمقراطية وتاريخ الدول الإسلامية (ومنها السودان).
وقد صدرت – بحمد الله - مؤخراً ترجمة لهذا الكتاب (عن دار باركود للنشر بالخرطوم). وأود أن أشكر هنا كل الذين اقترحوا علي ترجمة هذا الكتاب، كان أولهم عبد الله علي إبراهيم قبل ما ينيف على عقد من الزمان.
المترجم
*******************
تسعى الدراسات الجديدة إلى تغيير فهمنا لكيفية عمل الإمبراطوريات الحديثة. وظلت مناهج الدراسات القديمة تؤكد دوما على تشكيل السياسة الإمبراطورية في العواصم والمناطق الحضرية، وتركز على أفعال الحكام في المستعمرات. غير أن الدراسات الحديثة بدأت في الاهتمام بكيفية مشاركة المحكومين أنفسهم في الإدارة الإمبراطورية. وقد قامت هيذر شاركي بتقديم إضافات مقدرة لذلك النهج الحديث بتحليلها المتقن في هذا الكتاب لأنشطة ومهن ومواقع السودانيين الذين عملوا في الحكومة التي أقامها (المستعمرون) البريطانيون بالسودان بين عامي 1898 و1956م. وتقوم فكرة الكتاب الرئيسة على أنه من الخطل وعدم الدقة تصور أن الامبراطوريات تدير أعمالها (في المستعمرات) عن طريق جماعة صغيرة من الإداريين الإمبرياليين "العباقرة الأفذاذ". وذهبت الكاتبة أيضاً إلى أن "الإمبراطورية (الاستعمارية) كانت تعتمد في تسيير أعمالها على الأرض على عمل عدد كبير من الموظفين والعمال المحليين الذين كانوا يقومون بأداء أعمال الإدارة الكلولونيالية اليومية" (الصفحة الأولى من الكتاب).
لقد خلقت المشاركة الواسعة للسودانيين في النظام الاستعماري وضعاً أصبحوا فيه "أعداء الاستعمار الحميمين"، مما جعل الحكم الاستعماري حقيقة واقعة، بينما كانوا هم يأملون في رؤيته وهو يرحل عن ديارهم" (الصفحة الأولى من الكتاب). ولدراسة هذه التداخلات والتفاعلات حددت شاركي ثلاث قضايا عدتها هي المسائل المركزية في كتابها: كيف كان الاستعمار يعمل فعلياً؛ وكيف نبعت الوطنية من العلاقات بين "الأعداء الحميمين"؛ وكيف تطورت الدولة الكلولونيالية وغدت دولةً قوميةً مستقلة (الصفحة الثانية من الكتاب).
لقد كان العنصر الأساس في تلك العملية هو ظهور جماعة من السودانيين المتعلمين الذين كانوا يعرفون أنفسهم بأنهم "سودانيين". وكان النظام الاستعماري يحتاج إلى متعلمين محليين للقيام بالأعمال البيروقراطية، فأنشأ أو ساعد في إنشاء مؤسسات تعليمية من أجل مقابلة ذلك الاحتياج. وشرعت تلك الطبقة الجديدة التي خلقها الاستعمار في تشكيل هوية بوسعها تقديم (بل قدمت بالفعل) أساساً للقومية / الوطنية.
وبعد المقدمة التي حددت فيها المؤلفة الإطار لهذا التحليل، بدأت (في الفصل الثاني) في مناقشة التطور الذي حدث في القرن العشرين للمفاهيم الأساسية المتعلقة بالهوية. وظهرت في مناقشات وحوارات الحكام الإمبرياليين، وكذلك السكان المحليين، كلمة "سودانيين"، التي كانت لها في البدء دلالات غايةً في السلبية تشير إلى "السود المنبتين قبلياً detribalized Blacks"، لكنها غدت مع بداية عام الاستقلال (1956م) هي الكلمة المفضلة التي تعبر عن الهوية الوطنية.
أما الفصل الثالث، وعنوانه "التعليم والتثاقف (اكتساب ثقافة الغالب السائد) والشبكات الوطنية"، فقد خصصته المؤلفة لدراسة المؤسسات التعليمية التي أنشأها الاستعمار، خاصةً كلية غوردون التذكارية، وهي المؤسسات التي تخرج فيها "سودانيون جدد". واستخدمت شاركي في وصف الواحد من هؤلاء لفظة "أفندي"، التي تعني ببساطة شخص من "الأهالي" على الطراز الأوروبي؛ وخلصت إلى أن البريطانيين في السودان كانوا قد صمموا كلية غوردون بحسبانها "آلة لتفريخ الأفندية" فعليا. (صفحة 65).
وفي الفصل الرابع من كتابها المعنون "آليات الحكم الاستعماري" تناولت شاركي المسائل الإدارية (في الدولة الكولونيالية)، ودرست ببعض التوسع التفاصيل الفنية التي كانت تدار بها تلك المسائل. وأوضحت مناقشة المؤلفة لهذا الجانب نشاطات الحكام البريطانيين، والموظفين السودانيين كذلك، في تطوير الحكومة الكولونيالية بالسودان. وقدمت الكاتبة في اختصار غير مخل عرضاً تاريخيا ممتازاً للمراحل الخمس لتطور المؤسسات الإدارية المركزية، منذ زمن الأنظمة الأساسية / الأولية التي سيطرت عليها بريطانيا في بداية القرن، مروراً بتجارب الحكم غير المباشر في العشرينيات من القرن العشرين، إلى فترة العمليات المعقدة سياسياً لإنهاء الاستعمار والسودنة منذ عام 1938م (العام الذي تأسس فيه مؤتمر الخريجيين. المترجم) إلى عام 1956م.
