يعاني قطاع غزة من أسوأ أزمة إنسانية على الإطلاق منذ 21 يوما، حيث فرضت إسرائيل حصارا كاملا على القطاع الذي يسكنه حوالي 2.3 مليون شخص، وقامت قواتها بعملية قتل وتدمير ممنهجة داخل القطاع، ولم تذر حجرا أو شجرا أو بشرا إلى وقصفته.

فيما ارتفع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 7300 شهيد وأكثر من 18900 مصاب، كما تم تدمير أكثر من 4800 مبنى سكني، والحاق أضرار بأكثر من 120 ألف وحدة سكنية، ونزح حوالي مليون شخص من المناطق التي تشهد عمليات حربية شمال قطاع غزة إلى جنوب القطاع؛ بحثاً عن ملاذ آمن.

انقطاع الاتصال بـ غزة

ويعيش القطاع ليلة وصفت بأنها الأصعب والأعنف منذ تجدد الصراع بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل قبل 21 يوما، وتعيد إلى الأذهان ما حدث في معركة ستالينجراد الشهيرة، حيث أكد المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي، أن القوات البرية للجيش ستوسع من عملياتها الليلة، مضيفا: "نواصل مطالبة أهالي غزة في الشمال بالتوجه إلى الجنوب".

ومعركة ستالينجراد هي إحدى أهم المعارك الكبرى والفاصلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، جرت في مدينة (فولفوجراد اليوم) خلال الحملة العسكرية الألمانية على الاتحاد السوفيتي، واستمرت حوالي 6 أشهر بين 21 أغسطس 1942 و2 فبراير 1943.

وقد أدى القصف الإسرائيلي المتواصل عل قطاع غزة إلى انقطاع الاتصالات تزامنا مع شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانا شاملا من 3 جبهات برية وجوية وبحرية.

وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" أن غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وغير مسبوق مع انقطاع الاتصالات، حيث شن طيران الاحتلال الإسرائيلي في الساعة الأخيرة، غارات عنيفة وغير مسبوقة على قطاع غزة، ما أدى إلى انقطاع شبكات الاتصالات والانترنت.

وأكدت شركات الاتصالات في غزة الانقطاع الكامل لشبكاتها العاملة في القطاع، في حين تحولت عدد من القنوات التلفزيونية التي تنقل تطورات الأحداث إلى الاعتماد على الأقمار الصناعية لنقل الصورة والتواصل مع مراسليها، في ظل توقف الاتصالات العادية أو المعتمدة على الإنترنت.

وأعلن تلفزيون فلسطين، أن قطاع غزة يشهد قصفا هو الأعنف برا وبحرا وجوا منذ بداية الحرب، وتعرضت أنحاء مختلفة في قطاع غزة لقصف عنيف ومستمر من طيران الاحتلال الحربي.

توترات تضرب الشرق.. أمريكا ترسل قوات إضافية بعد هجمات سوريا وتحرك إيران فضحت الاحتلال أمام العالم| 5 تصريحات لأسيرة إسرائيلية أحرجت الغرب وصفعت نتنياهو

وأكدت فضائية "روسيا اليوم" أن الطائرات الإسرائيلية تشن الآن هجوما ضخما وعنيفا على عموم مناطق قطاع غزة، متسببة بانقطاع شبكة الاتصالات، وتشترك المدفعية الإسرائيلية في الهجوم ويتركز القصف في أغلب الأحيان على المناطق الشرقية في القطاع.

وأوضحت "روسيا اليوم" أن الهجوم الإسرائيلي يتركز في مناطق وسط غزة وحي الزيتون وشرق جباليا وشرق الشجاعية وبيت لاهيا شمال قطاع غزة ودير البلح جنوب القطاع.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن القصف الكبير الجاري الآن على غزة مرحلة جديدة في الحرب على القطاع.

وأكد مراسل قناة "فوكس نيوز" الأمريكية أن "الهجوم على قطاع غزة الآن هو الأكثر جنونا الذي رأيته، أقوى هجوم منذ بداية الحرب".

وأعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية- جوال- عن أسفها لانقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، معللة ذلك بأنه بسبب القصف الشديد.

