إلى متى ضرب وحدة قوى الثورة بفزاعة الهبوط الناعم؟
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
في سياقنا السوداني حالياً، أي تشغيل لأسطوانة الهبوط الناعم هو “خرف سياسي بامتياز”
الخيار الوحيد المتاح أمام قوى مدنية تسعى للتغيير بوسائل سلمية هو الهبوط الناعم، بمعنى تفاوض جدي مع سلطة الأمر الواقع على شروط الانتقال إلى مربع سياسي جديد،
حتى لما تندلع الثورات أو الانتفاضات وتطيح برأس سلطة الأمر الواقع كما حدث في ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بالبشير، يظل النظام القديم عقبة أمام التغيير وجزء من المعادلة السياسية، لأن التغيير السلمي قصاراه هي أن يخلق أوضاعاً تدفع المؤسسة العسكرية لعزل رأس النظام، وبالتالي تجد قوى التغيير السلمي نفسها مجبرة على التفاوض مع ممثلي النظام القديم على شروط الانتقال إلى مربع جديد، مواصفات المربع الجديد وضمانات التقدم إلى الأمام باضطراد رهينة لوحدة وتماسك وتنظيم وفاعلية وكفاءة القوى الراغبة في التغيير نحو أوضاع أكثر عدلاً وديمقراطيةً واستجابةً للمصالح العامة، هذا هو منطق التغيير السلمي، وعلى هذا الأساس فإن كل من يعتقد أن الهبوط الناعم هو قنبلة ناسفة للمشروعية السياسية وكرت أحمر للطرد من ميدان النضال الديمقراطي فعليه أن يشرح لنا بالتفصيل الممل طريقته في التغيير عبر الهبوط الخشن، ففي الثالث عشر من أبريل عندما تكون المجلس العسكري فاوضته قوى الحرية والتغيير تحت وطأة الأمر الواقع، فهذه المؤسسة العسكرية كانت الذراع التنفيذي لاقتلاع البشير من القصر الجمهوري وإيداعه السجن، لو قلنا إن التفاوض خيانة وكان يجب أن تستمر الثورة حتى الإطاحة بالمجلس العسكري ففي ذلك ذهول عن طبيعة الواقع السوداني وتعقيداته المستجدة ممثلة في معضلة قوات الدعم السريع، هذه القوات قبلت بالإطاحة بالبشير والتقت إرادتها ساعة الإطاحة بالبشير مع إرادة الجيش الذي يسيطر عليه الكيزان، ولعبت قوات الدعم السريع دوراً حاسماً في استبعاد كل اللجنة الأمنية بقيادة عوض بن عوف، فلم يتبق من تلك اللجنة الأمنية سوى حميدتي نفسه الذي قلب ظهر المجن للكيزان، ليس من أجل الثورة أو الديمقراطية بل من أجل مصلحته الوجودية، لو اختار الثوار طريق الاستمرار في الثورة للإطاحة تماماً بالمجلس العسكري الجديد وهو بالمناسبة ليس اللجنة الأمنية التي كانت مكونة من كيزان من العيار الثقيل مثل كمال عبد المعروف وصلاح قوش وعمر زين العابدين ومصطفى محمد مصطفى وغيرهم، لو اختار الثوار الاستمرار في الثورة وتهيئة البلاد لتغيير جديد يطيح بالبرهان وحميدتي، فهذا معناه أنهم يرغبون في تحرك ضباط جدد من المؤسسة العسكرية لاقتياد البرهان وحميدتي إلى كوبر، ومؤكد هؤلاء الضباط سيكونون من الكيزان بدون أدنى شك، لأن الجيش محتل كيزانياً على مستوى دماغه ومفاصله القيادية، في هذه الحالة مؤكد حميدتي سوف يشتبك عسكرياً مع الكيزان مثل اشتباكه معهم الآن! فهل كانت قوى الثورة تمتلك ذراعاً عسكرياً للإطاحة بالبرهان وحميدتي وهزيمة الكيزان في ضربة واحدة قاضية؟ طرحت هذا السؤال على قوى التغيير الجذري مراراً وتكراراً دون جدوى! وما زلت اتحداهم بتقديم إجابة منطقية تحترم قواعد المنطق البسيط والمعطيات الواقعية للسياق السوداني الماثل أمامنا لا المتخيل.