وقامت المؤلفة في الفصل الخامس المعنون "الحياة ونظام الحكم الاستعماري: شروط التعاون" بدراسة العلاقات المعقدة بين التعاون مع الحكم الاستعماري، وبين معارضته. وهنا أبرزت شاركي المفاهيم الجديدة للإمبريالية التي وردت في الأبحاث الأكاديمية الحديثة. وفي مثل هذه الدراسات حل الوعي الدقيق بموقف القوميين / الوطنيين الذين تلقوا تعليماً حديثا، والذين كانوا حاكمين ومحكومين في ذات الوقت، محل التناقضات الاستقطابات التبسيطية (simplistic polarities) القديمة بين الحاكم والمحكوم. وخلصت شاركي إلى أن "الخدمة في دواوين الحكومة الاستعمارية غدت أسلوب حياة a way of life لمعظم المسؤولين الشماليين. وعلى الرغم من أن التحريض الوطني جاء من بين صفوف بعض أولئك المسؤولين الشماليين، إلا أنهم كانوا جزءًا من النظام الاستعماري، مثلهم مثل البريطانيين الذين حكموه به" (صفحة 119). وأفضى تأثير ذلك التعايش التكافلي المعقد إلى جعل الدولة المستقلة هي الوريث المباشر للحكم الاستعماري، وحلت محله بشكل أساسي. وكانت عملية نشوء "الأمة بعد المستعمرة" هي في قلب التحليل الوارد في الفصل السادس وخاتمة الكتاب.
ومن منظور الدراسات الجنسانية (دراسات النوع)، تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو في الأساس تحليل لـ "عالم ذكوري"؛ إذ لم يكن البريطانيون يركزون كثيراً على تعليم المرأة، ولم يكن هناك مكان للنساء سواءً في كلية غوردون أو في الخدمة البيروقراطية. ولم يكن ذلك القيد يقتصر على الموظفين السودانيين، إذ أنه لم تكن هناك أي امرأة تعمل في القسم السياسي بحكومة السودان (الذي كان يشغل وظائفه رجال النخبة البريطانية).
اعتمدت دراسة شاركي هذه، بشكل ملحوظ، على عدة مصادر واسعة النطاق. فقد استخدمت في بحثها ملفات مئات الموظفين السودانيين الذين عملوا في خدمة الحكومة الاستعمارية، والمذكرات التي أصدروها، وما هو موجود في الأرشيفات السودانية والبريطانية، من أوراق رسمية وغير رسمية؛ إضافة لمكتبة شاملة من المواد المكتوبة باللغتين العربية والانجليزية. وقامت المؤلفة أيضا بإجراء العديد من المقابلات مع طيف واسع من الأشخاص الذين كانت لهم مساهمات فيما وصفته في كتابها من تطورات. غير أنها لم تسمح لكل ذلك الكم الهائل من قواعد المعلومات بأن يطغى على ما عرضته من تحليل مفصل وممتاز وسهل القراءة. ويمكن أن تُعد دراسة شاركي هذه ذات علاقة بحقل الدراسات المهم المسمى "دراسات التابع أو التابعين subaltern studies"، ولكنها أفلحت في تحاشي استخدام المصطلحات المتخصصة والسجالات الأيديولوجية التي تشوه أحياناً ما سبق نشره في دراسات أخرى بهذا الحقل.
لعل المرء قد يتردد قبل أن يذهب إلى أنه كان على الكاتبة أن تضيف شيئاً لهذا العمل الشامل. ولكن على الرغم من ذلك، فمن الممكن أن يرحب بعض القراء بإضافة سير ذاتيةbiographies أكثر لبعض الشخصيات الجديرة بالانتباه التي ورد ذكرها في الكتاب ضمن مجموعات بعينها. وتعتبر هذه الدراسة، بشكلها الحالي ومن جوانب عدة، هي دراسة سيرة جماعية. غير أن بعض التوسع في ذكر السير الذاتية للشخصيات التي وردت بالكتاب قد تساعد في التأكيد على النقاط العامة التي أتت عليها شاركي. فعلى سبيل المثال أرى أن الحيوية في الجزء الذي تناولت فيه المؤلفة المصاعب التي لاقاها خضر حمد (1) مع المسؤولين البريطانيين لإثبات هويته الشخصية التي كان يراها تتعدى القبيلة، دليل على أن أهمية وفائدة إيراد معلومات شخصية أكثر عن بعض من ذكروا في هذا الكتاب (صفحتي 32 – 33). كما أرى أن شاركي تميل إلى التركيز على الإدارة المركزية. إن التجارب في حكومات الأقاليم تدعم فرضياتها الأساسية؛ غير أنها تطرح قضايا جد مختلفة، خاصة قضايا العلاقات بين السودانيين المتعلمين الذين يشكلون محور عملها وبين زعماء القبائل والشيوخ السودانيين من ذوي الطراز القديم، الذين كانوا يمثلون في ذلك الوقت حياة معظم السودانيين.
يحدد هذا الكتاب قضايا ذات أهمية واسعة لفهم الإمبريالية وعلاقتها بديناميات التحديث والهوية الأوسع والأشمل؛ بينما سيجده المتخصصون في الشؤون السودانية ذا أهمية خاصة. إن وضوح أسلوب كتابة شاركي، وأهمية الموضوعات الأساسية التي قامت بمناقشتها يجعل لهذا الكتاب أهمية كبيرة لأي فرد له اهتمام بالعلاقات بين الأنظمة الحاكمة والمحكومين في العصر الحديث (أو أي عصر آخر).
_____ ______ _____
(1) يمكن الاطلاع على مقال عن خضر حمد بقلم جمال محمد إبراهيم (https://shorturl.at/tuBS0)، ومقال آخر عنه لمحمد وقيع الله (https://shorturl.at/cimEH).