وقالت شركة الاتصالات الفلسطينية - جوال: "نأسف للإعلان عن انقطاع كامل وكافة خدمات الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة في ظل العدوان المتواصل".

وأضاف البيان الذي نقله تليفزيون فلسطين: "تسبب القصف الشديد في الساعة الأخيرة بتدمير جميع المسارات الدولية المتبقية التي تصل غزة بالعالم الخارجي، بالإضافة للمسارات المدمرة سابقًا خلال العدوان، ما أدى إلى انقطاع كامل لخدمات شركات الاتصالات عن قطاع غزة الحبيب".

وأعلنت منظمة "نت بلوكس" التي تراقب الإنترنت في مختلف دول العالم، بأن بيانات الشبكة الحية تظهر انهيار الاتصالات في قطاع غزة، مع تأثير كبير على شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، وسط تقارير عن قصف إسرائيلي عنيف.

قطاع غزةقطع الاتصال والإنترنت

أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني الانقطاع عن الاتصال بغرفة العمليات في قطاع غزة بشكل كامل، حيث شن الطيران الإسرائيلي على شمال غزة عدة غارات متتالية، تعد الأعنف منذ بداية الحرب، أدت لانقطاع الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن القطاع، وفقًا لما نشره موقع العربية.

وأكدت حركة المقاومة الفلسطينية حماس، أن قطع الاتصالات والانترنت عن قطاع غزة وتصعيد القصف براً وبحراً وجواً على الأحياء السكنية؛ يُنذِر بِنِيَّة الاحتلال ارتكاب مزيدٍ من المجازر وجرائم الإبادة بعيدا عن أعين الصحافة والعالم.

وحمَّلت الحركة، في بيانها، الاحتلال وواشنطن والعواصم الغربية التي دعمته كامل المسؤولية عن مسلسل المجازر البشعة وتداعياتها.

كما طالبت الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، بتحمل المسؤولية، والتحرّك الفوري لوقف الجرائم ومسلسل المجازر بحق شعبنا.

ودعت حماس الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في الضفة والقدس وأراضي 48 والشتات وأحرار العالم إلى النفير العام؛ نصرةً لغزة ولوقف العدوان وحرب الإبادة ضد المدنيين.

وذكر البيان أيضا: نؤكّد أن شعبنا الفلسطيني الصامد لن ترهبه هذه السياسات الفاشية ولن يتوقّف ومقاومته الباسلة عن الثورة والنضال حتى صدّ هذا العدوان الهمجي ودحر الاحتلال عن أرضنا ومقدساتنا وممارسة حقّنا في الحرية وتقرير المصير بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بإذن الله.

يذكر أنه في 13 أكتوبر 2023، قالت مجموعة الاتصالات الفلسطينية، إن شبكتها تكبدت أضرارًا فادحة أثرت على عملها بشكل كبير، مُحذرة من أن تجدد الانقطاعات والأضرار على الشبكة سيتسبب بتوقف كامل لخدمات الاتصالات والإنترنت.

وأشارت مجموعة الاتصالات- في بيان لها حول الأوضاع في قطاع غزة- إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر تسبب في حدوث عدة انقطاعات على المسارات الرئيسية للألياف الضوئية التي تصل قطاع غزة بالضفة الغربية ثم العالم الخارجي، ما جعل القطاع بدون شبكة محمية وبوضع حساس.

لا يوجد مكان آمن في غزة.. قصف إسرائيلي مركز على القطاع وتوغل بري تهديد علني جديد.. حكاية 8 كلمات قالها السيسي لـ ماكرون عن سيناء

وحذرت الشركة أنه في حال تجدد الانقطاعات والأضرار على الشبكة سيؤدي لانقطاع اتصال غزة مع الضفة ما يعني توقف كامل لخدمات الاتصالات والانترنت، وفقدان الفلسطينيين هناك القدرة على التواصل وعزلهم تماما.

