CNN Arabic:
2025-01-18@19:34:54 GMT

إيران قد لا ترغب بحرب شاملة مع إسرائيل.. ولكن هل تنجر لها؟

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

‍‍‍‍‍‍

تقرير من إعداد نادين إبراهيم، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

(CNN)-- بعد يوم واحد من شن حركة حماس الفلسطينية هجومها الدموي على إسرائيل، ظهر مقطع فيديو غريب من ملعب آزادي في طهران. وهتف المئات من مشجعي كرة القدم، الذين تجمعوا لمشاهدة مباراة بين نادي بيرسبوليس ونادي غول جوهر سيرجان، في انسجام تام ضد رفع العلم الفلسطيني.

وجاء الاحتجاج المبتذل ردًا على محاولة المسؤولين رفع العلم الفلسطيني في الملعب لإظهار الدعم لهجوم 7 أكتوبر. لكن بالنسبة للجماهير، كان ذلك مزيجًا آخر غير مرحب به بين السياسة وكرة القدم، وتذكيرًا صارخًا بتورط الحكومة الإيرانية في معارك بالوكالة في ساحات بعيدة.

أدى هجوم حماس، الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص وفقًا للسلطات الإسرائيلية، إلى حملة شرسة على غزة أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 7000 شخص، وفقًا لوزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس. وهناك الآن مخاوف من فتح المزيد من الجبهات في الحرب، بما في ذلك جبهة مع إيران.

ويقول الخبراء إنه في حين أن إيران تشعر بالقلق من الانجرار إلى الحرب بين إسرائيل وحماس، فقد لا يمكنها السيطرة الكاملة إذا تدخلت الميليشيات التي تدعمها في المنطقة بشكل مستقل في الوقت الذي تعاني فيه حماس من ضربات شديدة واستمرار ارتفاع عدد القتلى في غزة.

وقالت سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب، إن "ما يربط كل هذه الجماعات بإيران هو سياساتها المناهضة لإسرائيل"، مشيرة إلى أنه ورغم تمتع إيران بمستويات متفاوتة من التأثير على مجموعاتها، فهي لا تملي عليها كل تصرفاتها.

أثيرت في الأيام الأولى بعد هجوم 7 أكتوبر أسئلة حول تورط إيران المحتمل في عمليات القتل. وفي حين أشادت طهران في ذلك الوقت بالعملية لكنها سارعت إلى نفي أي دور لها فيها. كما أشارت الاستخبارات الأمريكية الأولية إلى أن المسؤولين الإيرانيين فوجئوا بهجوم حماس، وأن طهران لم تشارك بشكل مباشر في التخطيط أو توفير الموارد له أو الموافقة عليه، حسبما ذكرت شبكة CNN.

لكن رغم نفيها، كثفت إيران خطابها ضد عدوها اللدود.

وحذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أن القصف الإسرائيلي لغزة قد يكون له عواقب بعيدة المدى، قائلاً إنه إذا لم توقف إسرائيل غاراتها الجوية، "فمن المحتمل جداً أن يتم فتح العديد من الجبهات الأخرى."

وقال لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي: "هذا الخيار غير مستبعد وأصبح ذلك أكثر احتمالاً على نحو متزايد."

وقال عبد اللهيان، الاثنين، إن الولايات المتحدة بعثت لإيران رسالتين بشأن التصعيد في المنطقة.

وقال عبد اللهيان في مؤتمر صحفي في طهران، الاثنين، دون أن يوضح كيف ومتى تم تسليم الرسائل: "قالت الرسالة الأولى إن الولايات المتحدة غير مهتمة بتوسيع الحرب، وطلبت الرسالة الثانية من إيران ضبط النفس وأصرت على أن إيران يجب أن تطلب أيضًا من الدول الأخرى والأطراف الأخرى ضبط النفس".

وأضاف أنه بينما تقول الولايات المتحدة إنها تريد وقف التصعيد، فإنها تناقض نفسها بمواصلة دعم إسرائيل.

