الجزيرة:
2025-03-15@09:48:51 GMT

كيف يبدو عالم ما بعد 7 أكتوبر؟

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

كيف يبدو عالم ما بعد 7 أكتوبر؟

لا جدوى من مقارنة يوم السّابع من أكتوبر 2023 بأي حدث آخر في التّاريخ. لا حرب الأيّام الستة في 1967، ولا حرب 1973 التي أعطت العربَ بعضَ الراحة، وساهمت في تأسيس نوع من الوضع الراهن المتمركز حول إسرائيلَ، ولا 11 سبتمبر 2011، أو غير ذلك من أحداث.

7  أكتوبر هو أيضًا حدثٌ فريد في تاريخ المقاومة ضدّ الاحتلال، فعلى مدى عقود كانت حماس تقود المقاومة ضد إسرائيل التي تلقى دعمًا غير مشروط من العالم المتحضّر.

ولكن تبقى لعملية "طوفان الأقصى" خصوصيتُها سواء من حيث طريقة عمل رجال المقاومة، أو من حيث السياق التاريخيّ السياسيّ الذي تمّت فيه، وبالطبع من حيث الآثار التي ستترتب عليها.

من المعروف أنَّ الفلسطينيين كانوا يحافظون على مقاومتهم عند مستوى ردّ الفعل حتى الآن. في 7 أكتوبر، أخذوا زمامَ المبادرة، ربما للمرّة الأولى، وشنّوا هجومًا بهذا المستوى ضدّ قوات الاحتلال التي تمارس الإبادة الجماعية. وإذا كانوا لم يتمكّنوا من الإفلات من الوصم بـ"الإرهاب" رغم اكتفائهم بردّ الفعل في مواجهة هجمات بربرية، فمن الطبيعي أن ترتفع الأصوات اليوم لتوجّه لهم التهمةَ نفسَها بعد أن قاموا بمبادرتهم الهجومية الأولى، ولكن لن يكون لهذه الأصوات أثر فعّال هذه المرّة.

في الظّاهر لا يبدو أن شيئًا تغيّر، فإسرائيل ستلعب -كما اعتادت- دور ضحية الإرهاب الخسيس، وستتسوّل التعاطفَ العالميَّ بمآسيها نصف المكتملة، وكلما حصلت على قدر من هذا الدعم، استخدمته لرفع مستوى وحشيّتها وجرائمها ضدّ الإنسانية، ولمواصلة المجازر من حيث توقّفت.

 

لكنّ هناك شيئًا مختلفًا هذه المرّة، فزيادة إسرائيل ممارساتِها العدوانيةَ تشي بأنّها فقدت السيطرة على القوّة العقلية الاستراتيجية التي تنظّم استخدامَها القوَّةَ. وكما نعلم، القوة غير المنضبطة ليست قوّة. ويظهر استخدام إسرائيل هذه القوةَ غير المنضبطة، هدف حماس من القيام بهجومِها المباغت في هذا التوقيت الذي يجد الجميع صعوبةً في فهمه وتفسيره.

ويمكننا القول إنّ حماس التي تقود النضال، في قضية القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية ككل، حقّقت مكاسب قويّة لا يمكن إنكارها بعد السّابع من أكتوبر. فقد كنّا في وضع استسلمت فيه معظم الدول العربية لنظام دولي كانت إسرائيل في مركزه. وقد بدأت قبول عملية "التّطبيع"، التي تعني الإقرار بشرق أوسط قائم على مركزية إسرائيلَ، وهذا يعني أنّ الضمّ الكامل للقدس التي تحتلّها إسرائيل كان سيعتبر "طبيعيًا". وانتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى- وهو من أهم المقدسات الإسلاميّة التي وردت في القرآن- سيتم قبولها في النهاية كحقّ "طبيعي" لإسرائيل، ولن يتم الطعن فيها بعد الآن. من أين أتت قدسية هذا المسجد على أي حال؟ هل قلتم سورة الإسراء؟ كيف يمكننا أن نعرف أنّ هذا المسجد هو المقصود في تلك السورة؟ أين علماء الدين الذين سيثبتون خلاف ذلك؟