الكيزان لأنهم يريدون استدامة سيطرتهم ولا يحتملون أدنى تغيير ناهيك عن التحولات الجوهرية أشعلوا هذه الحرب، والآن الصراع المسلح على أشده بين الجيش مدفوعاً من الكيزان وبين الدعم السريع، وأكبر تحدي أمام الشعب السوداني الآن هو إيقاف هذه الحرب بنصر للشعب السوداني لا لأحد طرفيها، ونصر الشعب السوداني بأن يتوقف القتال وتبدأ عملية سياسية للتحول الديمقراطي تنتهي بخروج العسكر بكل فصائلهم من السياسة والاقتصاد، وهذا الهدف يتطلب تحقيقه اصطفافاً مدنياً موحداً وقوياً، فبدلاً من تقسيم قوى الثورة والتغيير إلى جذريين ودعاة هبوط ناعم يجب أن ينسق الفريقان جهودهما في مواجهة العدو الاستراتيجي لأي شكل من أشكال التغيير سواء كان جذرياً أو سطحياً، وهذا العدو هو الكيزان وكتائب ظلهم والعسكر الراغبين في الدكتاتورية العسكرية بواسطة الجيش أو المليشياوية بواسطة الدعم السريع، بصراحة لم أفهم ما هو مكان حديث الهبوط الناعم من الإعراب في سياقنا هذا؟ من الذي يمتلك خيار الهبوط الخشن أصلاً؟ بمعنى من يمتلك جيشاً قادراً على دحر الكيزان وكتائبهم وإلحاق الهزيمة الساحقة بما تبقى من الجيش وإلحاق هزيمة مماثلة بالدعم السريع وتحرير البلاد تماماً من سيطرة هذا المثلث كيزان وجيش ودعم سريع ثم إقامة البديل السياسي الاقتصادي المختلف جذرياً وبعد ذلك يصبح السودان هو منصة الانطلاق إلى تحرير العالم أجمع من الإمبريالية والنيولبرالية وشنق آخر كمبرادور في الكرة الأرضية بأمعاء آخر جندي في حلف شمال الاطلسي!
نحن كقوى مدنية لا تمتلك سوى وسائل النضال السلمي ليس أمامنا سوى الاستثمار في وحدتنا وقدراتنا السياسية وتعظيمها بالعمل المشترك حتى نكون رقماً أساسياً في معادلة توازن القوى ومن ثم نفرض أجندة وأهداف الثورة في أي عملية تفاوضية لوقف الحرب وإحلال السلام.
من المضحكات المبكيات أن بعض دعاة التغيير الجذري الآن تحولوا إلى بلابسة! وانخرطوا في أكبر عملية غسيل للكيزان من وزر إشعال الحرب ولم يكتفو بذلك بل حاولوا إخراس من تصدى لتعرية الكيزان وفضح أجندتهم ومدى تمكنهم من الجيش لدرجة توريطه في حرب لا تخصه، عبر الإرهاب المعنوي ممثلاً في لوثة الكيزان والكيزانوفوبيا وغيرها! وهنا أيضاً أطرح سؤالاً على البلابسة الجذريين: ما هي الأوضاع التي تستهدفونها بالتغيير الجذري اصلاً؟ أليست هي تركة نظام الكيزان التي مثلت أكبر عدوان على الشعب السوداني في تاريخه؟ كيف نتخلص من تركة نظام الكيزان جذرياً عبر التواطؤ مع موقفهم من الحرب التي أشعلوها خصيصاً لإغلاق أي نافذة مفتوحة على التغيير ولو بشكل جزئي ناهيك عن التغيير الجذري!
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التغییر الجذری الهبوط الناعم الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
سودانايل تنشر نص خطاب دكتور عبدالله حمدوك رئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) حول نداء سلام السودان .
الأشقاء في الأسرة الإقليمية والدولية: يعاني شعبنا الويلات جراء تقاتل أطراف الحرب وسط المدنيين الذين يعانون الامرين من جحيم القذائف والبراميل المتفجرة التي لا تفرق بين مدني وعسكري. والعنف الجنسي - الواسع وتجنيد الأطفال والكوليرا وحمى الضنك وغيرها من الأوبئة.
