قبل عشرات السنوات، بدأت قصة الطالب المصري أحمد، الذي عاش حياته بين دولة تشيكوسلوفاكيا والتشيك وأوكرانيا، ودول أخرى تابعة للاتحاد السوفييتي قبل تفككه، وحتى بعد قيام دولة روسيا الاتحادية، إلى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ليصف التشابه بين ما حدث في تشيكوسلوفاكيا التي غزاها الاتحاد السوفيتي وأوكرانيا التي تغزوها روسيا الاتحادية حاليا، وفق ما ذكرته سفارة أوكرانيا في القاهرة.

فقبل عشرات السنوات، كانت الأيام الأولى للطالب المصري أحمد، البالغ من العمر حينها 21 عاما، في تشيكوسلوفاكيا، الدولة الأوروبية التي تأسست عام 1918، بعد استقلالها عن الإمبراطورية النمساوية المجرية، حيث عرض عليه دراسة الهندسة في كلية المرموقة في البلد الواقعة في قلب أوروبا، بدعم برنامجها الحكومي. 

ومع أنه كان من الصعب عليه أن يترك بلده وأهله وأصدقائه ويذهب إلى البلد الذي كان يعرف قليلا عنه من حكايات والده، إلا أنه كان يعلم أنه القرار صحيح، لأنه أدرك أن هذه فرصة فريدة للدراسة في وسط أوروبا والحصول على تعليم عالي الجودة، علما بأن تشيكوسلوفاكيا واحدة من أكثر الدول الصناعية في العالم والعديد من الشركات التشيكية، تقوم بتنفيذ الكثير من المشاريع وبناء المصانع في مختلف المجالات تصدر منتجاتها أيضا إلى مصر.

في ذلك الوقت، كانت تشيكوسلوفاكيا دولة مستقلة، ومع ذلك كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي بقيادة حلف وارسو العسكري ويحكمها الحزب الشيوعي، وعلى الرغم من ذلك، كانت لا تزال تحتفظ بهويتها تشيكوسلوفاكيا، وليس حالها كحال الأمم التي أكلتها الإمبراطورية السوفيتية في دول البلطيق أو أوكرانيا أو بيلاروسيا، وكمواطن مصري، فهم أحمد ما معنى أن تكون دولة تحت حكم إمبراطورية أخرى، ففي حالة مصر، كانت تحت حكم فرنسا وبعدها بريطانيا، وهو كان محظوظا للغاية للمجيء إلى براغ في واحدة من أكثر الفترات حسما في تاريخ تشيكوسلوفاكيا المعاصر.                                                                                                                                

تم انتخاب القيادة الجديدة لتشيكوسلوفاكيا في يناير 1968، وأعلنت إصلاحات ديمقراطية وليبرالية في المجال السياسي والثقافي والاقتصادي، وتم السماح بحق التجمع، والحق في حرية التعبير، وحرية الصحافة، وتم إلغاء الرقابة، وبدأ السماح للناس بانتقاد الاتحاد السوفيتي علنا للمرة الأولى، وحاول أحمد فهم ما يحدث هناك ورأى تشابهًا بين ما يعرفه عن الفترة التي كانت فيها مصر تحت الحكم الاستعماري فهم نظر الناس في شوارع براغ ومقاهيها للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، وعندها شعر أحمد بتعاطف كبير مع الأشخاص الذين كانوا يناضلون من أجل قضيتهم بطريقة سلمية.                                                                                                           

لسوء الحظ، اعتبرت القيادة السوفيتية الإصلاحات السياسية والاقتصادية المقترحة وتحرير الحياة الاجتماعية تهديدًا للدور الرائد للحزب الشيوعي والسيطرة السوفيتية على تشيكوسلوفاكيا، لذا، قرر الاتحاد السوفيتي غزو تشيكوسلوفاكيا عسكريًا وقمع جميع أنواع الحرية والاستقلال، عندها رأى أحمد مرة أخرى كيف يمكن أن تفقد الأمة استقلالها، الاستقلال في صنع السياسات، الاستقلال في اتخاذ القرارات.                                                

خلال الغزو، تم قتل أكثر من 100 مدني وأصيب مئات الآخرين، وكان غزوا ضخمًا، تم فيه احتلال تشيكوسلوفاكيا بواسطة 26 فصيل عسكري، منهم 18 فصيلًا سوفيتيًا وبقية دول حلف وارسو، ودخل البلاد أكثر من نصف مليون جندي مع دباباتهم، لم ينتظر المحتلون تفهما من التشيكيينوسلوفاكيين، بل على العكس، حاول السكان المحليون مقاومتهم في العديد من الأماكن، لكن بالأسف بلا جدوى.                                      

