لا جدوى من مقارنة يوم السّابع من أكتوبر 2023 بأي حدث آخر في التّاريخ. لا حرب الأيّام الستة في 1967، ولا حرب 1973 التي أعطت العربَ بعضَ الراحة، وساهمت في تأسيس نوع من الوضع الراهن المتمركز حول إسرائيلَ، ولا 11 سبتمبر 2011، أو غير ذلك من أحداث.
7 أكتوبر هو أيضًا حدثٌ فريد في تاريخ المقاومة ضدّ الاحتلال، فعلى مدى عقود كانت حماس تقود المقاومة ضد إسرائيل التي تلقى دعمًا غير مشروط من العالم المتحضّر.
من المعروف أنَّ الفلسطينيين كانوا يحافظون على مقاومتهم عند مستوى ردّ الفعل حتى الآن. في 7 أكتوبر، أخذوا زمامَ المبادرة، ربما للمرّة الأولى، وشنّوا هجومًا بهذا المستوى ضدّ قوات الاحتلال التي تمارس الإبادة الجماعية. وإذا كانوا لم يتمكّنوا من الإفلات من الوصم بـ"الإرهاب" رغم اكتفائهم بردّ الفعل في مواجهة هجمات بربرية، فمن الطبيعي أن ترتفع الأصوات اليوم لتوجّه لهم التهمةَ نفسَها بعد أن قاموا بمبادرتهم الهجومية الأولى، ولكن لن يكون لهذه الأصوات أثر فعّال هذه المرّة.
في الظّاهر لا يبدو أن شيئًا تغيّر، فإسرائيل ستلعب -كما اعتادت- دور ضحية الإرهاب الخسيس، وستتسوّل التعاطفَ العالميَّ بمآسيها نصف المكتملة، وكلما حصلت على قدر من هذا الدعم، استخدمته لرفع مستوى وحشيّتها وجرائمها ضدّ الإنسانية، ولمواصلة المجازر من حيث توقّفت.
لكنّ هناك شيئًا مختلفًا هذه المرّة، فزيادة إسرائيل ممارساتِها العدوانيةَ تشي بأنّها فقدت السيطرة على القوّة العقلية الاستراتيجية التي تنظّم استخدامَها القوَّةَ. وكما نعلم، القوة غير المنضبطة ليست قوّة. ويظهر استخدام إسرائيل هذه القوةَ غير المنضبطة، هدف حماس من القيام بهجومِها المباغت في هذا التوقيت الذي يجد الجميع صعوبةً في فهمه وتفسيره.
ويمكننا القول إنّ حماس التي تقود النضال، في قضية القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية ككل، حقّقت مكاسب قويّة لا يمكن إنكارها بعد السّابع من أكتوبر. فقد كنّا في وضع استسلمت فيه معظم الدول العربية لنظام دولي كانت إسرائيل في مركزه. وقد بدأت قبول عملية "التّطبيع"، التي تعني الإقرار بشرق أوسط قائم على مركزية إسرائيلَ، وهذا يعني أنّ الضمّ الكامل للقدس التي تحتلّها إسرائيل كان سيعتبر "طبيعيًا". وانتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى- وهو من أهم المقدسات الإسلاميّة التي وردت في القرآن- سيتم قبولها في النهاية كحقّ "طبيعي" لإسرائيل، ولن يتم الطعن فيها بعد الآن. من أين أتت قدسية هذا المسجد على أي حال؟ هل قلتم سورة الإسراء؟ كيف يمكننا أن نعرف أنّ هذا المسجد هو المقصود في تلك السورة؟ أين علماء الدين الذين سيثبتون خلاف ذلك؟
لن يتم الاعتراض أيضًا على حصار غزة الذي تفرضه إسرائيل منذ 17 عامًا، ولن يتم طرحه على أي أساس، وسيُعتبر ترك القطاع تحت رحمة إسرائيل حتى يستسلم شعب غزة- البالغ عدده 2.5 مليون نسمة- أمرًا طبيعيًا. أليس شعب غزة يواصل مقاومته العبثيَّة التي لا تؤدي إلى أيّ نتيجة؟ يبدو الآن أنّه مجرد عناد فارغ، وبدلًا من ذلك، كان عليه أن يتخلّى عن المقاومة ويسلّم ويعطي الجميع وجهًا مريحًا.