وأوضحت مجموعة الاتصالات أن 35% من عناصر الشبكة الرئيسية كالأعمدة والكوابل وخطوط الألياف الضوئية التي تربط غزة داخليا، تعطلت، كما تعرضت الشبكة لأضرار فادحة نتيجة الانقطاع في الكهرباء، أو حدوث أعطال في الشبكات الأرضية والهوائية، أو تدمير بعض أجهزة الشبكة، ما أثر سلبا على جودة خدمات الاتصالات والإنترنت بشكل متفاوت ما بين التقطيع إلى الانقطاع الكامل.

وأشارت إلى تعطل 35% من المقاسم الطرفية لشبكة الهاتف الثابت والإنترنت المنزلي، ما أثر بشكل كبير على نحو 40% من مشتركيها، ومشتركي الهاتف الخليوي أيضا، بسبب تعطل 30% من مواقع وأبراج الشبكة الخليوية.

وأكدت المجموعة تعرض مبنى مقر الإدارة العامة لشبكة الهاتف الثابت والإنترنت المنزلي الواقع في حي الرمال للقصف، وتدمير العديد من المباني والمنشآت التابعة للشركة بشكل جزئي في أماكن متفرقة من قطاع غزة.

قطاع غزةالوضع الإنساني في غزة

فيما يخص الاتصالات في غزة، قال بلال خالد، مصور مقيم في غزة، لشبكة "إن بي سي" نيوز في محادثة عبر تطبيق واتساب، إنه كان هناك انقطاع كامل للإنترنت والخدمات الخلوية، وقال إنه لم يتمكن من التحدث إلا لأنه كان لديه اتصال قصير بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

وقال حسام مقداد، متخصص الاتصالات في غزة، لشبكة إن بي سي نيوز، في وقت سابق من هذا الأسبوع، في محادثة على “سيجنال”، إن بعض مزودي الإنترنت هناك قاموا بتخزين الوقود للمولدات، على الرغم من أن الإمدادات محدودة دائمًا.

وأضاف مقداد، أن الاتصال كان محدودا بالفعل؛ لأن القصف دمر الكثير من البنية التحتية. ومع انقطاع الكهرباء، اضطر إلى شحن هاتفه المحمول باستخدام الألواح الشمسية الخاصة بجيرانه.

أما عن الوضع الإنساني في غزة، فقد قال فيليب لازاريني، المدير العام للأونروا، إن "الحصار يعني أن الغذاء والماء والوقود- السلع الأساسية- يتم استخدامها لعقاب جماعي لأكثر من مليوني شخص، من بينهم أغلبية من الأطفال والنساء". 

وقال إن موظفي الأمم المتحدة في غزة أفادوا بأن "آخر الخدمات العامة المتبقية تنهار، وعمليات المساعدة التي نقدمها تنهار، وللمرة الأولى على الإطلاق، أفادوا بأن الناس يعانون من الجوع الآن".

وأشار مسؤول في منظمة الصحة العالمية إلى أن المنظمة تلقت تقديرات بأنه ما تزال هناك 1000 جثة تحت الأنقاض في غزة لم يتم التعرف عليها، ولم يتم تسجيلها بعد ضمن عدد القتلى، وذلك بحسب ما نشرته شبكة سكاي نيوز.

وقال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، ردًا على سؤال حول عدد القتلى في غزة: "حصلنا أيضا على هذه التقديرات التي تشير إلى أنه ما يزال هناك أكثر من 1000 شخص تحت الأنقاض لم يتم التعرف عليهم بعد".

وارتفع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 7300 شهيد وأكثر من 18900 مصاب.

وأدت حملة القصف العنيفة والحصار والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة إلى نقص حاد في المواد الأساسية من الطاقة والغذاء والمياه، وهو ما أدى إلى نفاذ الاحتياطات من هذه المواد.

وأعلنت حكومة الاحتلال وقف امداد قطاع غزة بالكهرباء، ما أدى لتوقف محطة توليد كهرباء غزة الوحيدة في القطاع عن العمل.

وحذرت وزارة الصحة في وقت سابق من خطورة الوضع الصحي في قطاع غزة، بسبب منع إسرائيل وصول الوقود إلى محطات توليد الكهرباء، ما سيتسبب بتعطيل المنظومة الصحية بالكامل، ويُعرّض القطاع لكارثة إنسانية، ويكون مليونان و200 ألف مواطن غزي دون خدمات صحية.

