جيش العدوان ومكياج «الأخلاقيات» القبيح!
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
جيش العدوان ومكياج «الأخلاقيات» القبيح!
إذا جاز التماس العذر لعموم الناس فيما يرددون من عبارات رسمية أو تجارية، دون تدقيق، فأهم واجبات الإعلام تحري الدقة فيما يستخدم من مفردات وعبارات.
هل أن عبارة «قوات الدفاع الإسرائيلية» عبارة تقريرية عن واقع لا خلاف حوله؟ أم هي عبارة إخبارية عن حقيقة قابلة للمعاينة، أم أنها عبارة إيديولوجية وشعار دعائي؟
الرسالة الإيديولوجية الدعائية في التسمية: أن الدفاع هو الوضع الوجودي الطبيعي للكيان الاستعماري، وأن جيشه هو دوما في موقف دفاع، وأن كل ما حوله يهاجمه أو ينوي الهجوم؟
"آي دي آف" أو «قوات الدفاع الإسرائيلية»: هكذا اعتاد الإعلام الغربي أن يسمي جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما يبدو أنه غير مدرك إنسياقه خلف منطق التفكير الإسرائيلي واقتناعه بتسمية الاحتلال بما يسمي به نفسه.
* * *
من أكثر العبارات شيوعا في الخطاب الإعلامي الغربي عبارة «آي. دي. أف» التي درجت الألسنة على لوكها كلما تعلق الأمر بالقضية المقدسة التي تسمى أمن إسرائيل، أي بالأخبار المتعقلة بالاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين وعرب الجوار استمرارا لا انقطاع له منذ إنشاء الكيان الكولونيالي عام 1948.
"آي دي آف" فكّر وقدّر، "آي دي آف" حذّر، "آي دي أف" أنذر ولهذا فقد أعذر، و"آي دي آف" اضطر اضطرارا إلى الرد، على كره منه، على عمليات الإرهابيين.
"آي دي آف" أو «قوات الدفاع الإسرائيلية»: هكذا اعتاد الإعلام الغربي أن يسمي جيش الاحتلال الإسرائيلي. أي أن الإعلام المفترض أنه الأكثر استقلالية في العالم يبدو كما لو أنه غير مدرك أنه منساق منذ عدة عقود خلف منطق التفكير الإسرائيلي وأنه قانع (أو مقتنع؟) بأن يسمي الاحتلال بما يسمي به نفسه (أو مصدق بما يزعمه الاحتلال لنفسه؟).
إنه لمن المحير حقا أن الإعلام في «العالم الحر» لا يزال مستمرا في هذا الانسياق الآلي، بل الببّغائي، دون أن يخطر بباله لحظة أن قد آن الأوان، بعد كل هذا التاريخ الطويل، لمراجعة مدى صحة هذه التسمية، ولطرح السؤال الواجب: هل أن عبارة «قوة الدفاع الإسرائيلية» عبارة تقريرية عن واقع لا خلاف حوله؟ وهل هي عبارة إخبارية عن حقيقة قابلة للمعاينة، أم أنها عبارة إيديولوجية وشعار دعائي؟
وإذا كانت عبارة تقريرية بريئة، فلماذا لم يَتَسمَّ بها أي جيش آخر على وجه الأرض؟ لماذا تسمى كل الجيوش جيوشا وكفى (الجيش الأمريكي، والروسي، والصيني. الخ) بينما يسمي الجيش الإسرائيلي نفسه قوة دفاع؟
وأيا كانت دواعي الاحتلال في تكريس هذا الشعار الدعائي، فهل يجدر بالإعلام الغربي أن يجاري الاحتلال في مزاعمه فيكون بذلك موافقا على الرسالة الإيديولوجية الدعائية المبثوثة في التسمية: أن الدفاع هو الوضع الوجودي الطبيعي للكيان الكولونيالي، وأن الجيش الإسرائيلي هو دوما في موقف دفاع، وأن كل ما حوله يبادره بالهجوم أو يبيّت ضده نية الهجوم؟
وواضح بطبيعة الحال أن هذه التسمية فرع من أصل إيديولوجي معروف: أن إسرائيل هي جزيرة العقلانية الديمقراطية في محيطات التعصب الاستبدادي، وأنها منارة الحضارة في بيداء الهمجية، وأنها «فيلاّ وسط الغابة» حسب القولة الرومانسية للشاعر الرقيق إيهود باراك.
وإذا كان من الجائز التماس العذر لعموم الناس في ما يرددون من عبارات رسمية أو تجارية، دون مراجعة وتدقيق، فإن من أهم واجبات الإعلام أن يتحرى الدقة في ما يستخدم من مفردات وعبارات.
