السومرية نيوز – دوليات

يتبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن الرواية الإسرائيلية بحذافيرها، لكن يشكك في أعداد شهداء القصف الهمجي لغزة، فكيف توثّق وزارة الصحة الفلسطينية سجلات الضحايا؟
ومنذ "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، سعت إسرائيل إلى إضفاء صبغة دينية على حربها غير الإنسانية على قطاع غزة، وصدر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وبجانبه تماماً بايدن، روايات مضللة بشأن طبيعة الصراع وما جرى فعلاً يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.



إذ إن "طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصاراً خانقاً على القطاع منذ 17 عاماً. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع بعد أن اخترقت الجدار الحديدي وسحقت فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.

بايدن يشكك في أعداد ضحايا غزة
لم يتوقف الرئيس الأمريكي جو بايدن عند ترديد الدعايات الإسرائيلية والأكاذيب دون دليل، لكنه شكك في مصداقية تقارير وزارة الصحة في غزة عن عدد الشهداء والجرحى خلال القصف الإسرائيلي الهمجي المستمر على قطاع غزة، زاعماً أن أن وزارة الصحة تديرها حماس.

قال الرئيس الأمريكي: "لا أعتقد أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى. أنا متأكد من أن هناك أبرياءً قُتِلوا، وهذا هو ثمن شن حرب. لكن ليست لدي ثقة في العدد الذي يعتمده الفلسطينيون".

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً يرصد تشكيك الرئيس الأمريكي والحقيقة بشأن أعداد الضحايا، شهداء ومصابين. كانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت، الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، أن القصف الإسرائيلي لغزة أدى إلى استشهاد 7028 فلسطينياً، من بينهم 2913 طفلاً، في الفترة الممتدة على مدار ثلاثة أسابيع تقريباً منذ عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي خطوة لتجنب مزاعم التلفيق، أصدرت الوزارة أيضاً قائمةً مكونة من 212 صفحة بأسماء وأرقام هوية كل فلسطيني استشهد في القصف الإسرائيلي المستمر، بينما دعا مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بايدن إلى الاعتذار عن تصريحاته "الصادمة والمهينة للإنسانية".

وتُعَد وزارة الصحة في غزة هي المصدر الرسمي الوحيد لأعداد الضحايا في القطاع، فقد أغلق الاحتلال الإسرائيلي حدود قطاع غزة، ومنعت الصحفيين الأجانب والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إليه.

وكالة Associated Press الأمريكية هي من بين عددٍ صغير من المؤسسات الإخبارية الدولية التي لها فريقٌ في غزة. وبينما لا يستطيع هؤلاء الصحفيون إجراء إحصاء شامل، فقد شاهدوا أعداداً كبيرة من الجثث في مواقع الغارات الجوية والمشارح والجنازات.

وتقول الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى والخبراء، وكذلك السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، إن وزارة الصحة في غزة بذلت منذ فترة طويلة جهوداً حسنة النية لحساب الضحايا في ظل أصعب الظروف.

كيف توثّق وزارة الصحة في غزة أعداد الضحايا؟
مايكل رايان، من برنامج الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية، قال لوكالة Associated Press: "قد لا تكون الأرقام دقيقة تماماً من دقيقة إلى أخرى، لكنها تعكس إلى حد كبير مستوى الوفيات والإصابات".

وقال نهاد عوض، مدير المجلس: "أكد الصحفيون ارتفاع عدد الضحايا، وتُظهِر مقاطع فيديو لا تعد ولا تحصى تخرج من غزة كل يوم جثثاً مشوهة لنساء وأطفال فلسطينيين ومباني بأكملها في المدينة سُوَّت بالأرض".

لوك بيكر، المدير السابق لمكتب وكالة Reuters في القدس، هو من بين أولئك الذين يدعون المؤسسات الإخبارية إلى إظهار التشكك في صحة بيانات وزارة الصحة في غزة.