بصراحة، كانت هناك رياح تهبّ لتجعل قضية فلسطين مملّة للعالم بأَسره، وتدفع الجميع لتوهّم أنّ إسرائيل على حقّ. بالطبع، كانت هذه الرياح هي التي حاولت إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة وأوروبا إثارتَها لسنوات بوسائلهم الإعلامية وسياساتهم ومكائدهم.
مع عملية السابع من أكتوبر، أظهرت حماس أولًا أن قضية فلسطين لن تنتهي بهذا الوضع الراهن. هناك انتهاكٌ فظيعٌ يكفي لقرن، ومذابح مستمرَّة، وانتهاك للمقدّسات الإسلامية، وحكم ديني متعصّب لا يتحمل أديانًا أخرى، والأهم من ذلك أن خطط الاحتلال الصهيونيّ لن تنتهي عند حدود فلسطين، بل ستنتشر تدريجيًا إلى دول المنطقة.
اعتبارًا من السابع من أكتوبر، عادت فلسطين وقبَّة الصخرة والقدس مرة أخرى أهم قضية في العالم كله. وفي مواجهة هذا العدوان واللامبالاة، هناك ضغط متزايد لتحقيق التضامن والتعاون والتقارب بين العالم الإسلامي، بعد أن توحَّد الغرب مع إسرائيل.
وهكذا، أظهرت حماس أيضًا أن قضية فلسطين هي تحذير من عقلية إجرامية تهدّد الأمن ليس في فلسطين وحدَها، بل في كل الشرق الأوسط، بل وفي العالم بأَسره. لم تكتفِ حماس بإظهار وجه إسرائيل الحقيقيّ للعالم مرّة أخرى، بل أظهرتهم في أبشع صور نواياهم ومؤامراتهم وحقائقهم التي كانوا يخفونها وراء مساحيق التجميل حتى الآن.
أسقطت العملية أيضًا ورقة التوت عن سوأة "العالم المتحضّر"، فهذا التسامح، بل والتشجيع، الذي تحظى به ممارسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية من جانبهم، يدمّر سردية الحضارة الغربية الإنسانية والتقدمية والديمقراطية والتحررية التي يتشدّقون بها.
بالنسبة للغربيين، فإنّ حقوق الإنسان هي حقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى نوعهم وحدَه. أما البقية فلا يُعتبرون بشرًا. الصمت الغربي تجاه هذا الوصف الذي قدّمه وزير الدفاع الإسرائيلي للفلسطينيين هو اعترافٌ بهذه الفكرة.
اعتبارًا من السابع من أكتوبر، أصبحت فلسطين وقبّة الصخرة والقدس مرة أخرى أهمّ قضية في العالم كله. في مواجهة هذا العدوان واللامبالاة، هناك ضغط متزايد لتحقيق التضامن والتعاون والتقارب بين العالم الإسلامي، بعد أن توحد الغرب مع إسرائيل. من المستحيل ألا تشعر جميع الدول الإسلامية بالإهانة والإقصاء من قبل الولايات المتحدة، التي تفضل إسرائيل على جميع الشعوب والبلدان الإسلامية. وحالة الإقصاء والإهانة تدفع بشكل لا مفرَّ منه إلى البحث عن تحالفات جديدة.
ثم هناك نتيجة اجتماعية أخرى لـ 7 أكتوبر لم يأخذها أحد في الاعتبار: إنها لحظة نهاية للاتجاه نحو العِلمانية. فها هي الولايات المتحدة وأوروبا- اللتان تدعيان العِلمانية- تتضامنان مع إسرائيل، استنادًا إلى ما جاء في الكتب المقدسة، وَفقًا لتفسيرات منحرفة. إن أمريكا ومن ورائها الغرب يفرضان تلك الرؤية الدينية على العالم دون السماح بمعارضة. ونتيجة لذلك، هناك رد فعل ديني لا مفرَّ منه في العالم الإسلاميّ، يدفع المسلمين أيضًا إلى دينهم وتاريخهم في مواجهة إسرائيل.
