فلسطين.. في التذكير بما هو بدهي!
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
فلسطين... في التذكير بما هو بدهي!
الفلسطينيون ذهبوا إلى أوسلو قبل ثلاثين عامًا ليعودوا بوعد لم يتحقق أبدًا.
من اليهود الأصدقاء من يتبنّى الموقف ذاته من الاحتلال الصهيوني والممارسات العنصرية و"الجدار" و"الضم".
لا أمن ولا أمان ولا شرق أوسط مستقرًا بلا إنهاء للاحتلال وعودة الحقوق لأصحابها والامتثال للشرعية الدولية.
استحضر الإسرائيليون خبراتهم في الاستفادة الدعائية من مذابح الهولوكوست، فبدأت آلاتهم الإعلامية في ضخّ الأكاذيب.
"القضية لم تنتهِ"، رغم كل الاتفاقات والتوقيعات ورغم حصار 17 عامًا، ورغم الدماء وعشرات آلاف الضحايا على مدى 75 عامًا.
* * *
مُغتًرًا بقوّته، وصفقاته "الترامبية"، وهيمنته المتَصوّرة، ومحتفيًا بالتطبيع العربي المجاني، ومبشّرًا أو طامعًا بشرق أوسط جديد تكون إسرائيل مركزه، كان نتنياهو واضحًا، حين وقف على منصة الأمم المتحدة في سبتمبر ليقول إنّ "القضية قد انتهت.. وليس للفلسطينيين حق الاعتراض".
بعدها؛ بأسبوعين فقط، وبرسالة بطعم الاستشهاد دفاعًا عن "حق الاعتراض"، كانت رسالة الفلسطينيين أيضًا واضحة لنتنياهو، والذين معه. عنوانها الكبير: "القضية لم تنتهِ"، رغم كل الاتفاقات والتوقيعات (من غير ذوي العلاقة)، ورغم حصار السبعة عشر عامًا، ورغم الدماء وآلاف الضحايا على مدى 75 عامًا. وأن لا أمن ولا أمان ولا شرق أوسط مستقرًا بلا إنهاء للاحتلال وعودة الحقوق لأصحابها والامتثال للشرعية الدولية.
لا جديد في الرسالة الفلسطينية، فمقاومة الاحتلال عرفناها في التاريخ الإنساني كلّه، ليس بداية من المقاومة الأوروبية "المسلحة" للاحتلال النازي، وليس نهاية بمقاومة الأوكرانيين "المسلحة" للغزو السوفياتي.
نفهم أنّ اعتبارات انتخابية، وتحيّزات أيديولوجية، وتوجسات إيرانية حكمت الموقف الأمريكي، فلم يتردد أنتوني بلينكن أن يقول إنه جاء إلى المنطقة "كيهودي"، في استحضار صارخ للعقيدة الدينية في غير موضعها.
ونفهم أنّ موروثًا تاريخيًا يُثقله "الإحساسُ بالذنب" كان وراء التصريحات والمواقف الألمانية. ونفهم أنّ رواسب ثقافة استعمارية حكمت التحركات البريطانية في المتوسط، والتصريحات "الماكرونية" في الإليزيه، ولكن ما بدا من مواقف "وبيانات عربية"؛ متردّدة، أو حتى متواطئة (للأسف) كان صادمًا.
خاصة أنه تسلل من أروقة القصور (ملكية وجمهورية)، والتي نعرف حساباتها (طمعًا أو ضعفًا)، إلى أقلام البعض، وشاشات التلفاز، وساحات التواصل الاجتماعي الواسعة المفتوحة أمام أسراب الذباب الإلكتروني، والمحاولة الصهيونية الممنهجة والمستمرة لغسيل العقل العربي؛ محوًا للذاكرة، ومخاصمةً للمنطق.
استحضر الإسرائيليون خبراتهم القديمة في الاستفادة الدعائية من مذابح الهولوكوست، فبدأت آلاتهم الإعلامية الضخمة، في ضخّ الأكاذيب، بدايةً من القصة الكاذبة لذبح الأطفال الأربعين، التي ردّدها بايدن قبل أن يسارع مكتبه للتراجع عتها، وليس نهايةً بمحاولة الربط بين "حماس" وتنظيم "داعش"، إلى حد ترويج صور مكذوبة لأعلام التنظيم السوداء بزعم أن مقاتلي "حماس" (الذين نعرف اعتزازهم بأعلامهم الخضراء) تركوها وراءهم.