نشر بيكر على منصة إكس، قائلاً: "يبدو من الواضح أن أية مؤسسة إخبارية تحترم نفسها ستوضح أن وزارة الصحة في غزة تديرها حماس. لدى حماس حافز دعائي واضح لتضخيم الخسائر في صفوف المدنيين قدر الإمكان. أنا لا أنكر أن هناك مدنيين يُقتلون".

ويقول آخرون إن الوزارة لديها سجل حافل من أرقام الضحايا الموثوقة، وإنها وقعت ضحية للحرب الدعائية في الوقت الذي تسعى فيه دولة الاحتلال إلى تقليل عواقب مئات الغارات الجوية على غزة.

وفي الماضي، اعتمد تقرير حقوق الإنسان السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشكل غير مباشر على أرقام الضحايا التي تنشرها الوزارة نفسها في نقله عن إحصاءات الأمم المتحدة المستمدة من البيانات الفلسطينية.

عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قال لصحيفة الغارديان إنه لا يرى أي دليل على التلاعب بالأرقام، مضيفاً: "نحن نرصد انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة منذ ثلاثة عقود، بما في ذلك عدة جولات من الأعمال العدائية. ولقد وجدنا بشكل عام أن البيانات الصادرة عن وزارة الصحة موثوقة".

"عندما أجرينا تحقيقاتنا المستقلة حول غارات معينة، وقمنا بمقارنة هذه الأرقام بتلك الصادرة عن وزارة الصحة، لم تكن هناك انحرافات كبيرة. الأعداد الصادرة عنهم بشكل عام تتفق مع ما نراه على الأرض في الأيام الأخيرة. هناك مئات الغارات الجوية يومياً في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم".

وتابع قائلاً: "نظرنا إلى صور الأقمار الصناعية. رأينا أعداد المباني، والأعداد التي تظهر تتماشى مع ما كنا نتوقعه ومع ما نراه على الأرض. لذا نحن واثقون تماماً من العدد الإجمالي للضحايا".

من هم ضحايا القصف الإسرائيلي؟
وقال شاكر إن من الصعب تمييز المقاومين والمدنيين بين الشهداء، لكن النسبة الكبيرة من النساء والأطفال الذين فقدوا حياتهم تشير إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين. وقال أيضاً إن هناك حاجة للتمييز بين أعداد الضحايا المباشرة التي تظهر بسرعة في أي يوم وتلك التي تُجمَع بمرور الوقت، عندما تتضح الأمور بشكل أكبر.

استند بايدن على ما يبدو في تشكيكه في مصداقية أرقام وزارة الصحة في غزة، على ما حدث في أعقاب الاستهداف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني في غزة مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وما صاحب ذلك من تضارب مبدئي في تقديرات أعداد الضحايا.

ففي تصريحات مبدئية بعد دقائق من الانفجار الضخم في المستشفى، والذي سبب صدمة عالمية وغضباً عارماً، صدرت تقديرات عن بعض العاملين في وزارة الصحة تشير إلى أن هناك ما لا يقل عن 500 شهيد في الغارة الجوية الإسرائيلية، سعت إسرائيل وحلفاؤها، وعلى رأسهم بايدن الذي كان في طريقه إلى تل أبيب، إلى "التنصل" من الجريمة عبر الزعم بأنها قد تكون نتجت عن صاروخ فلسطيني سقط بالخطأ.

ولاحقاً، سعت إسرائيل وأبواقها أيضاً إلى التقليل من أعداد ضحايا مذبحة المستشفى المعمداني، بالترويج لأن أعداد من فقدوا أرواحهم تتراوح فقط بين 100 و300، وتوظيف ذلك في سياق التشكيك في أعداد الضحايا في القطاع بشكل عام. لكن شاكر وآخرين يقولون إن تقديرات عدد الضحايا مباشرة بعد الهجوم يجب التمييز بينها وبين الحسابات المستندة إلى البيانات المسجلة.

والمصدر الأكثر نقلاً عن الضحايا في غزة هو المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، ومن مكتبه في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، يتلقى القدرة تدفقاً مستمراً للبيانات من كل مستشفى في القطاع.