الشركاء لديهم "حساباتهم الإستراتيجية الخاصة"

وقال تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن العاصمة، إنه لا توجد شهية أو رغبة من جانب إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل لحرب أوسع نطاقاً، لكن فشل واشنطن في كبح جماح إسرائيل قد يدفع المنطقة عن غير قصد نحو التصعيد.

وكان الرئيس الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تعهد الأسبوع الماضي بمواصلة الدعم لإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تصلب المشاعر العربية في جميع أنحاء المنطقة وترجم إلى احتجاجات حاشدة ضد السياسات الإسرائيلية والأمريكية.

وقال بارسي: "الطرف الوحيد الذي لديه مصلحة واضحة في (صراع أوسع نطاقًا) هو حماس، نظرا إلى أن توسيع الحرب يمكن أن يغير الديناميكيات بطريقة مواتية لها"، وفي غياب الجهود الأميركية لكبح جماح إسرائيل، "فسوف يشعر العديد من اللاعبين (الإقليميين) بأنهم مجبرون على التدخل... بسبب حساباتهم الاستراتيجية الخاصة".

وأضاف: "عندما تحشد إسرائيل 300 ألف (جندي)، من غير المرجح أن يجلس حزب الله هناك ويفترض أن هذا يتم فقط لملاحقة حماس"، مضيفًا أن ذلك سيأخذ في الاعتبار خطر قيام إسرائيل بملاحقة المجموعة اللبنانية أيضاً.

يتبادل حزب الله، وهو جماعة مسلحة مدعومة من إيران وقوة إقليمية قوية، النار مع الجيش الإسرائيلي منذ هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس. وذلك القتال هو الأسوأ منذ الحرب بين إسرائيل وحزب الله في العام 2006، لكنه اقتصر حتى الآن على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبوع الماضي إن إسرائيل غير مهتمة بحرب أخرى مع حزب الله. ومع ذلك، حولت إسرائيل المنطقة التي يبلغ قطرها 4 كيلومترات بالقرب من حدودها إلى منطقة عسكرية مغلقة، وأجلت السكان من 28 تجمعًا على بعد كيلومترين من الحدود اللبنانية.

لكن نفوذ حزب الله يمتد إلى ما هو أبعد من لبنان، كما أنه يعمل جنبًا إلى جنب مع قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، حيث يفصل ما بين المقاتلين المتحالفين مع طهران وإسرائيل مرتفعات الجولان التي تحتلها.

وللجماعة اللبنانية أيضًا قنواتها الخاصة مع حماس. فقد التقى زعيم حزب الله حسن نصرالله يوم الأربعاء مع مسؤولين كبار من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، حسبما ذكر بيان له، دون الكشف عن مكان عقد الاجتماع.

وجاء في البيان "لقد حدث تقييم… وما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحساسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والغاشم على شعبنا."

كما أدى الصراع بين حماس وإسرائيل إلى مناوشات في سوريا والعراق، حيث شنت الميليشيات المدعومة من إيران عدة هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الأمريكية. ولدى الولايات المتحدة الآن معلومات استخباراتية محددة مفادها أن تلك الجماعات نفسها يمكن أن تصعد أكثر مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس، حسبما ذكرت شبكة CNN هذا الأسبوع.

وتواصل الولايات المتحدة تحذير طهران من استغلال الوضع الحالي أو تشجيع شركائها على التصعيد. وحث وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الثلاثاء، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تحذير إيران من أي تورط آخر.

وقال بلينكن: "قولوا لإيران، قولوا لشركائها علانيةً، سرًا، وبكل الوسائل: لا تفتحوا جبهة أخرى ضد إسرائيل في هذا الصراع. لا تهاجموا شركاء إسرائيل"، مشيراً إلى أن "الصراع الأوسع سيكون مدمراً، ليس فقط للفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن للناس في جميع أنحاء المنطقة، وفي جميع أنحاء العالم."