والدليل أنه عادة ما يدقق بكل حرص في مختلف التسميات والنعوت. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن لوموند قررت منذ السبعينيات أن تتجنب استخدام عبارتي «الخليج الفارسي» و«الخليج العربي» لأن في العبارتين التزاما بموقف محدد في شأن متنازع عليه، ولذلك دأبت منذئذ على استخدام عبارة «الخليج العربي ـ الفارسي».
وإذا افترضنا، في أفضل الحالات، أن تبنّي الإعلام الغربي لهذه التسمية الإيديولوجية المضللة صادر عن عادة قديمة وأنه لم يخطر حتى الآن لأحد من آلاف الصحافيين إعادة النظر فيها رغم تعاقب الأجيال، فإن الأدعى للاستغراب أن نقرأ في كبريات الصحف الغربية أن الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه ملتزم بشن حملته العسكرية على غزة بما يتوافق وقواعد القانون الإنساني الدولي (!)
هذا رغم أن تقرير الأمم المتحدة (تقرير غولدستون) في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 يؤكد أن «عقيدة الضاحية» المنبثقة عن التأويل الإسرائيلي لهذا الالتزام إنما «وضعت لمعاقبة مجموع السكان المدنيين وإذلالهم وإرهابهم».
ولكن غابي سيبوني الأستاذ في معهد القدس للاستراتيجية والأمن يقول إن الدليل على الالتزام الإسرائيلي بالقانون الإنساني الدولي هو دعوة الفلسطينيين إلى الجلاء عن شمال غزة!
والأغرب أن تقرأ أن لدى جيش الاحتلال «ميثاقا أخلاقيا» أو «مدونة سلوك» وأن أستاذ الفلسفة في جامعة تل أبيب آسا كاشر الذي ساهم في تحرير هذه المدونة يقول: «عندما يكون ثمة موقع يختلط فيه المدنيون والمقاتلون، نزن المخاطر بحيث إذا كانت المكاسب مهمة عسكريا والخسائر محدودة مدنيا، فإنه ينبغي أن نهاجم، وإلا فإننا نتراجع (هكذا!). ويشرح محرر الميثاق الأخلاقي أن تدمير حماس ليس هدفا معقولا، ولا يتعلق الأمر إلا بتدمير قدراتها العسكرية والمالية. «أما القضاء على كراهيتها لليهود والإسرائيليين والغرب، فهذا ما لا سبيل إليه».
*مالك التريكي كاتب تونسي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل الأخلاقيات جيش العدوان إيهود باراك القانون الإنساني قوات الدفاع الإسرائيلي آي دي أف الدفاع الإسرائیلیة الإعلام الغربی
إقرأ أيضاً:
اجتماع في منزل أسامة سعد يدعو إلى الوحدة الوطنية لمواجهة العدوان الإسرائيلي
عُقد في منزل النائب أسامة سعد، الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري، اجتماع موسع حضره عدد من النواب، المفتيين، رجال الدين، ورؤساء بلديات ومؤسسات من صيدا، بهدف بحث سبل مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان.
أكد المشاركون في البيان الذي تلاه النائب أسامة سعد على أن "مواجهة العدوان الإسرائيلي هي واجب وطني يتطلب تكاتف الدولة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والمدنية، بالإضافة إلى دعم القوى الشعبية كافة". كما شددوا على ضرورة أن تقوم الدولة بتوظيف علاقاتها الدولية لوقف الحرب والتهجير، وحثوا الدول العربية الشقيقة على تقديم الدعم من خلال تحرك دبلوماسي ضاغط على القوى الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي.
وركز المجتمعون على التأكيد على رفض أي تسوية سياسية قد تتضمن الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ودعوا إلى انسحاب جيش الاحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق المحدد منذ العام 1949، والعودة الآمنة للمواطنين إلى قراهم ومدنهم. كما طالبوا الدولة بتوفير الدعم الكامل للنازحين وتوفير إمكانيات الإيواء والغذاء والرعاية الصحية في أقرب وقت ممكن.
فيما يتعلق بالوضع الداخلي اللبناني، دعا المجتمعون إلى تعزيز التضامن الوطني، والتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية لمواجهة المخاطر التي تهدد البلاد من الداخل والخارج. كما أعربوا عن تأييدهم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني وتوسيع انتشاره في الجنوب والمناطق اللبنانية كافة.
وختم البيان بالإشارة إلى ضرورة تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة في ظل هذه الأزمة، ودعوا إلى انتخاب رئيس للجمهورية لتفعيل المؤسسات الدستورية، معتبرين أن ذلك هو المدخل الأساسي للحفاظ على استقرار لبنان.
كما عبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في نضاله المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي. (الوطنية للإعلام)