يقول مديرو المستشفيات إنهم يحتفظون بسجلات لكل جريح يشغل سريراً وكل جثة تصل إلى المشرحة. ويقومون بإدخال هذه البيانات في نظام محوسب مشترك مع القدرة وزملائه. ووفقاً للقطاتٍ من شاشات الكمبيوتر أرسلها مديرو المستشفيات إلى وكالة Associated Press، يبدو النظام وكأنه جدول بيانات مُرمَّز بالألوان ومقسَّم إلى فئات: الاسم ورقم الهوية، وتاريخ دخول المستشفى، ونوع الإصابة، والحالة.

وقال القدرة إن الأسماء ليست متاحة دائماً، ويواجه هو وزملاؤه اضطرابات بسبب انقطاع الاتصال، لكنهم يقولون إنهم يتصلون للتحقق مرة بعد أخرى من الأرقام.

وتقوم الوزارة بجمع البيانات من مصادر أخرى أيضاً، بما في ذلك الهلال الأحمر الفلسطيني. وتصدر الوزارة تحديثات للضحايا كل بضع ساعات، موضحة عدد القتلى والجرحى مع تفصيل الرجال والنساء والقاصرين.

ومن الناحية التاريخية، دائماً ما كانت أرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة موثوقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أسماء الشهداء تكون موثقة بعناية، وأن شخصياتهم تكون معروفة جيداً في المجتمعات المكتظة في المنطقة.

وقال شاكر: "بشكل عام، تجري فهرسة هذه البيانات بطريقة تحتوي على تفاصيل دقيقة تتضمن معلومات تعريفية عن كل شخص. وهذا جزء من سبب اعتقادنا أن هذا موثوق به".

وقال مسؤول بالأمم المتحدة للصحيفة البريطانية، رفض الكشف عن هويته، إن وكالته استخدمت بيانات وزارة الصحة في غزة وفحصتها لسنوات. وأضاف: "لم أر شيئاً يدل على أنهم يختلقون الأرقام. لقد نظرنا إلى بعض التفجيرات الإسرائيلية وأعداد القتلى التي تدعي الوزارة أنها ناجمة عن هجوم معين تتماشى إلى حد كبير مع ما رأيناه في الحروب السابقة".

وقال إن سبب ارتفاع إجمالي عدد الضحايا هو أن الهجمات كانت "أكبر بكثير من أي شيء رأيناه في الحروب السابقة. إنهم لا يضخِّمون الأرقام".

وحتى مساء الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى جيش الاحتلال بأكثر من 7 آلاف صاروخ وقذيفة على قطاع غزة، وهو ما يشير إلى أن القصف الذي تتعرض له غزة هو "الأكثر عنفاً وتدميراً" على الإطلاق خلال القرن الحادي والعشرين، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لكن الواضح أن الرئيس الأمريكي "يختار" المعلومات التي يرغب في تصديرها للعالم من البيت الأبيض.

شاكر قال أيضاً للغارديان إن وزارة الصحة الفلسطينية انخرطت في المعركة الأوسع للرأي العام، التي واجهت فيها إسرائيل اتهاماتها بالتلاعب بأرقام الضحايا، للتقليل من عدد الشهداء المدنيين، والادعاء كذباً بأن الفلسطينيين العزل الذين قتلهم الجيش في الضفة الغربية المحتلة كانوا مقاتلين.

وقال شاكر: "مع الأسف، عندما يصبح الواقع صعباً، فإن إسرائيل والعديد من حلفائها يفضلون إنكاره أو دفن رؤوسهم في الرمال. وما داموا قادرين على بث ضبابهم من المعلومات المضللة حول ما يحدث، فإن ذلك يوفر غطاءً لاستمرار ذلك. الاستمرار في قتل أكثر من 100 طفل فلسطيني كل يوم".