لقد نفذت الولايات المتحدة، الخميس، غارات جوية استهدفت منشأتين مرتبطتين بالميليشيات المدعومة من إيران في شرق سوريا، وفقًا لبيان صادر عن وزير الدفاع لويد أوستن. وجاءت الضربات بعد سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد القوات الأمريكية في المنطقة. وقال البيان إن المنشآت المستهدفة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة له.

وقالت شاين، من معهد دراسات الأمن القومي، إن إيران لا تريد حربًا مباشرة مع إسرائيل لأن ذلك يعني حربًا مباشرة مع الولايات المتحدة: "من الواضح جدًا أن إيران لا تريد المشاركة بشكل مباشر، وتفضل أن يشارك (فقط) شركائها."

وأضافت شاين، التي عملت سابقًا في مجتمع المخابرات الإسرائيلي طوال معظم حياتها المهنية، أن هذا قد لا يحدث بالضبط كما تريد إيران.

وقالت لشبكة CNN: "على إيران أن تأخذ في الاعتبار أن العالم لا يعمل وفقًا لما تقرره أو تريده إيران. لذا، إذا قرروا استخدام شركائهم أكثر من اللازم، فقد يجدوا أنفسهم في حرب لا يريدونها."

وقال بارسي من معهد كوينسي إن الحكومة الإيرانية تقوم مع ذلك بإعداد شعبها للحرب.

وكانت وسائل الإعلام الإيرانية تزخر بأخبار حرب غزة، حيث أعرب المسؤولون من مختلف ألوان الطيف السياسي الإيراني عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

وقال بارسي: "إنهم يقومون بالفعل بإعداد الرأي العام لهذا الاحتمال من خلال محاولة تقديم الحجة القائلة بأن هذا الشيء قد وصل إلى عتبة بابهم بسبب ما يفعله الإسرائيليون وبسبب الدعم الأمريكي له."

وأضاف أن هذا يظهر أن هناك بالفعل مخاوف لدى الحكومة الإيرانية بشأن كيفية رد فعل المواطنين على حرب تشارك فيها إيران بشكل مباشر.

وقال إنه حتى لو كانت هناك حرب أوسع لا تزال "أقل من عتبة المشاركة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران" حيث تقتصر على شركاء إيران الذين يقاتلون إسرائيل، فسيظل الوضع غير مستقر للغاية. "لا أحد يستطيع حتى السيطرة على الوضع الحالي والتأكد من عدم التصعيد."

أمريكاإسرائيلإيرانالجيش الإسرائيليالحكومة الإيرانيةتحليلاتحركة حماسحزب اللهغزةنشر السبت، 28 أكتوبر / تشرين الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الجيش الإسرائيلي الحكومة الإيرانية تحليلات حركة حماس حزب الله غزة الولایات المتحدة حزب الله من إیران إلى أن أن هذا

إقرأ أيضاً:

هيرست: أثبت شعب فلسطين قدرته على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه

قال الكاتب البريطاني المشهور ديفيد هيرست إن الشعب الفلسطيني أثبت للعالم كله أنه قادر على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه.

كلام هيرست جاء في مقال مطول نشره موقع "ميدل إيست آي" تعليقا على التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أعلنت عنه قطر أمس.

وقال هيرست إن غزة أثبتت للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.

وأكد هيرست إن "إسرائيل" ورغم كل التوحش التي أبدته طيلة 15 شهرا فإنها أخفقت على كل الجبهات.



كما أكد أن الأحداث أثبتت أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو كان العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.


وفيما يلي الترجمة الكاملة لمقال هيرست:
عندما حان وقت الحسم، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من يرمش.

ظل نتنياهو، وعلى مدى شهور، العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.

وهذا ما تجلى بكل وضوح قبل أكثر من شهرين عندما غادر وزير دفاعه يوآف غالانت، المهندس الرئيسي للحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً، قائلاً إنه لم يبق لدى الجيش ما يفعله داخل غزة.