لسنا بحاجة إلى تذكيرنا ببدهية أن لا منطق في الدفاع عن استهداف "المدنيين العزّل"، ولكن وحتى بعيدًا عن إشكالية التعريف في الواقع الإسرائيلي الذي يحمل المستوطنون/المستعمرون "المدنيون" فيه السلاح، ويستخدمونه؛ ترهيبًا وقتلًا، وحرقًا للبيوت والمزارع (قبل يومين فقط أطلقوا النار على جنازة في نابلس المحتلّة فقتلوا فلسطينيين بين المشيّعين)، وبعيدًا عن ضرورة العودة إلى القرارات الدولية للتمييز بين "دولة الاحتلال"، والمواطنين تحت الاحتلال، وبين الضوابط القانونية لسلوك "الجيش النظامي" مقابل "جماعات المقاومة المسلّحة".
فلا منطق أيضًا في السكوت عن حقيقة أنّ "جيش الاحتلال" قتل في حربه على غزة 2014 بصواريخه "دقيقة التصويب" ما يربو على 2200 من المدنيين، بينهم 548 من الأطفال والرضّع و360 من النساء والشيوخ (الأرقام لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية)، ناهيك عن القتل اليومي في الأشهر الأخيرة في غزة، والضفة الغربية (المحتلّة - وفق مقررات القانون الدولي).
كما لا منطق في أن ننسى السجل الطويل من المذابح، وجرائم الحرب بحق المدنيين الفلسطينيين على مدى ثمانية عقود، والتي وثّقها الإسرائيليون أنفسهم، من ذلك تسميمهم لآبار القرى العربية عام 1948 وهو ما كشفت عنه بالوثائق، الصحافة الإسرائيلية (Haaretz)، ومنها ما جرى في كفر قاسم 1956 وكشف عنه العراقي اليهودي لطيف دوري تحت عنوان "حصاد الدم".
كما لا منطق في أن ننسى ما يُذكّرنا به كتّابٌ إسرائيليون مثل جدعون ليفي، وعميرة هاس في "هآرتس" الإسرائيلية، عن ما يقوم به جيش الاحتلال، والمستوطنون المسلّحون "المدنيون" من عمليات التطهير العرقي، ومصادرة الأراضي، واقتلاع العيون وتهشيم الوجوه، فضلًا عن الإذلال اليومي للفلسطينيين المدنيين، وعن الأبارتاهيد، والسجون المكتظة بالآلاف بلا محاكمة (نُذكّر بأنّ هؤلاء مواطنون تحت الاحتلال، فهل يحق لدولة الاحتلال محاكمتهم هكذا).
رغم كل ذلك، وتفصيله ممل، تذهب الآلة الإعلامية الإسرائيلية، ومعها المغَيبون، والمغِيبون إلى القول بأن "لا فائدة لأعمال المقاومة تلك… والتي لا نتيجة لها غير قتل مزيد من الفلسطينيين وتدمير بيوتهم". ونسي هؤلاء الناصحون أنّ الجزائر لم تتحرّر إلا بعد أن قدّمت مليونًا من الشهداء.
وكذلك الحال في المدن والقرى الأوروبية التي واجهت النازي. كما غفل هؤلاء الناصحون عن حقيقة أنّ الفلسطينيين ذهبوا إلى أوسلو قبل ثلاثين عامًا ليعودوا بوعد لم يتحقق أبدًا "حل نهائي خلال خمسة أعوام يسفر عن دولة مستقلة قابلة للحياة".
وأنّ العرب اختاروا السلام في بيروت عام 2002 (مبادرة الملك عبد الله) التي لم يرد عليها الإسرائيليون إلا بتغيير الواقع على الأرض إستيطانًا، وتهجيرًا قسريًا، وجدرانًا عازلة، وتطبيعًا مجانيًا مع "الأشقاء"… ثم بإعلان نتنياهو الأخير عن "نهاية القضية".