لن يتم الاعتراض أيضًا على حصار غزة الذي تفرضه إسرائيل منذ 17 عامًا، ولن يتم طرحه على أي أساس، وسيُعتبر ترك القطاع تحت رحمة إسرائيل حتى يستسلم شعب غزة- البالغ عدده 2.5 مليون نسمة- أمرًا طبيعيًا. أليس شعب غزة يواصل مقاومته العبثيَّة التي لا تؤدي إلى أيّ نتيجة؟ يبدو الآن أنّه مجرد عناد فارغ، وبدلًا من ذلك، كان عليه أن يتخلّى عن المقاومة ويسلّم ويعطي الجميع وجهًا مريحًا.

بصراحة، كانت هناك رياح تهبّ لتجعل قضية فلسطين مملّة للعالم بأَسره، وتدفع الجميع لتوهّم أنّ إسرائيل على حقّ. بالطبع، كانت هذه الرياح هي التي حاولت إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة وأوروبا إثارتَها لسنوات بوسائلهم الإعلامية وسياساتهم ومكائدهم.

مع عملية السابع من أكتوبر، أظهرت حماس أولًا أن قضية فلسطين لن تنتهي بهذا الوضع الراهن. هناك انتهاكٌ فظيعٌ يكفي لقرن، ومذابح مستمرَّة، وانتهاك للمقدّسات الإسلامية، وحكم ديني متعصّب لا يتحمل أديانًا أخرى، والأهم من ذلك أن خطط الاحتلال الصهيونيّ لن تنتهي عند حدود فلسطين، بل ستنتشر تدريجيًا إلى دول المنطقة.

 

اعتبارًا من السابع من أكتوبر، عادت فلسطين وقبَّة الصخرة والقدس مرة أخرى أهم قضية في العالم كله. وفي مواجهة هذا العدوان واللامبالاة، هناك ضغط متزايد لتحقيق التضامن والتعاون والتقارب بين العالم الإسلامي، بعد أن توحَّد الغرب مع إسرائيل.

وهكذا، أظهرت حماس أيضًا أن قضية فلسطين هي تحذير من عقلية إجرامية تهدّد الأمن ليس في فلسطين وحدَها، بل في كل الشرق الأوسط، بل وفي العالم بأَسره. لم تكتفِ حماس بإظهار وجه إسرائيل الحقيقيّ للعالم مرّة أخرى، بل أظهرتهم في أبشع صور نواياهم ومؤامراتهم وحقائقهم التي كانوا يخفونها وراء مساحيق التجميل حتى الآن.

أسقطت العملية أيضًا ورقة التوت عن سوأة "العالم المتحضّر"، فهذا التسامح، بل والتشجيع، الذي تحظى به ممارسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية من جانبهم، يدمّر سردية الحضارة الغربية الإنسانية والتقدمية والديمقراطية والتحررية التي يتشدّقون بها.

بالنسبة للغربيين، فإنّ حقوق الإنسان هي حقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى نوعهم وحدَه. أما البقية فلا يُعتبرون بشرًا. الصمت الغربي تجاه هذا الوصف الذي قدّمه وزير الدفاع الإسرائيلي للفلسطينيين هو اعترافٌ بهذه الفكرة.

اعتبارًا من السابع من أكتوبر، أصبحت فلسطين وقبّة الصخرة والقدس مرة أخرى أهمّ قضية في العالم كله. في مواجهة هذا العدوان واللامبالاة، هناك ضغط متزايد لتحقيق التضامن والتعاون والتقارب بين العالم الإسلامي، بعد أن توحد الغرب مع إسرائيل. من المستحيل ألا تشعر جميع الدول الإسلامية بالإهانة والإقصاء من قبل الولايات المتحدة، التي تفضل إسرائيل على جميع الشعوب والبلدان الإسلامية. وحالة الإقصاء والإهانة تدفع بشكل لا مفرَّ منه إلى البحث عن تحالفات جديدة.

