عبد الباري عطوان
نَحمَدُ الله أن الإسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم أذكى البشر، وأدهاهم، تشابهت عليهم البقر، وما زالوا يعتقدون بكُلّ ثقةٍ، أنّنا كعرب أغبياء، وجهَلة، لا نخوض حربًا إلّا ونخرج منها مهزومين، رافِعين رايات الاستِسلام، ومُهرولين إلى التطبيع، نستجدي أن تُتوّج دولتهم حاكمةً وحاميةً لنا، وتقبل طاعتنا وتقبيل أقدامها كفرضٍ مع كُلّ صلاة.


هُجوم برّي صاعق، بغطاءٍ جوّيّ بالصّواريخ والمُسيّرات، قلبت هذه النظريّة رأسًا على عقب، وفاجَأت هؤلاء المُتغطرسين، مُدّعي الفوقيّة، بهُجومٍ صاعق، وألحقت بجيشهم، ومُؤسّستهم الأمنيّة الاستخباريّة بشقّيها المدني والعسكري هزيمةً مُذلّة، وبإمكانيّاتٍ مُتواضعةٍ، وما زالت الحرب مُستمرّة.
ad
ميزانيّة الجيش الإسرائيلي تزيد عن 23 مِليار دولار سنويًّا، ومدعوم بمُساعدات عسكريّة أمريكيّة لا تقلّ عن 3 مِليارات، وفوق هذا وذاك طائرات حربيّة قاذفة ومُقاتلة من كُل “الإفات” أي “إف 15″، و”إف 16″، والشّبح “إف 35″، علاوةً على قببٍ حديديّةٍ وصواريخ مِقلاع داوود، ومِئات من دبّابات الميركافا، وآلاف المُسيّرات ومع ذلك انهزم هذا الجيش أمام أقل من 800 مُجاهد من كتائب القسّام، وجرى أسْر عدد من جِنرالاته أصحاب الرّتب العالية، تَخجَل القيادة الإسرائيليّة بشقّيها السياسيّ والعسكريّ من ذِكر أسمائهم.
***
المُجاهدون الذين اقتحموا السّياج الإسمنتي واختَرقوا الإلكتروني، وشوّشوا على أبراجِ المُراقبة وكاميراتها، يستعدّون الآن في قواعِدهم الأنفاقيّة (من نفق) للمُنازلة البريّة الكُبرى، التي سيكون ميدانها فوق الأرض وتحتها، وأوّل ما تَسقُط فيها مسألة التفوّق الجوّي العسكري الإسرائيلي.

رحم الله العبقري التونسي الشهيد محمد الزواري صاحب العقل الإبداعي الكبير الذي وظّفه في تطوير سِلاح المُسيّرات واستفادت من اختِراعاته جميع دول محور المُقاومة بِما فيها إيران، فالمُسيّرات التي وفّرت الغِطاء الجوّي، واخترقت جميع الرّادارات الإسرائيليّة المُتطوّرة جدًّا، أثناء غزوة السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الحالي، لم يُكلّف إنتاجها إلّا ألف دولار، ولا يُمكن إسقاطها إلّا بصاروخِ باتريوت، تَبلُغ كُلفته أكثر من مِليون دولار.

ما نُريد أن نقوله، بعد استِعراض هذه المُقدّمة الطّويلة، أنّ بعض العرب وعلى عكس ما تعتقده الصهيونيّة وداعميها في الغرب تطوّروا عسكريًّا، وبحُكم الضّرورة، وباتُوا قادرين على مُواجهة أعداء الأمّة بشجاعةٍ صامتةٍ، مُتواضعةٍ، مصحوبةٍ بقُدراتٍ قتاليّةٍ مُصنّعةٍ ذاتيًّا في مصانع تحتِ الأرض، بتكتّمٍ شديد، وليست مُستوردة من أمريكا أو روسيا أو أوروبا.

حرب السّابع من تشرين ما زالت في بداياتها، ومفتوحة على جميع الاحتِمالات، وما الانقِسام الكبير الذي يسود دولة الاحتِلال على المُستويين السّياسي والعسكري حول كيفيّة إنهائها، ومسألة الحرب البريّة إلّا أحدث الأمثلة.

