صاحب أنشودة مع الله.. سبب وفاة المُنشد محمد العزاوي
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
حالة من الحزن انتابت الجمهور العربي، عقب إعلان وفاة القارئ والمُنشد العراقي محمد العزاوي اليوم الجمعة، 27 أكتوبر، في العاصمة العراقية بغداد عن 53 عامًا.
وأعلن المنشد مصطفى العزاوي عبر حسابه الرسمي في موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي نبأ وفاة شقيقة محمد، سائلًا الله أن يتغمد روحه الجنة وأن يلهمهم الصبر والسلوان.
وكتب شقيقه المنشد مصطفى العزاوي على حسابه الرسمي في فيسبوك: "أخي المنشد والقارئ محمد العزاوي في ذمة الله، ولا نقول إلا ما يرضي الله. إنا لله وإنا إليه راجعون".
وعبر وسم #محمد_العزاوي، عبّر رواد منصات التواصل الاجتماعي في الوطن العربي ومحبو المُنشد محمد العزاوي عن شعورهم بالحزن الشديد على رحيل المنشد الخلوق سائلين الله بأن يشمله برحمته وعفوه ورضاه.
كما نعى المنشد الراحل عدد من العلماء والشيوخ والمنشدين في الوطن العربي، ومنهم المنشد الأردني يحيى حوى الذي نعاه عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس": انا لله وانا اليه راجعون صاحب الانشوده الرائعه( #مع_الله ) المنشد #محمد_العزاوي في ذمة الله.
كما كتب الباحث العراقي في علم الاجتماع: "رحم الله القارئ والمنشد محمد العزاوي، ترك لنا إرثاً حضارياً ثقافياً، شهد له بصدقه وإخلاصه فاللهم اغفر له وارحمه واجعل الجنة داره ووضعه".
وعلق الشاعر السوري أنس الدغيم: "رحم الله منشدَ الرافدَين محمد العزاوي الذي وافته المنيّة صباح هذا اليوم. سيظلّ صوتك الجميل يسكن قلوبنا وصباحاتنا الإيمانيّة. ستظلّ (مع الله) و (حار فكري) ترافقنا في أماسينا، وستظلّ مقامات العراقاتكيّة وتلاواتك النديّة في كل خاطرٍ وعلى كل بال".
سبب وفاة المنشد محمد العزاويكشفت مصادر مطلعة أن سبب وفاة المنشد العراقي محمد العزاوي جاءت نتيجة إصابته بنوبة قلبية مفاجئة.
من هو محمد العزاوياسمه الكامل: محمد ناصر العزاوي
الجنسية: عراقي
المهنة: قارئ قرآن ومنشد
درس في كلية الشريعة الإسلامية في جامعة بغداد
عمل إمامًا لعدة مساجد في العراق ودولة الإمارات العربية المتحدة.
نال محمد العزاوي لقب «أستاذ المنشدين» من خلال مواصلتهِ أداء النشيد الإسلامي.
عمل في قناة المجد الفضائية مساعداً لمدير عام قناة شدا الإنشادية.
قدم العديد من البرامج المتخصصة في النشيد الإسلامي.
مع الله ورحمته إن شاء الله يا #محمد_العزاوي pic.twitter.com/UWSHi7VTEw
— د. محمد هزاع الحسيان (@alhusayan) October 27, 2023المصدر: البوابة
كلمات دلالية: التشابه الوصف التاريخ محمد العزاوی مع الله
إقرأ أيضاً:
ملحمة الشعب الفلسطيني: أنشودة الأرض، الدم، والتراث
فبراير 24, 2025آخر تحديث: فبراير 24, 2025
د. أروى محمد الشاعر
أهذا الشعب الفلسطيني بشرٌ مثلنا، أم جاؤوا من عالم آخر؟
من أين يستمدون كل هذا الصبر، كل هذا الكفاح، كل هذا العشق للمقاومة؟ أهناك روحٌ إلهية تعانقهم، تمنحهم القوة كلما اشتدّ الحصار؟
إنه شعبٌ كتب ملحمته بمداد من الصبر والدم، نقشها في حدائق الجنات، وسقاها من ينابيع الجراح والأمل، لكن فلسطين ليست فقط دماءً وتضحيات، إنها إرثٌ خالد، وتراثٌ يقاوم النسيان كما يقاوم المحتل.
على مرّ التاريخ، جسّد الفلسطينيون قيم الكرم والتسامح، ففتحوا أبوابهم للأرمن واليهود الذين أجبروا على الرحيل من أوروبا، بما في ذلك أرمينيا. لم يكن استقبالهم مجرد إيواء، بل كان احتضانًا إنسانيًا حقيقيًا، حيث وفّروا لهم المنازل والأمان، ليعيدوا بناء حياتهم وسط بيئة يسودها التآخي والتعايش.