ومع ذلك أصر نتنياهو على الاستمرار، رافضاً في الربيع الماضي صفقة وقعت عليها حركة حماس بحضور مدير الـ"سي آي إيه" وليام بيرنز، ومفضلاً شن هجوم على رفح.

وفي الخريف، توجه نتنياهو من أجل الخلاص نحو خطة الجنرالات والتي كانت تهدف إلى تفريغ شمال غزة من السكان تمهيداً لإعادة توطين الإسرائيليين فيه. كانت الخطة تقضي بتجويع وقصف السكان في شمال غزة من خلال الإعلان عن أن كل من يرفض المغادرة طواعية فسوف يعامل كما لو كان إرهابياً.

كانت تلك الخطة غاية في التطرف، وغاية في التناقض مع القواعد الدولية المتعارف عليها في الحرب، لدرجة أنها تعرضت للتنديد على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون باعتبارها جريمة حرب وتطهيراً عرقياً.

من أبرز ما تضمنته الخطة إقامة ممر يتألف من طريق عسكري وسلسلة من المواقع الأمامية، يخترق وسط قطاع غزة، ويمتد من الحدود الإسرائيلية إلى البحر. كان من شأن ممر نيتساريم فعلياً اختزال الكتلة الأرضية في المنطقة إلى ما يقرب من الثلث، بحيث تصبح حدود "إسرائيل" الجديدة من الجهة الشمالية. وتقضي الخطة بعدم السماح لأي فلسطيني يغادر شمال غزة بالعودة إليه.

إزالة الخطوط الحمراء
لم يجبر أحد من إدارة بايدن نتنياهو على إعادة النظر في هذه الخطة. لا الرئيس جو بايدن نفسه، وهو الصهيوني حتى النخاع، الذي ظل، بغض النظر عن كل خطاباته، يزود "إسرائيل" بالأدوات والوسائل التي تمكنها من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. ولا أنتوني بلينكن، وزير خارجيته، الذي اكتسب عن جدارة في المنطقة لقب الدبلوماسي الأدنى مصداقية على الإطلاق.

حتى بينما كانت توضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، خرج بلينكن على الناس في مؤتمر صحفي أخير قبل المغادرة وجه من خلاله اللوم لحركة حماس محملاً إياها المسؤولية عن رفض العروض السابقة، مع أن العكس تماماً هو الصحيح.

ما من صحفي إسرائيلي شارك في تغطية أخبار المفاوضات إلا وأكد أن نتنياهو هو الذي رفض جميع الصفقات السابقة، وأنه هو الذي يتحمل المسؤولية عن التسويف الذي أخر التوصل إلى صفقة. ولم يجد نفعاً مع نتنياهو حتى يوقف الحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً سوى لقاء قصير جمعه مع المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ستيف ويتكوف.

بعد لقاء واحد فقط، أزيلت جميع الخطوط الحمراء الذي ظل نتنياهو يرسمها بهمة، ثم يعيد رسمها المرة تلو الأخرى، على مدى خمسة عشر شهراً من الحرب.

قال المعلق السياسي الإسرائيلي إيريل سيغال: "نحن أول من يدفع ثمناً مقابل انتخاب ترامب. لقد تم فرض الصفقة علينا. كنا نظن أننا سوف نتحكم بشمال غزة، وأنهم سوف يتركوننا نعيق دخول المساعدات الإنسانية".

ثمة إجماع على ذلك. بل إن المزاج العام داخل "إسرائيل" يشكك في مزاعم النصر. وعن ذلك كتب الصحفي في "واي نيت" يوسي يهوشوا يقول: "لا يوجد داع لتحلية حقيقة أن صفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن سيئة بالنسبة لإسرائيل، ولكن لا خيار لديها سوى القبول بها".