الجُنود الإسرائيليّون مرعوبون من المُشاركة في حربِ شوارع في دهاليز قِطاع غزّة، وربّما في أنفاقها، ولهذا يهربون من أداء الخدمة العسكريّة، وأن خِلافات ضخمة طفت على السّطح في الأيّام الأخيرة بين الجِنرال غالانت وزير الحرب مدعومًا بجِنرالاته، وبين بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الذي يُريد أن ينتقم من هزيمته، ويُنقذ ماء وجهه بالزّجّ بالجيش في أتُون حريق غزّة.

مجلّة “الإيكونوميست” البريطانيّة العريقة كشفت في عددها الذي يصدر الجمعة أنّ هُناك حالة تمرّد في أوساط بعض الجِنرالات على قِيادة نِتنياهو رفضًا لخططه لاقتِحام القِطاع، وقالت المجلة إنّ زعيم حركة شاس المُتشدّد أرييه درعي سرّب معلومات في اجتماع لأعضاء حزبه، وبعد زيارته المُفاجئة الثلاثاء الماضي للجُنود الإسرائيليين على الحُدود مع القِطاع أن الجيش الاسرائيلي ليس مُستَعِدًّا بعد لخوض المعركة البريّة، ممّا يعني أنه خائفٌ ومرعوب، ويعرف جيّدًا، وهو الذي انهزمَ مرّتين على أرضها، أنه سيُواجه الهزيمة الثالثة حتمًا.

العرب “الأغبياء” حسب اعتِقاد مُعظم الإسرائيليين المُتغطرسين وقادتهم، لم يخسروا حربًا مُنذ هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967، وأن مجموعة مُؤمنة منهم نجحت لأوّل مرّة في نقل الحرب إلى العُمُق الإسرائيلي، بعد أن ظلّت وعلى مدى 75 عامًا تُخاض على الأراضي العربيّة، واستطاعوا قتل 1400 إسرائيلي مُعظمهم جِنرالات وعُقداء وجُنود، وأصابوا 3000 آخَرين، وحرّروا 50 مُستوطنة وبلدة في قِطاع غزّة، وأجبروا دولة الاحتِلال على إقامة مُعسكرات لُجوء من الخِيام لمُستوطنيها الفارّين من الحرب سواءً في صحراء النقب، أو جنوب الجليل بعد إخلاء جميع مُستوطنات الجليل في الشّمال المُحاذي للحُدود اللبنانيّة، بعد أن كانت هذه المُخيّمات حِكْرًا على العرب والفِلسطينيين خاصّةً، وسُبحان مُغيّر الأحوال.
***
نِتنياهو لن يستطيع القضاء على حركة حماس، بل هي التي ستقضي عليه، وتزجّ به إلى غياهب السّجون في زنزانةٍ مُعتمةٍ في أحد سُجون دولة الاحتِلال بتُهمة الفساد والفشَل السياسيّ والعسكريّ.

غزّة التي يمتدّ عُمرها الحضاري إلى أكثر من ألفيّ عام، وتشرّفت باحتِواء رُفاة هاشم بن عبد مناف الجدّ الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم، قد تضع مع شقيقتها الضفّة الغربيّة، وبدَعمِ شُرفاء العالمين العربيّ والإسلاميّ، نُقطة النّهاية لدولة الاحتِلال، وربّما قبل أن تُكمِل الثّمانين من عُمرها.

غزّة قد تكون حطّين أو عين جالوت ثانية، وتُعزّز بنصرها المأمول مكانتها في التاريخ العربيّ والإسلاميّ كقاهِرة للمشروع العُنصري الدّموي الإسرائيلي، وإعادة السّلام والاستِقرار والأمن إلى مِنطقة الشّرق الأوسط، وربّما العالم أيضًا، وليس ذلك على اللهِ بكثير.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الاحت لال

إقرأ أيضاً:

مؤسسة خيرية صينية تغيث الغزّيين منذ بداية الحرب

بكين- رغم تسارع النشاط الاقتصادي في أقاليم الصين ومدنها المزدحمة والانشغال بما يحققه إنتاجها من نجاحات متتالية، تلفت الانتباه مبادرة إنسانية تجاه أهل غزة بإقليم جوجيانغ بأقصى شرق البلاد، تنفذها وتنسق جهودها لأكثر من عام مؤسسة "القلب الواحد الخيرية".