ثم هناك نتيجة اجتماعية أخرى لـ 7 أكتوبر لم يأخذها أحد في الاعتبار: إنها لحظة نهاية للاتجاه نحو العِلمانية. فها هي الولايات المتحدة وأوروبا- اللتان تدعيان العِلمانية- تتضامنان مع إسرائيل، استنادًا إلى ما جاء في الكتب المقدسة، وَفقًا لتفسيرات منحرفة. إن أمريكا ومن ورائها الغرب يفرضان تلك الرؤية الدينية على العالم دون السماح بمعارضة. ونتيجة لذلك، هناك رد فعل ديني لا مفرَّ منه في العالم الإسلاميّ، يدفع المسلمين أيضًا إلى دينهم وتاريخهم في مواجهة إسرائيل.

نحن نرى الآن رحابة ما لدينا من تعاليم جاء بها الإسلام لتسع كل الناس وتراعي حقوقهم مهما اختلفت دياناتهم، وهو ما نرى نقيضه من هؤلاء.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی مواجهة من أکتوبر فی العالم ة أخرى ة التی من حیث

إقرأ أيضاً:

عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين

واشنطن بوست عن مصادر:

إسرائيل ستطبق قواعد جديدة تشمل التأشيرات وتسجيل المنظمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. الضوابط الإسرائيلية الجديدة تأتي في إطار جهود أوسع لتقليص مساحة عمل المنظمات الإنسانية. ضوابط إسرائيل تشمل مراجعة إن كانت منظمات الإغاثة أو موظفوها قد دعوا لمقاطعة إسرائيل. منظمات إغاثة: القيود الإسرائيلية الجديدة تقوض جهودنا في الضفة الغربية وقطاع غزة. منظمات إغاثة: قلقون بشكل خاص من إلزامنا بتقديم أسماء وأرقام هويات موظفينا الفلسطينيين. بيان إسرائيلي: الرقابة على منظمات الإغاثة ستضمن تنفيذ أعمالها بطريقة تتسق مع مصالح إسرائيل. وزير الشتات الإسرائيلي: النظام الجديد يهدف لمنع استغلال العمل الإنساني لتقويض الدولة. مصدر قانوني: المكلفون بتطبيق الضوابط الجديدة لا يفهمون التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. منظمات إغاثة بالأراضي الفلسطينية: هذا الوقت من أكثر اللحظات إثارة للقلق منذ فترة طويلة. منظمات إغاثة: قيود إسرائيل قد تجبرنا على التوقف عن العمل وهذا لن يكون في صالح أحد. محامون: إسرائيل تعتبر من يدافع عن تطبيق القانون الدولي مناهضا لها. عمال إغاثة: قيود إسرائيل الجديدة يمكن استخدامها لمعاقبة من انتقد سلوكها في غزة. موظف إغاثة كبير: ضوابط إسرائيل الجديدة خطيرة بالنسبة لغزة وسابقة على مستوى العالم. موظف إغاثة كبير: لا نعلم إن كنا سنبقى هنا بعد بضعة أشهر والوضع محبط للغاية ولا نعرف ماذا سنفعل. إعلان

مقالات مشابهة

  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • تصاعد الخلافات بين نتنياهو ورئيس جهاز “الشاباك” بسبب هزيمة الـ”7 أكتوبر”
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • الجيش الإسرائيلي: هذا سبب عدم وصول أي قوات إلى "نير عوز" بهجوم 7 أكتوبر
  • تعرف علي قائمة منتخب فلسطين في تصفيات العالم
  • فلسطين ترحب بالتقرير الأممي حول ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني
  • وسام أبو علي يزين قائمة فلسطين لمعسكر مارس.. وطريقة مبتكرة في الإعلان «فيديو»
  • هل هناك محادثات للتطبيع بين إسرائيل ولبنان؟
  • وفد من الجهاد الإسلامي في فلسطين يصل إلى الدوحة
  • تفاصيل اجتماع عربي خماسي في الدوحة بشأن فلسطين