فما تم تداوله من بنود اتفاق وقف إطلاق النار ينص بوضوح على أن "إسرائيل" سوف تنسحب في نهاية المطاف من ممر فيلادلفيا ومن ممر نيتساريم، وهي الشروط التي كان قد رفضها نتنياهو من قبل.

وحتى بدون ذلك، تشير مسودة الاتفاقية بوضوح إلى أن الفلسطينيين بإمكانهم العودة إلى منازلهم، بما في ذلك في شمال غزة، وبذلك تكون محاولة إخلاء هذه المنطقة من سكانها قد باءت بالفشل، وهذا أكبر إخفاق يُمنى به الغزو البري الإسرائيلي.

القتال من جديد
وهناك قائمة من الأمور الأخرى. ولكن قبل أن نسردها، لابد من الإشارة إلى أن نكبة ويتكوف تؤكد على أن "إسرائيل" كانت تعتمد على واشنطن في كل يوم من أيام الذبح المريع الذي مارسته في غزة. حتى أن مسؤولاً في سلاح الجو الإسرائيلي اعترف بأن الطائرات كان يمكن أن تصبح بلا قنابل خلال بضعة شهور لولا تزويد الولايات المتحدة لها بالعتاد اللازم.

لقد وقر في الرأي العام الإسرائيلي أن الحرب تنتهي بدون إنجاز أي من الأهداف الرئيسية لـ"إسرائيل".

فقد خرج نتنياهو ومعه الجيش الإسرائيلي عازمين على "دحر" حماس بعد المهانة والصدمة التي حلت بهم بسبب الهجوم المباغت على جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. من الواضح أنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذه الغاية.

خذ بيت حانون في شمال غزة كنموذج للمعركة التي شنتها حماس ضد القوات الغازية. كانت تلك قبل خمسة عشر شهراً هي المدينة الأولى في غزة التي تحتلها القوات الإسرائيلية، والتي خلصت إلى أن أضعف كتائب حماس تتواجد فيها.

ولكن بعد موجات متتالية من العمليات العسكرية، وكان يفترض في كل واحدة من هذه الموجات أنها كفيلة بإخلاء المدينة من مقاتلي حماس، ثبت أن بيت حانون وحدها كبدت الجيش الإسرائيلي أكبر حجم من الإصابات.

ظلت حماس تنبعث من تحت الأنقاض لتقاتل مجدداً محولة بيت حانون إلى حقل ألغام للجنود الإسرائيليين. منذ إطلاق أحدث العمليات العسكرية في شمال غزة، قضى خمسة وخمسون ضابطاً وجندياً إسرائيلياً حتفهم في هذا المحور، خمسة عشر منهم في بيت حانون فقط خلال الأسبوع الأخير.

لو كان هناك جيش يتعرض للاستنزاف والإنهاك اليوم، فإنه جيش "إسرائيل". فالحقيقة العسكرية البسيطة للحياة في غزة هي أنه بعد مرور خمسة عشر شهراً، مازال بإمكان حماس التجنيد والتجديد بمعدل أسرع من قدرة "إسرائيل" على قتل زعمائها أو مقاتليها.

في تصريح لصحيفة "ذي وول ستريت جورنال"، قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي: "إننا في وضع باتت سرعة حماس في إعادة بناء نفسها أكبر من قدرة إسرائيل على اجتثاثها". وأضاف قائلاً إن محمد السنوار، الشقيق الأصغر لزعيم حماس المقتول يحيى السنوار "هو الذي يدير المشهد بأسره".

لو كان هناك ما يثبت عدم جدوى قياس النجاح العسكري فقط من خلال عدد الزعماء الذين يتم قتلهم، أو الصواريخ التي يتم تدميرها، فإنه هذا هو الأمر.

مخالف لكل التوقعات
في حرب التحرير، بإمكان الضعيف عدة وعتاداً تحقيق النجاح مخالفاً بذلك كل التوقعات. فهذه الحروب ما هي سوى معارك إرادة. ليست المعركة هي التي يعول عليها، وإنما القدرة على الاستمرار في القتال.