يقول البعض، في مصر وغيرها: "ما لنا وما للفلسطينيين. هذه ليست قضيتنا.. بيننا وبين الإسرائيليين معاهدة سلام". ولهم أقول: بل قضيتنا، إذا أدركنا المعايير الحقيقية للأمن "القومي"، وإذا استمعنا لخطاب بنيامين نتنياهو جيدًا، وإذا أمعنا النظر في خطة شيمون بيريز للشرق الأوسط الجديد.
وإذا قرأنا جمال حمدان، ومحمد حسنين هيكل، وطارق البشري. وقبل ذلك كلّه، تذكّرنا أنّ المذابح الإسرائيلية للفلسطينيين سبقها مذابح إسرائيلية للمصريين تُعد جرائم حرب كشفت عنها الوثائق والصحف الإسرائيلية لا غيرها، منها ما جرى من قتل للأسرى المصريين الأحياء في 1967. (راجع ما فعله الإسرائيليون بالأسرى المصريين في حرب 1967)
لم تترك آلة البروباجندا الإسرائيلية ركنًا إلا وذهبت إليه، ولم تألو جهدًا في أن تستخفّ بعقولنا إلى درجة أنّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لم يتردّد فى أن يعلّق (على صفحته الرسمية) على الضربات الصاروخية التي استهدفت المدنيين في غزة بالآية القرآنية الكريمة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ الأنفال 17.
الاستخدام الديني، أو قل "الافتراء الديني" في حرب غسيل العقول تلك، بدأه الإسرائيليون منذ أشهر طويلة، فوجدنا من يخلط عمدًا (وبينهم نخب عربية للأسف) بين "إسرائيل"؛ الكيان الصهيوني المحتل بحكم القانون الدولي، وبين "بني إسرائيل"؛ الذين ورد ذكرهم في القرآن.
ووجدنا من يروّج لحقّ الصهاينة المزعوم في أرض فلسطين، بالخلط المتعمد بين "إسرائيل/ يعقوب"؛ النبي، و"إسرائيل"؛ الكيان المحتل. رغبة في أن تنحرف البوصلة عن اتجاهها الصحيح ناسين أنّ مشكلتنا لم تكن يومًا مع اليهود؛ أتباع موسى عليه السلام، وإنما مع مع "دولة الاحتلال"؛ التوسّعية العنصرية، التي تهدّد أمننا القومي.
*أيمن الصياد كاتب صحفي، ومستشار رئاسي «سابق» (2012). مدير ورئيس تحرير «وجهات نظر»، منذ 2000.
المصدر | عروبة22المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل الاحتلال اليهود حماس داعش الكيان الصهيوني لا منطق
إقرأ أيضاً:
إستسهاد 12 ألف و799 طالب فلسطيني منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع
عواصم " وكالات": أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، اليوم مقتل 12 ألفا و 799 طالبا وإصابة 20 ألفا و942 بجروح منذ بدء الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023 على قطاع غزة والضفة.
وقالت الوزارة في بيان اليوم أوردته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ( وفا) ، إن "عدد الطلبة الذين استشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 12 ألفا و681 ، والذين أصيبوا 20 ألفا و311 ".
وأشارت إلى أنه "استشهد في الضفة 118 طالبا وأصيب631 آخرون، إضافة إلى اعتقال 538".
ولفتت الوزارة إلى أن" 598 معلما وإداريا استشهدوا وأصيب 3801 بجروح في قطاع غزة والضفة، واعتقل أكثر من 158 في الضفة".
وأوضحت أن 425 مدرسة حكومية وجامعة ومباني تابعة لها و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تعرضت للقصف والتخريب في قطاع غزة، ما أدى إلى تعرض 171 منها لأضرار بالغة، و77 للتدمير بالكامل، كما تعرضت 109 مدارس وسبع جامعات في الضفة للاقتحام والتخريب.
وأكدت الوزارة أن" 788 ألف طالب في قطاع غزة ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم منذ بدء العدوان، فيما يعاني معظم الطلبة صدمات نفسية، ويواجهون ظروفا صحية صعبة".
