في حلكة أحد الأيام، تولدت لوحة ملأها السواد المتحرك في داخلها، لتولد بعدها أخرى، فأخرى.. انعكاسًا لحلكة تلك الأيام، حيث الوباء يجتاح العالم ويطفئ بريق حيوية البشر، فيما تبعاته تواصل شراستها. وفي سيرورة تلك الأيام، شهدت بيروت انفجار مرفأها، ليسود فصل جديد من الأهوال والأحزان على تلك العاصمة الجملية، ومنذُ ذاك وهذه الويلات تعتصر قلب الفنان جمال عبدالرحيم، ليتمخض عن تلك الاعتصارات معرض «سواد اللوحة وبياض الحجر» الذي جاء في ميعاد لا يختلف مأساوية عن الميعاد الذي تولدت فيه أعماله، فبينما يُفتتح المعرض في الـ10 من أكتوبر، بـ«مركز الفنون»، تدور حرب طاحنة على (غزة).

هذا التزامن غير المخطط له ولد تناغمًا عفويًا بين ثيمة المعرض (الألم والأمل)، وما تشهده فلسطين من مآسٍ على أيدي الاحتلال الإسرائيلي. يتضمن المعرض لوحات ومنحوتات، حيث اللوحة بسوادها الطاغي، مساحة للألم والقلق الوجودي من التوحش الموغل الذي ارتآه عبدالرحيم معبرًا عن مشاعره «تجاه جائحة كوفيد التي هددت البشرية»، بالإضافة إلى «توحش الرأسمالية في جشعها تجاه شعوب الأرض، مما ترجم بزيادة الحرب وتفاقم الاتجار بالبشر...»، كما يقول في بيان معرضه. وما لبثت الأيام حتى فاجأ العالم «انفجار مرفأ بيروت»، إذ يقول عبدالرحيم: «أحداث الحياة لا تنتهي، فقد جاء انفجار بيروت بمزيج من الألوان البرتقالية والصفراء التي تسللت إلى لوحاتي السوداء بالقدر ذاته الذي تسللت به النيران إلى قلبي المشتعل حزنًا واستياءً». وهو الأمر الذي نقاربه في سياق زمنية المعرض، بما نشهده من توحش السياسة في أعتى صورها، وهي تأذن للإيغال في سحق البشر إلى أشلاء، كما لو أنها دمى، لا تحرك تجاهها ساكنًا.
وعلى النقيض من قتامة اللوحة، التي أضاف لها عبدالرحيم بعضًا من الضبابية كـ«شكلٍ من أشكال الغموض الذي كنت أشعر به في تلك الفترة.. والذي ملأني بأمل زائف في تغيير العالم إلى حال أفضل، ولو بقدر ضئيل، لمواجهة هذه التحديات»، تجيء المنحوتة، ببياض رخامها المتلألئ، لتوجد هذا الأمل أو بعضًا منه، فبياض المنحوتة وسط سواد اللوحة، شكل من أشكال البشرى المتجلية في المثل التقليدي «في آخر النفق ضوء»، يقول عبدالرحيم: «اللون الأبيض في أعمالي النحتية، كالقمر المنير في وسط الظلام الدامس».
وسواء كانت منحوتة أو لوحة، فابن الجزيرة لا يستطيع الفكاك من البحر. البحر الذي يتجلى في كلا النوعين التشكيليين، فتارةً تراه موجًا في اللوحة، وأخرى تراهُ لآلئ وأسماكًا وتموجات في المنحوتة. يقول عبدالرحيم في حديثه عن البحر وارتباطه بمعرضه: «تغلب علي البحر، بلونه الأزرق الآسر وأمواجه الساكنة حينًا والغاضبة حينًا، ليثبت وجوده في لوحاتي كما هو في حياتي». ولهذا يحضر البحر مأوًى ومستوحًى بوصفه فضاءً لخلق التأويل، فهو محط الحمولات، والرموز، والدلالات لكل الأرواح المتأوهة أو الفرحة. إنه الشيء ونقيضه، وفق رؤى الناظر إليه من خلال ذاته، وما يعيشه من حالة نفسانية تنعكس على البحر، فيفضي البحر قولًا.
ورغم أن المنحوتات بما تجسده من أمل «ظهرت بموسيقاها الحانية لتهدئ من روع الكون الثائر الذي عبرت عنه بالأشكال الدائرية اللامتناهية»، كما يقول عبدالرحيم، إلا أن البحر عاد ليفرض سطوته، «سرعان ما تحولت منحوتاتي مرة أخرى إلى أشكال بحرية من محارٍ، ولؤلؤٍ، وأسماكٍ تشق طريقها في سواد البحر».
وبعيدًا عن البحر، تكمن منحوتة لتفاحتين، ربما هي استيحاء رمزي للخطيئة الأولى، تلك التي أخرجت الإنسان من جنات عدن، إيذانًا بكل الشرور، لكن عبدالرحيم، يمزجُ هذه المنحوتة مناصفة بالأبيض والأسود، ليقول - ربما - إن الخطيئة ليست حجة لكل المآسي، وإن الأمل لا بد أن يكون موجودًا، مع إيمانٍ بأن صيرورة كل شيء في هذا المزيج معجونةً من الألم والأمل.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