في الجزائر وفي فيتنام، كانت الجيوش الفرنسية والأمريكية تتمتع بتفوق عسكري كاسح، ولكن انتهى الأمر بالقوات في كلتا الحالتين إلى الانسحاب بعد سنين عديدة في حالة من الخزي والإخفاق. تحقق ذلك في فيتنام بعد ست سنين من هجوم تيت، والذي كان، تماماً كما هو حال هجوم السابع من أكتوبر 2023، يعتبر في حينه عملية عسكرية فاشلة. ولكن رمزية القتال من جديد بعد كل تلك السنين من الحصار أثبتت أنها العامل الحاسم في الحرب.

في فرنسا، مازالت ندبات التجربة في الجزائر حية حتى اليوم. في كل حرب من حروب التحرير، يثبت تصميم الضعيف على المقاومة أنه أشد حسماً من القدرات العسكرية للقوي.

في غزة، كان تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه – حتى وهي تتحول إلى ركام – هو العامل الحاسم في هذه الحرب. وهذا إنجاز مذهل إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت مقطوعة بالكامل عن العالم، بدون حلفاء يساعدون في كسر الحصار وبدون تضاريس طبيعية تساعد على الاختباء.

صحيح أن حزب الله قاتل في الشمال، ولكن ذلك لم يسعف الفلسطينيين في غزة بشيء على الأرض، وهم الذين كانوا عرضة للقصف الليلي المستمر وللهجمات التي كانت تشن عليهم بالطائرات المسيرة لتمزيق الخيام التي تؤويهم.

لا المجاعة القسرية، ولا البرودة، ولا المرض، ولا التنكيل الوحشي والاغتصاب الجماعي على أيدي الغزاة، فت في عضدهم أو نال من تصميمهم على البقاء في أرضهم.

لم يحدث من قبل أن أظهر المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون مثل هذا المستوى من المقاومة في تاريخ الصراع، ولعل ذلك يكون نقطة تحول تاريخي.

وذلك لأن ما خسرته "إسرائيل" في حملتها التي كانت تهدف إلى سحق غزة لا يمكن حسابه. فلقد هدرت عقوداً من الجهود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المستدامة، التي بذلتها من أجل إقناع الرأي العام الغربي بأنها بلد غربي ليبرالي ديمقراطي.



ذاكرة الأجيال
لم تخسر "إسرائيل" جنوب المعمورة فحسب، رغم ما استثمرته من جهود في أفريقيا وفي جنوب أمريكا. بل لقد خسرت أيضاً دعم جيل من أبناء الغرب، الذين ليست لديهم تلك الذاكرة الطويلة التي لدى بايدن.

لست صاحب هذه الفكرة، وإنما صاحبها هو جاك ليو، الرجل الذي عينه بايدن سفيراً لدى "إسرائيل" قبل شهر واحد من هجوم حماس.

ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذي تايمز أوف إسرائيل" بمناسبة مغادرته لمنصبه، قال ليو، وهو يهودي أرثوذكسي، إن الرأي العام في الولايات المتحدة مازال إلى حد كبير مناصراً لـ"إسرائيل"، ولكن ذلك آخذ في التغير.

وقال: "ما قلته للناس هنا إن ما ينبغي أن يخشوا منه عندما تنتهي هذه الحرب هو أن ذاكرة هذا الجيل لا تمتد لتصل إلى تأسيس الدولة ولا إلى حرب الأيام الستة ولا إلى حرب أكتوبر ولا حتى إلى الانتفاضة. بل تبدأ بهذه الحرب، ولا يمكن للمرء تجاهل أثر هذه الحرب على صناع القرار في المستقبل، وليس على من يصنعون القرار اليوم، وإنما من أعمارهم اليوم 25 أو 35 أو 45، والذين سوف يكونون هم الزعماء خلال الأعوام الثلاثين أو الأربعين القادمة".