فبعد أيام من بدء معركة "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ القائمون على هذه المبادرة بإرسال أولى مساعداتهم الإنسانية إلى قطاع غزة، ثم توسعت إلى مخيمات اللاجئين في لبنان من خلال برنامج تعاوني شبابي بين الصين وباكستان.

وُزعت تلك الشحنات الغذائية على 540 ألف غزّي ولبناني، بعد تنسيق 112 حملة إغاثية منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حسب إحصاءاتهم التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها.

ويسعى البرنامج إلى دعم استمرارية توفر المعونات وتعزيز العلاقات مع المتطوعين والعاملين في الحقل الإنساني في غزة كمنطقة صراع ساخنة، وتجهيز حملة إغاثية واحدة كل 4 أيام.

توزيع مواد غذائية وطعام في غزة بدعم من مؤسسة القلب الواحد الصينية (الجزيرة) تطوع وتعاون

وفي حديثه للجزيرة نت، قال الأمين العام لـ"مؤسسة القلب الواحد الخيرية" تشيو سيو، إن جمعيته لم تتأخر عن مساعدة الفلسطينيين في غزة بعد بداية الحرب معتمدين على التعاون مع متطوعين فلسطينيين يدركون حاجات المجتمع الميدانية. وإنها لم تكتف بتوزيع المواد الغذائية، بل بدأت تقدم الوجبات الجاهزة حيث إن كثيرين يفتقدون لأدوات الطهي، وقدمت أيضا أغطية وكسوة للشتاء، ومواد للتدفئة، وأدوية ودعمًا نفسيا أيضا.

وأقامت المؤسسة، وفق تشيو، نقاط رعاية صحية مستعينة بأطباء من شمالي غزة، نزحوا مع غيرهم داخل القطاع، فوفرت لهم دعما ماليا ودوائيا رغم شح المستلزمات الطبية وصعوبة إيصالها.

ويقول إنهم أدركوا بعد فترة أن تلك الجهود غير كافية نسبيا، فسعوا إلى إيصال كميات أكبر من المساعدات، وكانت أولى محاولاتهم بإيصال 50 طنا من الأرز في مارس/آذار الماضي، ولم تنجح المحاولة حتى يونيو/حزيران من العام الجاري.

وفي أبريل/نيسان الماضي، التفتت هذه المؤسسة إلى النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب في غزة فعملت على توصيل شحنات مياه، مرات عديدة. وتحدث تشيو سيو عما يحتاجه أطفال القطاع من تدخل نفسي للتخفيف من آثار مشاهد الحرب، حيث قال إنهم نظموا برامج مناسبة لأعمار أطفال القطاع كمسابقات وألعاب لإدخال شيء من الفرحة إلى قلوبهم.

وبخصوص التبرعات لهذه الحملة، يوضح المتحدث نفسه أن أفرادا ورجال أعمال كُثُرا تبرعوا لها، كما نظمت جمعيته فعاليات في مدارس إقليم جوجيانغ ومنها قيام تلاميذ المدارس بخط رسوم ولوحات يتم بيعها في مزادات خيرية. وتأمل المؤسسة أن تلهم وتشجع مزيدا من عامة المواطنين في إقليمها للإسهام في هذا العمل الإنساني.

مؤسسة القلب الواحد الصينية أوصلت 50 طنا من الأرز لقطاع غزة (الجزيرة) تعاطف وتبرع

وتابعت صحف رسمية صينية هذه المبادرة، حيث نشرت صحيفة "تشاينا ديلي" اليومية تقريرا وصورا لأعمال إنسانية في غزة حضر فيها علم الصين.