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول وزارة الصحة فی غزة القصف الإسرائیلی الرئیس الأمریکی أعداد الضحایا أرقام الضحایا عدد الضحایا الصادرة عن الضحایا فی بشکل عام عن وزارة قطاع غزة التی ت

إقرأ أيضاً:

مصر: تصدير الأطباء هو الحل لمواجهة هجرة الأطباء!

في حين تعاني منظومة الرعاية الصحية في مصر من وجود نقص شديد في أعداد الأطباء مقارنة بعدد السكان من ناحية، وبالنسب العالمية من ناحية أخرى، فقد جاءت التصريحات الصادمة لرئيس الوزراء في منتصف شهر نيسان/ أبريل 2025 الجاري؛ أنه يتم تنفيذ التوجيهات الرئاسية، وأنه بعد التوسع في إنشاء كليات الطب؛ فقد تم قبول 29 ألف طالب في العام الحالي سوف يصبحون أطباء بعد ست سنوات حسب قوله، وحينها تصبح مصر تمتلك قوة ناعمة من الأطباء يمكن تصديرها للخارج مما يؤدى إلى النمو المالي وزيادة رصيد العملة الصعبة بالبلاد.

وقد سبق وأن تم الإعلان عن وجود عجز في أعداد الأطباء بصورة رسمية في كلمة وزيرة الصحة السابقة في شهر أيلول/ سبتمبر 2018، وهي تبرر حدوث كارثة وفيات مرضى الغسيل الكلوي في مستشفى ديرب نجم بمحافظة الشرقية (حزيران/ يونيو 2018)؛ وقتها قالت بأن 60 في المئة من الأطباء تركوا مصر للعمل في الخارج، واستمرت تلك النسبة في تزايد مستمر، وكان آخرها ما أعلنه نقيب الأطباء عن استقالة سبعة آلاف طبيب من العمل في المستشفيات الحكومية عام 2024.

مشكلة زيادة هجرة الأطباء خارج مصر لها أسباب تم رصدها ودراستها من جهات متعددة:

مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء، لأن عدد جميع الأطباء المسجلين في النقابة يجعل نسبة الأطباء في مصر أفضل من النسب العالمية لعدد السكان، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن 60 في المئة وأكثر من الأطباء قد هربوا إلى الخارج لعدة أسباب من بينها:

مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء، لأن عدد جميع الأطباء المسجلين في النقابة يجعل نسبة الأطباء في مصر أفضل من النسب العالمية لعدد السكان، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن 60 في المئة وأكثر من الأطباء قد هربوا إلى الخارج لعدة أسباب
أولا: فساد بيئة العمل: وتشمل سوء حالة المباني ونقص التجهيزات والآلات والأدوات والأدوية والمستلزمات، وفساد بروتوكولات العمل من طول ساعات العمل ومنع الإجازات.

ثانيا: نقص التدريب وغياب فرص التأهيل العلمي خاصة بعد إلغاء الزمالة، وقلة فرص دراسات الماجستير، ليصبح نظام البورد المصري هو الأساس رغم ما فيه من مشاكل وصعوبات، إضافة إلى القصور الشديد في التدريب خاصة في فترة التدريب الإجباري قبل التخرج (فترة الامتياز)؛ حيث أعلن أطباء الامتياز بمستشفيات قصر العيني العريقة بجامعة القاهرة مؤخرا عن تعرضهم لحالة من الإهمال الشديد وعدم التدريب وسوء المعاملة، ناهيك عن انعدام لوجستيات الإقامة والتغذية وأماكن الراحة وصرف المستحقات المالية.

ثالثا: الافتقاد إلى الأمن والأمان الوظيفي في العمل وكثرة الاعتداءات على الأطقم الطبية بصورة شبه يومية.

رابعا: وهو عنصر محوري يشمل تدني الأجور بصورة عامة لا تتناسب مع الوقت ولا مع المجهود المبذول، مع وجود نوع من التمييز بين الأطباء بحسب الجهات التي يعملون لديها سواء عسكرية أو مدنية، وحتى المؤسسات الصحية المدنية بينها تفاوت كبير في الأجور والمزايا. وانعدام العدالة المالية له أثر كبير في حالة الإحباط والسعي نحو الهروب من مصر، إضافة إلىعزوف الأطباء عن شغل الكثير من التخصصات المهمة، مثل التخدير وطب الطوارئ والعناية المركزة.