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الذین کانوا هذا الکتاب فی الفصل إلى أن غیر أن

إقرأ أيضاً:

ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية

يمانيون – متابعات
في إطار معركة “أولي البأس” نفذ مجاهدو حزب الله اليوم الأحد عملية نوعية استهدفت قاعدة حتسور الجوية الصهيونية في عمق الكيان جنوب يافا المحتلة التي يطلق عليها العدو تسمية “تل أبيب”.

وتعد هذه هي العملية الثانية التي يتم استهداف القاعدة بصواريخ مجنحة لأول مرة يتم الكشف عنها.

فما هي قاعدة حتسور الجوية؟

قاعدة حتسور الجوية، هي مطار عسكري وقاعدة عسكرية جوية رئيسية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، تقع في بئر السبع، بالقرب من “كيبوتس حتسريم” جنوب “تل أبيب” وشرقي مدينة أسدود، وتبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 150 كلم.

تم إنشاء القاعدة في أوائل الستينيات، وأعلن تشغيلها في 3 أكتوبر 1966، كما يوجد في “حتسيريم” متحف القوات الجوية الإسرائيلية، وبها أكاديمية الطيران التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي منذ ابريل 1966.

تم بناء القاعدة بأمر من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، عيزر وايزمان، وصممها المهندس المعماري يتسحاق مور، وكان القائد الأول للقاعدة يوسف الون.

وتضم قاعدة “حتسور” جناحاً جوياً رئيساً، يحوي على تشكيل استطلاع مؤهل وأسراب من الطائرات الحربية، وتعد مقراً لأسراب 101 أو ما يعرف باسم “المقاتل الأول” الذي يمثل نخبة سلاح الطيران للعدو، وسُمي “105” العقرب لأنه يحمل العقرب كشعار.

واستهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان -حزب الله- القاعدة للمرة الأولى في21 – 11 – 2024م بصلية من الصواريخ النوعية المجنحة.

وكشف حزب الله عن إدخال سلاح الصواريخ المجنحة للحرب المتواصلة مع جيش العدو الصهيوني خلال هذه العملية.

مقالات مشابهة

  • الزار بين التهميش الاجتماعي ورفض الاستعمار (1)
  • سفارة السودان بلندن تحتفل بالطلاب السودانيين المقبولين في منحة شيفيننج البريطانية للدراسات العليا للعام ٢٠٢٤م – صورة
  • بوميل: “فخور بإعادة المولودية إلى المكانة التي تستحقها”
  • السودان يضم نصف سكان العالم الذين يواجهون جوعا كارثيا
  • كلمة سفير جمهورية السودان لدى جمهورية مصرفي “الملتقى المصري السوداني الأول لرجال الأعمال”
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية
  • “الأونروا”: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة السكان
  • الجزيرة.. حالة خراب ودمار بسوق قرية “فطيس” بمحلية الحصاحيصا – فيديو
  • “كندي ” يروي بالدموع معاناته مع السمنة :كانوا يعطوني حزامين في الطيارة ..فيديو