وأشار تقرير آخر بصحيفة "غلوبال تايمز" إلى تعاطف رجال أعمال ومواطنين مع ما يرونه من صور للحرب ومعاناة أطفال غزة، مما دفعهم للتبرع لجمعية "القلب الواحد الخيرية" التي جذبت شراكة مؤسسات أخرى مثل "اتحاد شباب مدينة وينجو"، وهي إحدى مدن إقليم جوجيانغ، وكذلك "الحب الأبدي"، ومقرها في بكين، حيث ساهموا جميعا في حملات جمع التبرعات لشراء مواد غذائية وأدوية ومياه شرب لأهل غزة المحاصرين.

يذكر أن مؤسسة "القلب الواحد الخيرية" كانت قد قدمت معونات سابقة في مناطق مختلفة حول العالم شهدت كوارث وأحداثا صعبة، كتقديم مساعدات لضحايا الزلزال جنوبي تركيا وشمالي سوريا، وفي باكستان وأفغانستان أيضا.

وهي تنطلق من إقليم جوجيانغ الذي تقابل سواحله بحر شرق الصين، ويبلغ عدد سكانه نحو 65 مليون نسمة، ويعرف بأنه من أوائل الأقاليم التي شهدت انفتاحا اقتصاديا وتحولا صناعيا وإنتاجا زراعيا متنوعا، وبتحسن مستوى معيشة ودخل سكانه، ويعيش بعض أبنائه خارج البلاد في أوروبا والولايات المتحدة.

مؤسسة القلب الواحد الصينية لم تكتف بتوزيع المواد الغذائية بل تقدم الوجبات الجاهزة لأهل غزة (الجزيرة) دعم رسمي

وقدمت الحكومة الصينية نفسها معونات لغزة. وفي إجابته على سؤال الجزيرة نت، قال مكتب المتحدث باسم الخارجية إن بكين تشعر ببالغ القلق من استمرار الحرب في غزة وما أفرزته من خسائر كبيرة في الأرواح وأزمة إنسانية غير مسبوقة، مشيرا إلى أن حكومته قدمت مساعدات مالية عن طريق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونرا) والحكومة الفلسطينية، ومعونات غذائية وطبية أخرى عبر مصر.

وأضافت الخارجية أن الرئيس الصيني شي جين بينغ كان قد أعلن، في 30 مايو/أيار الماضي، عن تعهد بلاده بتنفيذ خطة عون إغاثي قيمتها 70 مليون دولار لقطاع غزة.

وحسب وكالة "شينخوا" للأنباء الرسمية، قدمت الصين مساعدات دوائية وغذائية لأهل غزة 3 مرات على الأقل في الأشهر الأخيرة، جاءت كالتالي:

3 ملايين دولار في الثاني من أغسطس/آب الماضي للنازحين في القطاع. مليون دولار، في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للسلطة الفلسطينية والأونروا عبر وكالة التعاون التنموي الصينية الدولية. في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدمت بكين حزمة أخرى بقيمة 2.1 مليون من معونات غذائية ودوائية عن طريق مصر.

مقالات مشابهة

  • أنصار الله: استهدفنا قاعدة "نيفاتيم" الجوية للكيان الإسرائيلي في النقب المحتل
  • مؤسسة خيرية صينية تغيث الغزّيين منذ بداية الحرب
  • ماذا نعرف عن المؤرخ الإسرائيلي الذي قُتل في معارك لبنان وماذا كان يفعل؟.. عاجل
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • تدمير نحو 70 % من الأراضي الزراعية في غزة منذ بداية الحرب
  • من المؤرخ الإسرائيلي الذي قُتل في معارك لبنان وماذا كان يفعل؟
  • واشنطن: الحرب في لبنان تقترب من النهاية
  • حدث أمنيّ صعب... ما الذي يحصل مع الجيش الإسرائيليّ في جنوب لبنان؟
  • صورة لمركز الجيش الذي استهدفه العدوّ في الصرفند.. هكذا أصبح بعد الغارة الإسرائيليّة
  • جيش الاحتلال يعلن مقتل 800 من جنوده منذ بداية الحرب