تم تنصيب حكومة جديدة، كانت ولائها بالكامل للنظام السوفيتي، وتم قمع جميع الحريات التي تم اكتسابها سابقا، وتم إعادة فرض الرقابة، لم تكن لتشيكوسلوفاكيا سياسة خارجية مستقلة، وتم إدارة علاقاتها مع البلدان الأجنبية من موسكو، تم وضع القوات المسلحة تحت قيادة الاتحاد السوفيتي، وتم بعدها وضع الاقتصاد بالكامل تحت السيطرة السلطات المركزية السوفيتية، وأعطت الاتحاد السوفيتي توجيهات لتشيكوسلوفاكيا حول كيفية إدارة اقتصادها، وتم استغلال الموارد المعدنية الاستراتيجية، وخصوصًا اليورانيوم لصالح الصناعة السوفيتية العسكرية.                                                                                                                            

أنهى أحمد دراسته وعاد إلى بلاده مصر، كان يعود إلى بلد مستقل، ويترك بلدًا تحت سيطرة القوى العظمى الاستعمارية، كان شعب تشيكوسلوفاكيا مضطر أن ينتظر انهيار الحكومة الشيوعية في نوفمبر 1989، لاستعادة استقلالهم الكامل وحريتهم، وبعدها، عاد أحمد إلى براغ مرة أخرى، في هذا الوقت، كان البلد الجديد قد ولد بالفعل، جمهورية التشيك مع الرئيس الذي كان يعجب به كثيرًا، فاتسلاف هافيل. 

خلال زيارته لبراغ، التقى بسيدة من الاتحاد السوفيتي السابق، اسمها أناستازيا، وحين اكتشفوا أن لديهم الكثير من الأمور المشتركة، كونهما مهندسين ذوي خبرة، انتقل معها إلى كييف، عاصمة أوكرانيا.

هناك، شهد كيف أن الوجود الاستعماري للاتحاد السوفيتي سبب صعوبات اقتصادية في التسعينيات، وعندما بدأت الأمور في أوكرانيا بالتحسن، بدأت روسيا القوية في الإعلان عن وجودها عن طريق رئيس الوزراء الجديد المعين فلاديمير بوتين، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا، كان يحاول استعادة عظمة الاتحاد السوفيتي السابق وممارسة السيطرة على البلدان التي كانت جزءًا من الإمبراطورية السوفيتية سابقًا، وكان يمكنه أن يرى بعينيه الأحداث في كييف حيث كان الناس يتظاهرون في الساحة الشهيرة، مايدان، ضد الرئيس الروسي يانوكوفيتش ومن أجل مستقبلهم الأوروبي. 

وشهد أحمد أيضًا احتلال القرم والحرب التي شنتها روسيا في منطقة دونباس ردًا على الثورة الأوكرانية للكرامة، وهو دليل آخر على إعادة الاستعمار.                                                                                                                                         

في 24 فبراير 2022، كان الرجل العجوز يستمتع بيومه على شرفة شقته في كييف، كان الجو لا يزال باردًا كما هو متوقع في هذه الأيام في المدينة، كان يشتاق بعض الشيء إلى الطقس الجيد، ذهب إلى مصر الجميلة في ديسمبر كما كان يفعل كل شتاء خلال السنوات السابقة، وفجأة صفر جهاز الإنذار، ليس فقط في كييف، بل في جميع أنحاء أوكرانيا، وهي وطنه الثاني. 

غزت روسيا أوكرانيا في تصعيد لنزاعها المباشر مع أوكرانيا الذي بدأ في عام 2014 وفشلت أن تميل البلاد إلى إرادتها، وشعر أحمد بالاندهاش وهو يرى غزو الاتحاد السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا السابقة، أحمد لم يصدق أنها مجرد "عملية خاصة" كما وصفها الرئيس بوتين، لا، كيف يمكن ذلك؟ كان يرى السماء مليئة بالصواريخ كل ليلة من شرفته في كييف.                                                                                

كان أحمد على حق، فقد تحولت "العملية الخاصة" إلى أكبر هجوم على بلد أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، بحلول يونيو 2022، احتلت القوات الروسية نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، ونزح نحو 8 ملايين أوكراني داخليًا وهرب من البلاد أكثر من 8.2 مليون بحلول إبريل 2023، مما أسفر عن أكبر أزمة للاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ونتج عن الحرب ضرر بيئي واسع النطاق، وأيضا أزمات الغذاء بجميع أنحاء العالم، تم تدمير عدد كبير من المعالم التاريخية، ويودع المزيد والمزيد من العائلات أسرهم وأحبائهم.                          