وزاد الطين بلة عزوف أوائل دفعات الخريجين عن العمل بوظائف طبيب مقيم داخل مستشفيات الجامعية، وكان آخرها استقالة 117 طبيبا من المستشفيات الجامعية في الإسكندرية في شهر آذار/ مارس 2025 الماضي، بالرغم من كونها وظيفة مهمة في مكان متميز وخطوة نحو الترقي في المنظومة العلمية والطبية بالجامعات.

التوجيهات الرئاسية التي أعلن عنها رئيس الوزراء لمواجهة أزمة نقص الأطباء كان لا بد من إعلان تنفيذها بصورة أو بأخرى:

في شهر حزيران/ يونيو عام 2019 تم عقد اجتماع موسع حول تلك المشكلة وصدرت التوجيهات الرئاسية لمواجهة العجز في أعداد الأطباء؛ وشملت ثلاثة محاور رئيسية وهي: أولا: تحويل الصيادلة إلى أطباء، ثانيا: التوسع في افتتاح كليات جديدة للطب بأنواعها الحكومية والخاصة والأهلية وزيادة أعداد الخريجين، ثالثا: تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب لسد العجز في أعداد الأطباء.

بالنسبة للتوجيه الرئاسي الأول بتحويل الصيادلة إلى أطباء، والذي وردت الإشارة إليه في دعوة من رئيس الأكاديمية الطبية العسكرية لنقيب الأطباء لحضور اجتماع لمناقشة الأمر؛ بناء على تكليف من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، فقد أصدرت نقابة الأطباء بيانا في بداية أيار/ مايو 2020، جاء فيه أن "النقابة العامة للأطباء ترفض هذا المقترح تماما، حيث إنه يضر بصحة المواطن المصري، ومن المعلوم بالضرورة أن كل فئة من فئات الفريق الطبي لها دور هام جدا تقوم به فعلا، وتمارسه طبقا للأصول العلمية والمهنية وطبقا لنوعية الدراسة النظرية والعملية التي درستها لسنوات طويلة". وتابع البيان: "لا تستطيع أي فئة أن تحل محل الفئة الأخرى، ولا يجوز القول بأن أي دراسة مكملة يمكنها معادلة شهادة علمية وعملية مختلفة، وهذا الأمر سيضر بسمعة مصر الطبية العالمية، واختتم البيان بالقول: "لذلك نحيطكم علما بأن نقابة الأطباء ترفض هذا المقترح جملة وتفصيلا".

ولكن وحيث أنه كان من الضرورة الواقعية والجبرية أن تتم تلبية التوجيهات الرئاسية؛ وتحت العنوان العريض "التأمين الصحي الشامل: نواجه نقص الأطباء بالاستعانة بالصيادلة"؛ جاءت تصريحات مدير هيئة الرعاية الصحية في التأمين الصحي الشامل الجديد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بأن الهيئة تسعى لمواجهة النقص في أعداد الأطباء بدراسة "التدريب التحويلي"، والذي يهدف لتأهيل التخصصات التي تضم أعداد كبيرة للعمل في تخصصات أخرى فيها عجز، وعلى سبيل ذلك الصيادلة، حيث من المقرر أن يتم وفقا للرؤية أن يعمل الصيدلي مساعدا للطبيب بعد دورات تدريبية معينة.

