محمد قراطاس يكتب: مأساة غزّة وازدواجية الأخلاق الإنسانية
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
أثير- الكاتب والشاعر العماني محمد قراطاس
ما هو تعريف الأخلاق؟ فليس هناك تعريف تفصيلي محدد لهذا المصطلح، وكل ثقافة لها تعريف ممسوح بثقافتها، لكن تتفق جميع الحضارات على أن قتل الأبرياء خصوصًا الأطفال هو جريمة إنسانية لا يواقف عليها إلا المنسلخ أخلاقيا من إنسانيته.
واليوم ما يحدث في غزّة كشف لنا أن السياسة قذرة ليس لديها أي قيمة أخلاقية، وأن الشعوب -جميع الشعوب- مغلوب على أمرها أمام السياسيين ومصالحهم.
لقد اختلط الحابل بالنابل في هذه المأساة؛ فالحكومات العربية والإسلامية تعيش حالة من التشتت بين واجبهم الإنساني وواجبهم البُرجماتي السياسي وصراخ شعوبهم لنجدة غزّة. يحاولون الإدلاء بصوت الإدانة بأشكال فردية وأشكال جماعية لعلها تفعل شيئا إزاء هذه الكارثة، حكومات الغرب المتحضّر عادت إلى حظيرة الحروب الدينية في العصور الوسطى، وتكاد تقول بأنها تحاول تكرار مأساة بيت المقدس عندما دخلها الصليبيون.
الدول اليسارية تقوم بدورها المعتاد تجاه مثل هذه القضايا، الخطب المستنكرّة للإمبريالية العالمية وأحيانا قطع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، وهو موقف بالنسبة لنا مشرف إنسانيا حيث لا يربطنا بهم سوى الإنسانية، بغضّ النظر عن العداء المستحكم أصلا بينهم وبين دول الغرب أيدلوجيا وهل هو السبب أم لا.
وما يحصل من بعض هؤلاء الشهود الذين يعيشون خارج المأساة وخلف الشاشات كارثة أخلاقية أخرى؛ فالغزاويون يعيشون تحت سياط جهنّم، والبعض يترزّق على هذه المشاهد في محاولة لكسب الآلاف من المشاهدات؛ القنوات الإعلامية، المدونّون، الناشرون، المغردون، الخطباء والمتظاهرون ليس جميعهم لكن الكثير منهم يأكلون من مائدة المآسي اليومية لسكان غزّة. فيما تحاول الشركات المنافسة للشركات الغربية استغلال الوضع للدعوة لمقاطعة هذه الشركات والاستفادة من زيادة المبيعات نتيجة الانزياح الكبير للمستهلكين، وبرغم ذلك فالكل يتفق أن الإعلام هو السلاح والوحيد المتبقي لنا في خضمّ هذا الجحود والضعف الإنساني، والكل يتفق أنه ليس الوقت المناسب لإطلاق الأحكام على النوايا بل هو الوقت الذي يدفع فيه الجميع تجاه الضغط الإعلامي العالمي لعلّه يثمر لنا شيئا.
الغزاويون يعيشون المأساة يوميا، يعيشون الموت يوميا، يعيشون الفراق الأبدي يوميا، كل المآسي من فقدان الأحباب والمال والبيوت تتجدّد يوميا في غزّة. لا أحد يستطيع أن يقول بأنه يشعر بألمهم، لأنه لا يمكن فهم هذه الفظاعات بدون أن يعيشها الإنسان، ما عدا ذلك فكلّها محاولات والمحاولة لا تغني من الألم شيئا. الجميع يقف عاجزا أمام هذا المشهد الجميع بلا استثناء.
والدعاء هو الأكثر صفاء بين كل هذه التجاذبات، وربما هو الأكثر فاعلية بالنسبة لنا كمؤمنين في رفع الغمّة عن أهل غزّة، نسأل الله بجلال ملكوته وملكه وبعظيم سلطانه وجنوده أن يرفع هذه الكارثة عن غزّة وأن يدمّر أعداء الإنسانية، وأن يعيد لأهالي غزة الأمن والأمان ويهزم عدوهم. اللهم آمين.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
حفظ الأسرار.. أمانة الأخلاق وميزان الرجولة
أكد الإسلام على أهمية الأمانة باعتبارها أحد أعظم الأخلاق التي يتميز بها المؤمن الحق، ولم تقتصر الأمانة على الأموال والممتلكات فحسب، بل شملت أيضاً صيانة الأسرار وحفظ الكلام الذي يُفترض فيه الثقة والخصوصية.
قال سيدنا رسول الله ﷺ: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» [أخرجه أبو داود]. في هذا الحديث الشريف، يوضح النبي الكريم ﷺ أن مجرد التفات الشخص أثناء حديثه إشارة ضمنية لطلب الأمانة في حفظ ما قاله، مما يبرز مدى دقة الإسلام في ترسيخ القيم الأخلاقية في أدق التفاصيل.
صيانة الأسرار: أمانة ثقيلة وواجب شرعيحفظ الأسرار ليس مجرد تصرف اجتماعي محمود، بل هو واجب شرعي وأمانة تُسأل عنها يوم القيامة. فحينما يبوح الإنسان بسر إلى أخيه، فإنه يمنحه جزءاً من ثقته، ويضع بين يديه أمانة غالية، فإذا خان هذه الثقة وأفشى السر، فقد ارتكب خيانة لا تقل خطورتها عن خيانة المال أو العهد.
إن إفشاء الأسرار يؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية والإنسانية، وكم من علاقات أُفسدت، وأسرٍ تفرقت، وفتنٍ اشتعلت بسبب استهانة البعض بصيانة الكلام، وعدم مراعاة حرمة ما يقال في سياق الخصوصية والثقة.
الأمانة.. خلق المؤمنينالأمانة في الإسلام قيمة شاملة تمتد إلى كافة جوانب الحياة؛ فهي تشمل حفظ المال، والعهد، والكلام، والأسرار. يقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» [النساء: 58]، وهذا التوجيه الإلهي يؤكد أن أداء الأمانة هو معيار لإيمان الإنسان وتقواه.
أضرار خيانة الأمانة في الكلامتفكك العلاقات الاجتماعية: إفشاء الأسرار يؤدي إلى انعدام الثقة بين الناس، مما يضعف العلاقات الأسرية والاجتماعية.انتشار الفتن والمفاسد: الكلمات قد تكون بذوراً للفتنة والفساد، خاصة إذا نُقلت دون أمانة أو أُخرجت عن سياقها.الإضرار بالسمعة: نشر الكلام الخاص قد يسيء لصاحبه، ويضعه في مواقف محرجة أو مشوهة أمام الآخرين.رسالة أخلاقيةالأمانة ليست مجرد صفة أخلاقية عابرة، بل هي دليل على رجاحة العقل ونقاء السريرة، وعلامة على الأخلاق الرفيعة التي دعا إليها الإسلام. فلا أعظم خيانة من أن يُفضي إليك أخوك بسر، فتذيعه أو تستخدمه ضده.
فلنحرص على التحلي بهذه الفضيلة العظيمة، ولنحفظ ودائع الكلام كما نحفظ ودائع المال، ولنتذكر دائماً أن الأمانة خلق عظيم يرفع المؤمن درجات عند ربه، ويحفظ له مكانته بين الناس.