منذ أن وُلد الفلسطينيون، والأرض تسكن في أعماق روحهم، يحملونها
في كفوفهم المثقلة بالألم. في كل بيت فلسطيني، يولد طفلٌ وتولد معه وصية: لا تفرّط، لا تتنازل، لا تنحنِ، فالأرض ليست ملكًا لك وحدك، بل هي أمانة الأجداد، وحلم الأجيال القادمة. يشقّ الأطفال طريقهم بين الرصاص، ويصنعون من حجارتهم أجنحةً تعانق الحرية. في العيون حكايا جيلٍ طاردته النكبات، لكنه لم يرضَ بأن يكون إلا فاتحًا للأمل، راوياً للغد.
يقف طفل أمام الدبابة، يُشهر حجارتَه في وجه الطغيان، ويؤمن بأن الحق، مهما طال الظلم، هو المنتصر في النهاية، يحمل حقيبته الممزقة ويمضي إلى مدرسته، يقرأ في كتابه عن العالم، كيف ينعم الأطفال في مدن الرخاء بطفولة هانئة؛ يحملون حقائبهم المدرسية الجديدة، يذهبون إلى مدارس مجهزة بأحدث التقنيات، لكن قلبه لا يعرف إلا لغة واحدة:
لغة الأرض. على الجدار المهدم، يرسم شمسًا لا تغيب، وشجرة زيتونٍ لا تُقلع، وحمامةً تحلق بعيدًا، هذا الطفل، رغم كل المعاناة والصعاب، يحمل في قلبه أملًا لا ينطفئ، وحلمًا بوطن حر يعيش فيه بسلام.
الأرض هنا تنجب الرجال، رويت بدمهم الذي اختلط بالتراب والأحجار، تودعهم وهم يرحلون شهداء، لكنها تعرف أنهم سيعودون في كل غصن زيتون، في كل زهر لوزٍ يورق عند أبواب البيوت المهجورة. كم مرةٍ ظنّ المحتل أن الذاكرة تُمحى، فإذا بها تشتعلُ أكثر، تزهرُ من جديد، تتحدّى الموت في كل مرة، وكم مرة اقتلع جذور الزيتون، فإذا بها تمتد أعمق.
في صباحٍ تكلله رائحة الزعتر، تودّع أمٌ ابنها الشهيد. لا تبكي، بل تزغرد، لأن دماءه لم تذهب هباءً، بل تنبت قمحًا في السهول، وزهرًا في الروح. على كتفها كوفية، وفي قلبها وجع، لكن في عينيها نورٌ لا يخبو. لقد أدركت أن الفجر، وإن تأخر، قادمٌ لا محالة.
“سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياةٌ تسرّ الصديق
وإما مماتٌ يغيظ العِدى”
هكذا قال عبد الرحيم محمود قبل أن يسقط شهيدًا، وكأن صوته لم يخبُ، بل صار نشيدًا يتردد في أناشيد الصغار وزنازين الأسرى.
وكما تحفظ الأرض دماء الشهداء، فإنها تحفظ التراث في كل تفاصيلها.
فالفلاح الفلسطيني، وهو ينثر بذور القمح، لا يزرع الأرض فقط، بل يزرع ذاكرةً وأملًا، يردد المواويل القديمة التي حملها الأجداد كرايةٍ لا تسقط:
“يا أرضنا الغالية يا ريحة الجدود، فيك الصبر مزروع والزرع ممدود، مهما جرفوكِ ومهما صاروا حسود، تبقي الأبية وما يطولك الغاصب، زرعنا الأرض ورد وسقيناه بدموع، كبرت السنابل والشمس إلها شموع، لو هدّوا الدار وسرقوا المفتاح، نبنيها من أول وما نرجع للرجوع”
إن الثوب الفلسطيني هو هوية تنبض بالحكايات، مغزول بخيوط الصبر، ومطرّز بأنفاس المقاومة. كل شكل هندسي وكل غرزة تروي فصلاً من تاريخ فلسطين، وفي زخارفه سيرة وطنٍ لا يشيخ، يحاك بأصابع الأمهات كما يُحاك المجد، المدن العتيقة تسكن تفاصيله، والألوان تحكي قصص الأجداد، يتوشّح بروعة الأرجوان الكنعاني، ذاك اللون الذي استخرجه أجدادنا الكنعانيون من أصداف الموركس، لون الملوك والكهنة والنبلاء، رمز العظمة التي لا تهزمها العصور. لم تكن الأمهات تُطرّزنه للزخرفة، بل كنّ يحيكن في نسيجه ملامح الأرض، وذاكرةً تتحدى النسيان، ويطرّزن ألف عامٍ من الصمود، حتى في الشتات، حين تمزّقت الأثواب، ظلّت النساء يطرزن، يحيكن حلم العودة في كل ثوب، وكأن الخيوط تتحوّل إلى درب يعيد اللاجئين إلى مدنهم وقراهم المهجورة، قالت فدوى طوقان:
“إنني جُذِرْتُ في أرضي كرمحِ اللوزِ في الغيمِ…
وما زالت عيونُ الفجر في عينيَّ مشدودة
كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشكُ الزمان فما شكا إلا الكسول”.