وقال ليو إن بايدن كان آخر رئيس من أبناء جيله الذين تمتد ذاكرتهم في القدم لتشمل حكاية تأسيس "إسرائيل".

ما تحدث عنه ليو في تصريحه الأخير الموجه ضد نتنياهو توثقه بشكل كاف استطلاعات الرأي الأخيرة. فأكثر من ثلث الشباب اليهود الأمريكيين يتعاطفون مع حماس، بينما يعتقد 42 بالمائة بأن "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة، ويتعاطف 66 بالمائة مع الفلسطينيين كشعب بالمجمل.

ليست هذه ظاهرة جديدة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري قبل الحرب بعامين أن ربع اليهود الأمريكيين يتفقون مع مقولة إن "إسرائيل دولة فصل عنصري"، ناهيك عن أن أعداداً كبيرة ممن استطلعت آراؤهم لم يجدوا في هذه العبارة معاداة للسامية.

ضرر عميق
لقد غدت الحرب في غزة المنشور الذي يرى من خلاله الجيل الجديد من زعماء المستقبل في العالم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه خسارة استراتيجية كبيرة لبلد كان يظن حتى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بأنه طوى ملف القضية الفلسطينية وأن الرأي العام العالمي بات في جيبه.

إلا أن الضرر أبعد وأعمق من ذلك.

لقد أوجدت الاحتجاجات ضد الحرب، والتي نددت بها الحكومات الغربية أولاً باعتبارها معاداة للسامية ثم راحت تشرع ضدها باعتبارها إرهاباً، جبهة عالمية لتحرير فلسطين، بينما غدت حركة مقاطعة "إسرائيل" أقوى من أي وقت مضى.

تقف "إسرائيل" اليوم في قفص الاتهام داخل المحاكم الدولية، وهو أمر لم يسبق أن حدث من قبل. لا يقتصر الأمر على صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولا على استمرار قضية الإبادة الجماعية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، وإنما ثمة عدد كبير من القضايا الأخرى التي توشك أن تغرق بها المحاكم في كل واحدة من الديمقراطيات الغربية الكبرى.

هناك قضية مرفوعة داخل بريطانيا ضد شركة "بريتش بتروليوم" لقيامها بتزويد "إسرائيل" عبر خط أنابيبها الممتد من أذربيجان إلى تركيا بالنفط الخام، والذي يزعم أنه يستخدم بعد ذلك من قبل الجيش الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي مؤخراً إخفاء هويات جميع جنوده الذين شاركوا في الحملة على غزة خشية أن تتم ملاحقتهم قانونياً حينما يسافرون إلى الخارج.

كانت شرارة هذا الحراك الكبير قد أطلقتها مجموعة صغيرة من النشطاء أطلقت على نفسها اسم الفتاة هند رجب، التي كانت في السادسة من عمرها عندما قتلتها القوات الإسرائيلية في غزة في كانون الثاني/ يناير 2024.

تقدمت المجموعة التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها من المحكمة الجنائية الدولية بأدلة ضد ألف إسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. تشتمل الأدلة على مقاطع مصورة ومسموعة وعلى تقارير صادرة عن الطب الشرعي وغير ذلك من الوثائق.

لن يكون وقف إطلاق النار نهاية كابوس فلسطين، وإنما بداية كابوس "إسرائيل". لن تلبث هذه التحركات القانونية أن تكتسب مزيداً من الزخم كلما تكشفت حقائق ما جرى في غزة وحينما يبدأ توثيقها بمجرد توقف الحرب.

الانقسامات الداخلية
محلياً، سوف يعود نتنياهو من الحرب إلى بلد يعاني من انقسامات داخلية غير مسبوقة. فهناك معركة بين الجيش والحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية. وهناك معركة بين العلمانيين من جهة والصهاينة القوميين المتدينين من جهة أخرى. وبانسحاب نتنياهو من غزة، ينتاب اليمين المتطرف إحساس بأن فرصة إقامة "إسرائيل الكبرى" تم انتزاعها من فكي الانتصار العسكري. وطوال الوقت، لم تزل "إسرائيل" تشهد خروجاً غير مسبوق لليهود منها.