إدانة أممية
أدانت الأمم المتحدة قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة تؤوي نازحين جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 12 فلسطينيًّا. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة، في تصريحات صحفية، إن المدرسة المستهدفة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" غرب مدينة خان يونس كانت تؤوي نازحين، لافتا إلى استشهاد وإصابة مدنيين جراء قصف المدرسة، معربا عن إدانته للقصف الإسرائيلي الذي استهدف النازحين. وأشار المتحدث إلى أن الأمم المتحدة تقدمت بطلب للقيام بثلاث عمليات إنسانية لجلب الغذاء والمياه إلى شمال غزة، مؤكدا على أن سلطات الاحتلال رفضت جميع الطلبات. وفيما يتعلق بقرار سلطات الاحتلال توسيع المستوطنات غير القانونية في الجولان السوري المحتل، قال دوجاريك: "ندعو إسرائيل إلى إنهاء جميع أنواع الأنشطة الاستيطانية، وهذا ينطبق على كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومرتفعات الجولان"، مؤكدا على أن مثل هذه الأنشطة غير قانونية بموجب القانون الدولي. من جانب آخر قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن فريقًا إنسانيًّا وصل إلى مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة قبل يومين وسط أعمال عدائية وانفجارات في محيط المستشفى، مؤكدا على أن الظروف في المستشفى "مروعة". وأضاف غيبريسوس عبر منصة إكس أن الفريق قام بتسليم 5 آلاف لتر من الوقود والمواد الغذائية والأدوية، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت بشكل تعسّفي في الأسبوع الماضي أربع بعثات لمنظمة الصحة العالمية إلى مستشفى كمال عدوان. وأكد على أن هجمات الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة على المستشفى أدت إلى إلحاق المزيد من الضرر بإمدادات الأكسجين والمولدات الكهربائية وتحطيم النوافذ والأبواب في غرف المرضى. وتابع: "نحث على حماية المنظومة الصحية ووقف هذا الجحيم"، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. يذكر أن حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ارتفعت إلى 45 ألفًا و28 شهيدًا و106 آلاف و962 مصابًا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء. وذكرت مصادر طبية فلسطينية أن قوات الاحتلال ارتكبت، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، 7 مجازر، أسفرت عن استشهاد 52 شخصا، وإصابة 203 آخرين. وتواصل قوات الاحتلال ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لليوم الـ 437 تواليًا، عبر شن عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي، مع ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 95 بالمائة من السكان.
تحول غير مسبوق
تسببت الحرب في قطاع غزة التي اندلعت عقب هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، في "تحول غير مسبوق في التاريخ الحديث" للاقتصاد الفلسطيني الذي دمرته الهجمات الإسرائيلية، وفق البنك الدولي.
وأظهر التقرير الأخير الذي نشره البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة انهار بنسبة 86 % في نهاية النصف الأول من العام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية المحتلة بنسبة 26 %.
وقال البنك في بيان إن "الصراع الدائر في الشرق الأوسط ما زال يؤثر بشكل كارثي على الاقتصاد الفلسطيني ويدفع القطاع إلى أزمة غير مسبوقة".
وأضاف "أدى استمرار الأعمال العدائية إلى انخفاض حاد في الناتج الاقتصادي وانهيار الخدمات الأساسية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وسط ارتفاع حاد في الفقر".
كذلك، ارتفع التضخم في قطاع غزة بنسبة 300 في المئة في الأشهر ال12 حتى أكتوبر، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 440 في المئة، وأسعار الطاقة بأكثر من 200 في المئة بسبب الاضطرابات الكبيرة في الإمدادات وصعوبة توصيل المساعدات الغذائية، وفق البنك.
ونتيجة لذلك، أصبح 91 في المئة من سكان غزة "على شفا انعدام الأمن الغذائي الحاد"، بحسب ما ذكر البنك الدولي مستندا إلى تقرير صدر أخيرا، مضيفا أن 875 ألف شخص يواجهون "مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي"، فيما يواجه 345 ألفا مستويات "كارثية".