البحرين تستضيف البطولة الثانية لكأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية


المنامة (وام)
تحت رعاية وبتوجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للخيول العربية، وبمتابعة الشيخ زايد بن حمد آل نهيان نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، تنطلق يوم غد بنادي راشد للفروسية وسباق الخيل بمملكة البحرين الشقيقة، الجولة الثانية لبطولة كأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية بنسخته الثانية.
وتشمل النسخة الثانية لكأس الإمارات العالمي للخيول العربية 10 جولات، تقام في مختلف قارات العالم، بعد النجاح الكبير الذي حققته النسخة الأولى، حيث تمت إضافة جولة جديدة لتحقيق المزيد من الوصول لمختلف الملاك والمربين للخيول العربية في العالم. وتقام جولة البحرين على مدى يومين، وتتضمن منافسات الأمهار بعمر سنة، والمهرات بعمر سنة، والأمهار بعمر 2و3 سنوات، والمهرات عمر 2و3 سنوات، والأفراس، والفحول.
وكانت مملكة البحرين قد استضافت الجولة الثانية، ضمن النسخة الأولى لكأس الإمارات العالمي للخيول العربية، في مارس 2024 والتي شهدت منافسات قوية بين مختلف المرابط والاسطبلات.
ويتألف كأس الإمارات العالمي من سلسلة جولات قوية وفريدة من نوعها، تهدف إلى تشجيع مربي وملاك الخيل العربية حول العالم، وإبراز دور دولة الإمارات في الاهتمام بالخيول العربية والحفاظ على مكانتها المميزة بين منظمات ومربي وملاك الخيول العربية في العالم.
الجدير بالذكر، أن أستراليا كانت قد استضافت أولى جولات النسخة الثانية من كأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية في الفترة من 31 يناير إلى 2 فبراير 2025، ومن المنتظر أن تقام الجولة الثالثة في المملكة المغربية خلال الفترة من 9 إلى 11 مايو، فيما تقام الجولة الرابعة في الصين في 17 يوليو 2025، وتعود من جديد الجولات إلى منطقة الشرق الأوسط حيث تقام الجولة الخامسة في سلطنة عُمان في الأول من أغسطس، بينما تستضيف بولندا أولى الجولات الأوروبية من خلال الجولة السادسة في 8 أغسطس، وتليها الجولة السابعة التي تقام في بلجيكا يوم 30 أغسطس، فيما تقام الجولة الثامنة في الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر، وتستضيف الأرجنتين الجولة التاسعة في 18 سبتمبر، قبل أن تختتم النسخة الثانية من كأس الإمارات للخيل العربية في إيطاليا التي تستضيف الجولة العاشرة يوم 8 نوفمبر.

 

أخبار ذات صلة منصور بن زايد يترأس اجتماع مجلس إدارة "مبادلة للاستثمار" منصور بن زايد: سعدت بحضور العرس الجماعي لقبيلة النيادات وأبناء القبائل الأخرى بمنطقة العين

مقالات مشابهة

  • توقيع كتاب «الهوية الوطنية» لجمال السويدي في «أبوظبي للكتاب»
  • منافسات قوية في كأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية بالبحرين
  • اعتراض صاروخ فوق اسرائيل اليوم وجيش الإحتلال يقول إن ''25 صاروخا أطلقت من اليمن منذ استئناف الحرب على غزة''
  • الرياح مكملة.. الأرصاد تحذر من هذه الظاهرة وتعلن طقس الأيام القادمة
  • الكيمياء تفكك شفرة الذهب الأسود الذي حنط المومياوات المصرية
  • لحظة غفلة تنتهي بإتلاف طفل للوحة تقدر بـ56 مليون دولار في متحف بهولندا
  • طفل يتلف لوحة بقيمة 56 مليون دولار في متحف هولندي
  • البحرين تستضيف البطولة الثانية لكأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية
  • برشلونة يتحدى إنتر ميلان.. التاريخ ماذا يقول؟
  • قيادتا حزب الله وأمل اطلقتا لوائح المجالس البلدية والاختيارية في جبيل وكسروان