حين يدبك الشباب الفلسطيني، يُعلن أن الأرض له. خطواتهم تضرب الأرض، كأنها توقيعٌ جديد على ملكيّتها. حتى في أعراسهم، يُغنّون لفلسطين، تُرفع الكوفية، وتعلو الزغاريد، فلا الفرح ينسيهم قضيتهم، ولا الحزن يُسقط من أيديهم راية المقاومة.
كما قال إبراهيم طوقان:
“موطني…..موطني
الجلال والجمال والسناءُ والبهاء في رباك في رباك”
في فلسطين تُورّث زيتونة الجدّ وتظل قائمة مئات السنين، لا تخيفها الجرافات، شاهدةٌ على حروبٍ، مجازر إنتفاضات وصلوات. المحتلّ يقتلع الشجرة، لكن الجذور تظلّ حيّة، تنتظر العائدين كي تولد من جديد، هناك التين والرمان والليمون في القرى العتيقة، نوافذ البيوت والأبنية المصنوعة من الحجر الكنعاني، كلها شواهد على أن فلسطين متجذرة في التاريخ، لا تُمحى مهما تبدّل الغزاة والمحتلون، هي الزيت والزيتون، هي رائحة الطابون في الصباح مع الأم التي تعجن الخبز، هي حكايات الجدات التي لا تزال تسري في دماء الأحفاد. في أزقتها، تعلو الأهازيج القديمة، وفي سمائها، لا تغيب أحلام الذين رحلوا وهم يحلمون بالعودةً، إنها الأرض التي تنبت الأحرار حتى لو حاصرها الطغيان، تظل تنتظر أبناءها ، كما تنتظر الأم ابنها الأسير، وكما تنتظر السنابل المطر لتزهر من جديد.
في المخيمات حلمٌ لا يموت: في كل بيتٍ لاجئ، مفتاحٌ قديمٌ يُعلّق على الحائط، ليس لأنهم يأملون فقط، بل لأنهم يعرفون أنهم سيعودون وأن الأوطان لا تضيع ما دامت منقوشة في أعماق ذاكرتهم وما دام القلب ينبض بها، تعلّم الأطفال أسماء مدنهم وقراهم التي لم يروها، حفظوها كما يحفظون أسماءهم. تسأل طفلًا أينما يعيش خارج فلسطين عن وطنه، فيجيبك: أنا من عكا، من يافا، من حيفا، من اللد، من بيسان. كيف تُمحى الأوطان من القلوب، وهي محفورةٌ فيها كالنقش على الصخر .يرددون ما قاله الشاعر أبو سلمى:
“سنرجعُ يومًا إلى حيّنا ونغرق في دافئات المنى سنرجع مهما
يمرّ الزمان. وتنأى المسافات ما بيننا”
لا يُكتب التاريخ إلا بمن رفض أن يكون في طيّات النسيان. في الزنازين، ينقش الأسرى حريتهم على الجدران، كأنها عهدٌ بأن الروح لا تُسجن، وأن الإرادة أقوى من القضبان. رغم العزل والقيود، يكتبون تاريخ الصبر، يرسمون مفاتيح العودة، ويتحدّون الحديد بأملٍ لا ينطفئ ، ومع كل فجرٍ جديد يبتسمون رغم الألم، لأنهم يؤمنون أن القيود ستنكسر، وأن الحرية قادمة لا محالة، يحفظون الشعرالذي كتبه شاعر الأرض المحتلة توفيق زياد:
“هنا على صدوركم، باقون كالجدار
وفى حلوقكم كقطعة الزجاج ، كالصبار
وفى عيونكم زوبعة من نار
نجوع ، نعرى، نتحدى، ننشد الأشعار
ونملأ السجون كبرياء
إنا هنا باقون، فلتشربوا البحرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا، ولا نرحل
وبالدم الزكى لا نبخل
هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل
يا جذرنا الحى تشبث
واضربى فى القاع يا أصول”
فرغم الدمار، رغم القتل والحصار، رغم ليل الاحتلال الطويل، تظل فلسطين شعراً وأنشودةً لا تموت. في شوارع القدس، بين قبابها الذهبية، في مساجدها وكنائسها، في صوت الأذان وتراتيل الأجراس، هناك وطنٌ يقاوم. حلم العودة لا ينتهي، سينبت الورد في الساحات التي روتها دموع الأمهات ودماء الشهداء وعذاب الزنازين، وسيعود اللاجئون إلى بيوتهم، وستُفتح الأبواب بمفاتيح العودة، وسيتردد في الأفق صدى صوت فيروز :
“لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن، يا زهرة المدائن يا قدس
عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراءً يا درب من مروا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم وإنني أصلي.