نحن نرى الآن رحابة ما لدينا من تعاليم جاء بها الإسلام لتسع كل الناس وتراعي حقوقهم مهما اختلفت دياناتهم، وهو ما نرى نقيضه من هؤلاء.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی مواجهة من أکتوبر فی العالم ة أخرى ة التی من حیث
إقرأ أيضاً:
“هآرتس” تنشر وثائق استولى عليها الجيش من غزة.. نقاشات مع “حزب الله” وإيران حول هجوم 7 أكتوبر
#سواليف
نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية وثائق استولى عليها الجنود من قطاع غزة، تلقي الضوء على الاستعدادات التي قامت بها “حماس” قبل هجوم 7 أكتوبر التي تضمنت نقاشات مع “حزب الله” وإيران.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنه تم نشر تحليل للوثائق على موقع “مركز تراث الاستخبارات”، وهو هيئة تعمل بالتنسيق مع مجتمع الاستخبارات وغالبا ما تساعد في نشر مواد كانت مصنفة سابقا على أنها سرية.
وذكرت أن الوثائق التي استخدم بعضها في التحقيق الداخلي في جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز الأمن العام (الشاباك) حول الإخفاقات التي سمحت بالهجوم المفاجئ على معسكرات الجيش الإسرائيلي والمستوطنات المحيطة بغزة، توثق تبادل الرسائل بين قيادة “حماس” في قطاع غزة وقيادة المنظمة في الخارج، وأحيانا مع “حزب الله” في إيران وإيران، لمحاولة تنسيق الهجوم بينهم.
وحسب كاتب التحليل أوري روست، فإنه يتضح من الوثائق أنه منذ عام 2021، قام كبار قادة “حماس” بتسريع الاتصالات مع إيران، طالبين منها المساعدة في تمويل هجوم يهدف إلى تحقيق هزيمة إسرائيلية.
ويتضمن تقرير روست اقتباسات من تصريحات علنية ومناقشات داخلية حول تنفيذ خطة التدمير.
مقالات ذات صلة حدث يعتدي على آخر بأداة حادّة والأمن يوضح التفاصيل 2025/03/17في خطاب ألقاه يحيى السنوار في مؤتمر عقد في غزة عام 2021 حول “فلسطين بعد التحرير”، تم التعبير عن تقدير بأن “النصر قريب… نحن نرى التحرير بالفعل ولذلك نستعد لما سيأتي بعده”. في المؤتمر، تمت مناقشة أفكار للسيطرة على أراضي إسرائيل بعد احتلالها.
من جانبه، قال صلاح العاروري، أحد كبار قادة “حماس” في الخارج، في مقابلات في أغسطس 2023: “أصبحت الحرب الشاملة حتمية. نحن نريدها، محور المقاومة، الفلسطينيون، كلنا نريدها”.
أما أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله أعلن بعد “حارس الأسوار” عن معادلة جديدة، مفادها أن الرد على الاعتداءات على المسجد الأقصى في القدس لن يقتصر على قطاع غزة بل سيكون “حربا إقليمية من أجل القدس”. بعد عامين، ادعى نصر الله أن هناك أملا عمليا لتحرير فلسطين، “من البحر إلى النهر”.
وقال يومها إن الجبهة الداخلية في إسرائيل “ضعيفة، مهتزة، قلقة، مستعدة دائما لحزم الحقائب والمغادرة”.
وكتب روست أن هذه التصريحات العلنية تجد صدى قويا في الوثائق التي تم الاستيلاء عليها، والتي تشير إلى أنها لم تكن مجرد تفاخر فارغ.