نداء سلام السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعب السوداني العظيم
الأشقاء في الأسرة الإقليمية والدولية
يعاني شعبنا الويلات جراء تقاتل أطراف الحرب وسط المدنيين الذين يعانون الامرين من جحيم القذائف والبراميل المتفجرة التي لا تفرق بين مدني وعسكري. والعنف الجنسي - الواسع وتجنيد الأطفال والكوليرا وحمى الضنك وغيرها من الأوبئة. حرب نتج عنها اقتلاع أكثر من 12 مليون من نازح ولاجئ، وضعف هذا العدد يعانون من أزمة جوع حادة، فيما يحتاج حوالي ال 26 مليون انسان الي مساعدات إنسانية عاجلة. يضاف الي ذلك الانهيار التام للخدمات الصحية والتعليمية وتدمير البنى التحتية ووسائل الإنتاج ووسائل كسب العيش. حقائق صادمة صنفتها الهيئات الدولية كأكبر كارثة إنسانية في عالمنا المعاصر.
في خضم هذا المناخ الكارثى تتصاعد خطابات الكراهية ورفض الاخر المختلف مما يضع بلادنا على حافة هاوية التمزق. وفى ظل مناخات الحشد والتعبئة لأجل الاستقطاب وحيازة السلاح دخلت المجموعات الإرهابية والمليشيات المتطرفة فقطعت الرءوس وبقرت البطون باسم الجهاد. ان ما يحدث في بلادنا اليوم لن يتوقف في حدود السودان وقد يصبح احد اكبر مهددات الامن والسلم الاقليمى والدولى.
أتوجه إليكم بهذا النداء مع حلول شهر رمضان المبارك، وهو الثالث الذي يمر على السودان منذ اندلاع الحرب التي سرقت من أهلنا معاني هذا الشهر الكريم. أخاطبكم اليوم باسم القوى التي رفضت الحرب منذ اندلاعها، ولم تنحز لأي من أطرافها، بل ظلت تبحث عن السلام وتعمل على إنهاء هذه المأساة التي عصفت ببلادنا.
إن هذه الحرب ليست مجرد صراع عسكري بين قوتين، بل هي تعبير عن اختلالات بنيوية لازمت تاريخنا منذ فجر الاستقلال، حيث فشلت كل النظم العسكرية في إدارة التنوع وتحقيق التنمية المتوازنة. وقد حاولت ثورة ديسمبر وضع اسس جديدة للبلاد تجعلها في سلام مع نفسها والعالم ولكن المؤتمر الوطني / الحركة الإسلامية عرقل الانتقال المدني الديمقراطي بكل السبل، بما في ذلك تدبير انقلاب 25 أكتوبر 2021، واشعال هذه الحرب اللعينة لخلق حالة من الفوضى التي قد تعيدهم للسلطة حتى ولو تدمر السودان.
تؤكد حقائق التاريخ السوداني ومعطيات الواقع إنه لا حل عسكري لهذا النزاع مهما تطاول الأمد، وإن الخيار الوحيد لوضع حد لمعاناة الشعب والحفاظ على وحدة البلاد ومقدراتها، هو الإنهاء الفوري للحرب، والاتفاق على مشروع وطني جديد يؤسس لنظام مدني ديمقراطي، يقوم على المواطنة بلا تمييز وفق نظام فيدرالي حقيقي، وجيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة والاقتصاد.
لكل ما تقدم، فإني أتوجه لكم بهذا النداء لإيقاف النزيف في بلادنا، ووضع أسس متينة تخاطب جذور الأزمات بما يجعل هذه الحرب آخر حروب السودان، وفق الخطوات التالية:
أولاً: ندعو إلى عقد اجتماع مشترك عاجل بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، بحضور قائدي القوات المسلحة والدعم السريع، وقائد الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو، وقائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، والقوى المدنية الديمقراطية، وذلك للاتفاق على الآتي:
1. التوصل إلى هدنة إنسانية ووقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار.
2. اتخاذ حزمة إجراءات لبناء الثقة وتهيئة المناخ لإنهاء الحرب، تتضمن:
• الاتفاق على آليات مراقبة فعالة لوقف إطلاق النار، بما فيها نشر بعثة سلام إقليمية ودولية.
• فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر حدود السودان وداخل المناطق المتأثرة.
• ضمان حرية الحركة للمدنيين في كافة أرجاء السودان.
• الاتفاق على إنشاء مناطق آمنة خالية من الأنشطة العسكرية، توفر بيئة مناسبة للعيش الكريم.