وفي الوقت الذي كان أحمد يراقب كييف من شرفته، فكر إنه عجوز جدًا ولن يتمكن من الذهاب للقتال، ولكنه ليس عجوز لدرجة أن لا يعرف ما يحدث، وما هو الغرض من هذه "العملية الخاصة"، إنه يعلم أن أيامه تنتهي، إنه يفكر في جميع الأشخاص الذين يتركون البلاد، ويموتون من أجل أمتهم.

ولكن أحمد لن يذهب إلى مصر هذا الشتاء كما فعل في السنوات السابقة، فهو لن يستطيع ذلك، فلا توجد رحلات جوية من الأراضي الأوكرانية، فأوكرانيا في حرب، ولكن أحمد يحب أن يرى بلاده مصر للمرة الأخيرة، ولكن أحمد يؤمن مثل جميع الأوكرانيين، مثل زوجته أناستازيا، مثل أطفاله في الجبهة وأحفاده الصغار المفقودين في الأحداث، أن أمة أخرى لن تقع في شباك الاستعمار الروسي، وأنه سيرى مصر مرة أخرى.                            

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: مصر التشيك روسيا الاتحادية سلوفاكيا روسيا الاتحاد السوفيتي أوكرانيا الاتحاد السوفیتی فی کییف

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تكشف تقرير خطير عن وسط الخرطوم وأم درمان وتحذر من مخاطر قرب القصر الرئاسي والمطار وتوجه موظفيها بالعودة في هذا التوقيت

متابعات ـــ تاق برس – قالت بعثة تقييم تابعة للأمم المتحدة بأن عاصمة السوادن الخرطوم “لا تزال غير آمنة” لإعادة تشغيل أنشطتها حتى الآن.

 

،وحددت الحكومة السودانية، مهلة ستة أشهر لاستئناف حكومتها من العاصمة الخرطوم بعد عامين من الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

 

وأظهر تقرير صادر عن إدارة السلامة والأمن التابعة للأمم المتحدة بعد دراسة أجريت بين” 14 و19 “أبريل الجارى ، أن وسط الخرطوم، يعاني من دمار كبير جراء الحرب ، سيكون غير قابل للوصول من قبل وكالات الأمم المتحدة والدولية حتى يناير 2026 بسبب وجود كميات كبيرة من المتفجرات الحربية وغياب البنية التحتية الأساسية.

 

 

و طالب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ،بإجراءت مهمة التقييم تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة، والتي تمت الموافقة عليها من قبل المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في السودان، كليمنتين أوو نكويتا-سلامي.

 

ودعمت إدارة السلامة والأمن في الخرطوم هذه الدراسة بمساعدة خبراء من خدمة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام الذين قدروا أن حوالي 10% من الذخائر التي أسقطتها القوات الجوية السوادنية لم تنفجر.

 

وطبقا للامم المتحدة تتركز الذخائر غير المنفجرة والمخلفات المتفجرة المهجورة بشكل رئيسي حول المطار والقصر الرئاسي، حيث توجد مكاتب وكالات الأمم المتحدة .

 

وحذر التقرير من أنه لا تزال وحدات قوات الدعم السريع متمركزة في الأحياء الجنوبية من أم درمان، على بعد حوالي 15 كيلومترا من الخرطوم، مما يمثل تهديدا مستمرا للمدينة باستخدام الطائرات المسيرة.

 

وأشار التقرير إلى أن موظفي الأمم المتحدة تم توجيههم بعدم العودة إلى الخرطوم قبل يناير 2026 بسبب انعدام المياه والكهرباء.

الامم المتحدةالحربالخرطوم

مقالات مشابهة

  • وزارة الدفاع تبدأ استقبال طلبات المنشقين عن النظام البائد من الأفراد وصف الضباط
  • أحمد موسى: أكثر من 100 ألف شهيد مصري سقطوا خلال حفر قناة السويس
  • أحمد موسى: مليون مواطن مصري حفروا قناة السويس على مدار 10 سنوات
  • من أرض الزيتون إلى الخيام.. حلم مزارعي إدلب بالعودة يتأجل
  • تراكم أخطاء إتفاقيات السلام … وثمارها المرة الحرب الحالية .. 2023 – 2025م .. وفي الحروب التي ستأتي !
  • حماة وطن: الفنان المصري سفير لبلده.. وملابسه وسلوكه يجب أن يعكسا حضارتها
  • الأمم المتحدة تكشف تقرير خطير عن وسط الخرطوم وأم درمان وتحذر من مخاطر قرب القصر الرئاسي والمطار وتوجه موظفيها بالعودة في هذا التوقيت
  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • "الناتو" عزز دعمه لأوكرانيا بمساعدات عسكرية تتجاوز 55 مليار دولار خلال عام 2024
  • أحمد سعد الدين: الأغنية والسينما جسّدتا بطولات الحروب.. وعلينا توثيق التاريخ للأجيال القادمة