ويستشهد برسالة من كبار قادة “حماس” في غزة إلى إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، في يونيو 2021. تمت الإشارة فيها إلى أن الهدف هو “النصر الكبير وإزالة السرطان”، وكذلك “القضاء على الكيان وإزالته من أرضنا وأماكننا المقدسة”، وتم تقديم طلب تمويل بقيمة 500 مليون دولار لمدة عامين، لتحضير العمليات العسكرية.
في رسالة أرسلت أيضا إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، كتب: “هذا الكيان الوهمي (إسرائيل) أضعف مما يظن الناس… بمساعدتكم، نحن قادرون على اقتلاعه وإزالته”.
بعد شهر، كتب السنوار إلى سعيد يزدي، رئيس قسم فلسطين في فيلق القدس، ووعد بـ”انتصار استراتيجي هائل سيكون له تأثيرات استراتيجية على مستقبل المنطقة بأكملها”. وطلب من يزدي مساعدة حماس في بناء قدرة عسكرية مستقلة للمنظمة في جنوب لبنان.
بعد عام، ازدادت خطوات التنسيق بين قيادات حماس في غزة وقطر. أرسل السنوار رسالة إلى إسماعيل هنية الذي كان في الدوحة، وقدم فيها سيناريو استراتيجيا لتدمير إسرائيل.
ووصف السنوار ثلاثة سيناريوهات هجومية محتملة:
الأول، والأكثر تفضيلا، هجوم مشترك من “حماس” و”حزب الله”، ويفضل أن يكون في الأعياد اليهودية، لأن إسرائيل “تزيد من أعمال العدوان في الأقصى”.
الثاني، هو هجوم من “حماس” بدعم جزئي من “حزب الله”، سيضع الأساس لتدمير إسرائيل في المستقبل.
الثالث ستقوم “حماس” بالعمل بقوة من غزة والضفة الغربية، مع تلقي الدعم من ميليشيات في الأردن وسوريا، دون دعم مباشر من “حزب الله” أو إيران.
وحسب الوثائق فإن مثل هذا الإجراء لا يتطلب موافقة مسبقة من الإيرانيين، بل فقط تنسيق مع “حزب الله”. وقد طلب السنوار من هنية زيارة إيران على وجه السرعة، والدفع نحو إنشاء قوة لـ”حماس” في لبنان.
في 1 يوليو 2022، كتب هنية إلى السنوار أنه أجرى اجتماعا سريا مع نصر الله من “حزب الله” ومع يزدي من فيلق القدس، وتم تقديم السيناريوهات. كتب هنية أن نصر الله أيد السيناريو الأول، وأشار إلى أنه سيناقشه مع خامنئي.
بعد ستة أشهر، في اجتماع لـ”حماس” في الدوحة، وصف هنية التصعيد في إسرائيل مع تشكيل حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو. وذكر أن الصراع مع إسرائيل يقترب من نقطة الانفجار، وأشار إلى الاحتجاجات ضد “الثورة القضائية” (التي كانت في منتصف يناير 2023 لا تزال في بداياتها) كعامل يزعزع إسرائيل.
في منتصف يونيو 2023، زارت بعثة حماس برئاسة هنية والعاروري إيران، والتقت بكبار المسؤولين في النظام، بقيادة خامنئي. أكد هنية في المحادثات أن الحركة جاهزة لحملة جديدة ضد إسرائيل. وأشار الإيرانيون إلى أنهم يرون “إمكانية لإزالة إسرائيل من الخريطة”.
وقالت “هآرتس” ما حدث بعد ذلك، للأسف، معروف لكل إسرائيلي: قررت “حماس” في النهاية الهجوم بمفردها، دون تنسيق الموعد مع إيران و”حزب الله”، ونصرالله بعد تردد وأخيرا أمر بمشاركة جزئية من لبنان بشكل سمح لإسرائيل بالدفاع ثم شن هجوم مضاد. ومع ذلك، فوجئت إسرائيل تماما بالهجوم من غزة، وكانت أضراره هائلة.