على مستوى الإقليم، تبقى لدى "إسرائيل" قوات داخل لبنان وسوريا. لعله من الحماقة الظن بأن هذه العمليات المستمرة سوف تستعيد الردع الذي فقدته "إسرائيل" عندما هاجمتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

لربما تلقى محور المقاومة الذي تقوده إيران بعض الضربات المستدامة بعد القضاء على قيادة حزب الله، وبعد أن وجد الحزب نفسه ينتشر فوق طاقته في سوريا. ولكن مثله مثل حماس، لم يتعرض حزب الله لضربة قاضية باعتباره قوة قتالية.

يضاف إلى ذلك أن العالم العربي السني يشعر بانزعاج شديد غير مسبوق بسبب ما جرى في غزة وما يمارس من قمع داخل الضفة الغربية.

كما أن مساعي "إسرائيل" المكشوفة لتقسيم سوريا إلى كانتونات يثير حفيظة السوريين من كل المذاهب والعرقيات، وكذلك الحال بالنسبة لخططها ضم مناطق (ب) و(ج) في الضفة الغربية، وهو ما يشعر الأردن بأنه يشكل تهديداً وجودياً له. سوف يتم يتعامل في عمّان مع ضم تلك المناطق من الضفة باعتباره عملاً حربياً.

سوف تكون إزالة التضارب بمثابة العمل الصبور لعقود من إعادة البناء، ولكن ترامب ليس رجلاً صبوراً.

والآن، سوف تتخذ حماس وغزة مقعداً خلفياً. فمع التكلفة الباهظة التي تكبدها الناس فيما فقدوه من أرواح، لم تبق عائلة واحدة لم تتضرر. إلا أن ما حققته غزة على مدى الشهور الخمسة عشر الماضية قد يحدث تحولاً جذرياً في الصراع.



لقد أثبتت غزة للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.

تقول غزة لـ"إسرائيل" إن الفلسطينيين موجودون، وأنهم لن يدجنوا حتى، وما لم، يتحدث معهم الإسرائيليون على قدم من المساواة عن حقوق متساوية.

قد يستغرق استيعاب ذلك سنوات عديدة أخرى، ولكن ذلك حصل لدى البعض، مثل الكاتب يائير أسولين الذي قال في مقال له في صحيفة هآريتس: "حتى لو غزونا الشرق الأوسط بأسره، وحتى لو استسلم الجميع لنا، فإننا لن نكسب هذه الحرب".

إلا أن ما حققه كل من بقي ثابتاً صامداً في غزة لهو أمر بالغ الأهمية من الناحية التاريخية.


مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل انتهاك المنطقة العازلة مع سوريا
  • السلطات الأمريكية تكشف كيف سرب محلل سابق في CIA خطط إسرائيل لمهاجمة إيران
  • بوتين وبزشكيان يوقعان اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة
  • العراق: نحاول إقناع فصائل مسلحة متحالفة مع إيران بالتخلي عن السلاح
  • موقف أذرع إيران بالعراق واليمن من وقف إطلاق النار في غزة.. ومصير الهجمات على إسرائيل
  • ‏الرئيس اللبناني يرحب باتفاق غزة ويدعو الدول الراعية والأمم المتحدة لتتبع التزام إسرائيل بتنفيذ بنوده
  • هيرست: أثبت شعب فلسطين قدرته على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه
  • كيف تستعد مستشفيات إسرائيل لاستقبال الرهائن؟
  • الولايات المتحدة تكشف عدد شاحنات المساعدات التي ستدخلها لغزة
  • إسرائيل.. لماذا تباينت ردود الفعل تجاه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