ووفقا لسلطة المياه، فقد انخفضت نسبة التزود بالمياه  بعد أن قطعت إسرائيل نسبة التزود بالمياه، وأن انقطاع التيار الكهربائي أدى إلى توقف محطات التحلية شمالي غزة وفي المحافظة الوسطى عن العمل.

ووفقاً للأونروا فإن 95% من سكان القطاع لا يستطيعون الوصول إلى المياه النظيفة، كما يؤدي نقص الكهرباء إلى توقف الحياة بشكل دوري، ويعتمد قطاع غزة بدرجة كبيرة على إسرائيل في الحصول على المياه والكهرباء والغذاء، وتحصل غزة على معظم ما تستهلكه من كهرباء من إسرائيل نظراً لأن القطاع لا يمتلك سوى محطة كهرباء قديمة واحدة وهي التي توقفت عن العمل منذ بداية الحرب، وحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن ملايين الفلسطينيين يواجهون الجفاف ويتعرضون لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه في ظل أزمة المياه المتصاعدة مع استمرار إسرائيل في حجب الإمدادات الأساسية عن غزة 

من جانبه، قال نائب مدير عام الرعاية الأولية للصحة العامة رامي العبادلة، إن نسبة تلوث المياه التي يستخدمها المواطنون في قطاع غزة عالية جداً، ولفت إلى تسجيل حالات الأمراض الجلدية المختلفة ومنها حالات جدري ماء وهو مرض سريع الانتشار ينتقل عن طريق الهواء، وفي مراكز اللجوء سوف يتعرض مئات الآلاف من الأشخاص للإصابة.

كما حذر العبادلة من تبعات تراكم النفايات في قطاع غزة والذي ينتج عنه يوميا 2000 طن من النفايات، ولليوم العاشر على التوالي، تتراكم النفايات في المدن والأماكن السكانية ومراكز الإيواء وأصبحت تشكل مكاره صحية.

وتخوف العبادلة من ظهور أوبئة خطيرة مثل الكوليرا وأمراض أخرى خلال الأيام القادمة نتيجة هذه النفايات وعدم توفر مياه للنظافة الشخصية.

قطاع غزة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل حماس قطاع غزة الفصائل الفلسطينية شركات الاتصالات انقطاع الاتصالات غزة خدمات الاتصالات والإنترنت الاتصالات الفلسطینیة منذ بدایة الحرب الإسرائیلی على انقطاع الاتصال الاتصالات فی قطاع غزة إلى على قطاع غزة فی قطاع غزة فی القطاع أدى إلى ما أدى فی غزة

إقرأ أيضاً:

الموقف العربي فيما وراء خطة ترامب تجاه قطاع غزة

يجب الانتباه ابتداء إلى أن خطة ترامب تجاه غزة ومقاومتها مرتبطة بسقفين أو مستويين:

الأول: مستوى أعلى يتحدث عن استملاك غزة وتهجير أهلها، وإيجاد حالة ضغط هائل على أهل غزة وعلى مصر والأردن للتعامل بواقعية معها، وقبول ما يمكن قبوله وتنفيذ "الخروج الطوعي" بقوة الأمر الواقع.

الثاني: مستوى وسيط مستهدف بشكل أكثر جدية، ويرى ترامب والاحتلال الإسرائيلي أنه ممكن التحقيق وأكثر واقعية، وسيجد له صدى إيجابيا في البيئة العربية، ولدى سلطة رام الله. وهو تحقيق ما فشل فيه الاحتلال في أهدافه المعلنة من سحق حماس ونزع سلاح المقاومة، وإخراجها ليس فقط من إدارة القطاع، وإنما من المشاركة هي وتيارها المقاوم، من المشاركة في المؤسسات والحياة المدنية، كما حدث في الضفة الغربية.

فإذا لم يتحقق المستوى الأول، يتم "التنازل" للمستوى الثاني، ليبدو الأمر وكأن الدول العربية حققت "انتصارا"، بينما تتم محاولة تبليع الفلسطينيين "الطُّعم"، بدفعهم للاستجابة للمستوى الثاني!!