التوجيهات الرئاسية هي بمثابة الهروب إلى الأمام؛ وترك الواقع كما هو دون أدنى محاولة لمواجهة حقيقية مع مشكلة تزايد هجرة الأطباء ووجود فجوة تشغيلية في الفريق الطبي، حيث يوجد عجز كبير في أعداد الأطباء بالنسبة لعدد السكان
بالنسبة للتوجيه الثاني: فقد بدأ التوسع في افتتاح كليات جديدة للطب مع منحها تسهيلات لمدة ثلاث سنوات بداية من عام 2019، لاستكمال إنشاء مستشفى جامعي تابع لكل كلية طب لتدريب الطلبة حسب القانون، وكانت الزيادة سريعة جدا؛ حيث بلغ عدد كليات الطب في مصر 47 كلية معتمدة من قبل المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، منها 24 كلية في الجامعات الحكومية، و15 في الجامعات الأهلية، و8 كليات في الجامعات الخاصة حتى الآن، وإن كان شرط وجود مستشفى جامعي بسعة سريرية تتناسب مع عدد الطلبة في كل كلية طب لم يتم تنفيذه بصورة كاملة.

وجاء التوجيه الرئاسي الثالث؛ بخصوص تخريج دفعات استثنائية يحمل مفهوما غامضا، فتلك الآلية قد تكون مقبولة في الكليات العسكرية بحيث يتم استكمال التدريب والدراسة ميدانيا، ولكنه غير متعارف عليه بالنسبة للعاملين في مجال الصحة والطب بصورة خاصة، وكان لا بد من إيجاد صيغة يمكن قبولها عمليا وواقعيا لتخريج دفعات عاجلة أو استثنائية. ومن هنا جاءت فكرة تعديل عدد سنوات دراسة الطب لتصبح خمس سنوات فقط بدلا من نظام السنوات الدراسية الست الموجود في مصر منذ أكثر من قرن، وهذا يعني تسريع تخريج الأطباء، وضمان تواجد عدد كاف منهم في المستشفيات على مدى عامين كاملين بدلا من عام واحد هو فترة التدريب الإجباري أو الامتياز، بحيث يحصل الطبيب على شهادة التخرج بعد قضاء فترة سبع سنوات تشمل الدراسة والتدريب الإكلينيكي في المستشفيات.

الواقع العلمي والعملي لتلك التوجيهات الرئاسية يؤكد على أنها بمثابة الهروب للأمام:

تلك التوجيهات الرئاسية هي بمثابة الهروب إلى الأمام؛ وترك الواقع كما هو دون أدنى محاولة لمواجهة حقيقية مع مشكلة تزايد هجرة الأطباء ووجود فجوة تشغيلية في الفريق الطبي، حيث يوجد عجز كبير في أعداد الأطباء بالنسبة لعدد السكان، ويبلغ 9 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، والنسبة العالمية هي 23 طبيبا لكل عشرة آلاف مواطن، إضافة إلى وجود ضعف شديد في مستوى التدريب والتأهيل والكفاءة، مما يؤثر سلبيا على مستوى الرعاية الصحية للمواطنين.

كان المفروض منطقيا أن تكون التوجيهات الرئاسية تنصب حول إزالة أسباب هجرة الأطباء كأولوية أولى عاجلة، خاصة وأن الحلول واضحة سهلة التنفيذ شرط وجود الرغبة والإرادة.

مقالات مشابهة

  • 78 قتيلًا بقصف إسرائيلي على غزة خلال 24 ساعة
  • ترامب يزعم: توصلنا إلى 200 صفقة بشأن الرسوم الجمركية ورئيس الصين اتصل بي
  • وليد الفراج يشكك في عدد بطولات النصر المتداولة.. فيديو
  • وزارة الصحة: إصابة 3 مواطنين في العدوان الأمريكي على أمانة العاصمة ومحافظة صعدة
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة
  • أرتيتا يشكك في إمكانية أن يلحق ميرينو بقبل نهائي دوري أبطال أوروبا
  • مصر: تصدير الأطباء هو الحل لمواجهة هجرة الأطباء!
  • وزارة الصحة بغزة : ارتقاء 39 فلسطينيا .. والحصيلة 51.305 شهداء
  • وزارة الصحة بغزة: ارتقاء 39 فلسطينًا.. والحصيلة 51.305 شهداء
  • خفض المساعدات الأميركية يجبر منظمة الصحة العالمية على تقليص الوظائف