• وقف التصعيد الإعلامي بين الأطراف المتنازعة.
• إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين.
3. مناشدة كافة الأطراف الإقليمية والدولية للامتناع عن أي فعل يطيل أمد النزاع، بما في ذلك فرض حظر شامل على توريد السلاح لكافة أطراف النزاع، وضمان تجفيف موارد تمويل الحرب.
4. الدعوة لمؤتمر للمانحين الدوليين لسد فجوة تمويل الاحتياجات الإنسانية التي حددتها خطة الاستجابة الأممية.
5. إطلاق عملية سلام شاملة ذات مصداقية، يقودها السودانيون، تهدف إلى إيجاد حل سياسي يخاطب جذور الأزمة، عبر ثلاث مسارات متزامنة ومتكاملة تشمل:
• المسار الإنساني: إيصال المساعدات وحماية المدنيين.
• مسار وقف إطلاق النار: الاتفاق على وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الدائمة تبنى على اتفاق جده.
• المسار السياسي: إطلاق حوار وطني يخاطب جذور الأزمة ويرسي سلاماً مستداماً في البلاد.
ثانياً: النتائج المرجوة من العملية السلمية:
نعمل أن تفضي هذه العملية إلى:
- وقف دائم لإطلاق النار واتفاق سلام شامل.
- ترتيبات دستورية انتقالية تنهض على توافق عريض واستعادة مسار ثورة ديسمبر في الانتقال المدني الديمقراطي.
- إعادة بناء وتأسيس منظومة أمنية وعسكرية موحدة، مهنية، وقومية، بعيدة عن السياسة والاقتصاد.
- إرساء عملية عدالة وعدالة انتقالية تحاسب على الانتهاكات وتحقق الإنصاف للضحايا.
- تشكيل سلطة مدنية انتقالية ذات صلاحيات كاملة، تقود البلاد حتى الانتخابات.
- تصفية آثار الحرب وإعادة إعمار السودان.
الشعب السوداني العظيم
الأصدقاء في الأسرة الإقليمية والدولية
استشعاراً للمخاطر المحدقة التي يمر بها السودان ولتحقيق هذه الرؤية والمقترحات التي طرحناها أعلاه، سوف نبدأ منذ اليوم عملاً دؤوباً وجاداً، بالآتي:
1. التواصل مع الأطراف السودانية العسكرية والمدنية لمناقشة هذا النداء وما طرح فيه من أفكار.
2. التواصل مع القوى الإقليمية والدولية لحشد الدعم لتنفيذ هذه الخطوات.
3. طرح رؤية تفصيلية حول أسس إنهاء الحروب وتحقيق السلام المستدام وتأسيس الدولة السودانية على أسس ديمقراطية.
4. السعي لتحقيق توافق واسع حول أسس ومبادئ إنهاء الحرب، عبر مائدة مستديرة/حوار سوداني-سوداني يشمل أوسع قطاع ممكن من القوى الراغبة في إنهاء الحرب، تنظم هذه العملية عبر لجنة تحضيرية من الأطراف السودانية الرئيسية، تضمن مشاركة كافة الأطراف ما عدا المؤتمر الوطني وواجهاته. هذه العملية يجب أن تكون امتدادًا لثورة ديسمبر المجيدة، وألا تؤدي إلى إعادة تمكين النظام السابق الذي رفضه الشعب السوداني عبر ثورته.
5. تشكيل فريق عمل من الخبراء والمختصين السودانيين لقيادة جهود تقييم الأضرار الجسيمة التي خلفتها الحرب، ووضع خطة عملية وواقعية لإعادة الإعمار والتعافي الوطني، مع استكشاف موارد وحلول مبتكرة تتيح الشروع الفعلي في تنفيذها.
أخيراً إن مسؤوليتنا التاريخية تحتم علينا جميعًا—مدنيين وعسكريين، قوى سياسية واجتماعية، فاعلين إقليميين ودوليين—العمل فورًا لإنهاء هذه الحرب الكارثية. شعبنا العظيم يستحق السلام، يستحق الحرية، ويستحق العدالة. وإنني أناشدكم جميعًا للعمل سوياً من أجل سلام السودان ووحدته وأمنه واستقراره ولأجل عزة مواطنيه وحريتهم وازدهارهم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
د. عبد الله حمدوك
رئيس الوزراء السابق
رئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)