سيناريوهات:

أمام الدول العربية، وخصوصا مصر والأردن، ثلاثة سيناريوهات في مواجهة خطة ترامب، التي تهدف لتهجير فلسطينيي قطاع غزة:

1- الموافقة الضمنية أو العملية على خطة ترامب، وفتح الباب أمام عملية التهجير، بحجة المعالجة الإنسانية "المؤقتة" لقيام الاحتلال الإسرائيلي بتحويل قطاع غزة إلى منطقة مدمرة وغير قابلة للحياة، ورفضه السماح بإدخال مواد البناء وإعادة الإعمار، مع استمراره في عدوانه على القطاع بدرجات مختلفة وتحويله إلى بيئة غير آمنة وبيئة طاردة.

2- "الرفض الناعم" لخطة ترامب، من خلال الاستمرار في إغلاق الحدود في وجه عملية التهجير، واستخدام لغة هادئة في امتصاص واستيعاب اندفاعة ترامب وتبريرها تدريجيا، وتجنُّب أي احتكاك مباشر معه؛ مع التأكيد المتواصل على أن سلوك ترامب يُهدّد مصالحها العليا وأمنها القومي ويهدد بخسارتها لحلفائها في المنطقة، وهو ما يعني ضمنا خسارتها لمصالحها في المنطقة.

3- الرفض القوي الحاسم لخطة ترامب، وتفعيل البيئات الشعبية والمؤسسات الرسمية ضد الخطة، واستخدام لغة هجومية رادعة، ورفضها المطلق للابتزاز السياسي والمالي، وتحميل ترامب والاحتلال الإسرائيلي مسؤولية إسقاط مسار التسوية السلمية وحل الدولتين.

حتى الآن، يبدو السيناريو الأول مستبعدا، لأن ذلك يتعارض مع الأمن القومي لهذه الدول، ولأنه قد يتسبب لها بمشاكل سياسية وشعبية، أو ينعكس على نسيجها الاجتماعي كما في الأردن. كما أن السيناريو الثالث يظل مستبعدا، فليس ثمة رغبة ولا إمكانية بالنسبة للأنظمة السياسية لمواجهة ترامب وتحدِّيه. ولذلك، فمن خلال القراءة الواقعية للمنظومة العربية وأدائها السياسي وخلفياتها، يبدو السيناريو الثاني في "الرفض الناعم" أكثر ترجيحا.

* * *

تسويق نزع أسلحة المقاومة:

ولأن الموقف العربي سيكون رافضا لخطة التهجير، فسيتم تقديمه شعبيا باعتباره موقفا "بطوليا" وطنيا وقوميا. وعند ذلك سيلجأ الاحتلال الإسرائيلي والأمريكان إلى الضغط على غزة من خلال ثلاث أوراق: الأولى إمكانية استئناف الحرب على غزة وما تحمله من مآس ومعاناة؛ والثانية قطع السبل على إدخال المساعدات ومنع عملية إعادة الإعمار، والثالثة مواصلة عملية التهجير داخل القطاع وجعله منطقة غير قابلة للحياة.

وعند ذلك، سيتم تسويق فكرة إرسال قوات عربية ودولية للقطاع، وإدارته بمشاركة سلطة رام الله وفق المعايير الإسرائيلية، وإخراج حماس وتيار المقاومة من الحياة السياسية والعامة، ونزع أسلحة المقاومة.. باعتبار ذلك متطلبات ضرورية لوقف نزيف الدماء وإفشال مشروع التهجير وإمكانية البدء بالإعمار. وسيتم تقديم ذلك باعتباره مصلحة عليا، وسيتم السعي لحشر حماس باعتبارها سببا في تعطيل هذه المصالح.

أما "إقناع" الطرفين الإسرائيلي والأمريكي بـ"التراجع" عن فكرة التهجير، فسيظهر وكأنه تنازل كبير، بينما يكون الاحتلال الإسرائيلي في الحقيقة قد أنجز هدفه الرئيسي المعلن من الحرب.

وفي هذه الأجواء، فبينما كانت البيئة الشعبية الفلسطينية ترفض بأغلبية ساحقة التدخل العربي والأجنبي في إدارة قطاع غزة، حيث لم يدعم هذه الفكرة أكثر من اثنين أو ثلاثة في المئة وفق استطلاعات الرأي في أثناء الحرب، كما لم يدعم فكرة إدارة سلطة رام الله للقطاع بقيادة محمود عباس أكثر من 15 في المئة وفق الاستطلاعات نفسها.. فستصبح هكذا حلول قابلة للتسويق، ليس بالضرورة باعتبارها الأفضل، وإنما على قاعدة أهون الضررين. أما حماس فكانت تحظى بنحو 60 في المئة من التأييد.

مواجهة التحدي:

يمكن التعامل مع هذا التحدي وفق المعطيات والخطوط العامة التالية:

1- إن إدارة قطاع غزة هو شأن فلسطيني، وإن الفلسطينيين هم المعنيون بوضع التصورات المناسبة، وصناعة قرارهم في ضوء توافقهم الوطني. أما اللاجئون الفلسطينيون في القطاع، فانتقالهم الطبيعي الذي تدعمه القرارات الدولية هو لأرضهم الفلسطينية التي أخرجوا منها سنة 1948.

2- إن سلاح المقاومة هو الذي حمى قطاع غزة طوال خمس حروب شرسة شنها الاحتلال على القطاع، وهو حق طبيعي للشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه.

3- إن سلاح المقاومة هو الذي أفشل التهجير، وأجبر الاحتلال على الانسحاب من القطاع، ونجح في عقد صفقة مُشرِّفة لتبادل الأسرى، وبالتالي كان هو خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامي، وعن الأمن القومي العربي والإسلامي، وإن بقاءه وتقويته هو مصلحة عليا؛ وإن محاولة نزعه يفتح المجال للتغوّل الصهيوني على البيئة العربية والإمعان في تطويعها وإضعافها.

4- لا يجوز مكافأة الاحتلال على إجرامه ومجازره ووحشيته، ولا يجوز معاقبة المقاومة على بطولتها وتضحياتها وإنجازاتها. إن الاستجابة للأجندة الإسرائيلية الأمريكية يحقق لها بالسياسة ما فشلت فيه بالحرب، ويضع الدول العربية التي قد تتوافق مع هذه الأجندة، ليس فقط في مواجهة الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني وخياراته، وإنما أيضا في مواجهة شعوبها التي تدعم بشكل عام خط المقاومة.

5- إن الأولى بالبيئة العربية إفشال مخططات التهجير والتطويع، من خلال التأكيد على الإرادة الحرة للشعب الفلسطينية، وحقه في أرضه وتحريرها، ومن خلال فك الحصار والسماح بدخول مواد الإغاثة وإعادة الإعمار.

6- إن الإرادة الأمريكية والإرادة الإسرائيلية ليست قدرا، وكلا الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يعانيان من أزمات كبيرة، وليستا في وضع يمكنهما من شنّ حروب واسعة، وطبيعة ترامب نفسه تميل للتأزيم والمساومة لكنها لا تميل للحروب. وإذا كانت المقاومة قد تمكنت من تحدي العدوان والمخططات الإسرائيلية الأمريكية وإفشالها، فمن باب أولى أن تتمكن الدول العربية من إفشالها إن قررت ذلك، واستخدمت الأدوات المكافئة لتحقيقها.

x.com/mohsenmsaleh1

مقالات مشابهة

  • خبير اقتصادي: إعمار غزة يتطلب وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من القطاع
  • الموقف العربي فيما وراء خطة ترامب تجاه قطاع غزة
  • اسماء الجسور التي ستغلق الليلة في عمان
  • معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: حماس أذلت “إسرائيل” عسكريا وأفشلت قطار التطبيع 
  • باحث سياسي: الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من فصل قطاع غزة جغرافيا
  • أبو الغيط: المنطقة العربية تعيش اللحظة الأخطر في تاريخها بسببب القضية الفلسطينية
  • باحثة من غزة: المقاومة الفلسطينية توجه رسائل قوية للاحتلال الإسرائيلي
  • العربية أم الصينية.. أيهما الأصعب بين لغات العالم؟ ولماذا؟
  • برلمانيون: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية يحافظ على حقوق شعبها
  • ترامب يتساءل: كيف انسحبت إسرائيل من غزة ؟